آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ (۲۸٥) لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَ لا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَ اعْفُ عَنَّا وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (۲۸٦)
الآيتان الشريفتان من جلائل آيات القرآن الكريم تشتملان على مضامين عالية جمعت فيهما مجامع الكمال و السعادة، و فيهما أدب العبودية و نهاية الخضوع و التذلل للّه تعالى في أسلوب بليغ جذاب، و فيهما خلاصة ما تضمنته هذه السورة الشريفة التي كان الغرض المتحصل منها: الإيمان باللّه تعالى، و العبودية له عزّ و جل، و الإيمان برسله و ما أنزل عليهم، و الطاعة له عزّ و جل بالايتمار بأوامره، و الانتهاء عن نواهيه، و الاتقاء عما يوجب سخطه و عذابه و الإقرار بالبعث و النشور، و فيها قصص أهل الكتاب للعبرة منها و اللجوء إليه سبحانه و تعالى عما أصابهم بسبب تمردهم و طغيانهم.
و من بديع أسلوب هذه السورة أنّها بدأت بالهداية للمتقين و ختمت باللجوء إلى اللّه تعالى لطلب الهداية و الغفران و الإذعان بالطاعة الذي هو أمل المتقين، فيكون أول السورة كالعلة الفاعلية و آخرها كالعلة الصورية أو المادية للأول و هما كالعلة الغائية لنظام التشريعات السماوية نزلتا على من هو علة غائية لنظام الخليقة و التكوين، و قد ختمتا بطلب النصرة على القوم الكافرين و هي غاية دعوة الأنبياء و المرسلين و المؤمنين باللّه تعالى و مضمونهما من القضايا العقلية التي تحكم بها الفطرة.
و في الآيتين فضائل و آثار مهمة نبهت إليها السنة الشريفة و لعظم منزلتهما عند اللّه تعالى كانتا في كنز تحت العرش.