مادة (ز ك و) تأتي بمعنى: النموّ في المال, أو في النفس, يعني: نموّها في المعنويّات, والكمالات, والأخلاق الفاضلة, والعلوم, والمعارف الحقة.
وتأتي بمعنى الطهارة, لكونها من موجبات النموّ, والبركة.
وتزكية النفس: تطهيرها عمّا يوجب البعد عنه تعالى، حتى يستحقّ الإنسان في الدنيا الأوصاف المحمودة, لطهارة خلقه، وفي الآخرة المثوبة, وعلوّ الدرجات، ولا تحصل إلا بالعمل على وفق الشريعة, وترويضها على التقوى, والعمل الصالح.
ونُسبت في القرآن الكريم إلى جهات عديدة, هي:
أوّلا: إلى اللّه تعالى, لكونه الباعث, والخالق, والمهدي لذلك في الحقيقة, فهو المؤثّر, والفاعل الحقيقيّ, قال تعالى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ [1].
وثانيًا: إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) لأنّه واسطة الفيض، وبه يصل العبد إلى المقامات العالية، قال تعالى: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ[2], وقال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ويُزَكِّيهِمْ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ[3]، وقال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها [4]؛
ثالثًا: إلى العبد, قال تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى[5].
رابعًا: إلى العبادة, لكونها بمنزلة الآلة- كما في نفس الزكاة- قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وتُزَكِّيهِمْ بِها وصَلِّ عَلَيْهِمْ [6].
وقد تكون التزكية بالخلقة، بأن يجعل بعض عباده طاهر الخلق, عالمًا لا بالتعلّم والممارسة، نحو ما في المعصومين من الأنبياء, والأئمة (عليهم السّلام).
وتزكية الإنسان نفسه على قسمين:
الأوّل: التزكية بالفعل، وهذه هي التزكية الحقيقيّة المحمودة في القرآن الكريم، وقد حثّ عليها في مواضع كثيرة، نحو قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها[7], وقوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى[8]، ولا تحصل إلا بإتيان الواجبات, واجتناب المحرّمات, والشرور, والآثام, والتوجّه إليه, سبحانه, وتعالى.
الثاني: التزكية بالقول, والادّعاء، كتزكية العادل غيره, إن كان مطابقًا للواقع.
وقد يكون تزكية الإنسان نفسه لنفسه، وهذا قبيح: عقلًا, وشرعًا، وقد نهى اللّه تعالى عنه, قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى[9]، ولذا قيل: مدح الإنسان نفسه من أقبح القبائح, لأنّه يرجع إلى الغرور, والجهل, والاستكبار.
[1] النساء: 49
[2] البقرة : 129
[3] الجمعة: 2
[4] التوبة: 103
[5] الأعلى: 14.
[6] التوبة: 103
[7] الشمس: 9
[8] الأعلى: 14
[9] النجم : 32