شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (۱۸) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَ مَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (۱۹) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ وَ قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَ الْأُمِّيِّينَ أَ أَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ اللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (۲۰)
بعد أن ذكر سبحانه و تعالى في الآيات السابقة جملة من أحوال الكفّار الذين اغترّوا بمظاهر الدنيا، و اعتزّوا بما عندهم من الأموال و البنين و العدّة، و اعتبروها مغنية عن أمر اللّه تعالى، فقد أخبرهم عزّ و جلّ أنها لا تغني من اللّه شيئا، و أن ما ركنوا إليه من الدنيا إنما هو زائل لا يبقى، و عند اللّه نعيم باق لا يناله إلا الذين اتّقوا و كان في قلوبهم خوفه تعالى، فإذا كان متاعهم في الدنيا حرثا مخصبا، ففي الآخرة جنّات كاملة تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ما دامت السموات و الأرض.
و إذا كان متاعهم في الدنيا نساء و بنين، ففي الآخرة أزواج مطهّرة، و أما غيرها من الخيل المسوّمة و الأنعام و القناطير المقنطرة من أسباب اللذائذ في الدنيا، فهناك ما هو أكبر من كلّ لذّة و شهوة، و هو رضوان اللّه الذي لا يعدله. فلا يبقى للكفّار إلا ما كسبته أيديهم من الشقاء و الحرمان.
ثم ذكر جملة من أحوال المتّقين الذين آمنوا باللّه و أنابوا إليه و عملوا الصالحات و عدّ صفاتهم، و في كلّ صفة منها تتحقّق سمة من سمات الحياة الرفيعة الواقعيّة، الصَّابِرِينَ وَ الصَّادِقِينَ وَ الْقانِتِينَ وَ الْمُنْفِقِينَ وَ الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ، و أن لهم الرضوان و حسن المآب.
ذكر في هذه الآيات وجه الإيمان و أقام الشهادة على أحقيّة ما ذكره في الآيات السابقة، فشهد أولا على نفسه بالوحدانيّة، و من أعظم منه شهيدا؟ و كذلك شهدت الملائكة و أولوا العلم الذين ملأ قلوبهم نور الإيمان به، و بيّن ثانيا قيامه بالعدل، ثم بيّن ثالثا الدستور في حياة الإنسان، و أنه الإسلام الذي هو دين الحقّ و الحقيقة، و أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يدعو الذين أوتوا الكتاب جميعا إلى هذا الدين الواحد، و يترك الجدل معهم بعد إقامة الحجج القويمة و البراهين الساطعة على الإسلام، و أنذرهم على المخالفة و أوعدهم الحساب و العذاب.
فكانت الآيات المباركة ذا نسق واحد مشتملة على ما تقدّم من البراهين و الشهادة و البيّنة عليها، لتكون ثابتة و قويمة لا يقدر على إنكارها منكر، و إلا استحق العذاب بعد إقامة الحجّة و البرهان.