للإجماع، و النصوص المستفيضة منها صحيح حماد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج أ يعجل طوافه أو يؤخره؟ قال عليه السّلام: هو و اللّه سواء عجله أو أخره»٥۸، و مثله صحيح زرارة قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المفرد للحج يدخل مكة يقدم طوافه أو يؤخره؟ فقال: سواء»٥۹ إلّا أن خبر أبي بصير- على ما في الجواهر- لا يحتمل ذلك، قال: «إن كنت أحرمت بالمتعة فقدمت يوم التروية فلا متعة ذلك فاجعلها حجة مفردة تطوف بالبيت و تسعى بين الصفا و المروة ثمَّ تخرج إلى منى و لا هدي عليك» و مثله غيره و هذه الأخبار و إن اختصت بالمفرد، و لكن تقدم عدم الفرق بينه و بين القران إلا في سياق الهدي.
إنما البحث في جهتين:
الأولى: هل يجب عليهما تجديد التلبية أو لا؟ ظاهر ما يأتي من الأخبار هو الوجوب، و نسب إلى المشهور أيضا.
الثانية: هل يحصل التحلل بالطواف قهرا لو لا التلبية؟
فيه أقوال. الأول: حصوله للمفرد و القارن نسب ذلك إلى جمع منهم الشيخ، و الشهيدان، و المحقق الثاني.
الثاني: حصوله للمفرد فقط حكى عن الشيخ في التهذيب و استظهره في الذخيرة، و الرياض لما دل على أن السائق لا يحل حتى يبلغ الهدي محله و لذكر المفرد بالخصوص في بعض ما يأتي من الأخبار.
الثالث: عكس ذلك نسب ذلك إلى المفيد، و السيد و كلامهما غير ظاهر فيما نسب إليهما مع أن مستنده غير واضح كما صرح به غير واحد.
الرابع: عدم حصول الإحلال مطلقا إلا بالنية و إن كان الأولى تجديد التلبية، نسب هذا إلى الحلي و الفاضل و ولده و اختاره المحقق في الشرائع.
احتج الشيخ رحمه اللّه و من تبعه لما ذهبوا إليه من التحلل بالطواف و السعي في حجي الأفراد و القران بصحيح ابن الحجاج قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني أريد الجوار بمكة فكيف أصنع؟ قال: إذا رأيت الهلال- هلال ذي الحجة- فأخرج إلى الجعرانة فأحرم منها بالحج، فقلت: له كيف أصنع إذا دخلت مكة أقيم بها إلى يوم التروية و لا أطوف بالبيت؟ قال: تقيم عشرا لا تأتي الكعبة إن عشرا لكثير، إن البيت ليس بمهجور، و لكن إذا دخلت مكة فطف بالبيت واسع بين الصفا و المروة قلت له: أ ليس كل من طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل؟ فقال: إنك تعقد بالتلبية ثمَّ قال: كلّما طفت طوافا و صليت ركعتين فاعقد طوافا بالتلبية»٦۰، و بموثق زرارة قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من طاف بالبيت و بالصفا و المروة أحلّ، أحبّ أو كره»٦۱. و في خبر العلل: «لأن المحرم إذا طاف بالبيت أحل»٦۲ إلى غير ذلك من الأخبار التي يمكن أن يستفاد منها ذلك و يأتي التعرض لبعضها الآخر.
و فيه. أولا: إنها مخالفة لما هو معلوم من المذهب من توقف الإحلال على التقصير نصا و فتوى.
و ثانيا: أن إطلاقها يشمل الطواف المندوب و هو جائز لهما بلا خلاف فيه بل في كشف اللثام و الإيضاح استظهار الإجماع عليه.
و ثالثا: إنها موافقة للعامة قال في المدارك: «ورد في روايات العامة التصريح بذلك فإنهم رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله أنه قال إذا أهلّ الرجل بالحج ثمَّ قدم مكة فطاف بالبيت و بين الصفا و المروة فقد حلّ و هي عمرة»٦۳.
و رابعا: إن قولهم عليهم السّلام: «فقد أحل» يحتمل معان.
الأول: بيان الحكم الوضعي بأن يكون الطواف و السعي منهما كالتقصير من غيرهما، و هو مخالف لأدلة وجوب التقصير في كل إحرام.
الثاني: الأشراف على الإحلال و بأنه نوى العمرة من الأول إجمالا، لأنه مع الالتفات في الجملة إلى أن أول أعمال الحج الوقوف و مع ذلك طاف و سعى يستكشف من ذلك قصد العمرة إجمالا، فيطابق مع ما اختاره المحقق و الفاضلان من أن المدار في التحليل على النية.
الثالث: أن يكون المراد به العدول إلى حج التمتع مع إمكانه. و هذا أيضا يطابق اختيار المحقق و الفاضلين، لأن المراد من قوله: «و من يقول بمقالته العدول بالنية» أي: نية العدول من الإفراد إلى التمتع حيث أمكن ذلك.
و أما القول الثاني: فاستندوا إلى جملة من الأخبار منها موثق زرارة قال:
«سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من طاف بالبيت و بالصفا و المروة أحل، أحبّ أو كره إلا من اعتمر في عامه ذلك أو ساق الهدي، و أشعره، و قلده»٦4 و حسن بن عمار: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل لبّى بالحج مفردا فقدم مكة و طاف بالبيت و صلى ركعتين عند مقام إبراهيم، و سعى بين الصفا و المروة قال: فليحل و ليجعلها متعة إلا أن يكون ساق الهدي»٦٥، و مرسل يونس عن أبي الحسن عليه السّلام:
«ما طاف بين هذين الحجرين الصفا و المروة أحد إلّا حلّ إلّا سائق الهدي»٦٦.
و فيه. أولا: إنه مخالف لظهور اتفاقهم على اشتراك حجي الإفراد و القران في الأحكام إلا في سياق الهدي، و ظهور اتفاقهم على جواز الطواف المندوب لهما قبل الوقوف، و لحسن معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سألته عن المفرد للحج هل يطوف بالبيت بعد طواف الفريضة؟ قال عليه السّلام: نعم ما شاء و يجدد التلبية بعد الركعتين، و القارن بتلك المنزلة يعقدان ما أحلا من الطواف بالتلبية»٦۷فلا وجه يعتمد عليه لهذا القول أيضا.
و أما القول الثالث: فلم يحقق من قائله و لم يعلم مدركه.
فيتعين القول الرابع و هو المطابق للأصل، و مجموع الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض، و قال في الجواهر: «إن الأخذ بإطلاق النصوص المزبورة يقتضي إثبات أحكام غريبة يقطع الفقيه بخروجها عن مذاق الفقه و يبعد التزام الأصحاب بها». و أما كلمات الفقهاء فمشوشة غاية التشويش فراجع المطولات.