على المعروف بين الفقهاء في كل إنشاء عقدا كان أو إيقاعا حيث أرسل إرسال المسلمات أنه يحتاج إلى مبرز لفظي و لا دليل لهم على هذه الكلية من عقل أو نقل، فمن أجرى صيغة الوقف على الكعبة المقدسة التي هي وقف من هبوط آدم إلى انقراض العالم؟! أو من أجراها على سائر المشاعر كعرفات و المزدلفة، و لذا أثبت المحققون صحة المعاطاة في كل إنشاء عقدي أو إيقاعي إلا ما خرج بالدليل المخصوص كما تقدم في أول كتاب البيع في بحث المعاطاة بل يكفي إيجاده بعنوان المشعرية و المسجدية كما في الكعبة المشرفة بالنسبة إلى اللّه تبارك و تعالى.
و هو أمور. الأول: الصيغة (۱) و هي كل ما دلّ على إنشاء المعنى المذكور مثل «وقفت» و «حبّست» و «سبّلت»، بل «و تصدقت»، إذا أقرن به بعض ما يدل على إرادة المعنى المقصود (۲) كقوله: «صدقة مؤبدة لا تباع و لا توهب» و نحو ذلك، و كذا قوله: «جعلت أرضي أو داري أو بستاني موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة على كذا».
قد أطالوا الكلام في بيان الصيغة في المقام و في البيع الذي هو أم العقود كما لا يخفى على من راجع المطولات، و قد أثبت محققي مشايخنا أن جميع هذه الاطالات من التطويل بلا طائل، لأن المدار على ظهور اللفظ في المعنى المراد المقصود بحيث يكتفي به الناس في المحاورات سواء كان ذلك بلا قرينة أو معها بأي لفظ كان بعد تحقق التفاهم العرفي، و ذلك كله لحجية الظاهر لدى العقلاء بل هو من أقوى الأمور النظامية التي يدور عليه نظام معاشهم و معادهم فيعتمدون على الظاهر و لو لم يكن حقيقة و لا يعتمدون على غير الظاهر و لو كانت حقيقة.
(مسألة ۱): لا يعتبر فيه العربية و لا الماضوية (۳) بل تكفي الجملة الاسمية (٤) كقوله: «هذا وقف أو هذه أرضي موقوفة أو محبّسة أو مسبّلة».
كل ذلك لإطلاق الأدلة و أصالة عدم الاعتبار بعد صدق تحقق عنوان الوقف على جميع ذلك.
نعم، الأولى الاقتصار على ما ورد في الأخبار من الوقف و الحبس كما سيأتي.
لما مر في سابقة من غير فرق مضافا إلى ورودها في وقف أمير المؤمنين عليه السّلام لما جاءه البشير بخروج عين ينبع: «هي صدقة بتّة بتلا في حجيج بيت اللّه و عابري سبيل اللّه لا تباع و لا توهب و لا تورث».4
(مسألة ۲): لا بد في وقف المسجد قصد عنوان المسجدية (٥) فلو وقف مكانا على صلاة المصلّين و عبادة المتعبّدين لم يصر بذلك مسجدا (٦) ما لم يكن المقصود ذلك العنوان، و الظاهر كفاية قوله: «جعلته مسجدا» (۷) في صيغة و إن لم يذكر ما يدل على وقفه و تحبيسه و إن كان أحوط (۸) بأن يقول: «وقفت هذا المكان أو هذا البنيان مسجدا أو على أن يكون مسجدا».
لأنها من العناوين القصدية المتقومة بالقصد كنظائرها مثل الدار و الخان و المستشفى و الفندق و نحوها، و ليست من العناوين الانطباقية القهرية كصعود البخار إلى الفضاء و هبوط المطر إلى الأرض، و يكفي القصد الإجمالي الارتكازي و لا يعتبر التفصيلي، للأصل.
لأصالة عدم ترتب آثار المسجدية ما لم يكن العنوان الخاص مقصودا.
نعم، يصير ذلك وقفا لعبادة المتعبّدين و صلاة المصلّين و هو أعم من
تحقق عنوان المسجدية كما هو واضح.
لأنه يدل بالظهور العرفي على الوقفية أيضا إلا أنه ظهور عرفي التزامي و قول «وقفت» له ظهور عرفي مطابقي و إذا اعتمد العقلاء على الدلالات الالتزامية في محاوراتهم يصح الاعتماد عليها شرعا أيضا.
خروجا عن بعض التشكيكات و جمودا على الدلالات المطابقة مهما أمكن، و لكن التشكيك لا أصل له و الجمود لا وجه له بعد تحقق الظهور العرفي.
(مسألة ۳): الظاهر كفاية المعاطاة في مثل المساجد و المقابر و الشوارع و القناطر و الربط المعدة لنزول المسافرين و الأشجار المغروسة لانتفاع المارة بظلها أو ثمرها، بل البواري للمساجد و القناديل للمشاهد و أشباه ذلك، و بالجملة ما كان محبّسا على مصلحة عامة (۹) فلو بنى بناء بعنوان المسجدية و أذن في الصلاة فيه للعموم و صلى فيه بعض الناس كفى في وقفه و صيرورته مسجدا. و كذا لو عين قطعة من الأرض لأن تكون مقبرة للمسلمين و خلى بينها و بينهم و أذن إذنا عاما لهم في الإقبار فيها فأقبروا فيها بعض الأموات أو بنى قنطرة و خلى بينها و بين العابرين فشرعوا في العبور عنها. و هكذا (۱۰).
للسيرة المستمرة بين المتشرعة خلفا عن سلف بل بين العقلاء كافة الذين لهم وقف في مثل هذه الأمور، و قد أثبتنا غير مرة أن المعاطاة موافقة للقاعدة مطلقا في كل عقد إلا ما نص الشرع على الخلاف و لا نص في المقام على الخلاف، بل العقود تدور مدار المعاطاة في جميع العصور خصوصا في الأعصار الأخيرة و التشكيكات الواردة في المعاطاة انما هي شبهات علمية قد
أجاب المحققون عنها و انها واهية من أصلها، و قد فصلنا القول في ذلك في أول البيع فراجع، و ما نسب إلى العلامة من أن وقفية مثل الحصير و القنديل تمليك للمسجد لا وجه فيه لأنه من مجرد الاحتمال العلمي و مخالف لوجدان الواقفين كما لا يخفى على من راجع وجدانه.
كل ذلك لوجود المقتضي للوقفية و تحقق العنوان و فقد المانع فتشمله الأدلة بلا مدافع.
(مسألة ٤): ما ذكرنا من كفاية المعاطاة في المسجد إنما هو فيما إذا كان أصل البناء و التعمير في المسجد بقصد المسجدية، بأن نوى ببنائه و تعميره أن يكون مسجدا خصوصا إذا حاز أرضا مباحا لأجل المسجد و بنى فيها بتلك النية. و أما إذا كان له بناء مملوك كدار و خان فنوى أن يكون مسجدا و صرف الناس بالصلاة فيه من دون إجراء صيغة الوقف عليه يشكل الاكتفاء به (۱۱)، و كذلك الحال في مثل الرباط و القنطرة، فإذا بنى رباطا في ملكه أو في أرض مباح للمارة و المسافرين ثمَّ خلى بينه و بينهم و نزل به بعض القوافل كفى ذلك في وقفيته على تلك الجهة بخلاف ما إذا كان له خان مملوك له معدّ للإجارة و محلا للتجارة مثلا، فنوى أن يكون وقفا على الغرباء و النازلين من المسافرين و خلى بينه و بينهم من دون إجراء صيغة الوقف عليه (۱۲).
لأن المعاطاة كالعقد اللفظي فكما أن الثاني متقوم بصدور لفظ من الطرفين لا بد و أن تكون المعاطاة متقومة بصدور فعل منهما يقوم فعل أحدهما مقام الإيجاب و فعل الآخر مقام القبول، و في الفرض لم يصدر فعل من الواقف حتى يقوم فعله مقام الإيجاب اللفظي فلا موضوع للمعاطات حينئذ من هذه الجهة لعدم تحقق فعل من كل من الموجب و القابل.
و فيه: أن المعاطاة عبارة عن كل عقد جامع لجميع الشرائط إلا أن إيجابه و قبوله بالفعل في مقابل اللفظ، و هو غالبا يكون بإعطاء ما يتحقق به الإيجاب من
الموجب و فعل ما يتحقق به القبول من المشتري، و لا ريب في أن هذا إنما هو بحسب الغالب بالنسبة إلى الأزمنة القديمة، و يجري حكمها بل موضوعها على ما إذا تحقق موضوع غير لفظي من الموجب و قبول كذلك من القابل، و ليس لفظ المعاطاة واردا في الكتاب و السنة حتى يكون من الأمور التعبدية أو الموضوعات المستنبطة بل لفظ عرفي عبر به بحسب الغالب لا التقوم الحقيقي، و على هذا فلا ريب في المقام في تحقق التسبب إلى العنوان الخاص بغير اللفظ من الموجب و القبول الفعلي من القابل فيتحقق المعاطاة في هذا القسم من الوقف أيضا، و لكن الأحوط مع ذلك إجراء صيغة الوقف.
ظهر مما ذكرنا تحقق المعاطاة فيه أيضا.
(مسألة ٥): لا إشكال في جواز التوكيل في الوقف (۱۳)، و في جريان الفضولية فيه خلاف و إشكال (۱٤) لا يبعد جريانها فيه لكن الأحوط خلافه، فلو وقع فضولا لا يكتفي بالإجازة بل تجدد الصيغة (۱٥).
لظهور الإجماع على جريانه في جميع العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل و لا دليل على الخروج في المقام، و تقدم في الكتاب الوكالة بعض الكلام.
إن قلنا ان الفضولية مطابقة للقاعدة تجري في جميع العقود إلا ما خرج بالدليل و إن قلنا انها خلاف القاعدة فلا تجري إلا في مورد دل عليه الدليل، و قلنا في كتاب البيع إنها موافقة للقاعدة، لأن مرجع النزاع فيها إلى أن الإذن المعتبر في كل عقد هل يشترط أن يتحقق قبل إنشائه أو يكفي تحققه و لو بعده، و مقتضى الأصل و الإطلاق هو الثاني بعد صدق العقد عرفا على العقود الفضولية.
و توهم أنها مناف لقصد القربة فلا وجه لجريانها فيه.
فاسد: لأن إضافة العقدية و ترتب الأثر إنما يتحقق بالإجازة و أن المجيز يقصد القربة بلا إشكال، مع أنا ذكرنا مرارا أن عناوين الصدقات و منها الوقف بذاتها قربى لا أن يعتبر فيها قصد القربة، كالصلاة فيكون الرياء مانعا.
فيجري فيه الإشكال المتقدم و ما أجبنا عنه.
(مسألة ٦): الأقوى عدم اعتبار القبول في الوقف على الجهات العامة (۱٦) كالمساجد و المقابر و القناطر و نحوها، و كذا الوقف على العناوين الكلية كالوقف على الفقراء و الفقهاء و نحوها. و أما الوقف الخاص كالوقف على الذرية فالأحوط اعتباره فيه (۱۷)، فيقبله الموقوف عليهم و إن كانوا صغارا قام به وليهم (۱۸)، و يكفي قبول الموجودين و لا يحتاج إلى قبول من سيوجد منهم بعد وجوده (۱۹)، و الأحوط رعاية القبول في الوقف العام أيضا و القائم به الحاكم أو المنصوب من قبله (۲۰).
اختلفت أقوالهم قدّس سرّهم في هذه المسألة فمن قائل بعدم اعتبار القبول في الوقف مطلقا و أنه إيقاف و إيقاع لا أن يكون عقدا حتى يعتبر فيه القبول فالرد مانع لا أن يكون القبول شرطا، للأصل و العمومات بعد صدق الوقف على مجرد الإيقاف عرفا، و لأنها صدقة و لا يعتبر القبول الاصطلاحي فيه بل يستحب إخفائها بحيث لا يفهم الآخذ أنها صدقة.
نعم، لو رد و لم يأخذها لا يتحقق موضوعها قهرا، و لخلو الأخبار الواردة في الوقف في بيان موضوعه أو حكمه عن ذكر القبول، مع أنه من أهم شروطه على فرض اعتباره بل ظهور قوله صلّى اللّه عليه و آله: «حبّس الأصل و سبّل الثمرة»5، في كونه من الإيقاعات مما لا يخفى.
و من قائل باعتباره فيه مطلقا لمعلومية عدم دخول عين أو منفعة في ملك الغير بسبب اختياري بدون قبوله.
و فيه: أنه مصادرة واضحة مع انتقاضه بالبطون اللاحقة و هم لا يقولون باعتبار القبول فيها، مع ان في جملة الأوقاف فك ملك و تحرير لا أن يكون تمليكا.
و من مفصّل بين الأوقاف العامة و الخاصة فاعتبر القبول في الثانية دون الأولى لأن الثانية تمليك.
و يمكن أن يقال: أن التبرعات و الصدقات متقومة بالمتبرع و المتصدق و من لوازم تحققها خارجا عدم رده فيكون أخذه من اللوازم التكوينية لتحقق هذا المعنى الإضافي المتقوم في حد ذاته بالأخذ خارجا، و إلا فلا يتحقق المعنى الإضافي لا أن يكون القبول معتبرا في إنشائه و يكون عقدا مركبا من الإيجاب و القبول كما نسب إلى المشهور في سائر العقود.
و بعبارة أو جز: الإنشاء إما عقد أو إيقاع أو برزخ بينهما أو من مجرد الأسباب كما احتملنا ذلك في الجعالة، و يصح أن يكون الوقف باعتبار مقام إنشائه من الثاني أو الثالث أو الأخير.
إن قيل: فما وجه وجوب الوفاء و اللزوم فيما قلت بهذا العرض العريض.
يقال: الالتزامات العقلائية الدائرة بينهم على أنفسهم أو من بعضهم على بعض لازمة الوفاء فيما بينهم بحيث يوبّخون على النقض و عدم الوفاء إلا إذا ثبت الردع عنه شرعا، و ما ورد في الكتاب و السنة من وجوب الوفاء بالعقد و الشرط و نحوهما تقرير لما ثبت في فطرتهم و إمضاء لصحة طريقتهم فيكون من حيث الإضافة إلى الشرع وجوبا و إلزاما شرعيا، و من حيث الإرشاد إلى الفطرة وجوبا و إلزاما عقليا، و لا بأس باجتماعهما في شيء واحد من جهتين بل هو الغالب في الأحكام الشرعية.
لا ريب في حسنه و لكن استفادة الوجوب مما مر من أدلتهم مشكل.
لأنه من فروع ولايته و تقدم الكلام في اعتبار المصلحة أو كفاية عدم المفسدة.
للأصل و العموم و صدق الوقف الذري على المال بعد قبول الموجودين و صحة تنزيل قبول الموجودين منزلة قبول جميع الذرية عرفا.
أما الاحتياط فللخروج عن خلاف من اعتبر القبول فيه أيضا. و أما انه من الحاكم أو المنصوب من قبله فلأن مثل هذه الأمور من الأمور الحسبية التي يتصديها الحاكم بنفسه أو يأذن لمن يتصديها.
(مسألة ۷): الأحوط قصد القربة في الوقف (۲۱) و إن كان في اعتباره نظر خصوصا في الوقف الخاص كالوقف على زيد و ذريته و نحو ذلك (۲۲). الثاني: مما يشترط في صحة الوقف القبض (۲۳)، و يعتبر أن يكون بإذن الواقف (۲٤). و هو في كل مورد بحسبه (۲٥).
نسب إلى المشهور اعتبار قصد القربة فيه و استدل عليه.
تارة: بأنه صدقة و يعتبر قصد القربة فيها.
و أخرى: بترتب الثواب عليه و الثواب يدور مدار قصد القربة.
و ثالثة: ببعض ما ورد في أوقاف الأئمة عليهم السّلام الذي أطلق عليه الصدقة أيضا.
و رابعة: بأصالة عدم ترتب الأثر إلا بالقربة.
و الكل مخدوش. أما الأول: فلأن إطلاق الصدقة عليه مسلّم و لكن ليست كل صدقة يعتبر فيها قصد القربة ما لم يدل دليل خاص معتبر على اعتباره فيها و هو مفقود في المقام، و قال عليه السّلام: «كل معروف صدقة»6، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «اماطتك الأذى عن الطريق صدقة»7، و قال صلّى اللّه عليه و آله: «و تبسمك في وجه أخيك صدقة»8، إلى غير ذلك مما هو كثير مع أنه لا يعتبر في جميع ذلك قصد القربة.
و أما الثاني: فلأن ترتب الثواب أعم من قصد القربة كما يدل عليه إطلاق
قوله تعالى فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ9، و لا ريب في أن الوقف خير محض، و ما ورد في ترك شرب الخمر و لو لم يكن ذلك للّه تعالى بل كان صيانة لنفسه10.
أما الثالثة: فلأن ذكر قصد القربة و قصدهم عليهم السّلام له أعم من اعتباره في قوام ذاته كما هو معلوم، و أما الأخير فلا ريب في كونه محكوما بالعمومات و الإطلاقات هذا و لكن الظاهر أن موضوع الوقف و الصدقات و مثل قراءة القرآن و الدعاء و الذكر بذاتها أمر قربى، فيكون قصد الخلاف و الرياء مانعا لا أن يكون قصد القربة زائدا على قصد ذاتها و عنوانها شرطا، و لعل مراد المشهور أيضا هذا فلا نزاع حينئذ في البين، و لكن الأحوط قصد القربة زائدا على قصد عنوان الوقفية لأن مقام العبودية لهذا المولى العظيم الجليل يقتضي أن يكون العبد في جميع أموره الخيرية قاصدا له تعالى، فأصل الدليل حالي لا أن يكون مقاليا حتى يناقش فيه، و هذا الدليل يجري في كل فعل حسن يصدر عن الإنسان، و لعل إليه يشير قولهم عليهم السّلام: «و ليكن لك في كل شيء نية»11.
لأنه كسائر التمليكات إلى أشخاص خاصة كالهبة و العطية و نحوهما، و لا وجه لتقوم هذه التمليكات بقصد القربة كما هو مقتضى الإطلاق و العموم.
إجماعا و نصوصا منها التوقيع: «و أما ما سألت عنه من الوقف على ناحيتنا و ما يجعل لنا ثمَّ يحتاج إليه صاحبه فكل ما لم يسلّم فصاحبه بالخيار
و كل ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه احتاج أو لم يحتج افتقر إليه أو استغنى عنه»12، و منها صحيح صفوان13، قال: «سألته عن الرجل يقف الضيعة ثمَّ يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا؟ فقال: إن كان وقفها لولده و لغيرهم ثمَّ جعل لها قيما لم يكن له أن يرجع فيها، و إن كانوا كبارا و لم يسلمها إليهم و لم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها لأنهم لا يحوزونها عنه و قد بلغوا» و منها ما دل على أنه لو مات الواقف قبل القبض رجع ميراثا، فعن أبي جعفر عليه السّلام: «في الرجل يتصدق على ولده و قد أدركوا. قال عليه السّلام: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره»14 و مثله غيره15، و يشهد لذلك مرتكزات العرف و العقلاء أيضا حيث إن تحقق المجانيات متقومة لديهم بالقبض، فالشرع ورد على طبق العرف و العقلاء.
لأصالة عدم ترتب الأثر على القبض ما لم يتحقق شرط الصحة، و هو القبض بإذن الواقف و رضاه و ليست الأدلة المستدلة بها على اعتبار القبض في مقام البيان من هذه الجهة حتى يستدل بإطلاقها لعدم اعتباره، و يأتي بعض القول في مسألة ۱٤.
ثمَّ إن مقتضى القاعدة كون القبض شرطا للصحة على وجه النقل لا الكشف، و يدل عليه أنه يرجع ميراثا إن مات الواقف قبل القبض فيكون النماء المتخلل بين العقد و القبض للواقف دون الموقوف عليهم.
نعم، لو كان شرطا للّزوم لا لأصل الصحة يكون لهم و لكنه لا قائل به.
على ما سيأتي في المسائل الآتية.
(مسألة ۸): القبض في الوقف الخاص و هو الوقف الذي كان على أشخاص كالوقف على أولاده و ذريته- يتحقق بقبض الموقوف عليهم (۲٦) أو بعضهم و يكفي قبض الطبقة الأولى عن بقية الطبقات اللاحقة (۲۷)، بل يكفي قبض الموجودين من الطبقة الأولى عمن يوجد منهم فيما بعد (۲۸)، فإذا وقف على أولاده ثمَّ على أولاده أولاده و كان الموجود من أولاده ثلاثة فقبضوا ثمَّ تولد رابع بعد ذلك فلا حاجة إلى قبضه، و لو كان الموجودون جماعة فقبض بعضهم دون بعض صح بالنسبة إلى من قبض و بطل بالنسبة إلى من لم يقبض (۲۹).
لأنه لا يتحقق القبض إلا بالنسبة إليهم أو وليهم مع قصورهم.
للإجماع، و سيرة المتشرعة خلفا عن سلف و تحقق القبض عرفا.
لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق بينهما.
أما الصحة بالنسبة إلى من قبض، فلوجود المقتضي و فقد المانع.
و أما البطلان بالنسبة إلى من لم يقبض فلعدم المقتضي للصحة بالنسبة إليه لما مر من أن القبض شرط للصحة. و ما تقدم من كفاية قبض الطبقة السابقة عن اللاحقة، و قبض الموجود عمن يوجد إنما هو في صورة عدم وجودهم و أما مع الوجود فالشرط ثابت بالنسبة إلى الكل للعموم و الإطلاق، و هذا هو المتيقن من الإجماع و السيرة أيضا.
(مسألة ۹): القبض في الوقف على الجهات و المصالح كالمساجد و ما وقف عليها يتحقق بقبض المتولي (۳۰) إن جعل الواقف له متوليا أو بقبض الحاكم الشرعي (۳۱)، و الأحوط عدم الاكتفاء بالثاني مع وجود الأول (۳۲)، و إن لم يكن قيّم تعين قبض الحاكم (۳۳)، و كذا الحال في الوقف على العناوين العامة كالفقراء و الطلبة و العلماء (۳٤). و هل يكفي قبض بعض المستحقين من أفراد ذلك العنوان العام بأن يقبض مثلا فقير من الفقراء في الوقف على الفقراء أو عالم من العلماء في الوقف على العلماء؟ قيل نعم و قيل لا (۳٥)، و لعل الأول هو الأقوى فيما إذا سلّم الوقف إلى المستحق لاستيفاء ما يستحق (۳٦) كما إذا سلم الدار الموقوفة على سكنى الفقراء إلى فقير فسكنها أو الدابة الموقوفة على الزوّار و الحجاج إلى زائر و حاج فركبها.
لأن هذا من لوازم توليته و قيمومته.
لأن له الولاية على ذلك كما في قبول الزكوات و سائر الحقوق العامة لنوع الفقراء فتكون هذه الولاية في عرض ولاية القيّم و المتولي في خصوص
هذه الجهة فقط.
و قد يقال: بترجيح الحاكم لأن القيّم أو المتولي لهما الولاية فيما وقف و تمَّ الوقف، و لا وقف قبل القبض و أما الحاكم فله الولاية على الأمور الحسبية قبل الوقف و حينه و بعده.
و قد يحتمل أنه لا حاجة إلى القبض في هذا القسم من الوقف، لأن الأخبار المستدل بها على اعتباره ظاهرة في الوقف الخاص دون الوقف على العناوين العامة.
و فيه: أنه يمكن أن يكون مورد تلك الأخبار من باب المثال لا الخصوصية.
لأن المغروس في أذهان المتشرعة تقديمه على الحاكم مع الثقة و الأمانة و وجود سائر الشرائط و فقد الموانع.
لأن كل حكم تخييري يتعين في طرفه الموجود مع فقد الطرف الآخر.
فمع وجود القيّم و الحاكم يصح قبض كل منهما، و الأحوط الأول و مع عدمه يتعين الأخير لعين ما مر في السابق بلا فرق.
أما وجه كفاية قبض البعض عن الجميع فلأن الموقوف عليهم هو الجنس بما هو مرآة إلى الخارج و لا ريب في تحقق الجنس في ضمن الفرد كما هو المعلوم فتحقق قبض الموقوف عليهم عرفا.
و أما وجه العدم فلأن الفرد و الجنس متغايران بحسب العنوان و الاعتبار و تعلق الحكم على هذا العنوان المختلف بالاعتبار.
و فيه: أن الجنس إذا لو حظ في حد نفسه مع قطع النظر عن كونه عين الفرد يتحقق هذا الفرق الاعتباري، لكنه حينئذ جنس منطقي و ليس بجنس طبيعي، و الكلام في الثاني دون الأول الذي لا اسم و لا أثر له إلا في فن المنطق فقط و لا ربط له بالفقه و العرف، و أما الجنس الطبيعي الذي هو عين الفرد فلا وجه لهذا الاحتمال فيه أصلا.
لأنه تسليط للموقوف عليه على العين الموقوفة و لا معنى للقبض إلا هذا.
(مسألة ۱۰): لا يكفي في القبض مجرد استيفاء المنفعة و الثمرة من دون استيلاء على العين (۳۷)، فإذا وقف بستانا على الفقراء لا يكفي في القبض إعطاء شيء من ثمرتها لبعض الفقراء مع كون البستان تحت يده (۳۸).
لعدم تحقق القبض إلا بالاستيلاء على العين و المفروض عدم تحققه و لا ريب في أن استيفاء المنفعة أعم من قبض العين.
لعدم استيفاء الموقوف عليه على العين الموقوفة بوجه من الوجوه فكيف يتحقق القبض حينئذ.
(مسألة ۱۱): لو وقف مسجدا أو مقبرة كفى في قبضها صلاة واحدة في المسجد و دفن ميت واحد في المقبرة (۳۹).
لصدق القبض و الاستيلاء على العين الموقوفة بذلك إن كان بإذن
الواقف و كذا يكفي قبض المتولي أو الحاكم الشرعي أيضا، لما مر هذا بناء على اعتبار القبض في هذا النحو من الأوقاف، و أما بناء على عدم اعتباره كما عن جمع فالأمر واضح.
(مسألة ۱۲): لو وقف الأب على أولاده الصغار لم يحتج إلى قبض جديد (٤۰)، و كذا كل ولي إذا وقف على المولّى عليه لأن قبض الولي قبض المولّى عليه و الأحوط أن يقصد كون قبضه عنه (٤۱).
إجماعا و نصوصا منها صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام: «أنه قال في الرجل يتصدق على ولده و قد أدركوا: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره»16، و تعليله يشمل كل ولي و كل مولي عليه، مع أن الحكم موافق للقاعدة أيضا.
لأن هذا القبض معنون بعنوان جديد فلا بد و أن يفرق بينه و بين مطلق القبض الذي كان لأجل كونه تحت ولايته.
و فيه: أن تحقق الاستيلاء الكافي في القبض تكويني و تجدد العنوان بعد تجدد جهة القبض و الاستيلاء قهري لا أن يكون قصديا اختياريا، و لعله لذلك عبّروا بالاحتياط.
(مسألة ۱۳): فيما يعتبر أو يكفي قبض المتولي كالوقف على الجهات العامة لو جعل الواقف التولية لنفسه لا يحتاج إلى قبض آخر و يكفي قبضه الذي هو حاصل (٤۲).
لما مر في سابقة بلا فرق بينهما فلا وجه للإعادة و لا يحتاج في المقام إلى قصد جديد، لأن من لوازم جعل التولية لنفسه مع كون العين في يده حصول القصد إجمالا إلا أن يكون القبض اللاحق لأجل الوقفية.
(مسألة ۱٤): لو كانت العين الموقوفة بيد الموقوف عليه قبل الوقف بعنوان الوديعة أو العارية أو على وجه آخر لم يحتج إلى قبض جديد بأن يستردها ثمَّ يقبضها (٤۳). نعم، لا بد أن يكون بقائها في يده بإذن الواقف (٤٤) بناء على اشتراط كون القبض بإذنه كما مر (٤٥).
للأصل و الإطلاق و الاتفاق بعد تحقق القبض و الاستيلاء عرفا.
لأصالة عدم تحققه إلا بإذنه كما مر. و توهم أنه صار أجنبيا بعد تحقق الوقف مناف لكون القبض شرطا للصحة، و أن كل قبض صحيح متوقف على إذن من كان مسلطا على العين إلا أن يقال: أن هذا الدليل عين المدعى، و لكنه مردود بأن المتشرعة بارتكازاتهم الشرعية يعتبرون مراعاة إذنه و لا ريب في أنه الأحوط.
تقدم في المسألة الثانية و الإشكال المتقدم آنفا جار هنا أيضا مع جوابه بأن المتشرعة بل العقلاء يستنكرون الاستيلاء على العين بدون اذن الواقف و يوبّخون من فعل ذلك، و هذا المقدار يكفي في لزوم الاحتياط إن لم يكن كليا في الفتوى.
(مسألة ۱٥): لا يشترط في القبض الفورية (٤٦) فلو وقف عينا في زمان ثمَّ أقبضها في زمان متأخر كفى و تمَّ الوقف من حينه.
للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق و ما يستفاد من صحيح ابن مسلم من قوله عليه السّلام: «إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث»17، و لا ريب في ظهوره في التوسعة في القبض.
(مسألة ۱٦): لو مات الواقف قبل القبض بطل الوقف و كان ميراثا (٤۷)، و إذا مات الموقوف عليه فإن كان الوقف على العنوان يقوم غيره ممن ينطبق عليه العنوان مقامه في القبض، و كذا إذا كان معيّنا و بعده على شخص آخر (٤۸). الثالث: مما يشترط في صحة الوقف الدوام (٤۹) بمعنى عدم توقيته بمدة فلو قال: «وقفت هذه البستان على الفقراء إلى سنة» بطل وقفا (۵۰)، و في صحته حبسا أو بطلانه كذلك أيضا وجهان أوجههما الثاني (۵۱) إلا إذا علم أنه قصد كونه حبسا (۵۲).
للإجماع و خبر عبيد بن زرارة عن الصادق عليه السّلام: «في رجل تصدق على ولد له قد أدركوا قال عليه السّلام: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث»18، فإنه إما خاص بخصوص الوقف كما فهمه الأصحاب و هو المنساق منها في تلك الأعصار أو شامل للوقوف و لغيره من سائر الصدقات، و على أي تقدير يكون دليلا للمقام.
أما الأول فلفرض أن الموقوف عليه هو العنوان فيصح القبض من كل من انطبق عليه العنوان.
و أما الثاني: فلفرض كون الشخص الآخر مرتبا على فقد الأول فيصح قبضه لا محالة.
على المشهور بل ادعي عليه الإجماع، و استدل أيضا بظواهر النصوص الواردة في أوقاف الأئمة عليهم السّلام، و هو في الجملة مقتضى مرتكزات المتشرعة بل العقلاء و جميع أهل الملل و الأديان في أوقافهم الدائرة بينهم، فما هو المعروف من أن الدوام مأخوذ في متفاهمه العرفي و عدم التوقيت في ظاهر الإنشاء صحيح لا إشكال فيه إن أريد به عدم التوقيت و إرادة التأبيد العرفي في مقابل التوقيت.
و لكن نوقش في أدلة المشهور أما الإجماع فلكونه اجتهاديا لوجود المخالف حتى عن القدماء، و أما ظواهر الأخبار فلأنها صحيح في مورد
أوقافهم عليهم السّلام التي قصدوا فيها التأبيد و ذكروا ذلك فيها فلا يستفاد منها بطلان ما يقصد فيه التوقيت، و أما بناء المتشرعة و العقلاء ففي التحريرات مسلم و كذا فيما قصد فيه التأبيد من الأوقاف الخاصة و لا يستفاد منهما البطلان في الوقف غير المؤبد.
نعم، ما يقال: من أن الدوام مأخوذ في ذاته ان أريد به الذاتي المنطقي فلا وجه له لعدم كونه معروفا في الكتاب و مصطلحات الفقهاء، و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن قال أنه ذاتي أي: بحسب أذهان الناس و سوادهم مطلقا فإنهم يرون التأبيد كالذاتي له في مقابل ذكر المدة و من قال إنه ليس بذاتي أي كالذاتي المنطقي.
لقاعدة انعدام المشروط بعدم شرطه و انعدام ذي الذات بعدم ذاته عرفيا كان الذاتي أو عقليا، و أما لو قال: وقفت على زيد سنة ثمَّ على عمرو سنة و هكذا قال بالنسبة إلى أشخاص كثيرين فلا دليل على بطلان الوقف، إذ المتيقن من الإجماع و بناء العقلاء، و المنساق من النصوص المستدل بها على البطلان غير هذه الصورة.
أما وجه الفساد فلقاعدة أن العقود تابعة للقصود فما لم يقصد لم يقع، و وجه الصحة إن الحبس هو الصدقة غير المؤبدة بأي لفظ حصل فعنوان الإيقاف هو الجامع بين المؤبد و غير المؤبد و الوقف و الحبس.
و فيه: أنه صحيح مع مساعدة أهل المحاورة على عدّه من الحبس، و أما مع عدم مساعدتهم على ذلك أو الشك فيه فمقتضى الأصل عدم تحققه بعد عدم قصده.
لتحقق قصد الحبس حينئذ فيكون اللفظ الصادر منه مطابقا لقصده إلا أنه يصير بغير ألفاظه الخاصة به، و لا إشكال فيه بعد عدم اعتبار لفظ خاص فيه بل يكفي كلما يفيد المعنى المقصود عرفا و لو بالقرينة، و يدل على الصحة صحيح ابن مهزيار قال: «قلت له روى بعض مواليك عن آبائك عليهم السّلام أن كل وقف إلى وقت معلوم فهو واجب على الورثة، و كل وقف إلى غير وقت جهل مجهول فهو باطل على الورثة و أنت أعلم بقول آبائك عليهم السّلام، فكتب هكذا هو عندي»19، بناء على أن المراد بالوقت المعلوم هو إنشاء الحبس بصورة الوقف مع المدة المعلومة و المراد بالوقف إلى وقت مجهول إنشاء الحبس بصورة الوقف مع فقد الشرط و هو المدة المعلومة لا أن يكون المراد ذكر الموقوف عليه و عدمه كما قد يقال فإنه خلاف الظاهر.
نعم، يستفاد ذلك من صحيح الصفار و لكنه سؤال آخر ذكر فيه لا ربط له بصحيح ابن مهزيار، و الصحيح هكذا عن الصفار قال: «كتبت إلى أبي محمد عليه السّلام أسأله عن الوقف الذي يصح كيف هو، فقد روى أن الوقف إذا كان غير موقت فهو باطل مردود على الورثة و إذا كان صحيح موقتا فهو صحيح مضى، قال قوم أن الموقت هو الذي يذكر فيه أنه وقف على فلان و عقبه فإذا انقرضوا فهو للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، و قال آخرون: هذا موقت إذا ذكر أنه لفلان و عقبه ما بقوا و لم يذكر في آخره للفقراء و المساكين إلى أن يرث اللّه الأرض و من عليها، و الذي هو غير موقت أن يقول: هذا وقف و لم يذكر أحد فما الذي يصح من ذلك، و ما الذي يبطل؟ فوقع عليه السّلام: الوقوف بحسب ما يوقفها إن شاء اللّه»20.
(مسألة ۱۷): إذا وقف على من ينقرض كما إذا وقف على أولاده و اقتصر على بطن أو بطون ممن ينقرض غالبا و لم يذكر المصرف بعد انقراضهم صح وقفا (۵۳)، فيصح الوقف المنقطع الآخر (٥٤) بأن يكون وقفا حقيقة إلى زمان الانقراض و الانقطاع و ينقضي بعد ذلك و يرجع إلى الواقف أو ورثته (۵۵).
كما هو المشهور لوجود المقتضى و فقد المانع أما الأول فللعمومات و الإطلاقات خصوصا قوله عليه السّلام: «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها»21.
و لتحقق قصد الوقفية المعروفة من الواقف، مضافا إلى إطلاق الصحيحين المتقدمين.
و أما الثاني: فلأنه لا مانع في البين إلا ما يقال من أنه مناف للتأبيد المعتبر في الوقف.
و فيه: أن التوقيت المنافي إنما هو فيما إذا ذكر وقت خاص و أمد مخصوص للوقف في ظاهر الإنشاء و المفروض عدمه.
نعم، في علم اللّه تعالى هو موقت بأمد خاص و لا يضر ذلك لأن كل حادث مسبوق بالعدم و اللحوق كما ثبت في محله و نراه بالوجدان، فما عن جمع إنه حبس و ليس بوقف لا وجه له، كما أن احتمال البطلان رأسا كذلك، و قد أطالوا الكلام في المقام و لا ريب أنه بلا طائل و من شاء العثور فليراجع المطولات.
انقراض الآخر.
تارة: يكون بتوقيت من الواقف فهو باطل.
و أخرى: يكون بالحوادث الخارجية و حكم الشارع و هو صحيح و نظائر المقام من الثاني دون الأول و مقتضى إطلاق كلماتهم الصحة و لو التفت إليه الواقف في الجملة حين الوقف لشمول العمومات لهذه الصورة أيضا.
يأتي التفصيل في المسألة التاسعة عشرة.
(مسألة ۱۸): الفرق بين الوقف و الحبس أن الوقف يوجب زوال ملك الواقف عنه (۵۶) أو ممنوعيته من جميع التصرفات و سلب أنحاء السلطنة منه (۵۷) حتى أنه لا يورث (۵۸) بخلاف الحبس فإنه باق على ملك الحابس (۵۹)، و يورث و يجوز له جميع التصرفات (۶۰) غير المنافية لاستيفاء المحبس عليه المنفعة (۶۱)، و لو مات المحبس عليه ترجع العين إلى الحابس و لو مات الحابس تكون لورثته (۶۲).
كما في الوقف المؤبد لما هو المغروس في الأذهان و المتسالم عليه لدى الأعاظم و الأعيان و أفتوا به الفريقان.
كما في الوقف المنقطع الآخر، لأن الشك في زوال ذات الملكية المسلوب عنها جميع حيثيات السلطة الفعلية و تمام آثار الملكية، يكفي في استصحاب بقاء أصل هذا النحو من الملكية و لا دليل على خلافه من عقل أو نقل، و أما الغرس في الأذهان من زوال الملكية في الوقف رأسا صحيح في الجملة أي في المؤبد دون غيره.
لأن ذلك من آثار مطلق الوقف أبديا كان أو منقرض الآخر ما لم ينقرض الموقوف عليه.
للأصل و الإجماع و النص ففي رواية أبي الصباح عن الصادق عليه السّلام:
«سأل عن السكنى و العمري، فقال عليه السّلام: إن كان جعل السكنى في حياته فهو كما شرط، و إن كن جعلها له و لعقبه بعده حتى فنى عقبه فليس لهم أن يبيعوا و لا.
يورّثوا ثمَّ ترجع الدار إلى صاحبها الأول»22، و مثله غيره.
لفرض بقاء العين على ملك الحابس و من لوازمه صحة جميع تصرفاته.
لأن الحابس التزم بأن تكون المنفعة للمحبس عليه فلا يصح له نقض التزامه. لأن الحبس و أخواته لازم كما يأتي.
أما الرجوع إلى الحابس، فلما مر من أن العين لا تخرج عن ملكه و التعبير بالرجوع مسامحة بالنسبة إلى العين لبقائها على ملك الحابس.
نعم، هو صحيح بالنسبة إلى المنفعة إن لم يكن الحبس من تسبيل الانتفاع و الا فالمنفعة أيضا باقية على ملك الحابس.
و أما الرجوع إلى ورثة الحابس مع موته فلفرض أنها ملكه فيجري عليه جميع أحكام الملك الذي منها الانتقال إلى الورثة مع موت المالك.
(مسألة ۱۹): إذا انقرض الموقوف عليه و كان الواقف حيا رجع إليه (۶۳)، و لو مات الواقف يرجع إلى ورثة الواقف حين موته لا حين انقراض الموقوف عليه (6٤)، فلو وقف على من ينقرض كزيد و أولاده مثلا، ثمَّ مات الواقف عن ولدين و مات بعده أحد الولدين عن ولد قبل انقراض الموقوف عليهم ثمَّ انقرضوا يرجع إلى الولد الباقي و ابن أخيه حيث إنه يقوم مقام أبيه فيشاركه عمه لا أن يرجع إلى الولد الباقي فقط (65).
لأولويته عرفا بالنسبة إلى ما كان ملكه الطلق سابقا فيكشف انقراضهم عن أن انقطاع علاقة الواقف كان ما داميا لا دائميا، بل لنا أن نستكشف أنه لم يخرج عن ملكه من الأول و قد حصل للموقوف عليه حق الانتفاع فقط.
للشك في صحة الرجوع إلى ورثته حين الانقراض مع إمكان فرض الرجوع إلى الوارث حين الموت، و يكفي هذا الشك في جريان أصالة عدم الرجوع اليه بعد عدم دليل معتبر عليه بخلاف العكس فينطبق دليل الإرث عليه قهرا، لأنه المنساق من أدلة الإرث إذ المنساق منها هو الانتقال حين الموت مع صحة فرضه فلا يبقى بعد ذلك موضوع لفرض الانتقال إلى ورثته حين الانقراض.
بدعوى: أنه الوارث حين الانقراض، و ذلك لما مر من أن المنساق
من أدلة الإرث كون المدار على الوراثة حين الموت، و أما القول بالرجوع إلى ورثة من انقرضوا فلا دليل له من عقل أو نقل بل الأصل و ظاهر تخصيص الواقف الوقف بخصوص من انقرضوا ينفيه كما أن القول بصرفه في وجوه البر أيضا كذلك لفرض ظهور تخصيص الوقف بمورد خاص.
نعم، لو كان الوقف لمن لا ينقرض غالبا فاتفق الانقراض كان له وجه، لإمكان استفادة أن الواقف قصد مطلق سبيل الخير و جعل الوقف عليهم من إحدى طرقها.
(مسألة ۲۰): من الوقف المنقطع الآخر ما كان الوقف مبنيا على الدوام، لكن كان وقفا على من يصح الوقف عليه في أوله دون آخره، كما إذا وقف على زيد و أولاده و بعد انقراضهم على الكنائس و البيع مثلا، فعلى ما اخترناه في الوقف على من ينقرض يصح وقفا بالنسبة إلى من يصح الوقف عليه و يبطل بالنسبة إلى ما لا يصح (66)، فظهر أن صور الوقف المنقطع الآخر ثلاث يبطل الوقف رأسا في صورة و يصح في صورتين (67).
أما الصحة بالنسبة إلى الأول فلوجود المقتضي من الإطلاقات و العمومات و فقد المانع من عدم التحديد و التوقيت في ظاهر اللفظ و المقال أو بقرينة الحال.
و أما البطلان بالنسبة إلى الثاني فبالإجماع بل الضرورة الفقهية، و كذا بالنسبة إلى كل ما كان محرما على ما يأتي تفصيله.
الصورة الأولى: ما إذا وقّت الوقف بوقت خاص حين إنشاء الوقف و هي باطلة لما مر في الشرط الثالث.
الثانية: ما مر في أول المسألة الخامسة عشرة.
و الثالثة: ما في المقام و الأخيرتان صحيحتان بخلاف الأولى لما مر.
(مسألة ۲۱): الوقف المنقطع الأول إما بجعل الواقف كما إذا وقفه إذا جاء رأس الشهر الكذائي و إما بحكم الشرع بأن وقف أولا على ما لا يصح الوقف عليه ثمَّ على غيره و الظاهر بطلانه رأسا (68). و إن كان الأحوط في الثاني (69) تجديد صيغة الوقف عند انقراض الأول أو العمل بالوقف بعده، و أما المنقطع الوسط- كما إذا كان الموقوف عليه في الوسط غير صالح للوقف عليه بخلافه في المبدأ و المنتهى- فهو بالنسبة إلى شطره الأول كالمنقطع الآخر فيصح وقفا (70) و بالنسبة إلى شطره الآخر كالمنقطع الأول يبطل رأسا.
نسب ذلك إلى المشهور، و استدلوا عليه.
تارة: بأنه تعليق في الوقف فيما إذا علقه على ما إذا جاء رأس الشهر مثلا.
و أخرى: بأنه على خلاف ما قصده الواقف في الوقف إن قلنا بحصول الوقفية بمجرد الإنشاء.
و ثالثة: بأنه يلزم حصول الوقف بلا موقوف عليه فيما إذا وقف على ما لا يصح ثمَّ على ما يصح فيكون الوقف قبل تحقق ما يصح الوقف عليه بلا موقوف عليه.
و رابعة: بأنه خلاف الأوقاف المتعارفة هذه أدلتهم قدّس سرّهم.
و الكل باطل. أما الأول: فلأن التعليق المبطل على فرض تمامية الدليل عليه إنما هو فيما إذا كان التعليق في نفس الإنشاء لا في المنشأ، و قد فصلنا ذلك في البيع فراجع فلا وجه للإعادة.
و أما الثاني: فلأن قصد الواقف انما هو إنشاء الوقف و قد حصل ذلك قطعا. و أما ترتب أثر المنشأ فإنما يكون بحسب تحقق سائر الخصوصيات و الجهات المعتبرة في المنشأ و لا محذور فيه لا عقلا و لا شرعا، و قد ذكرنا ذلك في الواجب المشروط و المعلق في الأصول فراجع كتاب تهذيب الأصول.
و أما الثالث: فلأن مورد الوقف من حين الإنشاء إنما هو ما قصده الواقف فهو قد تحقق نفسا و موردا بالمرتبة الإنشائية و يصير متحققا بالوجود الخارجي أيضا، و لا مورد للوقف من بدأه إلى ختامه إلا ذلك، و أما الأخير فهو.
أولا: من مجرد الدعوى.
و ثانيا: لا محذور فيه إذا كان الحكم موافقا للدليل أي العمومات و الإطلاقات.
ظهر مما ذكرنا وجه الاحتياط في كل من الأول و الثاني و الوجه في اختصاص الاحتياط بالثاني ظهور الاتفاق على بطلان ما إذا كان الانقطاع بجعل الواقف، و الظاهر انه اجتهادي لا أن يكون تعبديا حتى يعتمد عليه.
لما تقدم في المسألة السابعة عشر، كما تقدم ما يتعلق ببطلان المنقطع الأول رأسا في أول المسألة فراجع.
(مسألة ۲۲): إذا وقف على غيره أو على جهة و شرط عوده إليه عند حاجته صح على الأقوى (71)، و مرجعه إلى كونه وقفا ما دام لم ليحتج إليه (72)، فإذا احتاج إليه ينقطع و يدخل في منقطع الآخر، و قد مرّ حكمه و إذا مات الواقف فإن كان بعد طرو الحاجة كان ميراثا و إلا بقي على وقفيته (73). الرابع: يشترط في صحة الوقف التنجيز (7٤) فلو علقه على شرط متوقع الحصول كمجيء زيد أو شيء غير حاصل يقيني الحصول فيما بعد كما إذا قال: «وقفت إذا جاء رأس الشهر» بطل (75).
نسب ذلك إلى المشهور، و استدلوا عليه.
تارة: بأنه تعليق في الوقف فيما إذا علقه على ما إذا جاء رأس الشهر مثلا.
و أخرى: بأنه على خلاف ما قصده الواقف في الوقف إن قلنا بحصول الوقفية بمجرد الإنشاء.
و ثالثة: بأنه يلزم حصول الوقف بلا موقوف عليه فيما إذا وقف على ما لا يصح ثمَّ على ما يصح فيكون الوقف قبل تحقق ما يصح الوقف عليه بلا موقوف عليه.
و رابعة: بأنه خلاف الأوقاف المتعارفة هذه أدلتهم قدّس سرّهم.
و الكل باطل. أما الأول: فلأن التعليق المبطل على فرض تمامية الدليل عليه إنما هو فيما إذا كان التعليق في نفس الإنشاء لا في المنشأ، و قد فصلنا ذلك في البيع فراجع فلا وجه للإعادة.
و أما الثاني: فلأن قصد الواقف انما هو إنشاء الوقف و قد حصل ذلك قطعا. و أما ترتب أثر المنشأ فإنما يكون بحسب تحقق سائر الخصوصيات و الجهات المعتبرة في المنشأ و لا محذور فيه لا عقلا و لا شرعا، و قد ذكرنا ذلك في الواجب المشروط و المعلق في الأصول فراجع كتاب تهذيب الأصول.
و أما الثالث: فلأن مورد الوقف من حين الإنشاء إنما هو ما قصده الواقف فهو قد تحقق نفسا و موردا بالمرتبة الإنشائية و يصير متحققا بالوجود الخارجي أيضا، و لا مورد للوقف من بدأه إلى ختامه إلا ذلك، و أما الأخير فهو.
أولا: من مجرد الدعوى.
و ثانيا: لا محذور فيه إذا كان الحكم موافقا للدليل أي العمومات و الإطلاقات.
ظهر مما ذكرنا وجه الاحتياط في كل من الأول و الثاني و الوجه في اختصاص الاحتياط بالثاني ظهور الاتفاق على بطلان ما إذا كان الانقطاع بجعل الواقف، و الظاهر انه اجتهادي لا أن يكون تعبديا حتى يعتمد عليه.
لما تقدم في المسألة السابعة عشر، كما تقدم ما يتعلق ببطلان المنقطع الأول رأسا في أول المسألة فراجع.
لما تقدم في المسألة السابعة عشر، كما تقدم ما يتعلق ببطلان المنقطع الأول رأسا في أول المسألة فراجع.
لما تقدم في المسألة السابعة عشر، كما تقدم ما يتعلق ببطلان المنقطع الأول رأسا في أول المسألة فراجع.
(مسألة ۲۳): لا بأس بالتعليق على شيء حاصل حين الوقف كما إذا قال: «وقفت إن كان اليوم يوم الجمعة» مع علمه بكونه يوم الجمعة (76) بل و لو لم يعلم به و كان يوم الجمعة (77).
لأنه ليس بتعليق عند العرف مع العلم المذكور، كما لو قال: «إن كان مالي بعتك» مع العلم بأنه ماله مع أن عمدة الدليل على بطلان التعليق انما هو الإجماع، و المتيقن على فرض اعتباره غير هذه الصورة.
لأن المتيقن من الإجماع غير صورة كون المعلّق عليه متحقق الحصول فعلا.
نعم، من يقول بأن صورة التعليق يوجب البطلان و لو لم يكن تعليقا واقعا بطل القسمان أيضا، و لكن لا دليل له من عقل أو نقل بل الإطلاقات و العمومات على خلافه.
(مسألة ۲٤): لو قال: «هو وقف بعد موتي» فإن فهم منه في متفاهم العرف أنه وصية بالوقف صح و إلا بطل (78). الخامس: يشترط في صحة الوقف إخراج نفسه عن الوقف (79). فلو وقف على نفسه لم يصح (80).
أما صحة وصيته فلفرض الانفهام العرفي فيترتب أثرها من النفوذ في الثلث و التوقف في الزائد عليه على إمضاء الورثة. و أما البطلان في صورة عدم الظهور في كل واحد منهما، فلأصالة عدم ترتب الأثر بعد عدم صحة التمسك بكل واحد من أدلة الوقف و الوصية لأنه تمسك بالدليل في الموضوع المشكوك، و يصح الرجوع في تعيين ذلك إلى اعترافه لأنه أعرف بقصده و نيته و لا يعرف ذلك إلا من قبله.
استدل عليه.
تارة: بالإجماع و هو عمدة أدلتهم.
و أخرى: بأن الوقف تمليك و التمليك لا يعقل إلى النفس.
و ثالثة: بمكاتبة ابن سليمان إلى أبي الحسن عليه السّلام: «كتبت إليه جعلت فداك ليس لي ولد (وارث) و لي ضياع ورثتها عن أبي و بعضها استفدتها و لا آمن الحدثان، فإن لم يكن لي ولد و حدث بي حدث فما ترى جعلت فداك لي أن أقف بعضها على فقراء إخواني و المستضعفين أو أبيعها و أتصدق بثمنها عليهم في حياتي؟ فإني أتخوف أن لا ينفذ الوقف بعد موتي فإن وقفتها في حياتي فلي أن آكل منها أيام حياتي أم لا؟ فكتب عليه السّلام: فهمت كتابك في أمر ضياعك فليس لك أن تأكل منها من الصدقة فإن أنت أكلت منها لم تنفذ إن كان لك ورثة فبع و تصدق ببعض ثمنها في حياتك، و إن تصدقت أمسكت لنفسك ما يقوتك مثل ما صنع أمير المؤمنين عليه السّلام»27.
و رابعة: بخبر طلحة عن الصادق عليه السّلام عن علي عليه السّلام: «أن رجلا تصدق بدار له و هو ساكن فيها فقال عليه السّلام: الحين أخرج منها»28.
و خامسة: بما يأتي في مسألة اشتراط رجوعه إليه عند الحاجة.
و الكل قابل للخدشة. أما الأول: فلإمكان استناده إلى ما وصل إلينا من الأخبار بأن ظاهرهم كونه في عرضها أن يكون مستفادا منها.
و أما الثاني: ففيه. أولا: أن الوقف إيقاف لا أن يكون تمليكا.
و ثانيا: انه لا محذور فيه و لو كان تمليكا إلا اتحاد المملك و المملك له و لا محذور فيه من عقل أو شرع بعد إمكان الاختلاف بينهما بالحيثية و الاعتبار فمن حيث أنه مالك للعين أولا مملك، و من حيث أنه جعل نفسه من أحد أفراد الموقوف عليهم مملك له، و يكفي هذه التفرقة الاعتبارية بعد عدم دليل على لزوم التغاير الحقيقي.
نعم، هو الغالب في التمليكات المتعارفة.
و أما الثالث: فالمنساق منها عرفا أنه ليس لك أن تأكل منها مع كون الضيعة وقفا على الغير و هو صحيح مطابق للقاعدة و لا تدل على شرطية إخراج النفس
كما لا يخفى، و مثله خبر طلحة فلا دلالة فيهما على المقام بشيء، و أما الأخير فالاستدلال به على الجواز أولى من الاستدلال به على المنع كما يأتي، و حينئذ فمقتضى عموم «الوقوف حسب ما يوقفها أهلها»29، هو الجواز لو لم يعتمد على الإجماع المطابق لمرتكزات المتشرعة من الواقفين أيضا، و لكن لا بد في الفروع المتفرعة على هذه المسألة من الاقتصار على المتيقن منه و الرجوع في غيره إلى عموم قوله صلّى اللّه عليه و آله: «الوقوف حسب ما يوقفها أهلها»30.
إذ لا ريب في أنه المتيقن من إجماع الأعلام و مناف لمرتكزات الواقفين من جميع الأنام.
(مسألة ۲٥): لو وقف على نفسه و على غيره فإن كان بنحو التشريك بطل بالنسبة إلى نفسه و صح بالنسبة إلى غيره (81)، و إن كان بنحو الترتيب فإن وقف على نفسه ثمَّ على غيره كان من الوقف المنقطع الأول، و إن كان بالعكس كان من المنقطع الآخر، و إن كان على غيره ثمَّ على نفسه ثمَّ على غيره كان من المنقطع الوسط، و قد مرّ حكم هذه الصور (82).
لشمول الإجماع بالنسبة إلى ما لنفسه و عمومات الوقف بالنسبة إلى ما لغيره فيصح لا محالة.
فيبطل بالنسبة إلى المنقطع الأول مطلقا و بالنسبة إلى المنقطع الوسط يصح الوقف بالنسبة إلى شطره الأول دون شطره الآخر فراجع مسألة ۲۰ و 21.
(مسألة ۲۶): لو وقف على غيره كأولاده أو الفقراء مثلا و شرط أن يقضي ديونه أو يؤدي ما عليه من الحقوق المالية كالزكاة و الخمس أو ينفق عليه من غلة الوقف لم يصح و بطل الوقف (83) من غير فرق بين ما لو أطلق الدين أو عيّن، و كذا بين أن يكون الشرط الإنفاق عليه و إدرار مئونته إلى آخر عمرة أو إلى مدة معينة، و كذا بين تعيين مقدار المؤنة و عدمه (8٤). نعم، لو شرط ذلك على الموقوف عليه من ماله و لو من منافع الوقف بعد ملكه جاز (85).
نسب ذلك إلى المشهور فيشمله إجماعهم المقدم لاعتراف
المجمعين بالشمول لهذه الصورة أيضا.
كل ذلك لإجماعهم على عدم صحة استفادة الواقف من عنوان ما وقف و خروج نفسه عنه فيشمل معقد الإجماع جميع ما في المتن مضافا إلى تصريحاتهم رحمهم اللّه بذلك.
للأصل و صدق خروجه عن مورد الوقف عرفا.
(مسألة ۲۷): لو شرط أكل أضيافه و من يمرّ عليه من ثمرة الوقف جاز (86)، و كذا لو شرط إدرار مئونة أهله و عياله و إن كان ممن يجب عليه نفقته حتى الزوجة الدائمة (87) إذا لم يكن بعنوان النفقة الواجبة عليه حتى تسقط عنه، و إلا رجع إلى الوقف على النفس مثل شرط أداء ديونه (88).
للأصل بعد كونه خارجا عن الوقف على النفس عرفا فيشمله عموم دليل الشرط لا محالة، و هذا من احدى الحيل الشرعية التي ورد فيها قوله عليه السّلام:
«نعم الشيء الفرار من الحرام إلى الحلال»31.
كل ذلك لأنها خارجة عن متيقن إجماعهم على المنع، فيشملها الأصل و الإطلاقات و العمومات الدالة على الجواز و بقية المسألة واضحة.
و قد مر حكمه في المسألة السابقة أيضا.
(مسألة ۲۸): إذا آجر عينا ثمَّ وقفها صح الوقف و بقيت الإجارة على حالها و كان الوقف مسلوبة المنفعة في مدة الإجارة، فإذا انفسخت الإجارة بالفسخ أو الإقالة بعد تمام الوقف رجعت المنفعة إلى الواقف المؤجر و لا يملكها الموقوف عليهم (89)، فإن أراد أن ينتفع بما يوقف يمكنه الاحتيال (90) بأن يؤجره مدة كعشرين سنة مثلا مع شرط خيار الفسخ له ثمَّ يفسخ الإجارة بعد تمامية الوقف فترجع إليه منفعة تلك المدة.
أما صحة الوقف، فلعموم دليله و إطلاقه الشامل لهذه الصورة أيضا و أما صحة أصل الإجارة فلوجود المقتضي و فقد المانع فيشملها الدليل بلا مانع و لا مدافع، و أما بقائها على حالها، فللأصل و الإطلاق و الاتفاق، و أما كون الوقف مسلوب المنفعة في مدة الإجارة فلأن تسبيل المنفعة من لوازم الوقف لو لم يكن مانع في البين فيكون ذلك اقتضائيا لا أن يكون بنحو الذاتية المنطقية، و أما رجوع المنفعة إلى الواقف بعد فسخ الإجارة فلفرض أنه استندها لنفسه بعقد الإجارة فلا وجه لرجوعها إلى غيره بلا سبب مع كون الوقف مسلوب المنفعة بالنسبة إلى الموقوف عليه مدة الإجارة.
و هذا أيضا من احدى الحيل الشرعية التي ورد الترخيص فيها في الشريعة كما تقدم، و قد جمع المحقق جملة منها في كتاب الطلاق فراجع، بل قد ورد في الصلاة التي تكون من أركان الدين و أم العبادات و أصلها قولهم عليهم السّلام:
«ما أعاد الصلاة فقيه قط يحتال لها و يدبرها حتى لا يعيدها»32.
(مسألة ۲۹): يجوز استثناء بعض العين الموقوفة لنفسه حين الوقف (91)، كما يجوز استثناء مقدار من منافع العين الموقوفة لحق التولية (92).
للأصل و قاعدة السلطنة، كما إذا وقف بستانا و استثنى نخلتها مثلا لنفسه و ليس هذا من الوقف على النفس كما هو معلوم، و كذا لو وقف بقرة للحرث و استثنى لبنها لنفسه.
لقاعدة السلطنة و عموم «الوقوف على حسب ما يوقفها أهلها»33،
و هو عوض عمل المتولي و لا يكون ذلك من الوقف على النفس كما يشهد به العرف و العقلاء.
(مسألة ۳۰): لا إشكال في جواز انتفاع الواقف في الأوقاف على الجهات العامة كالمساجد و المدارس و القناطر و الخانات المعدة لنزول الزوار و الحجاج و المسافرين و نحوها (93)، و أما الوقف على العناوين العامة كالفقراء و العلماء إذا كان الواقف داخلا في العنوان حين الوقف أو صار داخلا فيه فيما بعد فإن كان المراد التوزيع عليهم فلا إشكال في عدم جواز أخذه حصته من المنافع (9٤)، بل يلزم أن يقصد من العنوان المذكور حين الوقف من عدا نفسه و يقصد خروجه عنه (95)، و من ذلك ما إذا وقف شيئا على ذرية أبيه أو جده إذا كان المقصود البسط و التوزيع كما هو الشائع المتعارف، و إن كان المراد بيان المصرف كما هو الغالب المتعارف في الوقف على الفقراء و الزوار و الحجاج و الفقهاء و الطلبة و نحوها فلا إشكال في خروجه و عدم جواز انتفاعه منه إذا قصد خروج نفسه (96)، و إنما الإشكال فيما لو قصد الإطلاق و العموم بحيث شمل نفسه و أنه هل يجوز له الانتفاع به أم لا؟ أقواهما الأول (97) و أحوطهما الثاني (98) خصوصا فيما إذا قصد دخول نفسه (99).
لأن الموقوف عليه إنما هو الجهة فلا يصدق الوقف على النفس عرفا مضافا إلى السيرة المستمرة.
لأنه بالنسبة إلى تلك الحصة التي أخذها لنفسه يكون من الوقف على النفس و هو باطل كما مر.
الأقسام ثلاثة.
فتارة: يقصد خروج نفسه حين الوقف ثمَّ يبدو له أن يأخذ الحصة و ليس له ذلك كما يأتي إلا بأن يرضى الموقوف عليهم الوقف صدقة عليهم و يعطون ذلك برضائهم و عن ملكهم، لصيرورة العين وقفا لهم فيصح له الأخذ حينئذ لكنه خارج عن عنوان الوقف بل داخل في الهدية و نحوها.
و أخرى: يقصد دخول نفسه بالنسبة إلى الحصة فقط بنحو الشرطية الخارجية الزائدة على ذات الوقفية فالمسألة مبنية على أن الشرط الفاسد مفسد أو لا؟ و حيث اخترنا العدم فأصل الوقف صحيح و الشرط فاسد و الأحوط
استيناف الوقف بلا شرط.
و ثالثة: يكون بنحو الشرطية و القيدية الحقيقية بأن يكون إنشاء الوقف في مرتبة ذاته مقيدة بذلك فيبطل، لصدق أنه أدخل نفسه في الوقف.
خروجا عن خلاف من منع عن ذلك كالعلامة في المختلف و التذكرة و ابن إدريس و لا دليل لهما يصح الاعتماد عليه.
لأن الموقوف عليه في الواقع هو الجهة و لا يعد ذلك من الوقف على النفس بحسب الأنظار العرفية فيكون مثل الوقف على الجهات العامة و القياس على الزكوات حيث أنه لا يجوز للفقير أكل زكاة نفسه باطل. لأنه مع الفارق.
لتخصيص العنوان بالنسبة إلى غيره و إخراج نفسه عنه في إنشاء الوقف.
خروجا عن شبهة ان مطلق دخول النفس يوجب البطلان، و لكنه لا وجه لها ما لم تساعدها الأذهان العرفية و هي لا تساعد كون مثل هذا الوقف من الوقف على النفس، و كذا الكلام فيما لو وقف على امام مسجد البلد أو أعلمه فصار نفسه كذلك.
(مسألة ۳1): في الأوقاف العامة لو شك في اعتبار قيد أو خصوصية في الموقوف عليه هو فاقد له لم يجز له التصرف إلا بعد إحراز أنه من أهله (100).
لأصالة عدم صحة التصرف فيما يتعلق بالغير- حقا كان أو عينا أو منفعة- بعد إحراز صحة التصرف بانطباق العنوان عليه، و لا مجرى لأصالة عدم الاشتراط أصلا.
- الوسائل باب: 1 من أبواب الوقوف و الصدقات.
- مستدرك الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف الحديث: 2.
- راجع الوسائل باب: 1 من أبواب الوقوف و الصدقات، و سنن البيهقي ج: 6 صفحة: 278 كتاب الوصايا.
- الوسائل باب: 6 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 2.
- سنن البيهقي باب: 3 من أبواب الوقف ج: 6 صفحة: 162 و تقدم في صفحة: 6.
- الوسائل باب: 6 من أبواب فعل المعروف الحديث: 7.
- كنز العمال كتاب الزكاة الحديث: 1844 ج: 6.
- كنز العمال الحديث: 1853 كتاب الزكاة ج: 6.
- سورة الزلزلة: 7.
- الوسائل باب: 14 من أبواب الأشربة المحرمة.
- الوسائل باب: 5 من أبواب مقدمة العبادات الحديث: 8.
- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث: 8.
- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث: 4.
- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث: 1.
- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات الحديث: 5.
- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 4 من أبواب أحكام الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 4 من أبواب الوقوف و الصدقات الحديث: 5.
- الوسائل باب: 7 من أبواب الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 7 من أبواب الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 3 من أبواب السكنى و الحبيس الحديث: 1.
- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 3 من أبواب الوقوف الحديث: 3.
- الوافي ج: 6 باب: 69 من أبواب الوقوف صفحة: 78.
- راجع الوسائل باب: 6 و 10 من أبواب الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الوقوف الحديث: 1.
- الوسائل باب: 3 من أبواب أحكام الوقوف الحديث: 4.
- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.
- الوسائل باب: 6 من أبواب الصرف الحديث: 1.
- الوسائل باب: 29 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة.
- الوسائل باب: 2 من أبواب الوقوف و الصدقات.