يستفاد من الآيات الشريفة امور:
الاول:
يستفاد من سياق قوله تعالى: «وَ ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ» تنزيه ساحة الأنبياء و طهارتهم عن السوء و الفحشاء و عصمتهم عن كل معصية و رذيلة فيصح ان تجعل هذه الآية الكريمة من جملة الادلة الدالة على عصمة الأنبياء و لو عن معصية الخيانة فتتم في غيرها بالقول بعدم الفصل، و كذا نقول في القائمين مقامهم.
الثاني:
يدل قوله تعالى: «وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ» على تجسم الأعمال و ظهور الملكات بما يناسبها من الصور و الحقائق في يوم القيامة و الظالم المذنب يتحمل تبعات تلك المعاصي فيحاسب عليها و يوفي جزاؤه.
الثالث:
يرشد قوله تعالى: «وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ» على ان نسبة الخيانة إلى النبي (صلى اللّه عليه و آله) ظلم و لا بد من التنزه عنها كما تنزه عز و جل عنه فلا يظلم عباده يوم الجزاء مطلقا.
الرابع:
يدل قوله تعالى: «أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ» على ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) لا يمكن رميه بالخيانة، و الخائن باء بسخط من اللّه تعالى.
و في الآية المباركة الموعظة للمؤمنين و إرشادهم الى اتباع رضوان اللّه تعالى و التعريض لهم بأن هذه الأقوال و الأعمال من التعرض بسخط اللّه و لا بد من الابتعاد عنه.
الخامس:
يستفاد من قوله تعالى: «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ» ان لمن اتبع رضوان اللّه تعالى منازل كريمة و اجرا عظيما، و قد عبر عز و جل في موضع آخر: «لَهُمْ دَرَجاتٌ» الأنفال- 4 و لعل الاختلاف في التعبير باعتبار الاضافة الى اللّه تعالى التي هي الأصل لجميع خيرات الدنيا و الآخرة فقال «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ» و من حيث الاضافة الى نفس العاملين الموفين فقال: «هُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ اللَّهِ» و الجميع صحيح لا اشكال فيه، مع انه يصح ان يقال ان اللام في قوله تعالى: «لَهُمْ دَرَجاتٌ» للاختصاص الذاتي كما يقال: للجنة أشجار و أوراد و رياحين.
السادس:
يستفاد من قوله تعالى: «أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ» أهم اصل من أصول التعليم و التربية في الإسلام و هذه الآية المباركة مع إيجازها تتضمن أعظم المقومات في السير و السلوك في الأخلاق و هي تدل على ان المتبع لها يتصف بفضيلة الصلاح و هي توجب الفوز بالسعادة الفردية و الاجتماعية لمن عمل بها، كما انها تبين الحد الفاصل بين الحقيقة و الوهم و الخيال، فان كل من لم يتبع رضوان اللّه تعالى انما هو قشر بدون لب و جسد بلا روح، و ان كان الظاهر مليحا و لكنه سراب زائل و ضال و لم يبين سبحانه سبل رضوان اللّه تعالى لأنها ذكرت في القرآن الكريم و السنة الشريفة و هي معلومة يحكم بحسنها العقل و الفطرة المستقيمة، و لذا ورد في الحديث «ان الذين اتبعوا رضوان اللّه تعالى هم الأئمة (عليهم السلام) لأنهم يدعون الى الكمال المطلق و هم مثال للأخلاق الفاضلة و الأصل في جميع الاحكام.
السابع:
يبين قوله تعالى «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» ان جهات تكميل الإنسان لا بد ان تكون من اللّه تعالى و ان مكمل الانسانية يجب أن يكون مبعوثا من قبله عز و جل لان جهات التكميل الواقعية مما لا يمكن ان يحيط بها العقل.
و بمثل هذه الآية الشريفة يمكن ان يستدل على ان وصي الرسول لا سيما خاتم الأنبياء (صلى اللّه عليه و آله) لا بد ان يكون باختيار اللّه تعالى و تنصيص من النبي (صلى اللّه عليه و آله) عليه لان ما يتمم الانسانية الواقعية مثل المكمل للانسانية لا دخل لاختيار الناس فيه فلا بد و ان يكون باختيار من اللّه عز و جل و تعيين من واسطة الفيض بطريق التنصيب و سيأتي في الآيات اللاحقة تفصيل الكلام ان شاء اللّه تعالى.
الثامن:
انما خص المؤمنين بالذكر في قوله تعالى، «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» مع ان رسول اللّه تعالى و أنبيائه مبعوثون إلى كافة الناس لبيان مزيد المنة و تماميتها عليهم لأن تعليق الحكم على الوصف يشعر بالعلية و لأنهم مستعدون لنيل الإفاضات الربوبية، و قد تقدم في قوله تعالى: «هُدىً لِلْمُتَّقِينَ» ما يرتبط بالمقام فراجع.
التاسع:
انما قدم عز و جل التزكية على التعليم في المقام و أخرها في قوله تعالى: «وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ يُزَكِّيهِمْ» البقرة- 129 لبيان التلازم بين التخلية و التحلية في النفوس المستعدة فلا ينافي تقديم احد المتلازمين على الآخر في موضع مع تأخره عنه في موضع آخر، أو لأن التزكية و التعليم الواقعين لا بد ان يدعو كل واحد منهما الى الآخر و إلا فليسا من التخلية و التحلية بشيء.