يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (۲۱) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (۲۲)
بعد أن ذكر سبحانه في ما تقدم أصناف خلقه و هم المؤمنون المهتدون الفائزون، و الكافرون الذين اختاروا الكفر فطبع بذلك على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم، و المنافقون الذين هم الأخسرون اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا. فكما أن الدنيا مجمعهم بالوجود الجمعي و التدريجي في سلسلة الزمان كذلك الآخرة مجمعهم بالوجود الجمعي في الزمان و المكان. دعا سبحانه و تعالى في هذه الآيات النّاس إلى التوحيد و العبادة حتّى تستعد نفوسهم إلى التقوى. ثم عدد جلائل نعمه في السماء و الأرض ليرغّبهم إلى التفكر و نبذ الأنداد فلا يستعينوا بغيره عزّ و جل، كل ذلك في عبارات يتدفق منها الحنان و العطوفة، و قد أظهر اهتمامه بهم بقوله تعالى: خَلَقَكُمْ ثم ذكر خلق السابقين ليعرف أن الجميع خلقه و هو الخالق و المستحق للعبادة دون غيره و إنما كان الخلق السابق كالمقدمة لخلق المسلمين ثم بين الغاية القصوى للخلق و هي التقوى ثم عدد بعض النّعم النوعية التي تكون من خصائص الربوبية.