تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَ رَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ وَ آتَيْنا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّناتِ وَ أَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ وَ لكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَ لكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ (۲٥۳)
بعد ما ذكر سبحانه و تعالى في الآيات السابقة وجوب الإنفاق و الجهاد في سبيل اللّه و إقامة الحق و قد ضرب عزّ و جلّ لذلك مثلا من الأمم الماضية ليعتبر به المؤمنون و لتطيب به نفوسهم بما يلقونه من العنت و المشقة في سبيل اللّه تعالى و إقامة دينه عزّ و جلّ و قد وعد المؤمنين بالنصر و بشرهم بالفوز و ختم الكلام بالمرسلين الذين هم واسطة الفيض أرسلهم اللّه ليخرجوا الناس من الظلمات إلى النور.
ذكر في هذه الآية الشريفة أنّ تلك الرسل ميّزهم اللّه تعالى في الفضل و الدّرجات بعد ما أيدهم بالبينات.
و ذكر من أسباب التفضيل ثلاثة: تكليم اللّه تعالى، و رفع الدّرجات و التأييد بروح القدس، و خص سبحانه من الأنبياء الذين بقي لهم أتباع، فأمرهم بالاتحاد و نبذ الاختلاف اللذين هما من أركان الأديان الإلهية. و لكنّهم اختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات فآل أمرهم إلى الاقتتال، و لو شاء اللّه لأزال ما يوجب الاختلاف و الاقتتال و لكن قضت حكمة اللّه المتعالية أن يجري الأمور بالأسباب و لا رادّ لحكمه و هو يفعل ما يريد.