في [مسألة ۱۰] من (فصل الشك).
و هي في مواضع: الأول: الشّك بعد تجاوز المحلّ. و قد مرّ تفصيله (۱). الثاني: الشّك بعد الوقت، سواء كان في الشروط، أو الأفعال، أو الرّكعات، أو في أصل الإتيان. و قد مرّ الكلام فيه أيضا (۲). الثالث: الشّك بعد السّلام الواجب و هو إحدى الصّيغتين الأخيرتين (۳)- سواء كان في الشرائط، أو الأفعال، أو الركعات في الرباعية أو غيرها (٤)، بشرط أن يكون أحد طرفي الشك الصحة (٥) فلو شكّ في أنّه صلّى ثلاثا أو أربعا أو خمسا بنى على أنّه صلّى أربعا، و أما لو شكّ بين الاثنتين و الخمس و الثلاث و الخمس بطلت، لأنّها إما ناقصة ركعة أو زائدة (٦). نعم، لو شكّ في المغرب بين الثلاث و الخمس أو في الصبح بين الاثنين و الخمس- يبني على الثلاث في الأولى و الاثنتين في الثانية (۷). و لو شكّ بعد السّلام في الرباعية بين الاثنتين و الثلاث، يبني على الثلاث و لا تسقط عنه صلاة الاحتياط، لأنّه يعد في الأثناء، حيث إنّ السلام وقع في غير محلّه (۸)، فلا يتوهم أنّه يبني على الثلاث و يأتي بالرابعة- من غير أن يأتي بصلاة الاحتياط- لأنّه مقتضى عدم الاعتبار بالشك بعد السلام (۹). الرابع: شك كثير الشك (۱۰) و إن لم يصل إلى حد الوسواس (۱۱) سواء كان في الركعات، أو الأفعال، أو الشرائط (۱۲)، فيبني على وقوع ما شك فيه و إن كان في محلّه (۱۳) إلّا إذا كان مفسدا فيبني على عدم وقوعه، فلو شك بين الثلاث و الأربع يبني على الأربع، و لو شك بين الأربع و الخمس يبني على الأربع أيضا. و إن شك أنّه ركع أم لا؟ يبني على أنّه ركع و إن شك أنّه ركع ركوعين أم واحدا بنى على عدم الزيادة و إن شك أنّه صلّى ركعة أو ركعتين بنى على الركعتين و لو شك في الصبح أنّه صلّى ركعتين أو ثلاثا بنى على أنّه صلّى ركعتين. و هكذا (۱٤) و لو كان كثرة شكه في فعل خاص يختص الحكم (۱٥) به، فلو شك اتفاقا في غير ذلك الفعل يعمل عمل الشك (۱٦). و كذا لو كان كثير الشك بين الواحدة و الاثنتين لم يلتفت في هذا الشك و يبني على الاثنتين. و إذا اتفق أنّه شك بين الاثنتين و الثلاث- أو بين الثلاث و الأربع- وجب عليه عمل الشك من البناء و الإتيان بصلاة الاحتياط. و لو كان كثير الشك بعد تجاوز المحل مما لا حكم له دون غيره، فلو اتفق أنّه في المحلّ وجب عليه الاعتناء. و لو كان كثرة شكه في صلاة خاصة أو الصلاة في مكان خاص و نحو ذلك اختص الحكم به، و لا يتعدّى إلى غيره.
أما إذا كان الشك بعد الوقت في أصل الإتيان، فيدل على عدم الاعتناء به ما تقدّم من صحيح زرارة في [مسألة ۱] من (فصل الشك) و إن كان في الشرائط و الأجزاء و الركعات، فيدل عليه مضافا- إلى ظهور حال المصلّي، و ظهور التسالم عليه، و إمكان استفادته من الشك في أصل الإتيان بالأولوية- قاعدتي الفراغ و التجاوز، و قد تقدّم ما يتعلّق بهذه الفروع في مسائل أول (فصل الشك) فراجع.
لقاعدة الفراغ التي تعرّضنا لها فراجع و الاختصاص بإحدى الصيغتين الأخيرتين، لأجل أنّ الفراغ لا يتحقق إلّا بإحداهما كما تقدّم في مبحث السلام.
لعموم تلك القاعدة الشامل للجميع.
حق التعبير أن يقال: بشرط عدم حصول العلم ببطلان الصلاة تفصيلا
أو إجمالا، لعدم موضوع للقاعدة حينئذ. و أما لو كان الشك الحادث بعد الفراغ من الشكوك الصحيحة أو المبطلة، أو كان أحد طرفيه صحيحا و الآخر مبطلا، فيشمل الجميع عموم قاعدة الفراغ، مضافا إلى ظهور الاتفاق.
قد تقدّم هذا التعليل منه (رحمه اللّه) في [مسألة ۱٥ و ۱٦] من (فصل الشك في الركعات) و تقدّم في تلك المسألة من ذلك الفصل ما يتّضح المقام أيضا فراجع، و لا فرق بين ما نحن فيه و ما تقدّم فيهما، فلا وجه للإعادة و التكرار.
لعموم دليل قاعدة الفراغ الشامل لجميع ذلك مضافا إلى ظهور الاتفاق.
للعلم ببقاء ركعة من الصلاة بعد، و معه كيف يحتمل جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى مثل هذا السلام، لأنّ وقوعه في غير المحل معلوم.
إذ ليس المراد به كل سلام صدر من المصلّي، بل المراد به السلام الذي أمكن انطباق الفراغ عليه بحسب القواعد الشرعية، و لا يمكن ذلك في المقام كما لا يخفى، بل لو صدر من المصلّي سلام و تردّد بين كونه صدر في غير المحل، أو في المحل و لم يمكن له تعيين أحدهما من القرائن لا وجه لجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إليه أيضا.
للقاعدة المعروفة و هي: عدم اعتبار شك كثير الشك.
(قاعدة عدم اعتبار شك كثير الشك) من القواعد الامتنانية الحاكمة على أدلّة جميع الشكوك المعتبرة: قاعدة عدم اعتبار الشك إذا كثر.
و يدلّ عليها أولا: كونها من ضروريات الفقه فضلا عن الإجماع عليها.
و ثانيا: مرتكزات العقلاء في الجملة، فإنّهم لا يعتنون بكثرة الشك في أمورهم المعاشية و المعادية و يكون ذلك خلاف المتعارف لديهم.
و ثالثا: جملة من الأخبار:
منها: صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك إنّما هو من الشيطان»۱.
و منها: ما عن زرارة و أبي بصير جميعا قالا: «قلنا له: الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه قال: يعيد، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كل ما أعاد شك، قال: يمضي في شكّه، ثمَّ قال: لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّه الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرنّ نقض الصلاة، فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك»۲.
و منها: ما عن ابن سنان: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك»۳.
و منها: ما عن ابن أبي حمزة عن الرجل الصالح (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يشك فلا يدري واحدة صلّى أو اثنتين أو ثلاثا أو أربعا تلتبس عليه صلاته قال: كل ذا؟ قال: قلت: نعم، قال: فليمض في صلاته- الحديث-»4 و قول الرضا (عليه السلام): «إذا كثر عليك السهو في الصلاة، فامض على صلاتك و لا تعد»٥.
و المراد بالسهو الشك كما في بعض الأخبار الأخر إلى غير ذلك من
الروايات، و سيأتي تحديد الكثرة عن قريب.
فرعان- (الأول): كثرة الشك قد تكون في فعل خاص، و قد تقدّم حكمه، و قد تكون نفس الشك كثيرا في أفعال متعدّدة، و هذا أيضا لا يعتنى به بعد تحقق الكثرة و إن تغاير متعلّق الشك و اختلف، لإطلاق الدليل الشامل له.
(الثاني): كثرة الشك في أصل الإتيان لا يلحقه حكم كثير الشك- كما تقدم في (فصل الشك) [مسألة ۸]- إلّا إذا وصل إلى حد الوسواس فلا يصح الاعتناء به حينئذ، لأنّه من إطاعة الشيطان كما في صحيح ابن سنان.
لإطلاق الروايات، و معاقد الإجماعات الشامل لمطلق كثرة الشك.
لإطلاق الشامل للجميع، مضافا إلى ما تقدّم من صحيح زرارة- الوارد في الشك في الركعات٦– و موثق عمار- الوارد في الشك في الأفعال۷– و يمكن استفادة التعميم أيضا من إطلاق قوله (عليه السلام) «إنّما هو من الشيطان»، و قوله (عليه السلام): «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم»، إذ يستفاد منهما أنّ كثرة الشك في أي مورد تحقق تكون من الشيطان و لا بدّ من الاجتناب عنه بحسب الإمكان.
حيث إنّ ترتيب الأثر على الشك في مورد كثرته مطلقا إطاعة للشيطان سواء كان ذلك بإعادة أصل الصلاة، أم بالإتيان بالاحتياط، أم بالتدارك في المحل، فأمر الشارع بإرغام أنفه و مخالفته، و قطع معاودته و لا معنى لاختصاص إرغام الشيطان و قطع معاودته بمورد دون آخر، و لذا أفتى الفقهاء «رضوان اللّه تعالى عليهم» بالتعميم في الجميع، و معنى عدم ترتيب الأثر على الشك هو الحكم بالصحة مطلقا، فيبني على الأقل إن كان البناء على الأكثر مفسدا، و على الأكثر إن
لم يكن كذلك و يبني على الإتيان و إن كان في المحل، لأنّ الرجوع و التدارك يكون من إطاعة الشيطان.
كل ذلك، لأنّ احتمال الخلل كان عند الكثرة إنّما جاء من ناحية الشيطان، فلا بدّ من عدم الاعتناء به و إرغام أنفه و البناء على الصحة بقدر الإمكان، فهذه القاعدة في ظرف تحقق كثرة الشك كأصالة الصحة عند الشك بينها و بين الفساد، فكما يبنى على الصحة فيه مهما أمكن الطريق إليها، فكذا في المقام.
لأنّه المتفاهم من الأدلّة عرفا، و لعدم تحقق الموضوع في غيره فينتفي الحكم قهرا. فما عن المدارك من عموم الحكم للشك الاتفاقي أيضا، للإطلاق مخدوش، لظهور الإطلاق في مورده دون غيره إلّا إذا ثبت أنّ كثرة الشك من قبيل واسطة العروض لنفي حكم الشك مطلقا لا أن يكون من قبيل الموضوع و الحكم.
و هذا الاحتمال حسن ثبوتا، و لكنه لا دليل عليه إثباتا في مقابل إطلاق أدلّة الشكوك.
لإطلاق أدلّته، و عدم تحقق موضوع كثير الشك فيه، فالمقتضي موجود و المانع مفقود.
(مسألة ۱): المرجع في كثرة الشك العرف (۱۷). و لا يبعد تحققه إذا شك في صلاة واحدة ثلاث مرّات، أو في كلّ من الصلوات الثلاث مرّة واحدة (۱۸)، و يعتبر في صدقها أن لا يكون ذلك من جهة عروض عارض من خوف، أو غضب أو همّ، أو نحو ذلك مما يوجب اغتشاش الحواس (۱۹).
لأنّه المرجع في كل ما لم يرد فيه تحديد من الشرع، و قد صرّح جملة من الأصحاب بذلك في المقام، و قيل: إنّه مذهب الأكثر- كما في الجواهر- و هذه قاعدة كلية أشرنا إليها في كتاب الطهارة و هي قاعدة: «تحكيم العرف في ما لم يرد فيه تحديد من الشارع» و هي معتبرة عقلا و شرعا و عدم اعتبارها يستلزم العسر و الحرج المنفيان في الشرع.
لأنّ المناط في كثير الشك الذي لا يجوز له الاعتناء به ما كان من الشيطان و كان عدم الاعتناء به موجبا لزواله، و ما حصل من جهة هذه العوارض ليس كذلك، بل لها منا شيء أخرى.
لأنّ اعتبار التعدّد في مادة: (كثر) مما لا ريب فيه و هو قابل للتشكيك لصدقه على الثلاثة فما زاد، و مقتضى الإطلاق تحقق الكثرة إذا شك في صلاة واحدة شكوكا ثلاثة، أو في كل واحدة من صلاة مستقلّة شكّ واحد مضافا إلى أنّ الكثير في أخبار المقام ذكر في مقابل المتعارف، و من شكّ في صلاة واحدة ثلاثة شكوك، أو شكّ في ثلاث صلوات متوالية يكون خلاف المتعارف عند المتشرّعة، فلا وجه لبيان معنى الكثير، بل المناط صدق كونه خلاف متعارف المصلّين و هو و إن كان قابلا للشدّة و الضعف، لكن المدار على صدق أول مرتبته.
و أما صحيح محمد بن أبي حمزة أنّ الصادق (عليه السلام) قال: «إذا كان الرجل ممن يسهو في كل ثلاث، فهو ممن كثر عليه السهو»۸، فهو على إجماله يحتمل أن يكون بيانا لأحد مصاديقه العرفية، لا أن يكون من التحديدات التعبّدية الشرعية، و في مقام بيان الحصر فيما ذكر فيه، لأنّه سياقه يشهد بالخلاف، و أظهر احتمالاته كما قيل: أن لا يسلم من الشك في ثلاث صلوات متوالية و هو غير مناف للعرف كما مرّ. و يحتمل أن يراد في صلاة واحدة في ثلاثة أيام، أو في فعل واحدة
من صلاة واحدة ثلاثة مرّات، أو يكون بحيث لا يصلّي ثلاث صلوات إلّا و هو يسهو في واحدة منها، فإذا سها في الظهر و العشاء من يوم و في العصر من اليوم الثاني، و في الصبح من اليوم الثالث، فهو من كثير السهو. و قد قيل: إنّ هذا أظهر الاحتمالات. و فيه: منع و على أي تقدير إجماله يسقط الاستدلال به.
و عن الشهيد (رحمه اللّه) في الذكرى «احتمال حصول الكثرة بالثانية لحسنة ابن البختري: (و لا على الإعادة إعادة) إلّا أن يقال يختص بموضع وجوب الإعادة».
و فيه: أنّه لا إشعار في الحسنة إلى كثير الشك، و ظاهرها أنّه لو تحقق خلل في المعادة بما توجب الإعادة لا تجب إعادتها، و هو خلاف المشهور و لم ينسب القول به إلى أحد إلّا المجلسيين.
(مسألة ۲): لو شك في أنّه حصل له حالة كثرة الشك أم لا؟ بنى على عدمه، كما أنّه لو كان كثير الشك و شك في زوال هذه الحالة بنى على بقائها (۲۰).
لاستصحاب عدم الحصول في الأول، و استصحاب البقاء في الثاني.
هذا في الشبهة الموضوعية، و أما إن كانت مفهومية، فالمشهور هو الرجوع إلى قواعد الشك لذهابهم إلى أنّ المخصص المجمل المردّد بين الأقل و الأكثر لا يسري إجماله إلى العام و هو الموافق لقاعدة الاشتغال أيضا، و يمكن أن يقال بأنّ أدلّة كثير الشك إنّما تجري فيما إذا أحرز كون الاعتناء به إطاعة للشيطان فحكم الشارع حينئذ بعصيانه، و مع الشك لا موضوع للإطاعة و العصيان أصلا، فالمرجع سائر الوظائف المقرّرة للشاك بلا محذور فيه.
(مسألة ۳): إذا لم يلتفت إلى شكه، و ظهر بعد ذلك خلاف ما بنى عليه، و أنّ- مع الشك في الفعل- الذي بنى على وقوعه لم يكن واقعا، أو أنّ ما بنى على عدم وقوعه كان واقعا يعمل بمقتضى ما ظهر، فإن كان تاركا لركن بطلت صلاته، و إن كان لغير ركن- مع فوت محلّ تداركه- وجب عليه القضاء فيما فيه القضاء، و سجدتا السهو فيما فيه ذلك و إن بنى على عدم الزيادة فبان أنّه زاد يعمل بمقتضاه من البطلان أو غيره. من سجود السهو (۲۱).
كل ذلك لقاعدة عدم الإجزاء في امتثال الأوامر الظاهرية إذا بان الخلاف، فيجب حينئذ العمل بمقتضى التكليف الواقعي و هو قد يقتضي الإعادة كما في الصورة الأولى، أو قضاء المنسيّ مع سجدتي السهو كما في الصورة الثانية، أو مجرّد سجود السهو كما في الأخيرة.
(مسألة ٤): لا يجوز له الاعتناء بشكه (۲۲) فلو شك في أنّه ركع أم لا؟ لا يجوز له أن يركع و إلّا بطلت الصلاة (۲۳). نعم، في الشك في القراءة أو الذكر إذا اعتنى بشكه و أتى بالمشكوك فيه بقصد القربة لا بأس به (۲٤) ما لم يكن إلى حد الوسواس (۲٥).
للنهي عنه في صحيح عبد اللّه بن سنان، و أنّه من إطاعة الشيطان۱۰.
للأصل بعد ظهور الأدلّة في غيره إذ لا يصدق عليه إطاعة الشيطان عند المتشرّعة.
للزيادة العمدية، و لكون مثل هذه الصلاة من مظاهر إطاعة الشيطان، فلا وجه لأن يتقرّب بها إلى حضرة الرحمن.
لظاهر النص، و الفتوى، و التصريح في النصوص أنّ اعتناء كثير الشك بشكّه إطاعة للشيطان- كما تقدّم- و كيف يعقل أنّ يرخص الشارع في إطاعته، فالحكم عزيمة لا رخصة.
و عن المحقق الأردبيلي التخيير بين عدم الاعتناء و الاعتناء إن فسادا ففسادا، و إن احتياطا فاحتياطا، و إن تداركا أو قضاء فكذلك.
و عن الشهيد في الذكري احتماله، و استدلّ عليه تارة: بورود الأمر في الأدلّة مورد توهّم الحظر، فلا يدل إلا على نفي الحظر.
و يرد: بأنّه و إن كان كذلك و لكن كيف يناسب التخيير و الترخيص ما عد الاعتناء به من إطاعة الشيطان.
و أخرى: بصحيح زرارة و أبي بصير: «قلنا له الرجل يشك كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال (عليه السلام): يعيد، قلنا: فإنّه يكثر عليه ذلك كل ما أعاد الشك، قال (عليه السلام): يمضي في شكّه ثمَّ قال: لا
تعوّدوا الخبيث من أنفسكم»۹ و مقتضى الجمع بين الصدر و الذيل هو التخيير.
و يرد: بأنّ الصدر ظاهر في كثرة محتملات أطراف شك واحد، و الذيل في كثرة الشك الذي يبحث عنه في المقام، فلا ربط لأحدهما بالآخر حتى يجمع بينهما بالتخيير، مع أنّ التخيير بين إطاعة الشيطان و عدمه مما لا ينبغي أن ينسب إلى الفقيه.
(مسألة ٥): إذا شك في أنّ كثرة شكه مختص بالمورد المعيّن الفلاني أو مطلقا اقتصر على ذلك المورد (۲٦).
لأصالة عدم حدوث الكثرة في غيره، و مع الجهل بالحالة السابقة يصحّ التمسّك بأصالة عدم تحقق الكثرة بالعدم الأزلي، و يصح التمسّك بعمومات أحكام الشكوك أيضا بناء على ما تقدّم من أنّ حكم كثير الشك مترتّب على إحرازه، و مع عدم الإحراز تشمله العمومات، لتحقق الشك وجدانا، فليس من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية حينئذ و هو الموافق للاحتياط أيضا، فيأتي بالمشكوك إن كان في المحل ركنا كان أم غيره، و يعيد الصلاة إن كان في الركعتين الأولتين، و يبني على الأكثر إن كان في الأخيرتين للعلم بأنّ تكليفه ذلك على كل
تقدير، و يأتي بما يلزمه من الاحتياط و بسجود السهو إن كان الشك بين الأربع و الخمس، و لكن الأحوط قصد الرجاء فيما يأتي به، لاحتمال سقوط عمومات أحكام الشكوك عن الاعتبار من جهة احتمال كون الشبهة مصداقية، فيكون المرجع حينئذ أصالة البراءة عن وجوبه.
(مسألة ٦): لا يجب على كثير الشك و غيره ضبط الصلاة بالحصى أو السبحة أو الخاتم أو نحو ذلك (۲۷) و إن كان أحوط في من كثر شكه (۲۸). الخامس: الشك البدوي الزائل (۲۹) بعد الترويّ، سواء تبدل باليقين بأحد الطرفين أو بالظنّ المعتبر أو بشك آخر. السادس: شك كلّ من الإمام و المأموم مع حفظ الآخر (۳۰) فإنّه يرجع الشاك منهما إلى الحافظ لكن في خصوص الركعات (۳۱) لا في الأفعال (۳۲) حتّى في عدد السجدتين، و لا يشترط في البناء على حفظ الآخر حصول الظنّ للشاك، فيرجع و إن كان باقيا على شكّه على الأقوى (۳۳) و لا فرق في المأموم بين كونه رجلا أو امرأة عادلا أو فاسقا واحدا أو متعددا (۳٤) و الظانّ منهما أيضا يرجع إلى المتيقن (۳٥)، و الشاك لا يرجع إلى الظانّ (۳٦)، إذا لم يحصل له الظنّ.
للأصل، و الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و خبر الخثعمي-: «شكوت إلى أبي عبد اللّه (عليه السلام) كثرة السهو في الصلاة فقال (عليه السلام): أحص صلاتك بالحصى، أو قال احفظها بالحصى»۱۱– إرشاد إلى المرتكزات العرفية لا أن يكون إيجابا مولويا بقرينة خبر المعلّى: «سأل أبا عبد اللّه (عليه السلام) فقال:
إنّي رجل كثير السهو فما أحفظ صلاتي إلّا بخاتمي أحوّله من مكان إلى مكان فقال: لا بأس به»۱۲.
كما أنّ الأمر بالإدراج و التخفيف إرشاد إلى ما هو الأصلح بحال كثير الشك، فعن الحلبي: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن السهو قلت: فإنّه يكثر عليّ فقال (عليه السلام): أدرج صلاتك إدراجا، قلت: و أي شيء الإدراج؟
قال (عليه السلام): ثلاث تسبيحات في الركوع و السجود»۱۳، و في خبر عمران الحلبي عنه (عليه السلام) أيضا: «ينبغي تخفيف الصلاة من أجل السهو»۱4 و لا يراد بذلك الإلزام الشرعيّ بقرينة قوله (عليه السلام): «ينبغي» الظاهر في الرجحان عرفا مضافا إلى عدم ظهور قائل بالوجوب.
خروجا عن شبهة احتمال الوجوب فيما تقدّم من الأخبار.
فروع- (الأول): ألحق بعض بكثير الشك كثير القطع و الظن أيضا و هو
مشكل، فالأحوط للثاني العمل بمقتضى الأصول و القواعد.
(الثاني): لا يلحق كثير السهو بكثير الشك، للأصل و الإطلاق و إرادة الشك من قولهم (عليهم السلام): «إذا كثر عليك السهو في الصلاة فامض على صلاتك»۱٥ قال في الجواهر: «مما يؤيّد حمل لفظ السهو على الشك زيادة على ما عرفت نقل الإجماع إن لم يكن محصلا على أنّ جميع أحكام السهو من تلافي المسهو عنه إن كان في المحل و عدم تلافيه في خارجه و القضاء خارج الصلاة لو كان سجدة و نحوها، و بطلان الصلاة لو كان ركنا إلى غير ذلك تجري بالنسبة إلى كثير السهو».
(الثالث): لو كان كثير الشك فيما لا حكم له كما إذا كان كثير الشك في الشيء بعد تجاوز المحل، أو بعد الفراغ من الصلاة لا يكون بذلك كثير الشك لا فيه و لا في غيره كما صرّح به في الجواهر.
لأنّ الظاهر عرفا من الشك الذي ورد له حكم في الأدلّة الشك الثابت المستقرّ لا الحادث الزائل المتبدّل إلى غيره فيكون حدوثه كالعدم حينئذ، و يعمل بحكم المتبدّل إليه إن كان له بقاء و إلّا فلا حكم له أيضا.
بلا خلاف أجده فيه، كما في الجواهر، و إنّه مقطوع به في كلام الأصحاب، كما في المدارك، و قد يجعل ذلك من القواعد المعتبرة الفقهية، و هي قاعدة: عدم اعتبار شك الإمام مع المأموم و بالعكس.
و يدل عليها مضافا إلى الإجماع جملة من الأخبار:
منها: صحيح البختري عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «ليس على الإمام
سهو، و لا على من خلف الإمام سهو، و لا على السهو سهو، و لا على الإعادة إعادة»۱٦.
و منها: صحيح ابن جعفر عن أخيه (عليه السلام): «سألته عن الرجل يصلّي خلف الإمام لا يدري كم صلّى، هل عليه سهو؟ قال (عليه السلام): لا»۱۷.
و منها: مرسل يونس- على ما في الكافي-: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه باتفاق منهم، ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام، و لا سهو في سهو- الحديث-»۱۸.
و يمكن أن يستشهد له بوجه اعتباري عرفي، و هو أنّه يجوز عد الركعات بالخاتم و الحصى و نحوهما، كما في صحيح عبد اللّه بن المغيرة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا بأس أن يعد الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعدّ به»۱۹.
و في صحيح فضيل: «ذكرت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) السهو فقال (عليه السلام): و ينفلت من ذلك أحد؟! ربما أقعدت الخادم خلفي يحفظ عليّ صلاتي»۲۰، و كل من الإمام و المأموم بالنسبة إلى الآخر لا يكون أقل من الخاتم و الحصى و نحوهما فيكون كل منهما حافظا للآخر عرفا كسائر ما يحفظ به شكوك الصلاة. و في خبر ابن مسكان عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يتّكل على عدد صاحبه في الطواف أ يجزيه عنها و عن الصبيّ؟
فقال (عليه السلام): نعم، ألا ترى أنّك تأتمّ بالإمام إذا صلّيت خلفه مثله»۲۱، مع أنّ صلاة الجماعة صلاة واحدة و إن كثر المأمومون، كما تقدّم في فصل صلاة الجماعة و ترجيح الشك على الحفظ في مورد واحد من هذه الصلاة الواحدة يكون
من ترجيح المرجوح على الراجح.
لظواهر ما تقدّم من النصوص، و لأنّه المتيقّن من الإجماع.
قال في الجواهر: «و يظهر من صاحب المدارك، بل هو المنقول عن جدّه أيضا، بل ربما تبعه عليه بعض من تأخّر عنه أنّه لا فرق في الحكم بين الأفعال و الركعات، بل نسبه في المدارك إلى الأصحاب، و هو لا يخلو عن تأمّل، للشك في شمول الأدلّة له». فإنّ الدليل إن كان إجماعا فلم يتحقّق بالنسبة إلى الأفعال، و إن كان الأخبار، فالمنساق منها الشك في الركعات للقرائن الخارجية و الداخلية، بل يمكن أن يقال: إنّ إطلاق السهو في أحكام الخلل ظاهر في الشك في الركعات إلّا مع القرينة على الخلاف. نعم، لو قيل بإطلاق صحيح البختري لشمل الأفعال أيضا، و لكنه مما لم يقل به أحد، فيكون المنساق منه كسائر الأخبار خصوص الشك في الركعات أيضا.
نعم، مقتضى الوجه الاعتباري الذي تقدّم هو التعميم حتى بالنسبة إلى الأفعال أيضا، و كذا لو قلنا بأنّه إذا صحّ الرجوع في الشك في الركعات صحّ في الأفعال بالأولوية، و لكن الكلام في صحة الاكتفاء بهما.
و الظاهر أنّهما لا يقصران عن سائر الظنون الاجتهادية الذي يعتمدون عليها في استنباط الأحكام، فراجع مباحث الفقه لا سيما أبواب المعاملات. هذا إذا لم يحصل من الرجوع الظن، و إلّا فهو معتبر.
إن قيل: فعلى هذا فليرجع كل منهما إلى الآخر في سائر أحكام الخلل أيضا.
يقال: لا بأس به لو لا ظهور الإجماع على الخلاف، هذا إذا لم يحصل الظن، و إلّا فيصحّ حينئذ لما يأتي من اعتباره في الأفعال من أي منشإ حصل.
لإطلاق الأدلّة، و لأنّ رجوع كل من الإمام و المأموم إلى الآخر في الركعات معتبر شرعا في مقابل اعتبار الظن فيها، فلو كان مقيّدا بحصول الظن لم يكن وجه لعدّه أمرا مستقلا في قبال اعتبار الظن، بل يكون من أفراده حينئذ. نعم، الغالب حصول الظن من الرجوع في الجملة، و لكنّه لا يكون مقيّدا به، للإطلاقات.
لظاهر الإطلاق، و ظهور الاتفاق، و أما ما في مرسل يونس من ظهوره في صورة تعدّد المأموم.
ففيه- أولا: أنّه جواب عمّا فرضه السائل من التعدّد.
و ثانيا: الغلبة الوجودية في تعدّد المأموم في صلاة الجماعة تمنع عن تقييد المطلقات به كما ثبت في محلّه من أنّ القيود التي تكون كذلك لا تصلح للتقييد، و الظاهر شمول الإطلاقات للصبيّ، و لما إذا كان المأموم من العامة أيضا، أو كان الإمام منهم و كان المأموم من الخاصة، و كذا إذا كانت الجماعة منهم و كان واحد من المأمومين من الخاصة، و إن كان الأحوط مراعاة حصول الظن في جميع ذلك.
لإطلاق الأدلّة الشامل لذلك أيضا، و لأنّ صلاة الجماعة تعدّ صلاة واحدة عرفا. بل و شرعا أيضا، و مع تحقق اليقين في الصلاة الواحدة لا وجه للاعتماد على الظن. و نوقش فيه:
أولا: بأنّ المتفاهم من الأدلّة أنّ الشاكّ يرجع إلى الحافظ، و الظانّ ليس بشاكّ حتى يشمله دليل الرجوع، و على فرض إرادة الأعم من الشك و الظن من أدلّة المقام يكون ما دلّ على حجية الظن في الركعات حاكما على هذه الأدلة.
و فيه: أنّه يشكّ في شمول إطلاق أدلّة اعتبار الظن في الصلاة لهذه الصورة، فلا يجري أصل دليله فضلا عن أن يكون حاكما.
و ثانيا: ظاهر أخبار المقام أنّ موردها من كان وظيفته العمل بقواعد الشك
لو لا الرجوع، كما في كثير الشك، أو الشك في النافلة، و الظانّ ليس كذلك.
و فيه: أنّ المنساق من الأخبار إنّما هو العمل بالوظيفة الخاصة لو لا الرجوع، و أما العمل بوظيفة الشاكّ فلا يستفاد منها، نعم قد تكون تلك الوظيفة العمل بوظيفة الشكّ.
هذا كلّه بناء على جريان دليل اعتبار الظنّ في المقام أيضا، و لكنه مشكل، لأنّ المتفاهم من أدلّة اعتباره إنّما هو في ما لا يكون حافظ في البين، و معه لا مجرى لها أصلا، و على فرض الجريان يمكن دعوى حكومة أدلّة المقام عليها، لكثرة اهتمام الشارع بوحدة صلاة الجماعة فجعلها كصلاة واحدة مطلقا إلّا ما خرج بالدليل، مع أنّ الشك في اعتبار الظن في المقام يكفي في عدم اعتباره.
إن قلت: فكذا بالنسبة إلى رجوع الظانّ إلى المتيقّن فإنّ الشك في شمول أدلّة الرجوع له يكفي في العدم، لأنّه حينئذ من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.
قلت: المستفاد من أدلّة المقام، و ما تقدّم في الجماعة الاحتفاظ على ما يتعلّق بوحدة الجماعة هيئة، و حركة، و سكونا، و اعتقادا، و شكّا في الركعات، و إذا كان أحدهما متيقّنا و الآخر ظانّا لا وجه لرجوع المتيقّن إلى الظانّ لحفظ وحدة الاعتقاد، فلا بدّ من رجوع الظانّ إليه حتى يتّحدا اعتقادا أيضا.
قال في المستند في المقام: «لإطلاق الصحيحة الثانية- أي صحيحة علي بن جعفر- بضميمة الإجماع المركب، و لأنّ السهو شامل للظن أيضا، كما يستفاد من صحيحة محمد بن مسلم حيث قسم السهو على قسمين، و قال: (و من سها) ثمَّ فصل حكمه بأنّه إن اعتدل شكّه كذا. «و إن ذهب وهمه إلى الأربع» كذا، و غيرها من الأخبار- التي يأتي بعضها-، كرواية محمد بن سهل: «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الإحرام»۲۲ و يدخل في الأوهام الظن، لإطلاقه عليه في الأخبار، بل و في كلام اللغويين، و معنى تحمّله أوهامهم أنّهم يتركون أوهامهم و يرجعون إلى يقين الإمام، و إذا ثبت الحكم فيه ثبت في العكس أيضا بالإجماع
المركب .. «إلى أن قال» هذا إذا لم يحصل من يقين الآخر للظانّ يقين، و إلّا فيرجع إليه البتّة، بل لم يحصل له ظنّ أقوى من ظنّه، و إلّا فالظاهر عدم الخلاف في رجوعه إلى يقينه».
للأصل بعد كون المراد من الحافظ الذي يرجع إليه خصوص العالم، و يؤيّده نقل المرسل في نسخة الكافي: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه سهوه بإيقان منهم، و ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام»۲۳.
و فيه: أنّ المراد بالحفظ أعمّ مما كان بالعلم أو بكل ما كان حجة شرعا، و لفظ الإيقان- الذي نقل في الكافي- أخذ بنحو الطريقية لا الموضوعية الصرفة، فيقوم مقامه كلّما تكون حجة شرعا و يعضده قوله (عليه السلام): «إذا لم يسه الإمام» فإنّ الظاهر أنّ المناط في رجوع الإمام إلى المأموم أو العكس واحد، و هو عدم السهو و وجود حافظ في الجملة في البيّن، فالتعبير بالإيقان في أحد الطرفين و عدم السهو في الآخر عبارة أخرى عن الحفظ، و لا وجه للتمسّك بالأصل بعد ذلك. فما هو المشهور من رجوع الشاكّ منهما إلى الظانّ هو الأقرب، و يؤيّد رجوع الشاكّ إلى الظانّ بعض ما تقدّم في رجوع الظانّ إلى المتيقّن. ثمَّ لا يخفى قلّة الثمرة للفرعية جدّا، إذ كيف يعلم المأموم في أثناء الصلاة أنّ الإمام ظانّ أو متيقّن، و كذا العكس.
و أما المتيقّنان فلا يرجع أحدهما إلى الآخر بلا خلاف أجده، كما في الجواهر. و كذا لو كان كل منهما ظانّا بخلاف الآخر، و ظاهر الأصحاب عدم رجوع أحدهما إلى الآخر حينئذ، كما في الحدائق، و قد ذكر (قدّس سره) صورا تبلغ خمس عشرة صورة، فراجع، و يأتي حكم بعضها في المتن.
(مسألة ۷): إذا كان الإمام شاكا و المأمومون مختلفين في الاعتقاد لم يرجع إليهم (۳۷)، إلّا إذا حصل له الظّن من الرجوع إلى أحد الفريقين (۳۸).
للأصل بعد عدم الدليل على الرجوع في هذه الصورة، مع أنّ الرجوع إلى أحدهما دون الآخر من الترجيح بلا مرجح، و الرجوع إليهما معا غير ممكن، و يشهد لعدم صحة الرجوع قوله (عليه السلام) في المرسل- على نسخة الفقيه-: «ليس على الإمام سهو إذا حفظ عليه من خلفه باتفاق منهم .. إلى أن قال (عليه السلام): فإذا اختلف على الإمام من خلفه فعليه و عليهم في الاحتياط و الإعادة الأخذ بالجزم»۲4.
و معنى قوله (عليه السلام): «في الاحتياط ..» أن يعمل كل من الإمام و المأموم عند اختلافهم على ما يقتضيه تكليفه من البناء على الأكثر و الإتيان بصلاة الاحتياط إن اقتضى شكّه ذلك، و الإعادة إن اقتضاها شكّه حتى يحصل الجزم بفراغ الذمّة، و في نسخة الكافي و التهذيب ضبطه هكذا: «فعليه و عليهم في الاحتياط الإعادة الأخذ بالجزم» بإسقاط العاطف من الإعادة و يمكن إرجاعه إلى ما قلناه، كما لا يخفى.
لأنّه من العمل بالظنّ حينئذ، و لا إشكال في صحته.
(مسألة ۸): إذا كان الإمام شاكا و المأمومون مختلفين بأن يكون بعضهم شاكا و بعضهم متيقنا- رجع الإمام إلى المتيقن منهم (۳۹) و رجع الشاك منهم إلى الإمام (٤۰) لكن الأحوط إعادتهم الصّلاة. (٤۱) إذا لم يحصل لهم الظنّ و إن حصل للإمام (٤۲).
لأنّ المراد بالإيقان في مرسل يونس صرف وجوده الصادق على يقين البعض أيضا، كما نسبه في الحدائق إلى بعض محقّقي مشايخه، و جعله الأشهر الأظهر، و اختاره في مصباح الفقيه، و التعبير بصيغة الجمع في قوله (عليه السلام):
«بإيقان منهم» إنّما هو لأجل الغالب لا التقييد بالجمع لندرة ذلك خصوصا مع كثرة المأمومين.
و أما على نسخة الفقيه (باتفاق منهم) فالظاهر أنّ المراد بالاتفاق عدم
الاختلاف بنحو ما ذكر في السؤال لا الاتفاق من كل حيثية و جهة فإنّه نادر جدّا، و يكون من التعليق على النادر خصوصا مع كثرة المأمومين.
إن توقّف الاحتياط على الإعادة، و لكن قد يحصل بصلاة الاحتياط.
كما إذا كان المأموم شاكّا بين الثلاث و الأربع و كان الإمام بانيا عليه لرجوعه إلى المتيقّن من المأمومين بذلك فيتمّ المأموم الشاكّ صلاته حينئذ مع الإمام، و يبني على الأكثر، ثمَّ يأتي بوظيفة الشاكّ بين الثلاث و الأربع.
لصدق عدم سهو الإمام حينئذ بعد رجوعه إلى المتيقّن فيشمله دليل رجوع المأموم إليه إن لم يسه، و جعل ذلك في الحدائق الأشهر الأظهر.
و دعوى: أنّه لا بدّ و أن يكون عدم سهوه من قبل نفسه لا بواسطة الرجوع إلى غيره بلا شاهد، بل على خلافها الشاهد من الإطلاق و التسهيل مهما أمكن للشارع إليه السبيل. و يبقى على الماتن (رحمه اللّه) سؤال الفرق حينئذ بين المقام و ما تقدّم منه من عدم رجوع الشاكّ إلى الظانّ.
فيكون من رجوع الشاكّ إلى الظانّ الذي جزم (قدّس سره) بعدمه في المسألة السادسة، و لا يخلو قوله هناك عن تهافت مع المقام في الجملة بناء على ما قلناه.
(مسألة ۹): إذا كان كلّ من الإمام و المأمومين شاكا فإن كان شكّهم متحدا كما إذا شك الجميع بين الثلاث و الأربع- عمل كلّ منهم عمل ذلك الشك (٤۳). و إن اختلف شكه مع شكهم، فإن لم يكن بين الشكين قدر مشترك- كما إذا شك الإمام بين الاثنتين و الثلاث و المأمومون بين الأربع و الخمس- يعمل كلّ منهما على شاكلته (٤٤)، و إن كان بينهما قدر مشترك- كما إذا شك أحدهما بين الاثنتين و الثلاث و الآخر بين الثلاث و الأربع- يحتمل رجوعهما إلى ذلك القدر المشترك (٤٥) لأنّ كلا منهما ناف للطرف الآخر من شك الآخر، لكن الأحوط إعادة الصلاة بعد إتمامها (٤٦). و إذا اختلف شك الإمام مع المأمومين- و كان المأمومون أيضا مختلفين في الشك- لكن كان بين شك الإمام و بعض المأمومين قدر مشترك يحتمل رجوعهما (٤۷) إلى ذلك القدر المشترك ثمَّ رجوع البعض الآخر إلى الإمام، لكن الأحوط مع ذلك إعادة الصلاة أيضا، بل الأحوط في جميع صور أصل المسألة إعادة الصلاة، إلّا إذا حصل الظنّ من رجوع أحدهما إلى الآخر (٤۸). السابع: الشك في ركعات النافلة (٤۹)، سواء كانت ركعة- كصلاة الوتر- أو ركعتين- كسائر النوافل- أو رباعية، كصلاة الأعرابي (٥۰)، فيتخيّر عند الشك بين البناء على الأقلّ أو الأكثر (٥۱)، إلا أن يكون الأكثر مفسدا فيبني على الأقل (٥۲)، و الأفضل البناء على الأقل مطلقا (٥۳). و لو عرض وصف النفل للفريضة- كالمعادة، و الإعادة للاحتياط الاستحبابي، و التبرّع بالقضاء عن الغير- لم يلحقها حكم النفل، و لو عرض وصف الوجوب للنافلة لم يلحقها حكم الفريضة، بل المدار على الأصل (٥٤). و أما الشك في أفعال النافلة فحكمه حكم الشك في أفعال الفريضة، فإن كان في المحل أتى به (٥٥)، و إن كان بعد الدخول في الغير لم يلتفت (٥٦)، و نقصان الركن مبطل لها، كالفريضة (٥۷)، بخلاف زيادته فإنّها لا توجب البطلان على الأقوى (٥۸)، و على هذا فلو نسي فعلا من أفعالها تداركه و إن دخل في ركن بعده، سواء كان المنسيّ ركنا أو غيره (٥۹).
لعدم موضوع للرجوع حينئذ، فلا محيص لكل منهما إلّا من العمل بوظيفته.
لعموم أدلّته الشامل للمقام أيضا، و لا خلاف فيه من أحد.
عن الشهيد في المسالك الجزم به، و نسبه المجلسي إلى المشهور و معنى قوله (قدّس سرّه): لأنّ كلا منهما .. أن الإمام موقن بأنّها ليست برابعة، و المأموم موقن بأنّها ليست بثانية، أو بالعكس و هما متّفقان في تجويز الثلاث، فيرجع كل منهما إلى يقين الآخر، و يتعيّن عليهم اختيار الثلاث و يبنون عليها.
لإمكان دعوى خروج مثل هذه عن منصرف نصوص رجوع الإمام إلى المأموم و بالعكس، و لكنه بعيد، لأنّ الحكم ليس تعبّديا محضا حتى يقتصر على منصرف إطلاق الدليل. نعم، لا ريب في أنّه من الأفراد النادرة في الجملة.
لعين ما مرّ آنفا. و أمّا وجه قوله (قدّس سرّه): ثمَّ رجوع البعض الآخر إلى الإمام، فقد تقدّم في المسألة الثامنة، فراجع. و حينئذ فلو شكّ الإمام بين الثلاث و الأربع و بعض المأمومين بين الاثنين و الثلاث، و بعضهم بين الاثنين و الثلاث و الأربع يبني الجميع على الثلاث، لكونه القدر المشترك بينهم.
لاحتمال دوران الحكم مدار حصوله مطلقا.
فروع- (الأول): لو علم المأموم بمخالفة اعتقاده مع اعتقاد الإمام، فالظاهر صحة بقائه على الائتمام ما لم يعلم ببطلان صلاة الإمام، و إن كان الأحوط قصد الانفراد من حين العلم بها.
(الثاني): لو حصلت زيادة سهوا أو نقيصة كذلك، أو ما يوجب سجود السهو في صلاة الجماعة، فإما أن يكون مشتركا بين الإمام و المأموم أو يختص بالإمام فقط أو بالمأموم.
أما الأول: فيجب على كل منهما أن يعمل بموجبة و لا يسقط عن أحدهما بفعل الآخر.
و أما الثاني: فلا إشكال في وجوب موجبه على الإمام، نصّا و إجماعا، إنّما الكلام في أنّه هل يجب على المأموم سجود السهو لمتابعة الإمام أم لا؟ و المشهور بين المتأخّرين اختصاص سجود السهو بخصوص الإمام و عدم وجوبه على المأموم، للأصل بعد عدم الدليل عليه، لكن عن الشيخ (قدّس سره) في المبسوط، و عن الوسيلة و السرائر أنّه يجب على المأموم متابعة الإمام في سجود السهو و إن لم يفعل موجبه مستندا إلى موثق عمار: «سألته عن رجل يدخل مع الإمام و قد سبقه الإمام بركعة أو أكثر فسها الإمام، كيف يصنع الرجل؟ فقال (عليه السلام): إذا سلّم الإمام فسجد سجدتي السهو فلا يسجد الرجل الذي دخل معه، و إذا قام و بنى على صلاته و أتمّها و سلّم سجد الرجل سجدتي السهو»۲٥.
و فيه: مضافا إلى موافقته للعامّة أنّه يمكن أن يكون سهو الإمام أوجب سهو المأموم أيضا، و إنّما خص الإمام بالذكر من باب ذكر أفضل الفردين و الاستغناء عنه من الآخر لا التخصيص، هذا مع إعراض المشهور عنه.
و أما الثالث: فلا خلاف، كما في الحدائق، أنّه لا يجب على الإمام شيء و يقتضيه الأصل أيضا، إنّما الكلام في أنّه هل يجب على المأموم سجود السهو عند إتيان موجب أو لا؟ و كذا في قضاء الجزء المنسيّ. و نسب إلى المشهور وجوبه عليه، لعموم أدلّة وجوبها، و خصوص صحيح ابن الحجاج: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن الرجل يتكلّم ناسيا في الصلاة، يقول: أقيموا صفوفكم، قال (عليه السلام): يتم صلاته ثمَّ يسجد سجدتي السهو»۲٦ و الظاهر منه كون الرجل مأموما. و خبر منهال القصاب: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام): أسهو في
الصلاة و أنا خلف الإمام، قال (عليه السلام): إذا سلّم فاسجد سجدتين و لا تهب»۲۷.
و يدل عليه أيضا المستفيضة الدالّة على عدم ضمان الإمام، كصحيحي زرارة، ففي أحدهما «عن الإمام يضمن صلاة القوم، قال (عليه السلام): لا»۲۸، و في الآخر «ليس على الإمام ضمان»۲۹، و في صحيح ابن وهب: «أ يضمن الإمام صلاة الفريضة، فإنّ هؤلاء يزعمون أنّه يضمن؟ فقال (عليه السلام): لا يضمن أيّ شيء يضمن- الحديث-»۳۰.
و عن الشيخ في الخلاف، و المبسوط: إنّه لا يجب عليه سجود السهو بل ادّعي عليه الإجماع، و اختاره السيّد (رحمه اللّه) و نقله عن جميع الفقهاء إلّا مكحول. و استدلّ عليه بقوله (عليه السلام): «ليس على من خلف الإمام سهو إذا لم يسه الإمام»۳۱، و خبر محمد بن سهل: «الإمام يحمل أوهام من خلفه إلّا تكبيرة الإحرام»۳۲، و موثق عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «سألته عن الرجل سها خلف الإمام بعد ما افتتح الصلاة فلم يقل شيئا و لم يكبّر و لم يسبّح و لم يتشهّد حتى يسلم، فقال (عليه السلام): جازت صلاته و ليس عليه إذا سها خلف الإمام سجدتا السهو، لأنّ الإمام ضامن لصلاة من خلفه»۳۳، و قريب منه موثقه الآخر۳4.
و يرد على الإجماع مضافا إلى أنّه منقول، ما احتمله في المستند من كون المراد به إجماع العامة لا الخاصة. و على الخبر الأول بأنّ المراد بالسهو فيه خصوص الشك، كما مرّ سابقا، و على الثاني بأنّه مجمل يحتمل وجوها: من كون المراد بالأوهام الظن أو الشك، أو الأعم، و لا وجه للأخذ بإطلاقه، و على الأخير بموافقته للعامّة، و معارضته بالمستفيضة الدالّة على عدم الضمان و طريق الاحتياط أن يأتي به رجاء.
(الثالث): إذا كان أحدهما كثير الشكّ، فهل يعمل بحكم كثير الشكّ، أو يرجع إلى الحافظ؟ وجهان: يمكن ترجيح الأول، لأنّ فيه إرغام الشيطان و له نحو مطلوبية خاصة.
نصّا، و إجماعا، وعده في الأمالي من دين الإمامية، و في صحيح ابن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام): «سألته عن السهو في النافلة، فقال (عليه السلام): ليس عليك شيء- أو سهو، كما في بعض النسخ»۳٥، و عن الكليني روى: «أنّه إذا سها في النافلة بنى على الأقل»۳٦، و في مرسل يونس عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «لا سهو في نافلة»۳۷ و في حديث الأربعمائة: «لا يكون السهو في خمس في الوتر و الجمعة ..».
لإطلاق الدليل الشامل للجميع. و أما صحيح العلاء عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «عن الرجل يشكّ في الفجر، قال (عليه السلام): يعيد.
قلت: و المغرب؟ قال (عليه السلام): نعم، و الوتر و الجمعة، من غير أن أسأله»۳۸، و مثله خبر الحسين بن أبي العلاء۳۹، فيمكن حمله على الندب، لإباء قوله (عليه السلام): «لا سهو في النافلة» عن التقييد أو على الشكّ في أصل الوقوع، للإجماع على عدم البطلان: قال: في الجواهر: «فلو شكّ في الوتر حينئذ بنى على الركعة و لم تبطل، للإجماع المحكي في المصابيح إن لم يكن محصلا».
استدلّ عليه تارة: بالإجماع، و أخرى بأصالة البراءة عن وجوب البناء.
على أحد الطرفين، و ثالثة: بأنّ المنساق من قوله (عليه السلام): «لا سهو في النافلة» بعد استفادة الشك في الركعات منه هو نفي الإلزام المطلق، و هو عبارة أخرى عن التخيير، كما أنّه المتفاهم عرفا من قوله (عليه السلام) في صحيح ابن مسلم: «ليس عليك شيء أو سهو»، فيدلّ على نفي الإلزام في البين في الشك في ركعات النافلة مطلقا لا بالنسبة إلى البناء على الأكثر و الاحتياط، و لا بالنسبة إلى البناء على الأقل، و رابعة: بأنّ لازم ترك أصل النافلة و عدم وجوب الاحتياط في الشك في ركعاتها هو كفاية الامتثال الاحتمالي فيها الحاصل من التخيير إلّا إذا كان الأكثر مبطلا.
بدعوى اختصاص هذه الأحكام المخالفة للأصل بالفريضة، لذكر (المكتوبة) في بعض أخبار الزيادة4۱ و إيجاب الإعادة في بعضها الآخر4۲ المختص بالفريضة أيضا.
و فيه: أنّ ذكر المكتوبة من باب الغالب و المثال فلا ينافي عموم الحكم خصوصا بملاحظة قاعدة إلحاق النافلة بالفريضة و جعلها في الجواهر من القواعد
المحكمة إلّا فيما خرج بالدليل، و يظهر من المستند احتمال الإجماع، بل ظنّه على البطلان في المقام، فراجع و لكن احتمال الإجماع، بل ظنّه ما لم يحصل الاطمئنان به لا اعتبار به.
نعم، يمكن أن يقال: إنّ مقتضى الأصل عدم البطلان بالزيادة، كما ثبت في محلّه، و الدليل على الخلاف إما الإجماع فلم يثبت في النافلة أو الأخبار و هي ظاهرة الاختصاص بالفرائض، كما لا يخفى على من راجعها، و يأتي في المسألة العاشرة ما يناسب المقام.
و يستفاد من قوله (عليه السلام): «لا تقرأ في المكتوبة بشيء من العزائم فإنّ السجود زيادة في المكتوبة»4۳، و من جواز قراءتها في النافلة، و مما ورد في الإتمام في مورد القصر من أنّه قد زاد في فرض اللّه، أنّ حكم الزيادة لا يشمل النافلة، فيبقى الأصل على حاله، فما اختاره في الموجز و المسالك و مصباح الفقيه و المتن من عدم البطلان بزيادة الركن هو الأقوى، و يشهد له كثرة مسامحة الشارع في النوافل على ما يأتي تعداد جملة من مواردها في فصل (جميع الصلوات المندوبة).
و أما قاعدة الإلحاق فعمدة دليلها الإجماع و ثبوته في المقام مشكل، بل ممنوع. لكن المتيقّن منه ما إذا كان سهوا أو لأجل تدارك المنسيّ. و أما إذا تعمّد ذلك و أتى بقصد الجزئية في كل ركعة بركوعين و بأربع سجدات مثلا فهو خلاف المعهود في الشريعة، و ربما يعد مستنكرا عند المتشرّعة. و قال في مصباح الفقيه:
«لا خلاف على الظاهر في بطلان النافلة بزيادة الأركان عمدا».
و أما خبر الصيقل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في الرجل يصلّي الركعتين من الوتر ثمَّ يقوم فينسى التشهّد حتى يركع فيذكر و هو راكع.
قال (عليه السلام): يجلس من ركوعه يتشهّد ثمَّ يقوم فيتم. قال: قلت:
أ ليس قلت في الفريضة إذا ذكره بعد ما ركع مضى في صلاته ثمَّ سجد سجدتي السهو بعد ما ينصرف يتشهّد فيهما؟ قال (عليه السلام): ليس النافلة مثل
الفريضة»44 فإن كان المراد به أنّه إن نسي التشهّد و سلّم في الركعتين ثمَّ قام إلى الثالثة و أتى بها بافتتاح مستقل، فلا ربط له بالمقام بل يكون دليلا على جواز إتيان التشهّد المنسيّ في أثناء النافلة. و إن كان المراد به أنّه لم يسلّم فيهما و أتى بالثالثة متصلة، فهو مناف لما استقرّ عليه المذهب- من كون ركعة الوتر منفصلة عن ركعتي الشفع بالسلام، فيحتمل من هذه الجهة على التقية لكون الاتصال مذهب أبي حنيفة و أصحاب الرأي. نعم، يمكن أن يستشهد بإطلاق قوله (عليه السلام):
«ليس النافلة مثل الفريضة»، لعدم كون هذه الزيادة مضرّة فيها، و بضميمة عدم الفصل بين الركوع و سائر الأركان يثبت التعميم إن تحقّق عدم القول بالفصل.
و أما خبر الحلبي: «عن الرجل سها في ركعتين من النافلة فلم يجلس بينهما حتى قام فركع في الثلاثة، فقال (عليه السلام): يدع ركعة و يجلس و يتشهّد و يسلّم ثمَّ يستأنف الصلاة بعد»4٥، فظاهره أنّ الركوع كان لصلاة أخرى لا أن يكون زيادة في المأتيّ بها حتى يناسب المقام. نعم، هو ظاهر في عدم جواز الصلاة في الصلاة و لو جاز لم يعبّر بقوله (عليه السلام): «يستأنف الصلاة»، بل يعبّر بمثل يبني على صلاته.
و خلاصة الكلام: إنّ المستفاد من الخبرين جواز قطع النافلة اللاحقة لقضاء الجزء المنسيّ من السابقة في النافلة، كما مرّ في المسألة التاسعة عشرة من فصل (قضاء الجزء المنسيّ).
لقاعدة انتفاء المركب بانتفاء أحد أجزائه من غير ما يصلح لتخصيصها بالنافلة. و ما تقدّم من صحيح ابن مسلم4۰ يراد به السهو في عدد الركعات لا مطلق السهو. و لا فرق فيه بين العمد و غيره. و كذا نقصان غير الركن مما يعتبر في الصلاة مطلقا، كالفاتحة و ذكر الركوع و السجدة الواحدة إن كان ذلك عن عمد أو جهل بالحكم الملحق به.
و بالجملة: النافلة في نقصان الأجزاء و الشرائط، بل في كل شيء حتى المندوبات و المكروهات كالفريضة إلّا فيما دلّ الدليل على الخلاف من جواز ترك السورة، و الاستقبال في حال المشي أو غيرهما مما تقدّم و يأتي، و قد جعلوا ذلك قاعدة محكمة، و هي قاعدة أنّ كل سنة إنّما يؤتى بها على جهة الفريضة، و قد ذكرنا في هذا الكتاب ما يتعلّق بها من النص و الإجماع. و في الجواهر أرسل إطلاق أنّ النافلة مثل الفريضة مطلقا إلّا ما خرج بالدليل إرسال المسلّمات، فراجع.
لقاعدة التجاوز من غير دليل حاكم عليها.
لأصالة عدم الإتيان من غير دليل حاكم عليها، إذ هو إن كان حديث «لا سهو في النافلة» فقد تقدّم أنّ المراد به خصوص الشك في الركعات بقرائن
خارجية، و إن كان أولويته في الأفعال من الشك في الركعات في عدم الاعتبار فهي ممنوعة، مع أنّه لا اعتبار بها ما لم تكن قطعية.
لأنّه المنساق من الأدلّة اللفظية، و لاستصحاب الحكم الثابت قبل.
العروض. و احتمال تبدّل الموضوع مدفوع: بكفاية الوحدة العرفية المتحققة في المقام، و لأنّ العناوين الثانوية التي تعرض بها صفة الوجوب على النافلة أو النفل على الفريضة تعرضهما على ما هما عليه من الخصوصيات و الأحكام.
تنبيهان- الأول: قد ذكر في أخبار المقام لفظ النافلة، و يحتمل أن يراد بها النوافل اليومية المعهودة في الشريعة، و هو ضعيف، لأنّ منشأه الغلبة الوجودية، و هي لا تكون موجبا لاختصاص اللفظ كما ثبت في محلّه، و أن يراد بها كلّما ليس بواجب مطلقا فتشمل صلاة الصبيّ و صلاة الطواف الذي ليس جزء لحج و لا عمرة، و صلاة الجمعة و العيدين في زمان الغيبة بناء على الاستحباب و هو احتمال حسن ثبوتا، و الجزم به مشكل إثباتا، و أن يراد بها ما لا يكون واجبا بحسب نوعه فيكون أخص من الاحتمال الثاني، إذ لا تشمل صلاة الصبيّ و صلاة الطواف الذي لا يكون جزء لهما، و صلاة الجمعة و العيدين لوجوب جميع ذلك بحسب نوعها، و يكون أعمّ من الاحتمال الأول، لشمولها لمثل صلاة الحاجة و الزيارة و نحوهما.
و هذا الاحتمال أيضا حسن، بل هو المتيقّن من إطلاق لفظ النافلة بعد تضعيف الاحتمال الأول فيجب الرجوع في غيره- مما مرّ في الاحتمال الثاني، و كذا الإعادة للاحتياط الاستحبابي- إلى عمومات أدلّة أحكام الشكوك لوجوب الرجوع إلى العام عند إجمال المخصص المنفصل.
التنبيه الثاني: ظاهر المتن- كغيره- إنّ المعادة و القضاء المتبرّع بها عن الغير مندوبة فعلا. فإن كان نظرهم إلى رجحان نفس الإعادة من حيث هي و نفس التبرّع كذلك فلا ريب فيه، و إن كان بالنسبة إلى ذات الصلاة. فمخدوش لوجوب أصل الصلاة في مورد التبرّع، و كذا في المعادة بنحو ما مرّ في المسألة الحادية و العشرين من آخر فصل الجماعة. و بالجملة إنّ الندب فيهما من قبيل الوصف بحال المتعلّق لا بحال الذات.
لما مرّ من مرسل الكليني، و دعوى الإجماع عن جميع، منهم المحقق (رحمه اللّه) في المعتبر، و يمكن أن يكون تيقّن الأقل و كونه أشق منشأ للأفضلية أيضا، كما في الجواهر.
لظهور كلمات الأصحاب فيما لم يكن البناء عليه مبطلا، و إطلاق بعضها منزل عليه أيضا، مع أنّ هذا الحكم نحو تسهيل و تيسير في النافلة كسهولة الأمر في أصلها، و في البناء على الأكثر المبطل إن استحبّت الإعادة تكون خلاف السهولة، و إلّا فهو خلاف ما تسالموا عليه من أنّ مقتضى القاعدة كونها ثنائية إلّا ما خرج بالدليل. فما عن بعضهم من احتمال إبقاء الإطلاق على حاله فيشمل الأقل و الأكثر مع الصحة و عدمها، و يتعيّن عليه الإعادة لو اختار الثاني ضعيف جدّا، كما في الجواهر.
لجريان أصالة عدم البطلان فيها بعد ما تقدّم من عدم دلالة الأدلّة الدالّة على البطلان بالزيادة للنافلة، و لكن الأحوط الاستئناف بزيادة الركن، كما في نجاة العباد.
فروع- (الأول): لا فرق في عدم بطلان النافلة بزيادة الركن بين كونه ركنا واحدا أو ركعة، لشمول الأصل لهما بعد قصور شمول دليل البطلان عن شمولها.
(الثاني): ظاهر ما تقدّم من خبري الصيقل و الحلبي وجوب العود و التدارك، و هو كذلك بناء على عدم مبطلية زيادة الركن فيها، فيكون محل تدارك الجزء المنسيّ باقيا و لو دخل في الركن بخلاف الفريضة، فإنّ محلّه باق ما لم يدخل فيه، و على هذا لو نسي الفاتحة حتى دخل في الركوع يجوز له العود و الإتيان، و لو نسي ذكر الركوع حتى رفع رأسه منه يجوز له العود و الإتيان، و لكن الجزم بذلك في غير مورد الدليل مشكل.
(الثالث): لو أتى بركعة من النافلة فغفل عنها و شرع في نافلة أخرى، و لما أتمّها و سلّم تذكّر عدم إتمام النافلة التي شرع فيها لا إشكال في صحة ما أتى بها من النافلة في الأثناء و إتمام النافلة الأولى بإلحاق ركعة بها مع عدم فوت الموالاة و تخلّل المنافي.
(الرابع): كلما ثبت في الفريضة مما هو مناسب للتخفيف يثبت في النافلة بالأولوية، كما صرّح به في الجواهر.
(مسألة ۱۰): لا يجب قضاء السجدة المنسية و التشهّد المنسيّ في النافلة، كما لا يجب سجود السهو لموجباته فيها (٦۰).
لظهور تسالم الفقهاء عليه، مضافا إلى الأصل بعد انسباق خصوص الفريضة عن أدلّة وجوبهما.
و قال في الجواهر: «ينبغي الجزم بنفي سجدتي السهو لما يوجبها، كما صرّح به في المنتهى و المسالك و غيرهما بل هو بعض معاقد الإجماعات السابقة، بل في الرياض عن ظاهر الأول و صريح الخلاف نفي الخلاف فيه (إلى أن قال):
كما أنّه ينبغي الجزم بنفي مشروعية قضاء ما يقضى في الفريضة فيها من السجدة و التشهّد المنسيين بل يتداركهما مع الإمكان و لا يلتفت مع عدمه، كما إذا تخلّل ما يخرج به عن كونه مصلّيا، و لو لطول الزمان من الفراغ».
أقول: و هو مقتضى تسهيل الأمر في النافلة و ظاهر ما تقدّم من خبري الحلبي و الصيقل حيث بين فيهما كيفية إتيان التشهّد المنسيّ و لم يتعرّض لقضائه بوجه.
إن قلت: مقتضى قاعدة إلحاق النافلة بالفريضة وجوب قضاء المنسيّ إلّا مع الدليل على الخلاف.
قلت: عمدة دليل القاعدة الإجماع، و قوله (عليه السلام): «كل سنّة إنّما يؤتى بها على جهة الفرض»4٦، و ظاهر العمومات، و لكن المتيقّن من الأول- كظاهر الثاني- هو أصل كيفية الإتيان، و أما أحكام الطوارئ فيشكل استفادتها منهما، و أما العمومات فإن كانت في مقام إثبات حكم لذات الصلاة من حيث هي فلا ريب في شمولها، و كذا إن ذكر فيها المكتوبة أو الفريضة و علم أنّ ذكرهما من باب الغالب و المثال، و أما إذا احتمل الاختصاص، كما في جملة من أحكام الطواري المبنية على التشديد و كثرة الاهتمام المناسب للفريضة دون النافلة التي شرعت على التسهيل، فالتمسّك بعموم تلك الأدلّة فيها تمسك بالدليل في الموضوع المشتبه، فيمكن أن يقال: إنّ القواعد التسهيلية تجري في النافلة دون ما كان على خلاف التسهيل إلّا بدليل خاص يدل عليه.
و أما حديث: «لا سهو في نافلة»4۷ فلو لا استفادة اختصاصه بالشك في الركعات لشمل المقام أيضا، و قد تقدّم الاختصاص به للقرائن الخارجية.
(مسألة ۱۱): إذا شك في النافلة بين الاثنتين و الثلاث فبنى على الاثنين ثمَّ تبيّن كونها ثلاثا بطلت (٦۱)، و استحب إعادتها، بل تجب إذا كانت واجبة بالعرض (٦۲).
بناء على بطلانها بزيادة الركعة سهوا، و تقدّم أنّه لا دليل عليه.
لبقاء عين الأمر الأول و عدم سقوطه مستحبّا كان- إن صار باطلا- أو واجبا بالعرض.
(مسألة ۱۲): إذا شك في أصل فعلها بنى على العدم إلا إذا كانت موقتة و خرج وقتها (٦۳).
لأصالة عدم الإتيان في الأول، و قاعدة عدم الاعتناء بالشكّ الحادث بعد الوقت في الثاني، و قد تقدّم عن صاحب الجواهر أنّ القواعد التسهيلية تجري فيها بالأولوية، و هو حق متين.
فرع: لو كانت النافلة لمكان خاص، و خرج عنها ثمَّ شكّ في الإتيان و عدمه، أو كانت لأجل الإتيان بعمل مخصوص فشرع فيه أو فرغ منه و شكّ في إتيانها و عدمه فيمكن الحكم بالإتيان لأجل ظاهر الحال.
(مسألة ۱۳): الظاهر أنّ الظنّ في ركعات النافلة حكمه حكم الشك في التخيير بين البناء على الأقلّ أو الأكثر (٦٤)، و إن كان الأحوط العمل بالظنّ ما لم يكن موجبا للبطلان.
بناء على ظهور قوله (عليه السلام): «لا سهو في النافلة» في الأعم من الظن و الغفلة و الشك في الركعات. و لكنه مخدوش جدا، إذ المراد بالسهو الشك في الركعات لقرائن عليه في نفس الروايات، و حينئذ فيكون ما دلّ على أنّ الظن في الركعات مثل اليقين بلا معارض في البيّن، فراجع و تأمّل، و منه يظهر وجه الاحتياط.
(مسألة ۱٤): النوافل التي لها كيفية خاصة، أو سورة مخصوصة أو دعاء مخصوص- كصلاة الغفيلة، و صلاة ليلة الدفن و صلاة ليلة عيد الفطر- إذا اشتغل بها و نسي تلك الكيفية، فإن أمكن الرجوع و التدارك رجع و تدارك و إن استلزم زيادة الركن، لما عرفت من اغتفارها في النوافل، و إن لم يمكن أعادها (٦٥)، لأنّ الصلاة و إن صحت إلا أنّها لا تكون تلك الصلاة المخصوصة. و إن نسي بعض التسبيحات في صلاة جعفر قضاه متى تذكر (٦٦).
إن أراد درك تلك الخصوصية، و أما أصل الصلاة فإن تحقق قصدها تصح و لا موجب لإعادتها، لأنّ اعتبار تلك الأمور غالبا من باب تعدّد المطلوب لا التقوّم في الذات و ماهية الصلاة.
يأتي تفصيل هذه المسألة في المسألة السادسة من فصل (صلاة جعفر)، فراجع.
(مسألة ۱٥): ما ذكر من أحكام السهو و الشك و الظنّ يجري في جميع الصّلوات الواجبة (٦۷) أداء و قضاء- من الآيات و الجمعة، و العيدين، و صلاة الطواف- فيجب فيها سجدة السهو لموجباتها، و قضاء السجدة المنسية و التشهّد المنسيّ و تبطل بنقصان الركن و زيادته لا بغير الركن. و الشك في ركعاتها موجب للبطلان، لأنّها ثنائية (٦۸).
لظهور تسالم الأعلام، و إطلاق أدلّة تلك الأحكام بعد حمل ذكر الخصوصية في بعضها على الغالب أو من باب المثال.
الأولى في التعبير أن يقال: لأنّها ركعتان تبعا لما مرّ من موثق سماعة في أول فصل الشك في الركعات فراجع. فمن التعليل يستفاد كون الشك في كل ما تكون ركعتين يوجب البطلان إلّا النافلة.
(مسألة ۱٦): قد عرفت سابقا (٦۹) أنّ الظّن المتعلق بالركعات في حكم اليقين، من غير فرق بين الركعتين الأولتين و الأخيرتين، و من غير فرق بين أن يكون موجبا للصحة أو البطلان (۷۰)، كما إذا ظنّ الخمس في الشك بين الأربع و الخمس أو الثلاث و الخمس. و أما الظنّ المتعلق بالأفعال ففي كونه كالشك أو كاليقين إشكال (۷۱)، فاللازم مراعاة الاحتياط. و تظهر الثمرة فيما إذا ظنّ بالإتيان و هو في المحلّ، أو ظنّ بعدم الإتيان بعد الدخول في الغير. و أما الظنّ بعدم الإتيان و هو في المحلّ، أو الظنّ بالإتيان بعد الدخول في الغير فلا يتفاوت الحال في كونه كالشك أو كاليقين، إذ على التقديرين يجب الإتيان به في الأول و يجب المضيّ في الثاني. و حينئذ فنقول: إن كان المشكوك قراءة أو ذكرا أو دعاء يتحقق الاحتياط بإتيانه (۷۲) بقصد القربة، و إن كان من الأفعال فالاحتياط فيه أن يعمل بالظنّ ثمَّ يعيد الصلاة. مثلا: إذا شك في أنّه سجد سجدة واحدة أو اثنتين- و هو جالس لم يدخل في التشهّد أو القيام- و ظنّ الاثنتين يبني على ذلك و يتم الصلاة ثمَّ يحتاط بإعادتها (۷۳). و كذا إذا دخل في القيام أو التشهّد و ظنّ أنّها واحدة يرجع و يأتي بأخرى و يتمّ الصلاة ثمَّ يعيدها (۷٤) و هكذا في سائر الأفعال و له أن لا يعمل بالظنّ بل يجري عليه حكم الشك (۷٥) و يتم الصلاة ثمَّ يعيدها. و أما الظنّ المتعلق بالشروط و تحققها فلا يكون معتبرا (۷٦)، إلا في القبلة و الوقت في الجملة (۷۷). نعم، لا يبعد اعتبار شهادة العدلين فيها- و كذا في الأفعال و الرّكعات- و إن كانت الكلية لا تخلو عن إشكال (۷۸).
لما تقدّم في المسألة الخامسة من فصل (الشك في الركعات)، و قد تعرّضنا لقاعدة اعتبار الظن في الركعات هناك، فراجع.
لإطلاق الفتاوى، و معاقد الإجماعات، و إطلاق النبوي- المنجبر-:
«إذا شكّ أحدكم في الصلاة فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب فليبن عليه»4۸ و الآخر: «و إذا شكّ أحدكم فليتحرّ الصواب»4۹، و صحيح صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام): «إن كنت لا تدري كم صلّيت و لم يقع وهمك على شيء
فأعد الصلاة»٥۰ فإنّ المتفاهم منه أنّه إن وقع وهمك على ما تفسد به الصلاة فاعمل بالوهم، و إن وقع على ما تصح فاعمل به فهو متكفّل لصورة عدم وقوع الوهم على شيء و وقوعه على ما يفسد و على ما يصحّ بأوجز عبارة و أحسنها، كما هو دأب الكتاب و السنّة في بيان الأحكام.
قد يعبّر عن ذلك ب (قاعدة اعتبار الظن في الأفعال) و حيث أنّ أجمع العبارات في المقام ما عن بعض أعاظم الفقهاء (قدس سرهم) ننقلها بعين كلماته الشريفة:
قال: «الثانية: هل الظن معتبر في الأفعال أم لا؟ المشهور نعم. و استدلّ عليه بعد نقل الإجماع بالنبويّ السابق، بناء على شموله للشك في الأفعال، و بأنّه لو كان الظن معتبرا في الركعة كان اعتباره في فعل من أفعال الصلاة أولى قطعا، فإنّ الركعة ليست إلّا مجموع الأفعال فإذا اعتبر في المجموع كان بالحجية في أبعاضها أولى، بل يمكن عدّه من دلالة اللفظ بمفهوم الموافقة، و بأنّ الأوليين إنّما لم يعتبر فيهما الشك، لكونهما فرض اللّه، كما نصّ عليه في كثير من الروايات٥۱، فإذا اعتبر الظن فيهما- كما هو المفروض- فاعتباره في مثل القراءة التي هي سنّة أولى، و لا فرق بين القراءة و الأركان قطعا، و بأنّه كيف يعتبر الظن في الركعة التي لا تسقط بحال، و لا يعتبر في مثل السورة التي تسقط بمجرّد الاستعجال، و بأنّه لو فرضنا المصلّي شاكّا بين الاثنين و الثلاث و كان شاكّا في أنّه فعل السجدة من الركعة التي هو متلبّس بها أم لا، و ظنّ أنّه لو فعل السجدة كانت الركعة المتلبّس بها ثالثة- مثلا- و ظنّ أنّه فعل السجدة، فهل ترى أنّه يأخذ بظنّه بأنّ الركعة ثالثة، لأدلّة اعتبار الظن في الركعات و لا يأخذ بظنّه بتحقّق السجدة بل يلزم في بعض الفروض التفكيك بين الأخذ بالظنّ في الركعات و عدمه في الأفعال
فساد الصلاة للعلم بزيادة الركن فيها أو نقصه، مثل أن يظن في حال الجلوس بفعل السجدتين و علم بأنّه على تقدير الإتيان بالسجدتين الركعة المتلبّس بها هي الرابعة، فيظنّ بأنّ الركعة هي الرابعة فلازم اعتبار الظنّ في عدد الركعات البناء على الأربع، و مقتضى عدم اعتباره في الأفعال إتيان السجدتين، و يعلم أنّه على تقدير كون الركعة رابعة فالسجدتان على تقدير كون الركعة ثالثة فالصلاة نقصت ركعة، و ربما يستأنس لذلك بما ورد في تعليل الشك بعد الفراغ بأنّه «حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ»٥۲، و بأنّ المأموم يتبع الإمام في الأفعال عند الشك فيها٥۳، و بما ورد في اعتبار قول الصبيّ في عدد أشواط الطواف٥4 الظاهر في اعتبار قوله في سائر ما يرجع إلى الطواف من الأجزاء و الشرائط و يتم في الصلاة بعكس التشبيه، و في سائر أسباب الظن بعدم القول بالفصل هذه غاية ما يمكن أن يقال، و في الكل تأمل، بل في بعضها منع واضح و المسألة محتاجة إلى التأمّل.
و قد يستدلّ أيضا بأنّ الصلاة كثيرة الأجزاء و التروك مع كثرة الابتلاء بها، فلا بدّ من اعتبار الظنّ فيها تسهيلا و تيسيرا على الناس، و بخبر إسحاق بن عمار: «إذا ذهب و وهمك إلى التمام أبدا في كل صلاة، فاسجد سجدتي السهو بغير ركوع»٥٥.
و يمكن أن يستشهد لاعتباره في الأفعال بما ورد من اعتباره في القبلة٥٦ و الوقت أيضا.٥۷ و قد نقل في الجواهر القول باعتباره في الأفعال عن أكثر من عشرين كتابا.
و عن جميع من الفقهاء، منهم الشيخ و الشهيدان و المحقّقان و عن المحقّق الثاني: (قدّس سرّهم): أنّه لا خلاف فيه، و الظاهر كفاية ذلك كلّه- و إن أمكنت
المناقشة في بعضها- في حصول الظنّ بالحكم، و عدم قصوره عن سائر الظنون الاجتهادية التي عليها مدار الاستنباط. هذا إذا لم يكن اطمئنانيا و إلّا فهو من العلم العادي، كما لا يخفى. مع أنّ اعتبار الظنّ في الأفعال في كثير من موارده مطابق للقاعدة، كما نقله في الجواهر و إنّما تظهر الثمرة في موردين ذكرهما الماتن، أما الاعتماد على ظنّ العدم مع بقاء المحل فلأنّه أولى من الشك. أما بطلان الصلاة بظن عدم الإتيان بالركن بعد تجاوز المحل فللأصل، أما الحكم بقضاء السجدة و التشهّد المنسيين مع ظنّ العدم، فللأصل. و أما بطلان الصلاة مع ظنّ زيادة الركن فلقاعدة الاشتغال، و أما الرجوع إلى تدارك مظنون العدم فلأصالة عدم الإتيان، و قاعدة التجاوز تختص بخصوص الشك المذكور فيها لفظه، فراجع الجواهر و تأمّل.
يعني: إذا ظنّ الإتيان و كان في المحل، و أما إذا ظنّ به بعد الخروج عن المحل فلا وجه للتدارك، سواء كان الظن بحكم الشك أو كان معتبرا.
لاحتمال عدم اعتبار الظن، فيكون من النقيصة العمدية حينئذ.
لاحتمال عدم اعتبار الظن و جريان حكم الشك عليه فيكون من الشك
بعد المحل، و حكمه المضيّ دون التدارك. هذا إذا كان عدم الاعتناء بالشك في مورد قاعدة التجاوز من باب العزيمة دون الرخصة، و إلّا فلا وجه للإعادة، و كذا إن كان من باب العزيمة لكن أتى بها بقصد القربة المطلقة بناء على صحة ذلك في السجدة و إن كان الأحوط الإعادة فيما إذا قصد القربة المطلقة أيضا في خصوص السجدة، لإمكان أن يستفاد مما ورد في سجدة العزيمة «أنّها زيادة في الفريضة»٥۷ أنّ لها خصوصية خاصة مطلقا.
فيأتي بالسجدة في الفرض الأول لقاعدة الاشتغال، و يتركها و يمضي في صلاته في الفرض الثاني، لقاعدة التجاوز، و لكن عدم العمل بالظن خلاف الاحتياط، لما تقدّم من الأدلّة على اعتباره، فالمتعيّن في الاحتياط هو الوجه الأول.
للأصل بعد عدم الدليل على الاعتبار و إن كان مقتضى بعض ما تقدّم من الأدلّة اعتباره فيها أيضا، هذا إذا لم يكن اطمئنانيا و إلّا فهو معتبر، لكونه من العلم العادي، كما عليه بناء الفقهاء في الفقه، بل عن بعض: إنّ المراد بالعلم في الكتاب و السنّة هو الاطمئنان العادي.
تقدّم في فصل القبلة، و المسألة الرابعة من أحكام الأوقات فراجع.
الظاهر أنّه لا إشكال في الكليّة، لكون البينة من الحجج العقلائية في جميع الموارد، و لم يردع عنها الشارع بل قرّرها بمثل خبر مسعدة ابن صدقة٥۸، و تقدّم تقريب استفادة التعميم منه، و يمكن استفادة الأولوية مما ورد في عد
الركعات بالخاتم و الحصى٥۹، و بالاعتماد على الصبيّ في أشواط الطواف٦۰.
(مسألة ۱۷): إذا حدث الشك بين الثلاث و الأربع قبل السجدتين- أو بينهما أو في السجدة الثانية- يجوز له تأخير التروّي (۷۹) إلى وقت العمل بالشك، و هو ما بعد الرفع من السجدة الثانية.
قد تقدّم في المسألة الرابعة، و المسألة الرابعة و الثلاثين من (فصل الشك في الركعات) ما يتعلّق بالتروّي.
و أما جواز تأخيره في المقام، فلعدم الأثر له قبل إتمام السجدتين لوجوب إتمامها علي أيّ تقدير، و إنّما يظهر الأثر في المضيّ على الشك و عدمه، و النهي عن المضيّ على الشك يختص بما إذا كان في الأولتين دون الأخيرتين، مع أنّه قد تقدّم ما فيه في المسألة الثانية و العشرين من (فصل الشك في الركعات).
(مسألة ۱۸): يجب تعلّم ما يعم به البلوى (۸۰) من أحكام الشك و السهو، بل قد يقال: ببطلان صلاة من لا يعرفها (۸۱) لكن الظاهر عدم الوجوب إذا كان مطمئنا بعدم عروضها له، كما أنّ بطلان الصّلاة إنّما يكون إذا كان متزلزلا بحيث لا يمكنه قصد القربة (۸۲)، أو اتفق له الشك أو السهو و لم يعمل بمقتضى ما ورد من حكمه (۸۳). و أما لو بنى على أحد المحتملين أو المحتملات من حكمه و طابق الواقع- مع فرض حصول قصد القربة منه- صح، مثلا: إذا شك في فعل شيء و هو في محلّه و لم يعلم حكمه لكن بنى على عدم الإتيان فأتى به أو بعد التجاوز و بنى على الإتيان و مضى صح عمله، إذا كان بانيا (۸٤) على أن يسأل بعد الفراغ عن حكمه و الإعادة إذا خالف، كما أنّ من كان عارفا بحكمه و نسي في الأثناء أو اتفق له شك أو سهو نادر الوقوع يجوز له أن يبني على أحد المحتملات في نظره بانيا على السؤال و الإعادة مع المخالفة لفتوى مجتهده.
تقدّم في المسألة السادسة عشر، و المسألة السابعة و العشرين و ما بعدها، و المسألة التاسعة و الأربعين من مسائل التقليد ما يتعلّق بهذه المسألة، و أنّ وجوب التعلّم عقليّ طريقيّ محض و لا نفسية فيه بوجه، و ليس شرطا للعمل أيضا، و أنّ المناط في الصحة و عدمها مطابقة العمل للواقع و عدم المطابقة و أنّ عمل الجاهل- قاصرا كان أو مقصّرا- صحيح إن طابق الواقع و قد فصّلنا القول في الأصول بما لا مزيد عليه، فراجع.
نسب ذلك إلى المشهور، و استدلّوا عليه بعد تحقّق قصد الوجه منه- بما عن المرتضى (قدّس سرّه) من الإجماع على البطلان. و لا دليل على اعتبار
الأول، بل مقتضى الأصل عدمه، و دعوى الإجماع لا يصحّ الاستناد إليه، إذ المسألة اجتهادية لا تعبّدية، مضافا إلى الإشكال في أصل اعتبار مثل هذه الإجماعات.
بأن لم يعلم أنّ الإتيان به واجب أو حرام مثلا، فلا يحصل منه قصد القربة لاحتمال الحرمة.
فيبطل لأجل عدم الإتيان بالمأمور به حينئذ.
لا أثر للبناء مع مطابقة العمل للواقع فيصحّ مع المطابقة له، و إن لم يبن و لا يصح مع عدمها و إن بنى، و كذا فيما يأتي، و قد تقدّم في مسائل التقليد نظير هذه المسألة.
(و الحمد للّه أولا و آخرا).
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۷.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱۰ من أبواب مقدمة العبادات حديث: 4.
- الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲۲ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ٦ و حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۳۳ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۹.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۷.
- الوسائل باب: 4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۳۰ من أبواب صلاة الجماعة حديث: 4.
- الوسائل باب: ۳٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۳٦ من أبواب صلاة الجماعة حديث: ٦.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ٥.
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۷.
- الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲
- الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۸.
- الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۳.
- الوسائل باب: ۲ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
- تقدّم في صفحة: ۳۸۷.
- الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱۹ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۸ من أبواب التشهّد حديث: ۱.
- الوسائل باب: ۱۸ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: 4.
- الوسائل باب: ۷ من أبواب التشهّد حديث: ۱
- تقدّم في صفحة: ۳۸۷.
- الذكرى المسألة: من المطلب الثالث في الشك من الركن الثاني في الخلل.
- كنز العمّال ج: 4 صفحة: ۱۰۱ حديث: ۳۱4۳.
- الوسائل باب: ۱٥ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۱.
- راجع الوسائل باب: ۱ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
- الوسائل باب: ۱۳ من أبواب الوضوء حديث: ۷.
- راجع الوسائل باب: ۲4 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
- راجع الوسائل باب: ٦٦ من أبواب الطواف.
- الوسائل باب: ۷ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- راجع الوسائل باب: ٦ و غيره من أبواب القبلة.
- الوسائل باب: 4۰ من أبواب القراءة في الصلاة حديث: ۱.
- الوسائل باب: 4 من أبواب ما يكتسب به حديث: 4 و قد تقدّم في ج: ۱ من هذا الكتاب ص: ۲۳۲ كتاب الطهارة.
- الوسائل باب: ۲۸ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
- تقدّم في صفحة: ۳۹۸.