وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180) لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَ نَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (181) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَ الزُّبُرِ وَ الْكِتابِ الْمُنِيرِ (۱۸٤)
تضمنت الآيات الشريفة المتقدمة ما يتعلق ببذل النفس في الجهاد في سبيل اللّه تعالى و قد ذكر جلت عظمته فيها ما يرتبط بغزوة احد و ما لاقاه المؤمنون المجاهدون في سبيله عز و جل من البلاء و المحن و ما صدر عنهم فيها من الفشل و الجبن و المخالفة و ما ترتب على ذلك من اللوم و العتاب و الآثار الكبيرة و بيّن سبحانه و تعالى جميع الجهات التي تعلقت بها، فكانت غزوة أحد درسا عظيما للمؤمنين و فيها من العبر المهمة لهم و حث جلّ شأنه على الرجوع الى الحق و بذل النفس و الصبر و المثابرة و وعدهم الجزاء العظيم، و ذكر الكافرين و المنافقين و بيّن حقيقة الحال فيهم. ثم ذكر تعالى ان إملائه للكافرين ليس إلا استدراجا لهم ليزدادوا إثما و لهم عذاب مهين.
و يذكر عز و جل في هذه الآيات المباركة بعض اقسام الإملاء و الاستدراج و هو الإملاء في جمع المال و ضرب مثلا في الذي يبخل عن إنفاقه في سبيل اللّه تعالى فكان حاله حال إملاء الكافرين و أرشده سبحانه إلى الواقع و بين أشد انواع الوعيد بالنسبة اليه ثم عطف الكلام الى اليهود الذين كانوا مع النصارى موضوع الحوار في هذه السورة و بين خطيئة اليهود و انهم جمعوا كثيرا من صفات السوء و الشر ما لم تجتمع في غيرهم فقد أساءوا الظن باللّه تعالى و كذبوا بآياته عز و جل و نسبوا الفقر اليه و عادوا أنبياء اللّه و كذبوهم و كتموا الحق و الميثاق الذي أخذ منهم و قد أمروا ببيانه، و أوعدهم اللّه تعالى العذاب جزاء اعتقادهم و أعمالهم.
و الآيات المباركة خاتمة الآيات الكريمة التي وردت في غزوة أحد و هي تأمر بالصبر و الثبات و تستنهض الناس الى متابعة الحق و الجهاد في سبيل اللّه و تحرضهم على الانفاق في سبيل اللّه تعالى و الحذر من كيد اليهود، و تسلّي النبي (صلى اللّه عليه و آله) و المؤمنين من تكذيبهم.