1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآية 158

إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ (۱٥۸)


بعد ما ذكر سبحانه و تعالى أمر القبلة و ما يلاقيه الإنسان- في سبيل استكماله و تزكية النفس- من المصائب التي لا بد من الصبر عليها و التسليم له تعالى، بيّن سبحانه بعض ما يكون دخيلا في كماله فذكر من مشاعر الحج الصفا و المروة و اعتبر التطوف بهما من الخير الذي يشكره عليه و يجزيه بالجزاء الأوفى.

قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ، مادة (ص ف و) تأتي بمعنى الخلوص عن الشوب، و منه الصفاة و هي الحجارة الملساء الصافية الخالصة، و منه أيضا اصطفاء اللّه لخاصة عباده لخلوصهم في عبوديته، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ [سورة آل عمران، الآية: 33]، و قال تعالى: وَ سَلامٌ عَلى‏ عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى‏ [سورة النمل، الآية: ٥۹].
و الصفا جبل بمكة تجاه البيت الحرام، سمي به، مضافا إلى الوجه اللغوي، أنّ صفي اللّه آدم (عليه السلام) هبط عليه فسمي المحل باسم الحال، و هو يذكر و يؤنث.
و المروة واحد المرو، و هي الحجارة البيض، أو الحجارة التي تقدح منها النار، و هي جبل بمكة أيضا، سمي الموضع بها مضافا إلى التسمية اللغوية أن المرأة- أي حواء- نزلت عليها فسمي المحل باسم الحال.
و بين الصفا و المروة من المسافة ما يزيد على ۷٦۰ذراعا يسعى بينهما في الحج و العمرة. و كان للمشركين عليهما أصنام إلى أن أظهر اللّه تعالى الإسلام فألقاها عنهما رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).
و الشعائر جمع شعيرة و هي العلامة تطلق تارة: على معالم الحج و مشاعره، و هي أعلامه الظاهرة المعدة للنسك و العبادة، و مشاعر اللّه كل ما يتعبد فيه للّه عزّ و جل، و أخرى: على العبادة و النسك من صلاة و صوم و دعاء، و قراءة القرآن و غير ذلك مما يصح أن تكون عبادة.
و المعنى: إنّ الصفا و المروة من مواضع عبادة اللّه تعالى و معالم طاعته، لأنّ المسعى من أحب البقاع إلى اللّه تعالى، و أن السعي بينهما تذلل خاص و خشوع كبير للّه تعالى، و أن فيه يذل كل جبار ففي الحديث قيل للصادق (عليه السلام): «لم صار المسعى أحب البقاع إلى اللّه تعالى؟ قال: لأنه يذل فيه كل جبار».
قوله تعالى: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ. الحج هو القصد للزيارة، و في‏ الشرع قصد بيت اللّه الحرام لأداء النسك المخصوصة المعروفة في كتب الفقه.
و العمرة: الزيارة، و هي من العمارة لأن المزور يعمر بالزيارة و هي شرعا زيارة مخصوصة للبيت الحرام على ما هو المفصل في الفقه و الاعتمار أداء مناسك العمرة.
و قد ورد لفظ الحج في القرآن العظيم في تسعة موارد، كما ورد لفظ الاعتمار فيه في مورد واحد، و لفظ العمرة في موردين.
قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما. الجناح (بالضم) الميل، و المراد به هنا الترخيص و عدم الإثم و البأس و لو كان بحسب القرائن الحافة به. و أما وجوب المورد او عدمه فلا بد أن يستدل عليه بالدليل آخر، كما يقال لمن صلّى في ثوب أسود: لا جناح بالصلاة فيه، فإنه لا يدل على الترخيص في أصل الصّلاة بعد ثبوت وجوبها بأدلة خاصة، فيكون متعلق الجناح جهات أخرى لا أصل الصلاة.
و السر في التعبير به مع أنّ السعي بين الصفا و المروة واجب في الحج و العمرة عند المسلمين إما لأجل رفع توهم الحظر فان المسلمين توقفوا في بادئ الأمر من الطواف بينهما، لمكان الأصنام الموضوعة عليهما.
أو لأجل أنّ المشركين كانوا لا يرون الصفا و المروة من الشعائر، و أنّ السعي بينهما ليس من مناسك ابراهيم (عليه السلام) فعبر تعالى بذلك، و هو لا ينافي وجوب السعي بدليل خارجي، كما سيأتي في البحث الفقهي.
و التطوف: الطواف و هو المشي حول الشي‏ء، أو بين شيئين، و قد استعملت المادة في القرآن كثيرا بالنسبة إلى الدنيا و الآخرة، و العذاب و الرحمة، قال تعالى: وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [سورة الحج، الآية: 29]، و قال تعالى: فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ [سورة القلم، الآية: 29] و قال تعالى: وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ [سورة الإنسان، الآية: 19].
و يطلق الطيف على الخيال، و النوم، و الحادثة باعتبار الإحاطة بالإنسان.
و سمي السعي بينهما تطوفا باعتبار تكرره و الرجوع الى مبتدئه كما يطلق على المرأة طوافة البيت.
و إنما بدأ سبحانه في بيان أعمال الحج و احكامه بالسعي بين الصفا و المروة مع أنه مؤخر عن جملة من الأعمال- كالإحرام و الطواف بالبيت- إما لأجل أن حكمة تشريعة كانت بعيدة عن العقول، أو لأجل أن الصفا و المروة كانا محلا لأعظم أصنام المشركين، فكان المسلمون يتنزهون عن السعي بينهما. أو لأجل إنكار شعيرتهما و عدم كونها مما أتى به إبراهيم (عليه السلام) أول مشرع لأحكام الحج و يرشد الى هذا الاحتمال ذكر آية الكتمان بعد ذلك.
و يمكن أن يقال: انه قد ذكر سبحانه إجمالا بعض اعمال الحج في ما تقدم من الآيات، فقد ذكر الطواف في قوله تعالى: أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ [سورة البقرة، الآية: ۱۲٥] و ذكر صلاة الطواف في قوله تعالى: وَ اتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى [سورة البقرة، الآية: ۱۲٥] و هنا ذكر السعي، و سيأتي بقية الأحكام في هذه السورة و سورة الحج.
قوله تعالى: وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً. التطوع: هو الرغبة في الشي‏ء متخذا له كما في التعلم و التفهم، و هذا هو شأن هيئة (تفعّل) و هو أعم من الطاعة فانها لا تصدق إلّا إذا كان أمر في البين- واجبا كان او ندبا- و في غيره لا تصدق الإطاعة.
و لا يدل اللفظ على الندب و الاستحباب إلّا بقرينة خارجية؛ و يمكن أن يستفاد من قوله تعالى: خَيْراً أن السعي كالطواف حول البيت الحرام انه خير و يكون محبوبا له تعالى، و يقتضيه المتعارف عند الملوك فإن كثرة تردد الرعايا على أبوابهم محبوبة لديهم.
قوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ. شكره تعالى إنعامه على العباد، و الجزاء على ما فعلوه من الخير. و هو العليم بطاعة العباد لا يخفى عليه شي‏ء فيجازي كل فرد بما يستحقه من الجزاء.
و في التعبير بالشكر إشارة إلى نهاية لطفه و كمال عنايته بعبيده، فان العبد و عمله ملك له تعالى و منافع عمله عائدة إليه و مع ذلك فهو تعالى قد شكرهم عليها و يجزيهم بالخير الجزيل. و في ذلك إيماء إلى وجوب شكر المنعم و الترغيب اليه؛ و الحث على التخلق بأخلاق اللّه تعالى، و التشكر من النّاس و التقدير من أعمالهم.
و معنى الآية المباركة إنّ الصفا و المروة من مشاعر عبادة اللّه تعالى و طاعته فمن قصد زيارة البيت في الحج و العمرة يكون السعي بينهما مطلوبا لأنه خير.

ابن بابويه عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سمي الصفا صفاء لأن المصطفى آدم هبط عليه، فقطع للجبل اسم من اسم آدم (عليه السلام) يقول اللّه عزّ و جل: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى‏ آدَمَ وَ نُوحاً وَ آلَ إِبْراهِيمَ وَ آلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ. و هبطت حواء على المروة و إنما سميت المروة، لأن المرأة هبطت عليها، فقطع للجبل اسم من اسم المرأة».
أقول: هذا من بعض وجوه التسمية كما تقدم في التفسير، و يمكن أن يكون هناك جهات أخرى للتسمية، و لا بأس بأن يجتمع في شي‏ء واحد جهات متعددة للتسمية.
في تفسير العياشي عن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما قال: «لا حرج عليه أن يطوّف بهما».
أقول: تقدم ما يدل على وجوب السعي بينهما و أن قوله تعالى: فَلا جُناحَ و ما ورد في تفسيره بلا حرج إنما هو من جهات اخرى لا من جهة إباحة اصل السعي حتّى ينافي الوجوب.
في الكافي عن بعض أصحابنا قال: «سئل أبو عبد اللّه (عليه السلام) عن السعي بين الصفا و المروة فريضة أم سنة؟ فقال (عليه السلام): فريضة.
قلت: أو ليس قال اللّه عزّ و جل: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما قال: كان ذلك في عمرة القضاء إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) شرط عليهم أن‏ يرفعوا الأصنام من الصفا و المروة».
و مثله في تفسير العياشي إلّا أنه زاد: «فتشاغل رجل من أصحابه حتّى أعيدت الأصنام قال: فأنزل اللّه. إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما أي و الأصنام عليهما».
أقول: الرواية تبين ما تقدم من اختلاف متعلق الوجوب و هو ذات السعي و متعلق «لا جناح» باعتبار وجود الأصنام.
و في الكافي أيضا عن معاوية بن عمار عن الصادق (عليه السلام) في حديث حج النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قال: «بعد ما طاف بالبيت و صلّى ركعتيه قال (صلّى اللّه عليه و آله): إن الصفا و المروة من شعائر اللّه فابدأ بما بدأ اللّه عزّ و جل، و ان المسلمين كانوا يظنون أن السعي بين الصفا و المروة شي‏ء صنعه المشركون فأنزل اللّه: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما.
و في الكافي عن الصادق (عليه السلام): «إنّ المسلمين كانوا يظنون أنّ السعي ما بين الصفا و المروة شي‏ء صنعه المشركون فأنزل اللّه هذه الآية» و روى السيوطي مثله في الدر المنثور.
أقول: حيث إنّ المسلمين كانوا يعتقدون أنّ السعي من فعل الجاهلية فيصير قوله تعالى: فَلا جُناحَ في مقام توهم الحظر كما تقدم.
و في تفسير القمي: «إنّ قريشا وضعت أصنامهم بين الصفا و المروة و كانوا يتمسحون بها إذا سعوا، فلما كان من أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ما كان في غزوة الحديبية و صده عن البيت و شرطوا له أن يخلوا له البيت في عام قابل حتّى يقضي عمرته الثالثة، و قال لقريش: ارفعوا أصنامكم حتّى أسعى فرفعوها».
أقول: لا منافاة بين هذه الرواية و بين الرواية السابقة الدالة على السعي مع وجود بعض الأصنام لإمكان بنائهم على الرفع و اشتغالهم به و لم يتم ذلك إلّا بعد مدة.
في الدر المنثور عن عامر الشعبي: «كان وثن بالصفا يدعى إساف، و وثن بالمروة يدعى نائلة فكان أهل الجاهلية إذا طافوا بالبيت يسعون بينهما و يمسحون الوثنين فلما قدم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) قالوا: يا رسول اللّه إن الصفا و المروة إنما كان يطاف بهما من أجل الوثنين و ليس الطواف بهما من الشعائر فأنزل اللّه إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ- الآية- فذكّر الصفا من أجل الوثن الذي كان عليه و أنّث المروة من جهة الصنم الذي كان عليها مؤنثا».
و في صحيح البخاري عن عاصم «كان المسلمون يمسكون عن الطواف بين الصفا و المروة و كانا من شعائر الجاهلية، و كنّا نتقي الطواف بهما فأنزل اللّه تعالى إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ- الآية-».
أقول: ورد من طرقنا قريب من ذلك أيضا.

يستفاد من قوله تعالى: إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ أن السعي عمل عبادي يتقوم بقصد القربة فبدونه أو مع قصد الرياء- نستجير باللّه منه- أو غاية أخرى يكون السعي فاقدا لصلاحية الإضافة إلى اللّه تعالى و يكون السعي باطلا، كما في سائر العبادات فيفسد حينئذ اصل الحج أو العمرة، كما هو المفصل في كتب الفقه.
و السعي بين الصفا و المروة عبارة عن المشي بينهما سبع مرات بدءا من الصفا و انتهاء بالمروة كما هو مذكور في الفقه. و يصح ماشيا و راكبا؛ و لا يعتبر فيه الطهارة لا الحدثية و لا الخبثية، و لا الموالاة بين الأشواط، و لا بين أبعاضها على ما فصل في الفقه.
و هو واجب كما عليه جمهور المسلمين و تدل عليه نصوص كثيرة و إجماع الإمامية، و تقدم أن نفي الجناح إنما كان لرفع توهم الحظر الذي اعتقده المسلمون باعتبار أنّ السعي شي‏ء صنعه المشركون أو لأجل وجود الأصنام على الجبلين فتوقفوا من السعي بينهما كما مر، و يمكن استفادة ذلك من ظاهر الآية الشريفة أيضا، فإن إثبات كون الصفا و المروة من شعائر اللّه يدل‏ على أنّ الإعتقاد كان على خلاف ذلك فأراد سبحانه و تعالى إعلام النّاس بشعيرتهما و نفي ما كان معتقدا عندهم.
و مما ذكرنا يعرف أنّ التطوع بالسعي أمر مرغوب فيه، لأنه خير و من تعظيم شعائر اللّه تعالى، و لا يستفاد منه الاستحباب الشرعي المصطلح عليه في الفقه و لا سيما مع القرينة المزبورة على الخلاف. و لذلك وردت الروايات الدالة على وجوب السعي لعدم التنافي بينه و بين ظاهر الآية الشريفة، و تقدم في البحث الروائي ذكر بعض الروايات و التفصيل يطلب من كتابنا [مهذب الأحكام في بيان الحلال و الحرام‏].

3 تعليقات. Leave new

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Fill out this field
Fill out this field
الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني صالح.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"