و تشهد له السيرة على عدم استقرار عمرة على من استطاع من النائين فمات أو ذهبت استطاعته قبل أشهر الحج و عدم الحكم بفسقه لو أخر الاعتمار إلى أشهر الحج- الى آخر ما في الجواهر.
أقول: البحث في هذه المسألة تارة: بحسب الأصل. و أخرى: بحسب الإطلاقات. و ثالثة: بحسب الأخبار الخاصة.
أما الأول: فالشك في وجوبها على النائي مع عدم استطاعته للحج يكون من الشك في أصل التكليف فتجري البراءة بلا إشكال، و النائي يشك في وجوبها عليه مقدّمة و نفسيا، فيكون وجوبها عند الاستطاعة للحج معلوما قطعا و مع عدم الاستطاعة له مشكوك، و المرجع فيه البراءة.
أما الثانية: فهي عبارة عن قوله (عليه السلام) في صحيح فضل: «هما مفروضان»۷ أي: العمرة و الحج، و قوله (عليه السلام) في خبر أبي بصير: «العمرة مفروضة مثل الحج- الحديث-»۸، و قوله (عليه السلام): في خبر ابن عمار: «العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج لأنّ اللّه تعالى يقول وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ۹.
و لا ريب في ظهورها، بل نصوصيتها في وجوب العمرة في الجملة و تشمل العمرة التمتعية مع الاستطاعة للحج. و أما شمولها للعمرة المفردة للنائي مع الاستطاعة لها فقط، فهو من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، للشك في شمول التشريع لها بعد معلومية التشريع للعمرة التمتعية إذا استطاع للحج أيضا.
إن قلت: لا شبهة في الموضوع حتى يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لمعلومية العمرة لدى المسلمين فينطبق عليه الدليل قهرا.
قلت: ليس المناط في موضوعات العبادات الصدق العرفي فقط مع الشك في أصل التشريع، بل المناط إحراز تشريع الحكم و مع الشك فيه لا أثر للصدق العرفي، و احتمال كون المراد من العمرة الواجبة بالنسبة إلى النائي العمرة التمتعية و عدم التعرض لما يتعلق بها في الأخبار سؤالا و جوابا- و غير ذلك مما ذكره في الجواهر- يوجب التردد في الوجوب بالنسبة إليه.
أما الثالث: فمنها ما عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في صحيح الحلبي: «إذا استمتع الرجل بالعمرة فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة»۱۰.
و خبر ابن عمار: «قلت: فمن تمتع بالعمرة، إلى الحج أ يجزي عنه؟ قال:
نعم»۱۱.
و في خبر ابن شعيب قال: «قلت لأبي عبد اللّه (عليه السلام) قول اللّه عزّ و جل وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلَّهِ يكفي الرجل إذا تمتع بالعمرة إلى الحج مكان تلك العمرة المفردة قال: كذلك أمر رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أصحابه۱۲.
و عنه (عليه السلام) أيضا في خبر أبي بصير: «إذا أدى المتعة فقد أدى العمرة المفروضة»۱۳.
و لا تدل جميع هذه التعبيرات على أنّ العمرة المفردة واجبة مستقلة على النائي و العمرة التمتعية تجزي عنها و تكون بدلا عنها، لأنّ هذه التعبيرات أعمّ من ذلك بل بعضها ظاهر في الخلاف مثل قوله (عليه السلام): «فقد قضى ما عليه من فريضة العمرة»۱4 مع أنّه يمكن حمل صدور مثل هذه التعبيرات على التقية من المخالفين، لأنّ الواجب لديهم العمرة المفردة فبينوا (عليهم السلام) بهذا النحو من البيان و مقصودهم (عليهم السلام) أنّ الواجب إنّما هو العمرة التمتعية لا المفردة.