دوران الأمر بين الصلاة في النجس أو عاريا من صغريات التزاحم، و الحكم فيه تقديم ذي المزية أو محتملها، و مع فقدها فالتخيير. و قد ذكر لترجيح الصلاة في النجس وجوه كلّها مخدوشة.
منها: أنّه كلّما دار الأمر بين ترك القيد و ترك قيد القيد، يكون الثاني أولى.
و فيه: أنّه لم تثبت هذه الكلية بدليل عقليّ و لا نقليّ و لا عرفيّ.
و منها: أنّه يستفاد مما ورد في صحة الصلاة مع الجهل بالنجاسة٤۲، أنّ الطهارة الخبثية ليست أهم من سائر الشرائط، بل يكون الأمر بالعكس.
و فيه: أنّه من مجرد الدعوى. مع أنّه قياس.
و منها: أنّ الصلاة في الثوب النجس واحدة للركوع و السجود التام، بخلاف الصلاة عاريا، لتبدلهما إلى الإيماء حينئذ. و لا ريب في تقديم الأول على الثاني.
و فيه: أنّه يمكن أن تكون في الصلاة في النجس منقصة خاصة غالبة على الركوع و السجود الحقيقيين، فلم يتحقق الترجيح.
و قد ذكر لترجيح الصلاة عاريا أنّ ذلك نحو اهتمام من الشارع بالطهارة الخبثية و ترغيب منه للناس عليها، فإنّه إذا لم يرض الشارع بالصلاة في النجس يهتم المصلون بالطهارة مهما أمكنهم ذلك.
و فيه: أنّه مجرد استحسان لا دليل على إثباته. فإذا لم يثبت الترجيح،فمقتضى القاعدة هو التخيير لو لم يمكن الجمع. و إلا فهو المتعيّن، لقاعدة الاحتياط.
هذا كلّه بحسب القاعدة و أما النصوص الخاصة فهي على قسمين:
الأول: ما تدل على وجوب الصلاة في النجس مثل ما تقدم من صحيح الحلبي٤۳، و صحيح ابن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: «سألته عن رجل عريان و حضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كلّه دم، يصلّي فيه أو يصلّي عريانا؟ قال: إن وجد ماء غسله، و إن لم يجد ماء صلّى فيه و لم يصل عريانا»٤٤.
إلى غير ذلك من الأخبار المستفيضة٤٥.
الثاني: ما تدل على وجوب إتيانها عريانا، كموثق سماعة قال: «سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض و ليس عليه إلّا ثوب واحد و أجنب فيه و ليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال: يتيمم و يصلّي عريانا قاعدا يومئ إيماء»٤٦.
و نحوه غيره. و نسب إلى المشهور العمل بها، بل عن الخلاف دعوى الإجماع عليه.
و هذه الأخبار من المتعارضين، و مقتضى القاعدة فيهما الترجيح، و مع فقده فالتخيير.
و رجح الأول بأكثرية العدد، و الثاني بعمل القدماء.
و فيه: أنّ الترجيح بذلك ممنوع. و على فرضه- فهما من المتكافئين، فلا بد من التخيير بعد ذلك.
و نوقش فيه: بأنّه من التخيير بين الضدين اللذين لا ثالث لهما فيكون التخيير تكوينيا، فلا وجه للتخيير الشرعي. و فيه: أنّ إطلاق دليل التخيير بعد التكافؤ يشمله، فيكون بالنسبة إلى هذا القسم من التخيير إمضائيا، لا تأسيسيا و لا بأس، لشمول الإطلاق لكلّ منهما.
و عن الشيخ حمل ما دل على الصلاة في النجس على الضرورة، بشهادة خبر الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول و ليس معه ثوب غيره، قال: يصلّي فيه إذا اضطر إليه»٤۷.
بدعوى: ظهوره في صورة الاضطرار إلى لبس الثوب.
و فيها أولا: أنّه يمكن أن يكون المراد من الاضطرار في مقابل العراء، لا من جهة العوارض الخارجية، فيكون من القسم الأول حينئذ.
و ثانيا: هذا الحمل خلاف ظواهر تلك الأخبار٤۸، فراجع.
هذا: و لكن قول أبي الحسن عليه السلام في صحيح أخيه: «يصلّي فيه و لا يصلّي عريانا»٤۹ من المحكمات الناصة في وجوب الصلاة فيه و النهي عن الصلاة عريانا، فلا بد من رد غيره إليه، إن أمكن. و إلا فليرد إلى أهله، و طريق الاحتياط واضح.