لأنّهم ذراري خاتم الأنبياء و قرنهم اللَّه تعالى بنفسه في آية الغنيمة۱ و جعل مودتهم أجر الرسالة، و إذا كانوا من ذرية خاتم النبيين يكونوا من ذرية جمع من الأنبياء منهم إبراهيم الخليل (عليه السلام).
و من إحدى مصالح تشريع الخمس أنّه إنّما شرع ليرتبط به الناس إلى ذراري النبي الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله)، فيستحقون بذلك من اللَّه الثواب و التكريم.
و منها: أنّه نحو عناية خاصة من اللَّه تعالى بذرية الرسول الذين هم بقايا النبوات الإلهية و الرسالات الربانية من إبراهيم الخليل (عليه السلام) إلى يوم القيامة تشكرا من اللَّه تعالى، لما تحمّله أولئك الأنبياء الكرام من المتاعب العظام في إعلاء كلمة اللَّه و نشر أحكامه، فجعل ذريتهم باقية إلى يوم القيامة، و فرض على خلقه أداء حقهم إليه تخليدا لذكرهم بين الناس و اهتماما بشؤونهم إلى يوم الدّين.
ثمَّ إنّ خلق الدنيا بما فيها من الأرض، و الجبال، و البحار، و المعادن إلى غير ذلك مما لا يمكن تحديد منابع منافعها بحدّ معيّن إما أن يكون من مجرّد العبث، أو لأجل أن ترعى فيها الأنعام، و البهائم، و الوحوش فقط، أو لأجل أن يسيطر عليها أناس و يحكموا فيها بأوهامهم التي لا واقعية لها، و يظهر خلافها عندهم بعد مضيّ زمن يسير، أو يكون خلق الدنيا لأجل الحق و الحقيقة و عباد اللَّه الذين اختصهم اللَّه لنفسه، و الذين ينظمون الدنيا نظما إلهيا واقعيا، و يصلحون الدنيا شخصيا و نوعيا إصلاحا حقيقيا بنحو النظام الأتم الأكمل على أحسن ما يمكن أن يتصوّر عليه.
و العقل المستقل يحكم ببطلان الأول، لأنّه تعطيل للفيض المطلق مع استعداد المحل و كمال قدرة الفاعل كما قد ثبت كل ذلك في محله.
و كذا الثاني ظلم و تعطيل للحق عن أهله و محله، مضافا إلى مفاسد نوعية و شخصية تترتب عليه، فتعيّن القسم الأخير، و تدل عليه الأخبار المستفيضة منها خبر المعلّى قال: «قلت لأبي عبد اللَّه (عليه السلام) ما لكم من هذه الأرض؟ فتبسّم ثمَّ قال: إنّ اللَّه بعث جبرئيل و أمره أن يخرق بإبهامه ثمانية أنهار في الأرض منها سيحان وجيهان و هو نهر بلخ، و الخشوع و هو نهر الشاش، و مهران و هو نهر الهند، و نيل مصر و دجلة، و الفرات، فما سقت أو استقت فهو لنا، و ما كان لنا فهو لشيعتنا، و ليس لعدوّنا منه شيء إلا ما غصب عليه، و إنّ ولينا لفي أوسع فيما بين ذه إلى ذه، يعني:
ما بين السماء و الأرض ثمَّ تلا هذه الآية قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا المغصوبين عليها خالِصَةً لهم يَوْمَ الْقِيامَةِ بلا غصب»۲.
و عنه (عليه السلام) أيضا: «إنّ جبرئيل (عليه السلام) كرى برجله خمسة أنهار لسان الماء يتبعه الفرات، و دجلة، و نيل مصر، و مهران، و نهر بلخ، فما سقت أو سقى منها فللإمام، و البحر المطيف»۳.
و عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال رسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و آله): خلق اللَّه آدم و أقطعه الدنيا قطيعة، فما كان لآدم فهو لرسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و آله)،و ما كان لرسول اللَّه (صلّى اللّه عليه و آله) فهو للأئمة من آل محمد»4.
و عنه (عليه السلام) أيضا: «وجدنا في كتاب عليّ (عليه السلام): إنّ الأرض للَّه يورثها من يشاء من عباده و العاقبة للمتقين. أنا و أهل بيتي الذين أورثنا الأرض، و نحن المتقون، و الأرض كلها لنا. فمن أحيا أرضا ميتا من المسلمين فليعمرها، و ليؤد خراجها إلى الإمام (عليه السلام)- الحديث-»٥.
إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة المتفرقة في الأبواب المختلفة- كالجهاد و إحياء الموات، و أحكام الأراضي- و قد جعلناها مطابقة لحكم الفطرة فلا تعبد و لا استعجاب فيها بشيء أبدا.
ثمَّ إنّ مالكية الإمام للأرض بما فيها و عليها تتصوّر على وجوه:
الأول: الملكية الشخصية كسائر أملاكه الشخصية التي اكتسبها في حياته و تصل بعد موته إلى وارثه مطلقا إماما كان أو غيره و لا ريب في بطلان هذا الوجه.
الثاني: أن يكون ملكا للإمام ملكا شخصيا و بعد ارتحاله ينتقل إلى الإمام بعده لا إلى الورثة. نظير ملكية الحبوة للولد الأكبر بعد الانتقال إليه بالإرث بأنّه يملكها ملكا شخصيا مطلقا و هذا أيضا باطل.
الثالث: أن يكون للإمام حق فيها، من جهة صرفها و صرف منافعها في المصالح البشرية من حيث إنّه (عليه السلام) رئيسهم، و أنّه الباب المبتلى به الناس و يجب عليه تنظيم أمور دنياهم و آخرتهم نظما واقعيا إلهيا و لا ريب في تقوّم ذلك كلّه بالمال، فبسط اللّه يد خليفته لإصلاح عباده و تنظيم بلاده و الظاهر تعيّن هذا الوجه.
و يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن يقول بعدم الملكية أي: بالنحو الأول و من يقول بها، أي: بالنحو الأخير، كما أنّ الظاهر عدم كون هذا المنصب لنائب الغيبة، لأنّ لمرتبة العصمة موضوعية خاصة في هذا المنصب العظيم، بل ما قلنا سابقا من صحة تصرّفه في صفايا الملوك مشكل أيضا، لاحتمال اختصاصها بمرتبة العصمة. نعم، الظاهر ثبوت الولاية في الجملة بالنسبة إلى بعض الأراضي، و المعادن، و نحوها لنائب الغيبة أيضا.