في تفسير العياشي بإسناده عن الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ قال «من أضاف قوما فأساء ضيافتهم، فهو ممّن ظلم، فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه».
أقول: قريب منه ما في الدرّ المنثور، و معنى الرواية أنّه لا يجوز التعدّي عن ما لاقاه الضعيف من سوء الضيافة، فغاية ما يجوز له أن يقول مثلا: (لم يحسن ضيافتي، أو أساء في ضيافته)، فإنّ ذلك نوع من الظلم الخلقي، و من المعلوم أنّ للظلم أنواعا، و لكلّ نوع مراتب، و في كلّ مرتبة درجات، و الرواية من باب ذكر أحد المصاديق كما هو واضح منها.
و في تفسير العياشي عن أبي الجارود عن الصادق عليه السّلام: «الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ قال: أن يذكر الرجل بما فيه».
أقول: لا بدّ و أن يقيّد بما لم يكن من المستثنيات.
و في تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ قال: «لا يحبّ اللّه أن يجهر الرجل بالظلم و السوء و لا يظلم، إلّا من ظلم، فقد أطلق له أن يعارضه الظلم».
أقول: المراد من ذيل الرواية بما لا يوجب التعدّي عليه أو ينافي الشرع، و إلّا فلا يجوز كما تقدّم، و في بعض الروايات: «انّ اللّه تعالى جعل لكلّ شيء حدّا، و جعل على من تعدّى الحدّ حدّا».
و في تفسير القمّي في قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ إن جاءك رجل و قال فيك ما ليس فيك من الخير و الثناء و العمل الصالح، فلا تقبله منه فكذّبه فقد ظلمك».
أقول: إمّا عدم القبول لعدم الحقيقة و نفي الواقع، و إمّا تكذيبه لإرشاده الى الواقع، و المراد من قوله عليه السّلام: «فقد ظلمك»؛ لأنّه قال فيك ما ليس فيك، فإنّه يوجب حبّ الثناء و المحمدة، و يعتبر ذلك عند علماء الأخلاق أم الفساد و أصل المهلكات؛ لما يستلزم الغرور و صرف النفس عن نيل الكمال و البعد عن الحقائق و الوقوع في المساوئ و الضلال، و ذلك ظلم كبير.
و في المجمع: قال في الآية المباركة: «لا يحبّ اللّه الشتم في الانتصار، إلّا من ظلم، فلا بأس له أن ينتصر ممّن ظلم بما يجوز الانتصار في الدين».
أقول: الروايات الدالّة على أنّ اللّه تبارك و تعالى يبغض القول السيء أو الشتم كثيرة جدا، إلّا من ظلم بما يجوز في الدين، فلو حصل التعدّي أو ممّا لا يجوز في الدين، فلم يرخّصه الشارع.
و في الدرّ المنثور: «انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: من دعا على من ظلمه فقد انتصر».
أقول: ورد في الروايات المستفيضة أنّ دعاء المظلوم لا يرد، و أنّها تخرق الحجب السبع. و قد أخذ المظلوم حقّه ممّا يهبه سبحانه و تعالى له؛ و لذا انتصر.
نعم آثار الاستجابة قد تتأخّر لمصالح لا يمكن دركها في عالم الإمكان إلّا لأخصّ الخواص.
و في بعض التواريخ يحكى عن ابن السكيت (رضوان اللّه تعالى عليه) معلم أبناء المتوكّل: جلس معه المتوكّل يوما فجاء المعتز و المؤيد ابنا المتوكّل، فقال له:رأيّما أحبّ إليك ابناي، أم الحسن و الحسين عليهما السّلام؟ فقال ابن السكيت: و اللّه إنّ قنبر خادم علي عليه السّلام خير منك و من ابنيك، فقال المتوكل العباسي: سلوا لسانه من قفاه، ففعلوا فمات، و من العجب أنّه أنشد قبل ذلك للمعتزّ و المؤيد.
يصاب الفتى من عثرة بلسانه و ليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته في القول تذهب رأسه و عثرته في الرجل تبرأ على مهل
أقول: لعلّ ابن السكيت (رحمه اللّه تعالى) رأى تكليفه في إظهار الحقيقة و الواقع، و علم أنّ المتوكّل أراد قتله على أي حال استعمل التقية أو لم يستعملها، و إلّا كان له الفرار من البلاء بذريعة التقيّة أو بغيرها و لم يتجاهر بعقيدته أو بالواقع؛ لقاعدة تقديم الأهمّ و هو حفظ النفس المؤمنة على غيره و هو المهمّ، أو هيّجه حبّه لأهل البيت عليهم السّلام، و كيف كان فرضوان اللّه تعالى عليه.