لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى لا انْفِصامَ لَها وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (۲٥٦) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (۲٥۷)
قرر سبحانه و تعالى في الآية السابقة كليات اصول الدّين و هي توحيد اللّه تعالى و تنزيهه عن الشرك و الأنداد و النقائص و الأوهام و أثبت تعالى لنفسه الأقدس أمهات الصفات العليا و الأسماء الحسنى. كما دلّت الآية على المعاد أيضا للتلازم بين المبدإ و المعاد.
يبيّن عزّ و جلّ في هاتين الآيتين أصلا آخر من أصول الدّين و هو النبوة بعد الإشارة إليها في الآية السابقة و قرّر تعالى أنّ الدّين الذي نزل به على خاتم الأنبياء قد حوى من المعارف الإلهية و التشريعات الربوبية التي هي من الوضوح بمكان مما لا يدع مجالا إلى الشك و الريبة و يهدي إلى الفطرة السليمة و العقل المستقيم فمن آمن بما أنزل اللّه تعالى فقد خرج من ظلمات المادة و المعاصي إلى النور الإلهي و دخل في ولاية اللّه تعالى و فاز بسعادة الدّارين و من أعرض و كفر به أطفأ نور الفطرة بالكفر و الطغيان و صار من أولياء الشيطان فنال الشقاوة و الخسران.
و ميّز سبحانه في هاتين الآيتين بين تشريع الدّين فاعتبر أنّ معالمه واضحة و أعلامه جلية عالية فلا إكراه عليه و لا إجبار على الدخول فيه و بين بقائه فاعتبر فيه الاستمساك بالعروة الوثقى التي تجعل الدّين غضا طريا يؤمن عليه من تلبيس المنافقين و زيغ المعاندين و دسائس الكافرين و لا يمكن الانفكاك بين الأمرين و الا استلزم الخلف فإنّ تشريع الدّين من دون الضمان على بقائه و استمراريته لا سيّما إذا كان خاتم الأديان الإلهية كان لغوا و لأجل ذلك كانت النبوة و الولاية متلازمتين. و من ذلك يعلم الوجه في بعض الأخبار التي تدل على جعل هاتين الآيتين من متممات الآية السابقة لأنّ بهما تتم أصول الدّين جميعها.