للنصوص المستفيضة الشاملة للصلاة الواجبة و المندوبة. منها: قولهم عليهم السلام: «لا صلاة إلا بطهور»۱.
بل و ضرورة من المذهب بل الدين أيضا.
للنصوص المستفيضة الشاملة للصلاة الواجبة و المندوبة. منها: قولهم عليهم السلام: «لا صلاة إلا بطهور»۱.
بل و ضرورة من المذهب بل الدين أيضا.
لظهور إطلاق قوله عليه السلام: «لا صلاة إلا بطهور» في الأعم من الطهارة الحدثية و الخبيثة. و ما ورد في الاستنجاء۲ بعد القطع بأنّه لا خصوصية لتطهير مخرج البول و الغائط في ذلك، بل يكون ذكرهما من باب المثال لمطلق إزالة النجاسة عن الثوب و البدن، مضافا إلى مسلّمية الحكم في جميع ما ذكر بين الفقهاء.
نصّا۳ و إجماعا، بل و ضرورة من المذهب. و أما عدم الفرق بين الساتر و غيره، فلإطلاق الأدلة، و معقد إجماع فقهاء الملة الشامل لهما و المذكور في النصوص و الفتاوى كما يأتي الثوب، و يعبّر عنه باللباس أيضا.
يأتي وجهه في فصل ما يعفى عنه في الصلاة عند قوله رحمه اللّه:
«الثالث مما يعفى عنه ما لا تتم فيه الصلاة».
لما يأتي في [مسألة ۱] من فصل كيفية صلاة الاحتياط من ظهور الإطلاق و الاتفاق.
كما سيأتي في [مسألة ۷] من فصل موجبات سجود السهو و كيفيته.
كلّ ذلك لأصالة البراءة بعد عدم دليل على اشتراط الطهارة فيها.
نعم، تستحب الطهارة فيها، كما يأتي إن شاء اللّه تعالى.
الاحتمالات في مانعية النجاسة عن صحة الصلاة ثلاثة:
الأول: بطلان الصلاة في النجس مطلقا و لو بمثل شعرة متنجسة على لباس المصلّي، فيكون النجس كأجزاء غير المأكول، إلا ما استثني. و استظهر ذلك في مصباح الفقيه من قوله عليه السلام في خبر النميري: «لا تصلّ في شيء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ»٤.
و فيه أولا: قصور سنده و عدم العمل به في مورده.
و ثانيا: أنّ المنساق منه الألبسة الحديدية كالمغفر، و الجوشن، و الخاتم من الحديد و نحوها مما يلبس، فلا يشمل ما إذا كانت إبرة من حديد في جيب المصلّي. و لذا خصوا الكراهة باستصحاب الحديد البارز، فراجع ما يأتي من مكروهات اللباس.
و ثالثا: أنّ ما اشتمل من الأدلة على الثوب يقيده، على فرض ظهور الإطلاق فيه.
الثاني: الجمود على خصوص ما ورد في الأدلة مما يسمّى ثوبا عرفا، فلا تشمل مثل اللحاف.
و فيه: أنّه جمود بلا دليل مع كثرة الاختلاف الفاحش فيما يتغطّى به الناس آحادهم في كلّ عصر، بل في الحالات المختلفة لشخص واحد.
الثالث: التعميم إلى مطلق ما يتغطّى به و يلف على الجسد، سواء كان كالثياب المعهودة أم لا، فيكون ذكر الثوب في الأدلة من باب المثال فقط، فيشمل اللحاف، بل الحصير الذي يلفه الشخص على نفسه. و لا يبعد شمول الأدلة له.
لأنّ المتيقن من التعميم إلى القسم: ما إذا كان ساترا. و أما مع عدمه فلا يصدق الثوب عليه، و لا أقلّ من الشك في ذلك، فيكون التمسك بالأدلة من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، و المرجع حينئذ أصالة البراءة، و لا ينافي ذلك ما تقدم منه رحمة اللّه عليه من قوله: «ساترا كان أو غير ساتر»، لأنّه في صورة صدق الثوب و اللباس لغة و عرفا، فيشمله إطلاق الأدلة قهرا، لا في مورد الشك في الصدق الذي لا تشمله الأدلة و يأتي هذا الفرع في [مسألة ٤۸] من فصل شرائط لباس المصلّي.
على المشهور المدعى عليه الإجماع. و نسب إلى الوسيلة و الراوندي: أنّ الأراضي و البواري و الحصر إذا أصابها نجس و جففتها الشمس، لا تطهر و يجوز السجود عليها، و استظهر منها مخالفة المشهور.
و لكن يمكن أن يكون خلافها مع المشهور في كيفية تطهير الشمس، و أنّه ليس بحقيقي، بل يوجب صحة الصلاة فقط، كما عن بعض من أن التيمم يوجب إباحة الصلاة فقط، و حينئذ يتم الإجماع على اعتبار طهارة موضع السجود.
و استدل أيضا بإطلاق صحيح زرارة عن الباقر عليه السلام: «في البول يكون على السطح أو في المكان الذي يصلّى فيه، فقال: إذا جففته الشمس فصلّ عليه فهو طاهر»٥.
فإنّ إطلاق قوله: «فصلّ عليه» يشمل السجود عليه أيضا. و بصحيح ابن محبوب عن الرضا عليه السلام قال: «سألته عن الجص يوقد عليه بالعذرة و عظام الموتى ثمَّ يجصص به المسجد، أ يسجد عليه؟ فكتب إليّ بخطه: إنّ الماء و النار قد طهراه»٦.
و ظهوره في مسلّمية اعتبار الطهارة في مسجد الجبهة مما لا ينكر. و لكن أشكل عليه من جهتين:
الأولى: ظهوره في صحة السجود على الجص مع خروجه عن اسم الأرض، و يأتي ما يتعلق به في [مسألة ۱] من فصل ما يصح السجود عليه.
الثانية: إجمال قوله عليه السلام: «إنّ الماء و النار قد طهراه»، إذ لا وجه لنجاسة الجص إلا الدخان المتصاعد من العذرة و عظام الموتى. مع أنّ دخان النجس يطهر بالاستحالة.
و يمكن أن يجاب عنه: بأنّه ليس المراد بالطهر الطهارة من النجاسة الشرعية، بل المراد دفع الاستقذار النفساني الحاصل لما يطبخ بالعذرة و عظام الموتى، فقال عليه السلام: إنّ الماء و النار يذهبان هذا الاستقذار، و الطهر يستعمل في الأحاديث في الأعم من إزالة النجاسات الشرعية أيضا، كقولهم عليهم السلام: «السواك مطهرة»، و «النورة طهور»۷ إلى غير ذلك من الاستعمالات، فراجع، كما أنّه يطلق لفظ (باك) المرادف في الفارسية للطهارة في مطلق رفع القذارة، نجاسة كانت أو غيرها من سائر القذارات، كما لا يخفى.
على المشهور المتسالم عليه بين الأصحاب، للأصل، و قول الصادقين عليهما السلام بنفي البأس عن الصلاة على الشاذكونة۸ التي تصيبها الجنابة۹، و بصحيح ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام: «عن البيت و الدار لا تصيبهما الشمس و يصيبهما البول، و يغتسل فيهما من الجنابة أ يصلّى فيهما إذا جفّا؟ قال: نعم»۱۰.
فيحمل موثق ابن بكير: «عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام، أ يصلّى عليها؟
فقال عليه السلام: لا»۱۱.
إما على الكراهة، أو على ما إذا استلزمت السراية. و كذا موثق عمار قال:
«سأل عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا تصيبه الشمس، و لكنه قد يبس الموضع القذر، قال عليه السلام: لا يصلّى عليه- الحديث-»۱۲.
محمول على الكراهة جمعا. فما نسب إلى السيد رحمه اللّه: من اعتبار طهارة ما يلاقيه بدن المصلّي، و إلى الحلبي: من اعتبار طهارة مواضع الأعضاء السبعة، غير ظاهر الوجه.
على المشهور، بل استفاض عليه نقل الإجماع.
فروع:
الأول: المدار في السراية، السراية إلى بدن المصلّي، أو لباسه. أما لو تعدت إلى سجادته، أو طرف تربته الملصق على الأرض فلا بأس بها.
الثاني: لو تعدت إلى بدنه أو لباسه، و كان دما و بمقدار العفو فلا بأس به، لإطلاق دليل العفو الشامل لها عرفا. و ما عن الإيضاح من دعوى الإجماع على المنع مطلقا حتّى المعفو عنها. معارض بما عن التذكرة من الإجماع على طهارة المكان من النجاسات المتعدية، ما لم يعف عنها.
الثالث: لو كان النجس يابسا، و كان على بدن المصلّي أو لباسه أو مكان صلاته، فلا بأس في الأخير. و يأتي حكم الأولتين في الرابع مما يعفى عنه في الصلاة.
الرابع: لو شك في سراية النجاسة، فمقتضى الأصل عدمها.
الخامس: لو علم بالسراية إلى البدن أو اللباس، و شك في أنّها كانت من المحل النجس أو من غيره، فمقتضى الأصل عدم وجوب التطهير عليه، و صحة صلاته بدونه.
كلّ ذلك لإطلاق اعتبار الطهارة الشامل لجميع هذه الأقسام، مع ظهور تسالم الأصحاب عليه. و كذا الكلام في وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، فيكفي كونه كذلك بحسب السطح الظاهر، و بالمقدار الواجب.
لظهور تسالم الفقهاء عليه في كلّ عصر، و عن جمع نقل الإجماع عليه، منهم الشهيد و الفاضلان. و استدل أيضا بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ۱۳ بضميمة عدم الفصل بين المسجد الحرام و غيره من المساجد، و المشرك و غيره من أقسام النجاسات و بالنبوي المعروف:
«جنبوا مساجدكم النجاسة، و تعاهدوا نعالكم عند أبواب مساجدكم»۱٤.
الظاهر عرفا في المساجد المعروفة، دون مطلق المكان الذي أعد للصلاة، أو خصوص مسجد الجبهة، و بما أن أبي جعفر عليه السلام: «أوحى اللّه إلى نبيه صلّى اللّه عليه و آله أن طهّر مسجدك و أخرج من المسجد من يرقد فيه بالليل و مر بسد أبواب من كان له في مسجدك باب- الحديث-»۱٥.
و بما عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: «قلت له: إنّ طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه و ليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال: أ ليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت: بلى، قال: فلا بأس، إنّ الأرض يطهر بعضها بعضا- الحديث-»۱٦.
بناء على أنّ مفهومه النهي عن دخول المسجد، لا الدخول في الصلاة، و لكن الظاهر أنّ تسالم الحكم عند الفقهاء و المتشرعة في كلّ عصر أظهر من أن يستند إليه بمثل هذه الأدلة القابلة للمناقشة، كما لا يخفى.
لصدق المسجد عليه فيشمله الحكم قهرا. و كذا الطرف الخارج بعد الصدق العرفي، و إن أمكنت المناقشة: بأنّ عمدة الدليل التسالم و الإجماع و المتيقن منهما الداخل، و الأدلة اللفظية- على فرض التمامية- منصرفة إليه أيضا. مع أنّ المسجدية تدور مدار الجعل و القصد، و شمول الجعل بالنسبة إلى الخارج مشكوك. الا أن يقال: إنّ الجعل بالنسبة إلى المجموع جعل بالنسبة إليه أيضا.
لاختصاص الحكم بما يكون مسجدا، و تحقق المسجدية يتوقف على الجعل و القصد، و مع عدم الجعل لا موضوع لوجوب الإزالة، بل و كذا مع الشك فيه أيضا، لعدم جريان الأدلة إلا في مورد إحراز الموضوع. نعم، لو كانت قرينة معتبرة على الخلاف لا اعتبار بالشك حينئذ.
فروع:
الأول: يجوز أن لا يجعل ما يفرش به أرض المسجد من الآجر و نحوه جزء من المسجد، فلا تجب إزالة النجاسة عنه حينئذ، إلا إذا كانت هتكا. و لعلّ الأولى ذلك في بعض المساجد التي يكثر تردد غير المبالين بالنجاسة فيها مع عدم اعتناء الناس بتطهيرها.
الثاني: آلات المسجد إن كانت موقوفة على المسجد، فمقتضى الأصل عدم حرمة التنجيس، و عدم وجوب الإزالة. إلا إذا جعل المحل المشتمل عليها مسجدا بحيث تكون جزء من المسجد مثل آجره و أحجاره على تأمل في صحة جعل الأشياء المنقولة جزء من المسجد. و لكن مقتضى إطلاق الكلمات و مرتكزات المتشرعة، بل و ظهور الاتفاق حرمة التنجيس مطلقا، و وجوب الإزالة لذلك فتأمل.
و قد يستدل على حرمة تنجيسها و وجوب تطهيرها بما يدل على حرمة إدخال النجاسة في المسجد۱۷، و يأتي ما فيه آنفا. و كذا الفرش الموقوفة على المساجد لا يلحقها حكمها، إلا مع تحقق الجزئية على تأمل فيه، كما تقدم.
الثالث: أنقاض المسجد بعد التخريب لا يلحقها الحكم، خصوصا بعد ما نقلت إلى محلّ آخر.
الرابع: كون فضاء المسجد بحكم المسجد مشكل، فلو فرق النجس في الفضاء بقوة بحيث لم يصل إلى شيء من المسجد، ثمَّ استحال إلى الهواء يشكل حرمته، بل الظاهر عدمها ما لم يكن هتكا.
الخامس: إذا اتصل موضع من المسجد بالماء المعتصم، كالمطر و الكر و الجاري، فالظاهر أنّ تنجيسه لا حكم له، لأنّ المتفاهم من التنجيس المحرّم غير ذلك. نعم، لو كان هتكا لا يجوز حينئذ.
أما أصل اعتبار الفورية، فعلى المشهور بين الأصحاب، و تقتضيه ظواهر الأدلة بمناسبة الحكم و الموضوع. و أما كونها بمقدار الفور العرفي، فلعدم الدليل على اعتبار الأزيد منه.
إجماعا، بل ضرورة. و يستفاد ذلك مما دل على وجوب الإزالة أيضا، لأنّ المستفاد منها مبغوضية الحدوث و البقاء مطلقا.
و أما موثق عمار عن الصادق عليه السلام: «سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر و هو في الصلاة؟ قال: يمسحه و يمسح يده بالحائط أو بالأرض و لا يقطع الصلاة»۱۸. فليس في مقام البيان من كلّ جهة حتّى يشمل حائط المسجد أيضا.
إجماعا، بل ضرورة، سواء تحقق الهتك بالتنجس أم بغيره.
نسب ذلك إلى المشهور مستندا إلى ظاهر الآية الكريمة إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ۱۹.
و إطلاق ما تقدم من الأخبار.
و نوقش في الآية بما مر مع دفعها، و في الأخبار: بأنّ المتبادر منها المتعدية الموجبة للتلويث، و لذا نسب إلى الأكثر الاختصاص بها، مضافا إلى الأصل،
و إطلاق ما دل على جواز دخول الصبيان و النساء، و مرور الحائض، و دخول المسلوس، و المستحاضة، و قيام السيرة على دخول المجروح و المقروح.
و يمكن المناقشة: بأنّه لو تمت دلالة الآية الكريمة و الأخبار، يكون خروج هذه الموارد تخصيصا فيها، لا أن يخصص أصل الحكم.
للأصل بعد انسباق النجس عن الأدلة- على فرض تمامية الدلالة و ما نسب إلى السرائر من دعوى الإجماع على التعميم، يشكل الاعتماد عليه مع ذهاب الأكثر إلى الاختصاص بخصوص المتعدية، كما عن الرياض.
على المشهور، لأنّ المتفاهم من الأدلة لزوم التطهير و إزالة النجاسة من أيّ شخص تحقق. و نسب إلى الذكر الاختصاص بمن نجّسه.
فإن أراد الأولوية العرفية، فله وجه. و إن أراد اختصاص أصل التكليف بحيث لو عصى سقط عن الباقين، فلا وجه له، بل الظاهر كونه مخالفا لمرتكزات المتشرعة.
على المشهور، لكونه حينئذ من المتزاحمين اللذين يكون أحدهما فوريا و الآخر موسعا، و لا بد حينئذ من تقديم الأول كما ثبت في محلّه.
لكون الأهمية في الصلاة حينئذ، فيجب تقديمها على الإزالة.
أما العصيان فلمخالفة الواجب المنجز الفعلي- و هو فورية الإزالة- و لا معنى للواجب إلا أنّ تركه العمدي يوجب العصيان.
و أما صحة الصلاة فلما استقر عليه المذهب في هذه الأعصار و ما قاربها:
من أنّ الأمر بالشيء لا يقتضي النّهي عن ضده، لا بالمطابقة، و لا التضمن، و لا بنحو آخر، و قد حققنا ذلك في كتاب أصولنا۲۰.
فيكون المقتضي لصحة الصلاة موجودا- و هو فعلية الأمر بها- بناء على الترتب الذي أثبتنا إمكانه و وقوعه في العرفيات- و المانع عنها مفقودا، فتصح لا محالة. و على فرض عدم إمكان الترتب، تصح الصلاة بالملاك و قد حققنا جميع ذلك في كتاب أصولنا۲۱ بما لا مزيد عليه، فراجع.
إن قلت: بناء على عدم إمكان الترتب و سقوط الأمر للمزاحمة، لا وجه لبقاء الملاك أيضا.
قلت: لا ملازمة بين سقوط الأمر و سقوط الملاك، لأنّ سقوط الأمر- على القول به- إنّما هو لأجل المزاحمة، و لا تزاحم في مرتبة الملاك حتّى يسقط.
لانحصار الأمر بالصلاة حينئذ، و لا أمر بالإزالة، لعدم القدرة.
لأنّ المانع تحقق التضاد بين الصلاة و الإزالة، فعلى القول بأنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده، تكون الصلاة منهيا عنها فتبطل، سواء أتى بها في ذلك المسجد، أم في محلّ آخر، مسجدا كان أو غيره.
لسقوط الفورية بقيام الغير بها، فالمقتضي لصحة الصلاة موجود و المانع عنها مفقود، فتصح قهرا. نعم، لو احتاج إلى معاون و ترك المعاونة و صلّى، يكون مثل ما تقدم، لوجوب المعاونة فورا، كوجوب أصل الإزالة كذلك.
لسقوط الأمر بالإزالة في الصورتين، لأجل الجهل في الأولى، و الغفلة في الثانية، فتكون الصلاة بلا مزاحم فتصح لا محالة.
بلا إشكال فيه إن لم يناف الفورية العرفية، كما إذا كان في الركعة الأخيرة من الصلاة- مثلا- مع كونه سريعا في العمل. و أما مع المنافاة ففيه وجوه:
الأول: قطع الصلاة و الإزالة، لأنّ عمدة دليل حرمة القطع الإجماع، و المتيقن منه غير مثل المقام.
الثاني: وجوب الإتمام، لأنّ شمول دليل فورية الإزالة لمثل المقام مشكل، فإنّ عمدة دليلها الإجماع، و المتيقن منه غير صورة التلبس بالصلاة.
الثالث: التخيير، لتكافؤ احتمال الأهمية في كلّ منهما، فلا ترجيح في البين، و مقتضى الأصل حينئذ التخيير. و لعلّ الأوجه هو الثاني، إن لم تكن النجاسة مستلزمة للهتك، و إلا فالأول.
لأنّ تلويث المسجد نوع هتك بالنسبة إليه، فيحرم.
لأنّ الغلظة خصوصية زائدة، و لها حكم مخصوص، فيشمله إطلاق دليله، مضافا إلى أنّ مرتكزات المتشرعة عدم الجواز أيضا.
أما المنع عن الحرمة فلأصالة البراءة بعد عدم تنجس المتنجس ثانيا على ما تقدم في [مسألة ۹] من الفصل السابق.
و أما الاحتياط فلاحتمال حصول الاشتداد في النجاسة، و ينبغي مراعاة عدم حصوله، هذا إذا لم يستلزم الهتك، و إلا فيحرم.
للسيرة، و لأنّ مقتضى وجوب الإزالة وجوب مقدمتها أيضا.
و دعوى: أنّ وجوب الإزالة لا يشمل صورة التوقف على التخريب. مجازفة و مخالفة للسيرة، خصوصا في الأزمنة القديمة، هذا إذا كان التخريب يسيرا.
و أما إذا كان كثيرا، فإن وجد باذل للتعمير فعلا، فمقتضى أصالة البراءة الجواز، بل ربما يكون أولى إن كان من التبديل إلى الأحسن و إن لم يكن كذلك فالتخريب مشكل، خصوصا مع عدم احتياج المصلّين إليه.
لا الوجوب التكليفي، و لا الوضعي- الذي يكون عبارة أخرى عن الضمان- للأصل فيهما، مع أنّه إصلاح محض، فلا وجه لتعقبه الضمان.
و مجرد الإذن الشرعي في التطهير و إن كان أعمّ من عدم الضمان، لكن المتفاهم منه في خصوص المقام عدمه، لأنّه بمنزلة ما لو قال المالك لخادمه: نظّف داري و لو توقف ذلك على تخريب بعض أجزائه. فلا ريب في سقوط الضمان حينئذ.
و أما ما يقال في وجه عدم الضمان: من أنّ المساجد من التحريرات فلا مالك لها، لا عينا، و لا منفعة، و الضمان يتقوّم بوجود المالك، و قد اشتهر أنّ ما لا يؤخذ بمنافعه، لا يؤخذ بقيمته.
فلا يدل على عدم الضمان، لأنّ الضمان يحصل بالاستيلاء على ما يصح اعتبار المالية فيه، و وجود من له حق المطالبة به مع عدم سقوط الضمان شرعا.و لا ريب في اعتبار المالية في المساجد و نحوها عينا و منفعة. نعم، لا ضمان فيما إذا كان التصرف بحق، لأنّ معنى كونها من المشتركات المجانية، عدم الضمان حينئذ، و أما إن كان بغير حق فقد تحقق الاستيلاء على المال عرفا بغير حق، فلا موجب لعدم الضمان من هذه الجهة. و يأتي التفصيل في إحياء الموات إن شاء اللّه تعالى.
لأنّ ذلك مقتضى كونه وقفا على الجهة الخاصة، فلا يصح التصرف فيه في غير تلك الجهة، و يشهد له ما ورد في وجوب رد الحصى و التراب المأخوذ من المسجد الحرام إليه، ففي خبر معاوية: «أخذت سكا من سك المقام و ترابا من تراب البيت و سبع حصيات، فقال عليه السلام: بئس ما صنعت أما التراب و الحصى فرده- الحديث-»۲۲.
و ما يقال: من الفرق بينه و بين المقام، لأنّ الأخذ فيه محرم بخلاف المقام، فإنّ الأخذ فيه جائز، بل واجب، فلا وجه للاستشهاد.
ممنوع فإنّ وجوب الرد، لأجل بقاء الوقفية، و هو مشترك فيهما، جاز الأخذ حدوثا أو حرم. و ذلك لا يوجب الفرق في حكم البقاء.
بلا إشكال فيه إن تعنون بعنوان المسجدية و جعل جزء المسجد. و أما إن كان من الوقف على المسجد، فمقتضى الأصل عدم الوجوب. و لكن يظهر من إطلاق الكلمات التعميم، فإن كان إجماع، و إلا ففيه إشكال، و قد تقدم في فروع [مسألة ۲] التعرض لهذا الفرع، فراجع.
أما الجواز، بل الوجوب في الصورة الأولى، فلشمول الدليل لها.
و أما الإشكال في الثانية: فلدعوى انصراف الدليل عنها، و لكن الظاهر اختلاف ذلك بحسب الموارد. فإذا استفيد من نفس العرصة بعد تخريب الجميع عين ما يستفاد من البناء، فالظاهر تعيين التخريب. و إلا فلا بد من تعيين الأرجح من التخريب و البقاء بعد ملاحظة الخصوصيات و الجهات المرجحة.
لظهور اتفاقهم على عدم زوال المسجدية بزوال الآثار، و يقتضيه الأصل أيضا. نعم، يظهر من بعض الفقهاء رحمهم اللّه: أنّ ما بني في الأرض المفتوحة عنوة تزول المسجدية فيها بزوال الآثار، لأنّها فيها تابعة للآثار حدوثا و بقاء.
و يمكن الخدشة فيه: بأن يقال بكفاية حدوث الأثر الصحيح الشرعي لثبوت المسجدية الأبدية، و التحريم المطلق، بقيت الآثار بعد الحدوث أو زالت، فيكون المدار في تحقق المسجدية مطلقا على الحدوث فقط، لا أن تدور مدار بقاء آثار المسجد بقاء أيضا. و لا ثمرة لهذا البحث أصلا، إذ ليس أرض علم بالتفصيل أنّها فتحت عنوة. و المشكوكة كونها كذلك ملحقة بغير المفتوحة عنوة، كما ثبت في محلّه.
للأصل و السيرة، و دوران الأمر بين إبقاء النجس في المسجد، تنجيس الطاهر ثمَّ تطهره. و لا ريب في ترجيح الأخير، فيتعيّن.
أما أصل وجوب البذل، فللمقدمية، و لظهور الإجماع.
و أما ضمان من صار سببا. فإن كان لأجل الإتلاف، فلم يتحقق ذلك منه عرفا بالنسبة إلى المال الذي صرف في التطهير. و إن كان لأجل التسبيب، فظاهر اختصاصه بما إذا لم يتخلل بين السبب و التلف إرادة الفاعل المختار- كفتح باب قفص طائر فطار، أو فتح طريق الماء أو النار فحصل تلف بذلك- أو استند التلف إليه عرفا، كالمكره، و شاهد الزور. و قد ورد النص في الأخير۲۳. و المقام ليس كذلك، لأنّ الباذل بذل المال بإرادته و اختياره.
إلا أن يقال: إنّ المراد بالتسبيب مطلق صحة استناد التلف إليه عرفا، و لو كان بنحو إيجاد الداعي للغير في صرف المال، أو يتمسك بإطلاق قاعدة الغرور.
و لكن الأول خلاف ظواهر الكلمات، و الثاني خلاف المتيقن من الإجماع، و سيرة العقلاء في مورد الغرور.
و يمكن أن يقال: إنّه بعد صحة اعتبار المالية، و وجود من له حق المطالبة، كالمتولي أو الحاكم الشرعي. إنّ التنجس نحو نقص حصل بفعل من صار سببا له، و العرف يرى تدارك هذا النقص في عهدته، فيكون المقام نظير ما يأتي في [مسألة ۲۷]. و الفرق بينهما أنّ في تلك المسألة تثبت المالكية و الملكية الفعلية، بخلاف المقام الذي ليس فيه إلا المالية الاعتبارية و من له حق المطالبة. و ذلك لا يكون فارقا و موجبا لعدم الضمان، مع أنّ العرف يرون نحو اختصاص به و لا يرون ذلك الاختصاص لغيره، كما هو واضح.
لأصالة بقاء المسجدية بالنسبة إلى ذات الأرض، و ظهور الإجماع على عدم الخروج عن المسجدية، و تقتضيه مرتكزات المتشرعة أيضا. و لكن الماتن رحمه اللّه لم يستبعد في كتاب الوقف من الملحقات الخروج عنها حيث قال: «لا دليل على أنّ المسجد لا يخرج عن المسجدية أبدا»، و يظهر ذلك من كاشف الغطاء أيضا، و كلامهما مخالف للأصل، و ظهور الإجماع، و مرتكزات المتشرعة. و مع عدم الخروج عن المسجدية يتعلق به الحكم قهرا من حرمة التنجيس و وجوب التطهير.
و ما يقال: من أنّ حيثية التعبد في المسجد حيثية تقييدية يدور عنوان المسجدية مدارها حدوثا و بقاء، و مع زوال تلك الحيثية- كما هو المفروض- لا موضوع حتّى يتعلق به الحكم، لأنّ المفروض أنّ عنوان المسجدية يدور مدار بقاء تلك الحيثية.
مدفوع: بأنّ من ظهور الإجماع على عدم الخروج عن المسجدية، يستفاد أنّ تلك الحيثية واسطة في الحدوث فقط، لا في البقاء أيضا. مع أنّ المناط هو جعل المسجد بداعي التعبد فيه، وجد المتعبد أولا، و هذا المناط متحقق أبدا.
فروع:
الأول: لو اخرج فرش المسجد أو حصيرة إلى محلّ آخر، يجري عليه حكم الغصب. و كذا الترب الموضوعة فيه، فتبطل الصلاة عليها في محل آخر، إلا إذا أحرز بوجه معتبر أنّها لم توقف لذلك المسجد بالخصوص، بل وقفت لانتفاع المصلّين بها مطلقا. و إنّما وضعت في مسجد خاص، لأنّه من إحدى مواضع انتفاع المصلّين بها.
الثاني: لو تغير عنوان المسجد و جعل دارا، أو مزرعة، أو شارعا، فمقتضى استصحاب بقاء المسجدية في ذات المكان من حيث هي، حرمة تنجيسه، و وجوب تطهيره، و ترتيب سائر الأحكام.
الثالث: لا يجوز إجارة المسجد و لو بما لا ينافي المسجدية، بل و لو كانت محزوبة، لمنافاة ذات المسجدية لمثل الإجارة على تفصيل في الأخير موكول إلى نظر حكام الشرع.
الرابع: مقتضى الأصل و السيرة جواز الانتفاع في المسجد بما لا ينافي المسجدية، و لا يزاحم العبادة، و الأحوط الاقتصار على ما جرت عليه السيرة.
الخامس: لو جعل محلا من السفينة أو القطار مسجدا تجري عليه أحكام المسجد. و هل يجوز جعل قطعات من الأحجار أو الأخشاب مسجدا. بحيث ينشر و يجمع و ينقل إلى كلّ مكان؟ و هل تجري عليها أحكام المسجد؟ فيه إشكال.
السادس: لا ريب في كون أرض المسجد مسجدا. و هل تكون كذلك و لو بلغت إلى مائة ذراع أو أكثر، أو اللازم هو الرجوع إلى العرف؟ و لا يبعد الأخير و المسألة من صغريات الأقل و الأكثر. و ما يقال في الكعبة: «أنّها من تخوم الأرض إلى عنان السماء»۲٤.
إنّما هو بالنسبة إلى كونها قبلة، لا لجهة أخرى حتّى الطواف.
السابع: البيوت المبنية في المساجد إن علم بكونها خارجة عنها لا يلحقها حكمها. و إلا فالظاهر كونها من المسجد.
الثامن: لو كان شيء نجسا عند أحد- اجتهادا أو تقليدا- فتنجس المسجد به، و كان طاهرا عند آخر كذلك، يختص وجوب الإزالة بمن يراه نجسا.
التاسع: الأحوط دفع النجاسة عن المساجد كرفعها مثل ما إذا كان سطح المسجد موردا لبول مثل الهرة فالأحوط سد طريقه مع الإمكان.
العاشر: لا ريب في اشتداد المحرّمات القولية و الفعلية و المكروهات كذلك في المسجد.
لوجود المقتضي لفورية الإزالة، و فقد المانع عنها، فتجب لا محالة. هذا في غير المسجدين. و أما فيهما فحكم المرور فيهما، حكم المكث في غيرهما، و سيأتي ذلك. هذا حكم القسم الأول من الأقسام المتصورة في المقام.
القسم الثاني: ما إذا لم يمكن ذلك بدون المكث، يجب فيه التأخير إلى ما بعد الغسل، لدوران الأمر بين حرمة المكث للإزالة و ترك الفورية، و التأخير إلى ما بعد الغسل. و الظاهر أهمية الأول، خصوصا بعد عدم كون التأخير إلى الغسل منافيا للفورية العرفية، بل لا دوران حينئذ.
ثمَّ إنّه تجب المبادرة إلى الغسل. لفورية الإزالة، فتجب مقدمتها. هذا إذا كان زمان الغسل مساويا لزمان التيمم، أو كان أقصر. و إن كان زمان التيمم أقصر منه، فإن كان مما يتسامح فيه عرفا، يتعيّن الغسل. و إلا فهل يجب التيمم حفظا للفورية بقدر الإمكان أو لا يجوز، لأنّ العمدة في فورية الإزالة الإجماع، و المتيقن منه غير ذلك. مع أنّ شمول دليل بدلية التيمم عن الطهارة المائية لمثل المقام أيضا مشكل؟ وجهان: لا يبعد الأول، لإطلاق دليل البدلية فيما يتعلق غرض الشارع بالاهتمام به فورا.
القسم الثالث: ما إذا لم يمكن التطهير إلا بالمكث جنبا، بأنّ دار الأمر بين ترك الإزالة- و لو تسبيبا- و الإزالة جنبا، مع عدم كون البقاء هتكا، فيدور الأمر بين البقاء في المسجد جنبا و إزالة النجاسة عنه، و بين ترك البقاء و بقاء النجاسة. فهل الأهمية للأول أو للأخير؟ وجهان: لا يبعد كون بقاء النجاسة في المسجد أعظم حرمة عند المتشرعة من بقاء الجنب فيه، خصوصا إذا كان زمان الإزالة يسيرا جدا. هذا إذا لم نقل بوجوب التيمم لدخول المسجد، و إلا فلا إشكال.
و ما يقال: من أنّ تطهير المسجد لا يتوقف على الطهارة فلا غاية للتيمم حتّى يجب.
مردود بأنّ الغاية فيه دخول المسجد، و هو واجب فيجب لأجله و يأتي منه رحمه اللّه في كتاب الصلاة في فصل أحكام المسجد احتمال وجوب التيمم لذلك، و عن المحقق رحمه اللّه وجوب الطهارة لدخول المسجد و قراءة العزائم إن وجبا و في الجواهر: «لا أعرف فيه خلافا».
القسم الرابع: ما إذا كان بقاء النجاسة هتكا للمسجد و لم يمكن الإزالة إلا بالمكث، فمع إمكان التيمم يتيمم و يزيل، لما تقدم في القسم الثالث و مع عدم إمكانه يسقط اعتبار الطهارة، لأهمية رفع الهتك عن المسجد من مكث الجنب فيه.
من جهة الإضافة التشريفية فيها إلى اللّه (جلّ جلاله) بواسطة الأديان السماوية المنسوبة إليه تعالى، فتجعلها- تلك الإضافة- كمعابد المسلمين، و من جهة أنّ الشريعة الختمية نسخت عباداتهم فلا يبقى فضل لمعابدهم. و يمكن تقريب الأول بأنّ النسخ تعلق بكيفية العبادة، لا بأصل التخضع للّه تعالى و المثول بين يديه و السجود له تعالى، الذي هو مجمع جميع الشرائع الإلهية.
على المشهور المتسالم عليه بين الفقهاء، و تقتضيه السيرة و إطلاق الأدلة.
أما في صورة العلم بالعدم فلا موضوع للتنجس حتّى يلحقه الحكم.
و أما مع الشك فلأصالة عدم حرمة التنجيس و عدم وجوب التطهير ما لم تكن قرينة على الخلاف. و يمكن اقتضاء الظاهر كونه مسجدا و إن كان يختلف ذلك حسب اختلاف الموارد، و من ذلك يعلم وجه الاحتياط.
لتنجز العلم الإجمالي كالتفصيلي، و لا فرق بين كونهما موردا للابتلاء أو لا. نعم، لو علم إجمالا إما بنجاسة مسجد أو محلّ آخر يشترط حينئذ كونهما محلّ الابتلاء.
للأصل بعد ظهور الأدلة في غيره، و عن عليّ بن جعفر عن أخيه عليه السلام: «عن رجل كان له مسجد في بعض بيوته أو داره هل يصلح له أن يجعله كنيفا؟ قال: لا بأس»۲٥.
و لا فرق في ذلك بين أن كان وقفا أو لا، لأنّ الوقفية أعمّ من عروض عنوان المسجدية.
ثمَّ إنّ عدم الفرق بين المسجد العام و الخاص، عموم السيرة و إطلاق الأدلة. هذا إذا كان المراد بالعام المسجد الجامع، و بالخاص مسجد القبيلة.
للأصل إن علم بعدم قيام الغير بها أصلا. و إلا فيجب الإعلام بناء على أنّ وجوب الإزالة أعم من المباشرة و التسبيب. و لكن إثبات هذا التعميم مشكل، و إن كان مناسبا لمقام المسجدية و مرتكزات المتدينين، و يأتي منه رحمه اللّه الاحتياط الوجوبي في الصلاة (فصل بعض أحكام المسجد).
أما مع الهتك فهو من ضروريات المذهب. و أما مع عدمه فلأنّها من مجامع العبادات الحقة، فتحقق فيها الإضافة التشريفية إلى حضرة المعبود جلّت عظمته، و تقتضيه السيرة من المتدينين أيضا. و لا تقصر هذه السيرة عن سائر السيرات التي يتمسك بها في الفقه.
و أما من ادعى السيرة على الخلاف فلعله أراد السيرة من أهل الريف و أهل البوادي.
و ما يقال: من أنّ الحكم كان ابتلائيا و مع ذلك لم يرد فيه نص، فيستكشف منه عدم حرمة التنجيس، و عدم وجوب التطهير.
مدفوع: بأنّه يمكن عدم ورود النص، لأجل وجود المانع من احتمال غلو الناس، لا لعدم المقتضي. مع أنّه قال في الجواهر في كتاب الديات عند قول المحقق رحمه اللّه: «و لو جنى في الحرم، اقتص منه فيه، لانتهاكه الحرمة.
و هل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام؟ قال به في النهاية». قال رحمه اللّه: «قال في التنقيح بعد أن حكى عن الشيخين ذلك: و هو قريب. أما أولا فلما ورد عنهم عليهم السلام أنّ بيوتنا مساجد. و أما ثانيا- إلى آخره»، و قد يستظهر من ذلك إلحاقها بالمسجدين.
بضرورة من المذهب، بل الدين.
لأنّ كلّ ما يوجب الهتك بالنسبة إلى القرآن مبغوض عند الشارع و المفروض تحقق الهتك.
بضرورة الفقه، بل قد يوجب الارتداد. ثمَّ إنّ الأقوى حرمة التنجيس و وجوب التطهير مطلقا و لو لم يكن هتك في البين أصلا، لاقتضاء سيرة المتشرعة ذلك خلفا عن سلف، و يشهد له إطلاق قوله تعالى في شأن القرآن: «لأكرمنّ اليوم من أكرمك و لأهيننّ من أهانك- الحديث»۲٦.
فإنّ إطلاق الإهانة يشمل التنجيس و إبقاء النجس فيه، و قوله تعالى لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ۲۷. بناء على تعميم الطهارة للحدثية و الخبثية.
أما حرمة الكتابة بالحبر النجس فلأنّه إيجاد للنجاسة فيه، فيحرم، لما تقدم. و أما وجوب المحو فلحرمة إبقاء النجاسة فيه بعين الدليل السابق هذا إذا انحصرت الإزالة في المحو، و إن أمكن بالتطهير يطهر.
بلا إشكال فيه مع الهتك. و كذا مع عدمه، لأنّه إما من وضع النجس على القرآن، أو العكس، فيشمله الدليل السابق.
ظهر ممّا مرّ حكم هذه المسألة.
لأنّ هذه كلّها من المقدّسات المذهبية، بل الدينية في الجملة فيحرم الهتك و الإهانة بالنسبة إليها، لمكان قداستها، و مقتضى سيرة المتدينين خلفا عن سلف حرمة التنجيس و وجوب التطهير حتّى مع عدم الهتك و الإهانة، و قد ذكر لها آداب خاصة۲۸. هذا إذا أخذت لأجل التبرك و الصلاة.
و أما لو أخذت لأجل الآجر و الخزف و نحوهما، فلا حرمة فيها، و مقتضى السيرة عدم حرمة التنجيس و عدم وجوب التطهير لو تنجست.
لوجوب مقدمة الواجب الذي هو إزالة النجاسة عنه و تحفظه عن الانتهاك.
بل الأقوى أنّ عدّ التخلّي هتكا بالنسبة إليه.
لقاعدة الإتلاف التي لا فرق فيها بين إتلاف أصل العين أو فعل ما يوجب تنقيص ماليتها، بل لو حصل التنقيص بنفس التنجيس يكون ضامنا أيضا و لو لم يطهر جهلا أو غفلة.
و الفرق بين ما تقدم في تنجيس المسجد حيث حكم رحمه اللّه فيه بعدم الضمان بخلاف المقام، لعدم المالك هناك، بخلاف المقام مع أنّه تقدمت الخدشة فيه فراجع.
لأنّ المقصود تحقق الطهارة خارجا من أيّ مباشر كان، مضافا إلى عدم ظهور الخلاف فيه.
من نجّس القرآن، إما أن يكون القرآن له، أو لغيره، أو يكون وقفا. و لا وجه للضمان في الأول، لأنّ الشخص لا يضمن مال نفسه، فليس فيه إلا الحكم التكليفي فقط. و ما تقدم في المسألة السابقة من الضمان، حكم ما لو كان لغيره، كما تقدم في المسألة السابعة حكم الضمان في تنجيس المسجد الذي يكون من التحرير المطلق، فيكون الضمان في غيرها بالأولى.
إنّ تحقق موجب الضمان من صدق الإتلاف عرفا، فمجرد حصول الضرر من قبل التكليف الشرعي لا ينفيه. مع أنّ نفس التنجس تنقيص، و الضرر الحاصل بالتطهير شيء آخر، فيكون التنجيس في المقام كاستعمال ما يشترى من السوق، فإنّ نفس استعماله موجب لتنقيص قيمته في السوق و إن لم يتحقق موجب الضمان. فالاستناد إلى عدم المقتضي في نفيه أولى من الاستناد إلى وجود المانع.
مع بنائه على التطهير مباشرة أو تسبيبا، و لا يجوز التصرف فيه بغير إذنه، و مع بنائه على العدم كذلك، فالظاهر سقوط سلطنته، خصوصا مع كونه هتكا.
و ما اشتهر أنّه كلّما دار الأمر بين حق اللّه تعالى و حق الناس يقدم الثاني، لم تثبت كليته بنحو يصح الاعتماد عليه، خصوصا إن كان في مقام الامتناع عن حق اللّه تعالى.
و لو شك في أنّه في مقام البناء على التطهير أو البناء على العدم يتفحص عنه حتّى يظهر الحال. و مع عدم الإمكان، فالظاهر وجوب التطهير، خصوصا مع الهتك لعدم شمول دليل سلطنة المالك، و لزوم الاستيذان منه في التصرف في ماله لمثل ذلك مما يستلزم تعطيل حكم اللّه تعالى.
فروع:
الأول: يجب تطهير القرآن المخطوط و لو كانت له قيمة كثيرة، ما لم يكن مانع في البين.
الثاني: يجوز بيع القرآن المتنجس، و كذا سائر المعاوضات بالنسبة إليه. و إن وجب على البائع تطهيره، أو الإعلام بتطهيره.
الثالث: لا فرق في القرآن بين الخطوط كلّها، كما لا فرق بين أن يكون مكتوبا على الكاغذ، أو الحجر، أو الرصاص، أو الخشب أو غير ذلك، كما لا فرق بين جميع القرآن و بعضه، بل و لو آية منه.
الرابع: يلحق بالقرآن في حرمة التنجيس و وجوب التطهير، أسماء اللّه تعالى و أنبيائه العظام و الدعوات المنسوبة إلى المعصومين عليهم السلام، بل الأحوط إلحاق الأحاديث النبوية و المعصومية عليهم السلام، خصوصا مع الهتك.
الخامس: ترجمة القرآن بأيّ لغة كانت، لا يلحقها الحكم، و إن كان أحوط.
السادس: لو علم بنجاسة أحد القرآنين، وجب تطهيرهما. و لو علم بنجاسة قرآن أو كتاب تاريخ- مثلا- لا يجب ذلك. و لو علم بنجاسة إحدى الصفحات من القرآن و لم يعلم بعينها وجب تطهير ما ترددت تلك الصفحة فيها.
لحرمة أكل المتنجس و شربه إجماعا، بل ضرورة من المذهب إن لم يكن من الدين، و نصوصا كثيرة في الأبواب المتفرقة۲۹. فيكون وجوب التطهير مقدميا، لا نفسيا، و لذا لو كان نجسا، و لم يعلم بالتعدي إلى المأكول و المشروب، لا يجب التطهير.
للأصل و العمومات من غير ما يصلح للتخصيص، إلا بعض ما ذكره المحقق الأنصاري رحمه اللّه في المكاسب المحرمة. و هو على فرض الاعتبار محمول على صورة عدم المنفعة المعتد بها، أو على الكراهة. فمقتضى الأصل و العمومات جواز الانتفاع غير المحرم مطلقا، كما أنّ مقتضى العمومات جواز المعاملة عليها كذلك، بأيّ أنحاء المعاوضات.
نصّا۳۰ و إجماعا، بل ضرورة.
هذا الإطلاق ممنوع فيما فيه غرض معتد به غير منهي عنه شرعا و قد تقدم في نجاسة الميتة. و يأتي في المكاسب المحرمة ما ينفع المقام، فراجع.
المراد بالتسبيب مطلق المدخلية، سواء كان بالعلية التامة، أم مجرد الاقتضاء كما أنّ المنساق منه عرفا فعل شيء مع العلم و الالتفات إليه لأجل ترتب المسبب عليه، و لا يبعد صدق التسبيب مع الغفلة أيضا، فيكون أعم منه.
ثمَّ إنّ مقتضى أصالة البراءة عدم حرمة التسبيب إلى حرمة أكل النجس، أو شربه، لكونه من الشبهة التكليفية التحريمية، و قد ثبت كونها من مجاري البراءة.
و استدل على الحرمة تارة: بالعمومات و الإطلاقات الدالة على حرمة أكل النجس و شربه.
و فيه: أنّ دعوى ظهورها في الأكل و الشرب المباشري قريب، و شمولها لمطلق التسبيب بعيد.
و أخرى: بظهور التسالم على وجوب إعلام الجاهل بما يعطى، إن كان الانتفاع الغالب محرما بحيث يعلم عادة وقوعه في الحرام.
و بما ورد من حرمة سقي الخمر للصبيّ۳۱، و بقول الصادق عليه السلام في بيع الزيت المتنجس: «و ينبه لمن اشتراه ليستصبح به»۳۲.
و نحوه غيره.
و يرد الأول: بأنّ المتيقن منه- على فرض كونه من الإجماع المعتبر- المحرّمات النفسية التي ثبتت حرمة التسبيب فيها، كقتل النفس المحترمة، و هتك الأعراض المحترمة و نحوهما.
و الثاني: بأنّ خباثة الخمر تقتضي مرجوحية التسبيب إلى شربه، حتّى بالنسبة إلى الحيوانات، كما في بعض الروايات۳۳.
و الثالث: بأنّه إرشاد إلى حسن بيان نقص المبيع، مع معارضته لموثق ابن بكير: «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه و هو لا يصلّي فيه، قال عليه السلام: لا يعلمه. قلت: فإن أعلمه. قال عليه السلام:
يعيد»۳٤.
و لكن ظهور التسالم قديما و حديثا، و كونه من المنكرات عند المتشرعة في الجملة، و وهن الموثق بمخالفته لظهور الإجماع، يشكل القول بالجواز.
فالأحوط، إن لم يكن أقوى حرمة التسبب مطلقا للأكل و الشرب، و كلّ ما يشترط فيه الطهارة، و تقدم عند بيان قاعدة حرمة الإعانة على الإثم ما يرتبط بالمقام، فراجع. و حيث جرى ذكر التسبيب إلى الحرام فلا بأس بالإشارة إلى قاعدته، و لو بنحو الإجمال.
«قاعدة حرمة التسبيب إلى الحرام»
مقتضى نصوص كثيرة جدا في أبواب متفرقة حرمة التسبيب إلى الحرام.
و يمكن أن يستدل عليها بالأدلة الأربعة. فمن الكتاب بآية حرمة الإعانة على الإثم و هي قوله تعالى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ۳٥، و بقوله تعالى وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ۳٦.
و من السنة: قوله عليه السلام: «من أفتى الناس بغير علم و لا هدى من اللّه لعنته ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب، و لحقه وزر من عمل بفتياه»۳۷.
و قوله عليه السلام: «ليس من إمام يصلّي بقوم فيكون في صلاتهم تقصير إلا كان عليه أوزارهم»۳۸.
أي تقصير مستند إلى مسامحة الإمام عمدا في صلاته. و في رواية أخرى «فيكون في صلاته و صلاتهم تقصير إلا كان إثم ذلك عليه»۳۹.
و في رواية ثالثة: «لا يضمن الإمام صلاتهم إلا أن يصلّي بهم جنبا»٤۰.
و يأتي في [مسألة ۳۲] و ما بعدها من فصل أحكام الجماعة ما يتعلق بهذه الأخبار و ما ورد في ضمان الزكاة إذا نقلها مع وجود المستحق، قال عليه السلام:
«إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتّى يخرجها»٤۱.
و ما ورد في اغتسال الجنب في البئر: «لا تفسد على القوم ماءهم»٤۲.
و قوله عليه السلام: «من أعان على المؤمن بشطر كلمة لقي اللّه عزّ و جل يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمتي»٤۳.
و ما ورد في تحريم دلالة المحرم أو إشارته إلى الصيد، ففي صحيح الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «و لا تدلنّ عليه محلا و لا محرما فيصطاده، و لا تشر إليه فيستحل من أجلك- الحديث-»٤٤.
و ما ورد في تحريم العقد للمحرم و الشهادة عليه، قال عليه السلام: «ليس للمحرم أن يزوّج، و إن تزوج أو زوّج محلا فتزويجه باطل»٤٥.
و ما ورد في حرمة تمكين المحرمة من الجماع٤٦، و ما ورد في لزوم الكفارة لكلّ واحد من الجماعة إذا أوقدوا نارا بقصد الصيد٤۷، و ما ورد في النّهي عن المحاربة بإلقاء السم و النار٤۸، و ما ورد في تحريم إذاعة الحق مع الخوف، ففي مرسل يونس عن أبي عبد اللّه عليه السلام: «ما قتلنا من أذاع حديثنا قتل خطإ، و لكن قتلنا قتل عمد»٤۹.
و ما ورد في تحريم كتابة الربا و الشهادة عليه٥۰، و ما ورد في تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية٥۱، و ما ورد في تحريم القيادة و الدياثة٥۲، و ما ورد في عدم انعقاد النذر في المعصية، و لا في المرجوح٥۳. و ما ورد في تحريم أكل كلّ شيء يكون فيه المضرة على الإنسان٥٤، و ما ورد في تحريم الإضرار بالمسلم٥٥. و ما ورد في عدم جواز الجور بالوصية و الحيف بها٥٦. و ما ورد في تحريم شهادة الزور٥۷ إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى مما لها ظهور أو إشعار في حرمة التسبيب إلى الحرام، و يأتي التعرض لها في محالّها إن شاء اللّه تعالى.
و من الإجماع تسالم المسلمين عليها.
و من العقل بأنّ التسبيب إلى المبغوض مبغوض عقلا و لو بنحو الإجمال.
ثمَّ إنّ التسبيب: تارة مع علم المسبب بالحرمة و قصده لوقوعها، و علم المسبب له بها. و لا خلاف و لا إشكال في الحرمة حينئذ.
و أخرى: تلك الصورة مع جهل المسبب له بالحرمة حكما، أو موضوعا، أو هما معا. و مقتضى ما يأتي في حرمة تقرير الجاهل على جهله، الحرمة هنا بطريق أولى.
و ثالثة: علم المسبب بالحرام و لكن مع عدم قصده لوقوعه و قد مر بعض ما يتعلق بها في قاعدة الإعانة على الإثم٥۸، فإنّ هذه الصورة من بعض أقسامها، فراجع.
و رابعة: جهل المسبب به و عدم قصده له أصلا، و لا حرمة فيه من جهة التسبيب، و يأتي في المواضع المناسبة ما يتعلق بالمقام.
و أمّا قاعدة حرمة تقرير الجاهل على جهله، فسيأتي التعرض لها في الموضع المناسب لها. و لكن نقول هنا إنّ حرمة تقرير الجاهل على جهله بالنسبة إلى الأحكام، لا ريب فيها نصّا و إجماعا، لما دل على وجوب إبلاغ الأحكام و إرشاد الأنام حتّى تبقى الشريعة إلى يوم القيام «و إنّ اللّه لم يأخذ على الجهال عهدا بطلب العلم حتّى أخذ على العلماء عهدا ببذل العلم للجهال»٥۹ و يشمل متعلق الحكم و أجزاءه و شرائطه و موانعه.
و أما بالنسبة إلى الموضوعات، فإن انطبقت على قاعدة التسبيب، فهي منها. و إن لم تنطبق عليها، ففيها تفصيل نتعرض له في محالها إن شاء اللّه تعالى.
للأصل بلا دليل حاكم عليه، و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما عليهما السلام: «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دما و هو يصلّي، قال عليه السلام: «لا يؤذيه حتّى ينصرف»٦۰.
و عن الصادق عليه السلام: «اغتسل أبي من الجنابة فقيل له: قد أبقيت لمعة في ظهرك لم يصبها الماء، فقال له: ما كان عليك لو سكت، ثمَّ مسح تلك اللمعة بيده»٦۱.
أما عدم جواز السقي لهم، فهو المشهور، بل لم يظهر الخلاف فيه. مضافا إلى جملة من الأخبار:
منها: ما عن الصادق عليه السلام، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
«أقسم ربّي أنّه لا يسقيها عبدا لي صبيا صغيرا، أو مملوكا، إلا سقيته مثل ما سقاه من الحميم يوم القيامة، معذبا كان، أو مغفورا له»٦۲.
و مثله غيره، و أما وجوب الردع، فهو الذي تقتضيه كثرة ما ورد من التشديد في الخمر٦۳، مع أنّه لا خلاف فيه من أحد.
لحرمة الإضرار بالغير مطلقا إن كان ذلك من التسبيب، بل الظاهر وجوب الردع، و لو لم يكن تسبيب في البين أصلا. أما بالنسبة إلى الوليّ، فلأنّ ذلك مقتضى ولايته. و أما بالنسبة إلى غيره، فللسيرة المستمرة على ردع الأطفال الذين لا يقدرون على دفع الضرر عن أنفسهم، و إن لم نقل بوجوبه بالنسبة إلى من يقدر عليه.
لما أرسله المحقق الأردبيلي رحمه اللّه إرسال المسلّمات: من أنّ الناس مكلفون بإجراء أحكام المكلّفين عليهم. فإن كان ذلك إجماعا، و إلا فللمناقشة فيه مجال.
و أما الاستدلال على الجواز بما دل على جواز استرضاع اليهودية٦٤كما يأتي في الرضاع من كتاب النكاح، فيمكن الخدشة فيه بأنّه من إدخال النجاسة في الباطن، و لا حكم له، كما مر و يأتي.
كلّ ذلك للأصل و السيرة في الجملة. و قد تقدم في المسألة السابقة أنّه لا يجب إعلام الغير بالنجاسة، لو لم يكن تسبيب في البين.
المدار في وجوب الإعلام و عدمه تحقق التسبيب و عدمه، فيجب في الأول، دون الأخير. و الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الأشخاص و الموارد.
أما مع الهتك فهو من ضروريات المذهب. و أما مع عدمه فلأنّها من مجامع العبادات الحقة، فتحقق فيها الإضافة التشريفية إلى حضرة المعبود جلّت عظمته، و تقتضيه السيرة من المتدينين أيضا. و لا تقصر هذه السيرة عن سائر السيرات التي يتمسك بها في الفقه.
و أما من ادعى السيرة على الخلاف فلعله أراد السيرة من أهل الريف و أهل البوادي.
و ما يقال: من أنّ الحكم كان ابتلائيا و مع ذلك لم يرد فيه نص، فيستكشف منه عدم حرمة التنجيس، و عدم وجوب التطهير.
مدفوع: بأنّه يمكن عدم ورود النص، لأجل وجود المانع من احتمال غلو الناس، لا لعدم المقتضي. مع أنّه قال في الجواهر في كتاب الديات عند قول المحقق رحمه اللّه: «و لو جنى في الحرم، اقتص منه فيه، لانتهاكه الحرمة.
و هل يلزم مثل ذلك في مشاهد الأئمة عليهم السلام؟ قال به في النهاية». قال رحمه اللّه: «قال في التنقيح بعد أن حكى عن الشيخين ذلك: و هو قريب. أما أولا فلما ورد عنهم عليهم السلام أنّ بيوتنا مساجد. و أما ثانيا- إلى آخره»، و قد يستظهر من ذلك إلحاقها بالمسجدين.