للنصوص المستفيضة، بل المتواترة المقطوع بمضمونها:
منها: صحيح ابن أبي محمود قال: «قلت للرضا عليه السّلام: أصلي ركعتين طواف الفريضة خلف المقام حيث هو الساعة، أو حيث كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟ قال عليه السّلام: حيث هو الساعة»۱۱، و في خبر صفوان قال: «ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلّا خلف المقام لقول اللَّه عز و جل وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى فان صليتها في غيره فعليك إعادة الصلاة»۱۲، و عنه عليه السّلام أيضا: «رجل نسي فصلّى ركعتي طواف الفريضة في الحجر قال عليه السّلام:
يعيدهما خلف المقام، لأن اللَّه تعالى يقول وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى عنى بذلك ركعتي طواف الفريضة»۱۳، و عنه عليه السّلام أيضا في صحيح الحلبي: «و عليه طواف بالبيت، و صلاة ركعتين خلف المقام»۱4، و في صحيح ابن عمار عن الصادق عليه السّلام أيضا: «إذا فرغت من طوافك فائت مقام إبراهيم عليه السّلام فصل ركعتين و اجعله اماما»۱٥ و هذه الأخبار تبين المراد من الآية الكريمة و أنه لا يصح الأخذ بإطلاقها، بل لنا أن نقول أن المنساق و المتفاهم من الآية عرفا جعلها إماما و الصلاة خلفها، لأن المتفاهم من جعل جسم خارجي مصلّى هو الصلاة وراءه أو فوقه و حيث لا يمكن الثاني هنا يتعين الأول، فالأخبار وردت على طبق الفهم العرفي لا أن يكون تعبديا- سواء كانت كلمة «من» اتصالية أو ابتدائية إذ المناط ظهور الجملة و الهيئة التركيبية و لو بالقرائن الخارجية- و يحمل عليها ما تضمن عند مقام إبراهيم، كخبر زرارة عن أحدهما عليهما السّلام قال: «لا ينبغي أن تصلي ركعتي طواف الفريضة إلّا عند مقام إبراهيم عليه السّلام»۱٦ و خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللَّه عليه السّلام: «في رجل طاف طواف الفريضة و لم يصل الركعتين حتى طاف بين الصفا و المروة ثمَّ طاف طواف النساء فلم يصل الركعتين حتى ذكر و هو بالأبطح يصلّى أربعا؟ قال عليه السّلام:
يرجع فيصلي عند المقام أربعا»۱۷.
أقول: المراد بالأربع ركعتي طواف الزيارة، و ركعتي طواف النساء و الظاهر أن هذا هو مراد جمع من الفقهاء الذين عبروا بالصلاة في المقام كالشيخ، و العلامة- في جملة من كتبه- و ابن إدريس، لأنهم استفادوا الحكم مما بأيدينا من الأخبار.
و أما ما عن المحقق، و الفاضل من اشتراط الصلاة خلفه، أو إلى أحد جانبيه بالزحام، فيمكن أن يراد بالخلف حيال المقام كما في خبر حسين ابن عثمان قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام يصلي ركعتي الفريضة بحيال المقام قريبا من الضلال لكثرة الناس»۱۸ فلا يكون قولهما مخالفا للمشهور.
و أما ما عن الخلاف من جواز فعلهما في غير المقام فلا ريب في ضعفه و عدم الدليل عليه إلّا بعض الإطلاقات التي لا بد من تقييدها بما سمعت من النصوص الدالة على الاختصاص بالمقام، كما أن ما نسب إلى الصدوقين من جواز فعل صلاة طواف النساء في أي موضع من مواضع المسجد لا دليل عليه إلّا الفقه الرضوي۱۹ و لا اعتبار به خصوصا في مقابل ما تقدم من إطلاق الأخبار المعتبرة.