1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 149 الى 151

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ (۱٤۹) بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ وَ هُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (۱٥۰) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَ مَأْواهُمُ النَّارُ وَ بِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (۱٥۱)


بعد ما أمر عز و جل المؤمنين باتباع الأنبياء و انصاره المجاهدين الصابرين المكافحين في تثبيت دعائم الدين و اركان التوحيد و بيّن ما لهم‏ من الفضل العظيم و الأجر الجزيل و حسن العاقبة يبين سبحانه و تعالى في هذه الآيات المباركة أصلا من أصول النظام الاسلامي و حقيقة من الحقائق الاجتماعية التي تحفظ وحدة الاجتماع و هو الايمان باللّه العظيم و الاعتقاد بانه مولى المؤمنين يكفيهم و ينصرهم، و قد أمرهم بالإعراض عن الكافرين الذين ما برحوا في تثبيط عزيمة المؤمنين و إرجاعهم إلى الكفر و الارتداد عن الايمان و قد نهاهم عز و جل عن متابعتهم و بيّن ما يترتب عليها من الآثار السيئة و سوء العاقبة و قد وعد سبحانه و تعالى المؤمنين بالنصر على الكافرين الذين أوعدهم سوء العاقبة.
و الآيات المباركة من تتمة الآيات النازلة في احد حيث يذكر عز و جل بعض ما جرى في هذه الغزوة العظيمة التي قلّما اشتملت غزوة أخرى مثلها من الحقائق و التعليم.
و قد أمر سبحانه و تعالى في هذه الآيات بأن لا يطيعوا غير ربهم الذي هو مولاهم يكفيهم أمورهم و يعينهم على مقاصدهم.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا.
خطاب إلى المؤمنين اعتناء بشأنهم و تذكيرا بأن الايمان الذي هم عليه ينافي طاعة غير ربهم عز و جل، و انما ورد «ان» في قوله تعالى «إِنْ تُطِيعُوا» إيذانا بان الإطاعة بعيدة الوقوع من المؤمنين.
و المراد بالطاعة إما العامة في جميع الأمور أو في خصوص الجهاد كما ان المراد بالذين كفروا هم الذين لم يؤمنوا بنبوة نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) سواء كانوا من المشركين أو المنافقين الذين كفروا بقلوبهم و ان آمنوا بأفواههم.
و يستفاد من الآية الشريفة ان الكافرين كانوا يلقون على المؤمنين ما يوجب التنازع و التفرقة و الاختلاف و ما يثبطهم عن الجهاد في سبيل اللّه تعالى و قتال أعدائه عز و جل، و يدل عليه ما ورد في الآيات اللاحقة التي يحكم سبحانه و تعالى فيها بعض مكائدهم.
و يمكن ان يقال بان ذلك من الأمور الطبيعية في كل اجتماع مكوّن من طبقات أو مركب من فرق مختلفة الأهواء فان كل فرقة تعين على الفرقة الاخرى بكل ما يتاح لها من السبل قولا أو فعلا، و في المجتمع الاسلامي المنافقون و المشركون و غيرهم ممن يجحد نبوة محمد (صلى اللّه عليه و آله) كان لهم الدور الكبير في هذا الشأن، و قد حذر اللّه عز و جل المؤمنين من طاعتهم في مواضع متعددة من القرآن الكريم و حكى تعالى بعض المصاديق إتماما للتحذير، و ليكون الزجر على أكمل الوجه.
قوله تعالى: يَرُدُّوكُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ.
الرد على الأعقاب هو الرجوع إلى الوراء. و مادة (عقب) تدل على التأخر سواء كان في الخير أو في الشر زمانا أو شأنا، و الاول كما في حديث الذكر الذي علمه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) للزهراء (سلام اللّه عليها): «معقبات لا يخيب قائلهن اربع و ثلاثون تكبيرة و اربع و ثلاثون تحميده و ثلاث و ثلاثون تسبيحة» و الثاني كما في الرواية «ويل للاعقاب من النار».
و المعنى: انكم لو أطعتم الذين كفروا يرجعونكم إلى ما كنتم فيه من الكفر و الضلال و الشرك باللّه تعالى سواء كان الضلال و الرجوع إلى الكفر دفعة أو تدرجا. و من ذلك إطاعتهم في ترك الجهاد، و القتال أو طلب الأمان منهم كما صدر عن بعض المؤمنين في غزوة أحد عند ما غلبوا على أمرهم بادئ الأمر فانه يقتضي تسلط الكافرين على المؤمنين و الميل إلى ولايتهم و هو يوجب الرد عن الايمان.
و مضمون الآية الشريفة لا يختص بعصر نزول القرآن الكريم بل هو حقيقة من الحقائق التي أكد القرآن الكريم عليها بأساليب مختلفة قال تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ» آل عمران- 100.
قوله تعالى: فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ.
اي: فترجعون إلى ورائكم و أنتم خاسرون للدنيا و الآخرة و هو أعظم الخسران للإنسان.
قوله تعالى: بَلِ اللَّهُ مَوْلاكُمْ.
اضراب عن تولي الكافرين لأنهم ليسوا أهلا للطاعة. اي: فلا تطيعوا الكفار بل أطيعوا اللّه تعالى مولاكم و ناصركم و قد وعدكم النصر و تولي شؤونكم بعنايته الخاصة قال تعالى: «فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى‏ وَ نِعْمَ النَّصِيرُ» الأنفال- 39.
قوله تعالى: سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِما أَشْرَكُوا بِاللَّهِ.
بيان لكونه خير الناصرين و وعد منه تعالى بنصر المؤمنين بالرعب‏ و خذلان الكافرين.
و الرعب: بسكون العين شدة الخوف و الفزع و هو مما اختص به (صلى اللّه عليه و آله) كما في الحديث المعروف: «و نصرت بالرعب مسيرة شهر» فكان أعدائه قد أوقع اللّه تعالى في قلوبهم الخوف منه فإذا كان بينه و بينهم مسيرة شهر هابوه و فزعوا منه.
و المعنى: سنفرغ في قلوب الذين كفروا الرعب بسبب اشراكهم باللّه العظيم. و انما عبر سبحانه و تعالى بنون العظمة «سنلقي» و التفت في الكلام على طريق المهابة و الكبرياء و أكد عز و جل الإلقاء بالسين «سنلقي» اهتماما بالموضوع.
و قد ذكر عز و جل من افراد النصر إلقاء الرعب في قلوب الأعداء و هو مما وعده به عز و جل المؤمنين في مواضع مختلفة و انه من مختصات خاتم النبيين (صلى اللّه عليه و آله) كما تقدم في الحديث و قد شهد به التاريخ في حروبه مع المشركين.
و انما ورد اسم الجلالة صريحا لبيان ان هذا الاسم الجامع لجميع صفات الكمال ينافي اتخاذ الشريك له و يشمل الشرك كل انحائه في الذات و الخلق و الفعل و اسناد التأثير لغيره كالدهر و المادة و غيرها.
قوله تعالى: ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً.
السلطان: هو الحجة و البرهان، و انما عبر تعالى به لإثبات التسلط على الخصم، فيستفاد ان كل ما زعموه من الحجج في اثبات الشرك باطل و موهون.
و الآية المباركة تنفي النزول و الوجود معا، فانه لا حجة في ثبوت الشريك حتى ينزلها.
قوله تعالى: وَ مَأْواهُمُ النَّارُ.
المأوى: هو المكان الذي يومئ اليه ليستراح فيه و يحتمي به، و في هذا التعبير تبكيت لهم بسوء العاقبة. اي: ان مكانهم الذين يأوون اليه في الآخرة ليستراح فيه هو النار لا مأوى لهم غيرها.
قوله تعالى: وَ بِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ.
المثوى: هو المكان الذي يمكث فيه و هو من ثويت على وزن مفعل قلبت لامه ياء اي المكان الذي يؤوى اليه الظالمين هو بئس المكان الذي يمكثون فيه و لا يمكنهم مفارقته بسبب ظلمهم.
و انما وضع الظاهر موضع المضمر و لبيان ان ايوائهم انما يكون أبديا و هم خالدون فيه، كما ان في ذكر الظالمين بيان للعلة في استحقاقهم هذا الجزاء لأنهم في اشراكهم ظالمون.

الآية الشريفة تبين جانبا آخر من الجوانب المتعددة في غزوة احد و هو اطاعة المنافقين و المشركين في شأن الجهاد و إقامة الدين و ترتيب الأثر على أقوالهم و أفعالهم و قد حذر سبحانه و تعالى المؤمنين في مواضع متعددة في القرآن الكريم و بيّن الآثار السيئة التي تترتب عليه بأسالبب مختلفة، فقد ذكر عز و جل في المقام من تلك الآثار السيئة الخسران في الدنيا و الآخرة و هو معلوم لان في اطاعة الذين كفروا إذهاب شوكة المسلمين و حرمانهم مما أوعده اللّه تعالى لهم من النصر و السعادة و تبديل‏ الأمن إلى الخوف و الامتهان و الإذلال و هذا هو الخسران في الدنيا و اما الآخرة فلهم عذاب أليم و حرمان مما وعد اللّه المتقين، و تتضمن الآية الشريفة أهم التعاليم الإلهية للمؤمنين.
كما ان الآية الشريفة تبين ان السبب في إلقاء الرعب في قلوب الذين كفروا هو الشرك و هذا جار على طبق السنة الإلهية في قانون الأسباب و المسببات و كلما تحقق هذا السبب يتحقق المسبب فلا اختصاص لذلك بالذين كفروا بل يجرى في المؤمنين إذا هم اعرضوا عن الدين الحق و هذا ما نراه من حال المؤمنين فإنهم كانوا في أعز مقام و احسن حال و لكنهم أصبحوا مرعوبين يخافون من كل احد، مع ان اللّه تعالى وعدهم النصر و حسن العاقبة و هو يفي بعهده ان وفوا بعهدهم.

في تفسير القمي في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا»- الآية-» عن علي (عليه السلام): «يعني عبد اللّه ابن أبي حيث خرج مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) ثم رجع قال للمؤمنين يوم أحد يوم الهزيمة ارجعوا إلى إخوانكم و ارجعوا إلى دينكم».
أقول الرواية من باب التطبيق.
و في الدر المنثور في قوله تعالى: «سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ» قال السدي لما ارتحل أبو سفيان و المشركون يوم أحد متوجهين إلى مكة انطلقوا حتى بلغوا بعض الطريق ثم انهم ندموا و قالوا بئس ما صنعنا قتلناهم حتى لم يبق منهم إلا الشريد تركناهم، ارجعوا فاستأصلوهم فلما عزموا على ذلك القى اللّه تعالى في قلوبهم الرعب حتى رجعوا عما عزموا و انزل اللّه تعالى هذه الآية».
أقول: تقدم في التفسير ما يدل على ذلك.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"