لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً (123) وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (۱۲٤) وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ وَ اتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (۱۲٥) وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (۱۲٦)
بعد أن ذكر سبحانه و تعالى حقيقة الإيمان و الجزاء المترتّب عليه و بعض أحوال المؤمنين، و بيّن عزّ و جلّ الكفر و الشرك و موجباتهما، و هي إطاعة الشيطان و عبادته و اتّباع أوامره، و الجزاء المترتّب على ذلك، ثمّ وعد المؤمنين و أكّد أنّ وعده صادق و قوله حقّ لا خلف فيه.
يبيّن جلّ شأنه في هذه الآيات المباركة أنّه في وعده الصادق لا يحابي أحدا من عباده، و أنّه سيجزي المؤمنين حقّا و يجازي الكافرين صدقا، كلا حسب عمله و أفعاله، فالإيمان ليس بالتمنّي و لا بالتحلّي و لا بالتفاضل، بل بما استقرّ في القلب و ظهر على الجوارح و صدّقه العمل، و ليس الدين أمنيات و أهواء و شعارات و تفاخر أو تباهي، بل الدين تطبيق عملي لكلّ ما حواه من مبادئ و تعاليم و قيم و تشريعات و توجيهات، فهذا هو واقع كلّ دين و حقيقته، فلن يقوم على التمنّي و لن يحصل أحد على الجزاء العظيم الّذي وعده عزّ و جلّ للمؤمنين بمجرّد التمنّي و التفاخر و التمدّح و التشدّق بالكلام. و هذا ما أكّد عليه عزّ و جلّ في عدّة مواضع من القرآن الكريم.
و لم تكن الآيات الشريفة الأخيرة في سورة آل عمران ببعيدة عن الأذهان، حيث يبيّن عزّ و جلّ فيها المنهاج الّذي لا بدّ أن نتبعه، فقال تعالى: أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، و في هذه الآيات الكريمة تأكيد جديد و درس عملي لنبذ كلّ تمن فارغ عن العمل و تفاخر و تفاضل يوجب البعد و البغضاء، فإنّ الجزاء حاصل لا محالة، و كلّ من عمل سوءا يجز به و لا يجد من دون اللّه وليّا و لا نصيرا ينصره من العذاب، و من يعمل الصالحات فسيجد الجزاء الأحسن، و هذا هو الدين، فلا بدّ من التسليم الكامل و الإحسان و العمل و اتّباع ملّة إبراهيم عليه السّلام، الّتي حفظت في جميع الأديان الإلهيّة و عند مشركي العرب، و هي ملّة محمد صلّى اللّه عليه و آله، فكانت صلة بين جميع من ذكر، و اللّه تعالى محيط لا تخفى عليه خافية و له ما في السموات و الأرض.