على المشهور فتوى و عملا، و عن السرائر دعوى الإجماع عليه، و كون وقت صلاة المغرب و العشاء بعد غروب الشمس من الضروريات بين المسلمين بحيث يعرف منهم ذلك الأديان الأخر أيضا. و إنّما الخلاف في أنّه يتحقق بمجرد استتار الشمس عن الأبصار أو بزوال ما حدث في الأفق من الاحمرار.
و بعبارة أخرى: الغروب من الأمور التشكيكية، فأول مرتبته استتار ذات الشمس عن النظر، و الأخرى زوال ما يكون لها من الأثر- و قد أطالوا القول في ذلك بما لا ينبغي إذ النزاع صغروي لا أن يكون كبرويا- و مقتضى الأصل عدم تحققه إلا بزوال الأثر إلا أن يدل على كفاية مجرد الاستتار دليل معتبر.
و عمدة الأخبار الواردة في المقام أقسام ثلاثة:
الأول: و هو كثير ما علق فيه الحكم على الغروب و الغيبوبة كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين- الحديث-»۱۰۹.
و في مرسل الفقيه قال أبو جعفر: «وقت المغرب إذا غاب القرص»۱۱۰.
و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر جابر قال: «قال رسول اللّه: إذا غاب القرص أفطر الصائم و دخل وقت الصلاة»۱۱۱.
و في صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام): «وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها»۱۱۲.
و في خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «وقت المغرب حين تغيب الشمس»۱۱۳.
و قوله (عليه السلام) أيضا في رواية عبيد اللّه بن زرارة: «أنا أصلّي المغرب إذا غربت الشمس»۱۱4.
و في صحيح زرارة: «وقت المغرب إذا غاب القرص»۱۱٥.
و في خبر ابن فضال: «إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب»۱۱٦.
إلى غير ذلك من الروايات، و يمكن الاستدلال بها على اعتبار زوال الحمرة بناء على أنّ المنساق من غيبوبة الأجسام النيّرة زوال أثرها مطلقا.
الثاني: ما علق فيه الحكم على زوال الحمرة و هو أيضا كثير، كقول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح بريد: «إذا غابت الحمرة من هذا الجانب يعني من المشرق فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها۱۱۷.
و مثله صحيحه الآخر، و في مرسلة ابن أشيم عن الصادق (عليه السلام): «وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق، و تدري كيف ذلك؟ قلت: لا، قال: لأن المشرق مطلّ على المغرب هكذا، و رفع يمينه فوق يساره فإذا غابت ها هنا ذهبت الحمرة من ها هنا»۱۱۸.
و عنه (عليه السلام) أيضا في مرسل ابن أبي عمير۱۱۹: «وقت سقوط القرص و وجوب الإفطار من الصيام أن تقوم بحذاء القبلة و تتفقد الحمرة التي ترتفع من المشرق فإذا جازت قمة الرأس إلى ناحية المغرب، فقد وجب الإفطار و سقط القرص».
و مكاتبة ابن وضاح قال: «كتبت إلى العبد الصالح (عليه السلام): يتوارى القرص و يقبل الليل ثمَّ يزيد الليل ارتفاعا و تستر عنا الشمس و ترتفع فوق الجبل حمرة و يؤذن عندنا المؤذنون أ فأصلّي حينئذ و أفطر إن كنت صائما؟ أو أنتظر حتّى تذهب الحمرة فوق الجبل؟ فكتب إليّ: أرى لك أن تنتظر حتّى تذهب الحمرة، و تأخذ بالحائطة لدينك»۱۲۰.
و التعليل محمول على التقية. و في خبر ابن شريح عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن وقت المغرب فقال: إذا تغيّرت الحمرة في الأفق، و ذهبت الصفرة، و قبل: أن تشتبك النجوم»۱۲۱.
و مثل هذه الأخبار المعتبرة سندا الصريحة دلالة من محكمات أخبار الباب و مفسّرة لجميعها، و لا وجه لحملها على الاستحباب، لأنّ سياقها سياق الشرح و البيان، فلا وجه لتوهم المعارضة بينها كما لا معارضة بين المفسّر (بالكسر) و المفسّر (بالفتح) و الشارح و المشروح.
الثالث: ما علّق فيه الحكم على عدم الرؤية كخبر عليّ بن الحكم عن أحدهما (عليهما السلام): «سئل عن وقت المغرب فقال: إذا غاب كرسيها، قلت: و ما كرسيها؟ قال: قرصها، فقلت: متى يغيب قرصها؟ قال: إذا نظرت إليه فلم تره»۱۲۲.
و قول الصادق (عليه السلام) في خبر أسامة: «إنّما تصليها إذا لم ترها خلف جبل، غابت أو غارت ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها»۱۲۳.
و فيه: أنّه إن كان المراد بعدم الرؤية عدم رؤيته الأثر، فهذه الأخبار من القسم الثاني، و إن كان المراد عدم رؤية ذات الشمس، فهي من القسم الأول و قد تقدم أنّ القسم الثاني مفسّر و شارح للقسم الأول، مع أنّه لا يمكن الأخذ بإطلاق خبر أبي أسامة بل هو مجمل كما هو واضح هذا مع وهن القسم الأول و الأخير بإعراض المشهور و استقرار السيرة فتوى و عملا- قديما و حديثا- على خلافهما و يكون العمل بالقسم الثاني من شعار الإمامية في جميع الأزمان و البلدان، مضافا إلى مكان حملهما على التقية، فلا محيص إلا من العمل بالقسم الثاني. هذه عمدة الأخبار الواردة في المقام.
و هناك أخبار أخرى و هي على قسمين:
الأول: خبر أبان بن أرقم و غيره قالوا: «أقبلنا من مكة حتّى إذا كنا بوادي الأخضر إذا نحن برجل يصلّي و نحن ننظر إلى شعاع الشمس فوجدنا في أنفسنا، فجعل يصلّي و نحن ندعو عليه صلّى ركعة و نحن ندعو عليه و نقول: هذا شباب من شباب أهل المدينة فلما أتيناه إذا هو أبو عبد اللّه جعفر بن محمد (عليه السلام) فنزلنا فصلّينا معه و قد فاتنا ركعة فلما قضينا الصلاة قمنا إليه فقلنا: جعلنا فداك هذه الساعة تصلّي؟! فقال: إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت»۱۲4.
و هو مشتمل على فعله (عليه السلام) و قوله و لكن فعله محمول على التقية و قوله (عليه السلام): «إذا غابت الشمس فقد دخل الوقت».
يكون من القسم الأول. و أما خبر ابن سيف: «صحبت الرضا (عليه السلام) في السفر فرأيته يصلّي المغرب إذا أقبلت الفحمة من المشرق يعني السواد»۱۲٥.
فهو مجمل لا يستفاد منه شيء، و كذا خبر الخثعمي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) أنّه قال: «كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يصلّي المغرب و يصلّي معه حيّ من الأنصار يقال لهم: بنو سلمة، منازلهم على نصف ميل، فيصلون معه، ثمَّ ينصرفون إلى منازلهم و هم يرون مواضع سهامهم»۱۲٦ و هو أيضا مجمل من حيث فعله (صلّى اللّه عليه و آله)، و من حيث رؤية الأنصار، لأنّ للرؤية مراتب كثيرة كما أنّ لضوء أول الليل أيضا كذلك. و أما موثق سماعة قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) في المغرب إنّا ربما صلّينا و نحن نخاف أن تكون الشمس خلف الجبل أو قد سترنا منها الجبل؟ قال: فقال ليس عليك صعود الجبل»۱۲۷.
مضافا إلى إجمال قوله (عليه السلام) لأنّه ليس للإمام (عليه السلام) أن يقول مثل هذا القول المخالف لمذهب الخاصة و العامة، و مثله خبر زيد الشحام قال: «صعدت مرة جبل أبي قبيس و الناس يصلّون المغرب، فرأيت الشمس لم تغب إنّما توارت خلف الجبل عن الناس، فلقيت أبا عبد اللّه (عليه السلام) فأخبرته بذلك فقال لي: و لم فعلت ذلك؟! بئس ما صنعت إنّما تصلّيها إذا لم ترها خلف جبل، غابت أو غارت ما لم يتجلّلها سحاب أو ظلمة تظلّها و إنّما عليك مشرقك و مغربك و ليس على الناس أن يبحثوا»۱۲۸.
فإنّه خلاف المذهبين و قد تقدم أنّه مجمل.
الثاني: جملة من الأخبار الواردة في ذم التأخير إلى اشتباك النجوم الذي أبدعه أبو الخطاب- محمد بن مقلاص الكوفي- على ما نقله الإمام (عليه السلام) كخبر جارود قال: «قال لي أبو عبد اللّه (عليه السلام): يا جارود ينصحون فلا يقبلون و إذا سمعوا بشيء نادوا به أو حدّثوا بشيء أذاعوه، قلت لهم؟؟؟ بالمغرب قليلا فتركوها حتّى اشتبكت النجوم، فأنا الآن أصلّيها إذا سقط القرص»۱۲۹.
و عنه (عليه السلام) أيضا: «ذكر أبو الخطاب فلعنه ثمَّ قال: إنّه لم يكن يحفظ شيئا حدثته إنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) غابت له الشمس في مكان كذا و كذا، و صلّى المغرب بالشجرة و بينهما ستة أميال فأخبرته بذلك في السفر فوضعه في الحضر»۱۳۰.
إلى غير ذلك مما سيق هذا المساق و أغنانا عن التعرض لمثل هذه الأخبار متونها المصرّحة بأنّه من سوء فهم أبي الخطاب و من مجعولاته، فالناظر في مجموع الأخبار يطمئن بما هو المشهور و يأتي في كتاب الصوم و الحج- في حكم الإفطار، و الإفاضة من عرفات- ما ينفع المقام.
تنبيهات- الأول: قول أبي جعفر (عليه السلام) في صحيح بريد بن معاوية المتقدم: «فقد غابت الشمس من شرق الأرض و غربها»۱۳۱، يراد بها شرق الأرض عن القطر الذي يكون فيه المصلّي و غربها لا شرق الكرة الأرضية و غربها و إلا فهو خلف الوجدان.
و أما قول أبي عبد اللّه (عليه السلام) في خبر ابن أشيم: «لأنّ المشرق مطلّ على المغرب»۱۳۲، فالإطلال بمعنى الإشراف و المراد به المقابلة للمغرب و الاستشراف عليه في أخذه أثر النور و هو الحمرة، فالمراد بالإطلال الفرضي الاعتباري لا الحقيقي إذ الكرات الدائرة لا يعقل فيها الإطلال الحقيقي كما ثبت في محلّه.
الثاني: قال السيد الداماد (رحمه اللّه)- فبما حكاه عنه في البحار-: النهار الشرعي في باب الصلاة و الصوم و سائر الأبواب من طلوع الفجر إلى ذهاب الحمرة المشرقية، و هذا هو المعتبر و المعول عليه عند أساطين الإلهيين و الرياضيين من حكماء اليونان.
الثالث: قد أشكل- على كون زوال الحمرة المشرقية علامة للغروب- بأنّه يستلزم أن يكون حدوث الحمرة المغربية علامة لطلوع الشمس فيكون آخر وقت صلاة الصبح ظهور الحمرة لا طلوع الشمس، و يشهد لذلك ما في الفقه الرضوي: «و آخر وقت الفجر أن تبدو الحمرة في أفق المغرب»۱۳۳.
و فيه: أنّ مقتضى الملازمة و إن كان ذلك، لكن الشارع وسع الوقت لصلاة الفجر تسهيلا على الأمة.