أما تأكّد الاستحباب فلكثرة ما ورد فيها من الفضل و الفضيلة مما تبهر منه العقول، و لو لم يكن فيها إلّا رواية معاوية بن وهب عن الصادق عليه السّلام لكفى في فضلها، مع أنه من أقل ما ورد فيه قال: «استأذنت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقيل لي: ادخل فدخلت فوجدته في مصلاه فجلست حتى قضى صلاته فسمعته و هو يناجي ربّه و هو يقول: «يا من خصّنا بالكرامة، و خصّنا بالوصيّة و وعدنا الشفاعة، و أعطانا علم ما مضى و ما بقي، و جعل أفئدة من الناس تهوى إلينا اغفر لي و لإخواني، و لزوار قبر أبي الحسين عليه السّلام الذين أنفقوا أموالهم و أشخصوا أبدانهم رغبة في برّنا و رجاء لما عندك في صلتنا، و سرورا أدخلوه على نبيك صلواتك عليه و آله و إجابة منهم لأمرنا، و غيظا أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضاك فكافهم عنّا بالرضوان و اكلأهم بالليل و النهار، و اخلف على أهاليهم و أولادهم الذين خلفوا بأحسن الخلف، و اصحبهم و اكفهم شرّ كل جبار عنيد و كل ضعيف من خلقك أو شديد و شرّ شياطين الجن و الإنس و أعطهم أفضل ما أمّلوا منك في غربتهم عن أوطانهم و ما آثرونا به على أبنائهم «و أبدانهم» و أهاليهم و قراباتهم، اللّهم إنّ أعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن الشخوص إلينا و خلافا منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي قد غيّرتها الشمس و ارحم تلك الحدود التي تقلبت على حفرة أبي عبد اللّه، و ارحم تلك الأعين التي جرت دموعها رحمة لنا، و ارحم تلك القلوب التي جزعت و احترقت لنا و ارحم الصرخة التي كانت لنا، اللّهم إنّي أستودعك تلك الأنفس و تلك الأبدان حتى توافيهم على الحوض يوم العطش» فما زال و هو ساجد يدعو اللّه بهذا الدعاء فلما انصرف قلت: جعلت فداك لو أنّ هذا الذي سمعت منك كان لمن لا يعرف اللّه لظننت أنّ النار لا تطعم منه شيئا، و اللّه لقد تمنّيت أني كنت زرته و لم أحج فقال عليه السّلام لي: ما أقربك منه، فما الذي يمنعك من زيارته ثمَّ قال: يا معاوية لم تدع ذلك قلت: لم أدر أنّ الأمر يبلغ هذا كلّه قال يا معاوية من يدعو لزواره في السماء أكثر ممن يدعو لهم في الأرض يا معاوية لا تدعه فمن تركه رأى من الحسرة ما يتمنّى أنّ قبره كان عنده أما تحب أن يرى اللّه شخصك و سوادك فيمن يدعو له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علي و فاطمة و الأئمة عليهم السّلام أما تحب أن تكون غدا ممن ينقلب بالمغفرة لما مضى و يغفر له ذنوب سبعين سنة، أما تحب أن تكون غدا ممن تصافحه الملائكة، أما تحب أن تكون غدا فيمن يخرج و ليس له ذنب فيتبع به، أما تحب أن تكون ممن تصافح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟!»۱.
و أما منشأ القول بالوجوب الكفائي كخبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين عليه السّلام فإن إتيانه يزيد في الرزق، و يمد في العمر، و يدفع مدافع السوء، و إتيانه مفترض على كل مؤمن يقرّ له بالإمامة من اللّه»۲.
ففيه: أنه لا بد من حمله على تأكد الندب بقرينة صدره و سائر الأخبار.
و أما الأخبار الدالة على أن ترك زيارته من الجفاء كقوله عليه السّلام أيضا: «زره و لا تجفوه فإنه سيد الشهداء»۳، و قول أبي جعفر عليه السّلام لمن ترك زيارته عليه السّلام: «ما أجفاكم»4.
ففيها: أن الجفاء بمعنى البعد و عدم الخير، و البعد له مراتب، و ترك المندوب مع التمكن منه نحو بعد عن الشرع، إذ ليس كل بعد مما يوجب استحقاق العقاب، و في الحديث: «إن الاستنجاء باليمين من الجفاء»٥ فترك كل أدب شرعي جفاء.
و أما خبر هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عمن ترك زيارة قبر الحسين عليه السّلام من غير علة فقال عليه السّلام: هذا رجل من أهل النار»٦.
ففيه: أنه يصلح للوجوب لو لا قصور سنده، و إعراض المشهور عنه، مع أن ظاهره الوجوب العيني لمن تمكن و لا قائل به. نعم قد تجب كفاية لأجل جهات خارجية، و كذا زيارة سائر الأئمّة عليهم السّلام و لا إشكال فيه، و مما ذكرنا ظهر لك الأمر في سائر الأخبار.