راجع [مسألة ٦] من فصل ماء البئر النابع، و تقدم فيها وجه الإشكال في العدل الواحد، كما تقدم وجه اعتبار قول ذي اليد فيها أيضا.
(فصل) طريق ثبوت النجاسة أو التنجس العلم الوجداني أو البينة العادلة (۱) و في كفاية العدل الواحد إشكال، فلا تترك مراعاة الاحتياط. و تثبت أيضا بقول صاحب اليد بملك، أو إجارة، أو إعارة، أو أمانة، بل أو غصب (۲)، و لا اعتبار بمطلق الظن، و إن كان قويا (۳)، فالدهن، و اللبن، و الجبن، المأخوذ من أهل البوادي، محكوم بالطهارة (٤) و إن حصل الظن بنجاستها. بل قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها (٥) بل قد يكره، أو يحرم إذا كان في معرض حصول الوسواس (٦).
لأنّ المدار في اليد عند العرف- على ما تقدم- مطلق الاستيلاء على الشيء بأيّ وجه كان، و لم يرد عنه ردع شرعي، و يكفي ذلك في الاعتبار، بل مقتضى الإطلاقات الواردة في الأبواب المتفرقة۱ التقرير أيضا.
لأصالة عدم الاعتبار الثابتة بالأدلة الأربعة، كما تقرر في الأصول.
للأصل و السيرة، و ظهور الإجماع، و الأخبار الكثيرة الواردة في الأبواب المتفرقة. منها: قول أبي جعفر عليه السلام: «في الجبن إذا علمت أنّه ميتة فلا تأكله، و إن لم تعلم فاشتر و بع و كل، و اللَّه إنّي لأعترض السوق فأشتري بها اللحم و السمن و الجبن، و اللَّه ما أظن كلّهم يسمون هذا البربر و هذا السودان»۲.
لأنّ الاحتياط تعرضه الأحكام الخمسة بحسب الجهات الخارجية فالواجب منه ما كان في أطراف العلم الإجمالي. و الحرام ما استلزم ترك تكليف إلزاميّ فعليّ أهم. و المكروه ما انطبق عليه عنوان مرجوح. و المستحب في غير أطراف العلم الإجمالي- بناء على استفادة الاستحباب الشرعي مما ورد في ترغيب الاحتياط- و المباح فيما إذا كانت الترغيبات الشرعية الواردة في الاحتياط إرشادا إلى مجرد حسنه العقلي، فلا يستفاد منها الاستحباب الشرعي حينئذ، لأنّ الحسن العقليّ أعم من الاستحباب الشرعي. فتختلف أحكام الاحتياط حسب الموارد و المقامات، كما في اختلاف أحكام جملة من الموضوعات باختلاف الحيثيات و الجهات، بل يمكن أن يعرض لخصوص الاحتياط الواجب أو الحرام أو المندوب ما يغيّره عما هو عليه من حكمه- من العناوين الثانوية المغيّرة للأحكام الأوليّة على ما هو كثير شائع في الفقه- و تقدم نظير المقام في [مسألة ٦٦] من مسائل التقليد.
البحث في الوسواس من جهات:
الاولى: هل يكون التعرض للوسواس حراما و لو لم نقل بحرمة مطلق المقدمة، كما هو الحق- أو تكون الحرمة مبنية عليها؟ الظاهر هو الأول، لأنّ التعرض له من إطاعة الشيطان، كما ورد في صحيح ابن سنان قال: «ذكرت لأبي عبد اللَّه عليه السلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت: هو رجل عاقل.
فقال: أبو عبد اللَّه عليه السلام و أيّ عقل له؟!! و هو يطيع الشيطان، فقلت له:
و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أيّ شيء هو؟ فإنّه يقول لك: من عمل الشيطان»۳.
و هو تعويد الخبيث من النفس، كما في صحيحة زرارة: «لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه، فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم»٤.
و لا ريب في كون ذلك مبغوضا شرعا نفسا، لا من جهة المقدمية لحرام آخر، مع أنّه مخالف لتسهيل الشريعة و تيسيرها، كما ورد عن أبي جعفر عليه السلام: «إنّ اللَّه يسير يحب اليسير و يعطي على اليسير ما لا يعطي على العنف»٥.
الثانية: لا ريب في اعتبار علم الوسواس لنفسه، لأنّه لا يرى غير الواقع و لا يحتمل الخلاف. نعم، للشارع أن يقول له: إنّي ما أريد منك الواقع فيسقط علمه عن الاعتبار حينئذ قهرا و مع توجهه إلى هذه الجهة، فلا أثر لاعتقاده ببطلان عمله مع الالتفات إلى وسوسته. فيجري في فراغ ذمته أول عمل حصل منه لقاعدة الإجزاء و هناك فروع كثيرة بالنسبة إلى إعمال الوسواسي يأتي التعرض لها في محالّها إن شاء اللَّه تعالى.
الثالثة: لا اعتبار بقول الوسواسي و شهادته فيما وسوس فيه لظهور أدلة اعتبارهما فيما هو المتعارف، دون ما يكون خارجا عنه. إلا إذا حصل منها القطع فيتبع من هذه الجهة، إذ لا فرق في اعتبار القطع بين أسباب حصوله، كما هو واضح.
الرابعة: المرجع في تحقق الوسوسة متعارف المتشرعة. و مع الشك في تحققها مقتضى الأصل عدم التحقق.
الخامسة: يجب على الناس ردع الوسواسي عن وسوسته مع تحقق شرائط النهي عن المنكر، كما يجب عليه الارتداع عنها بنفسه و الظاهر تساوي الوسواسي مع غيره في الأجر و الثواب و عدم مزية له على غيره بل لا يبعد دعوى العكس، لما مر من أنّ الوسوسة من عمل الشيطان.
مسألة ۱: لا اعتبار بعلم الوسواسي في الطهارة و النجاسة (۷).
على ما تقدم في الجهة الثانية و الثالثة.
مسألة ۲: العلم الإجمالي كالتفصيلي (۸)، فإذا علم بنجاسة أحد الشيئين يجب الاجتناب عنهما، إلا إذا لم يكن أحدهما محلا لابتلائه (۹). فلا يجب الاجتناب عما هو محل الابتلاء أيضا (۱۰).
على ما هو المتسالم عليه بين العلماء، بل العقلاء، لأنّ الترخيص في المعصية بل في محتمل المعصية، ترخيص في القبيح، و لا يناسب ذلك مقام الشارع الحكيم. نعم، للشارع الاكتفاء عن الواقع بامتثال بعض الأطراف، بل له رفع اليد عن الواقع في مورد العلم التفصيلي لمصالح شتّى، فكيف بمورد العلم الإجمالي. و لكن لا ربط لذلك بمورد تنجز الواقع و تحقق العلم به تفصيلا أو إجمالا و عدم مانع عن الامتثال في البين، فيقبح حينئذ الترخيص في المعصية بل في محتملها أيضا، كما ثبت كلّ ذلك في مباحث القطع في الأصول.
لا ريب في اعتبار القدرة في متعلق التكليف، لقبح التكليف بغير المقدور. و لكن للقدرة مراتب متفاوتة:
منها: القدرة العقلية، أي إمكان القدرة بالنسبة إلى القادر ذاتا مع عدم ارتكاب أيّ محذور و لزوم أي مانع، و ليست هذه المرتبة شرطا في التكاليف الشرعية مطلقا.
و منها: القدرة المتعارفة العقلائية، و هي أخص من الأولى و تدخل فيها القدرة الشرعية أيضا.
و منها: قدرة خاصة تكون أخص من الأوليين، و هو كون المقدور مورد عمل القادر حالا أو مالا، مع وجود المقتضي و فقد المانع للقدرة في تمام الأطراف، بحيث يكون إعمال القدرة بالنسبة إلى جميعها على حد سواء في وجود المقتضى و فقد المانع، و هذه المرتبة من القدرة هي التي يعبّر عنها بكون الشيء مورد الابتلاء. و المانع إما عقليّ كما إذا علم إما بنجاسة الإناء الموجود، أو ما انعدم و صار معدوما بالكلية. أو شرعي، كما إذا علم إما بنجاسة إنائه أو الإناء الذي لا يجوز له التصرف فيه شرعا. أو عرفي كما إذا علم إما بنجاسة عباءته مثلا أو عباءة جاره الذي لا يكون مورد احتياجه عرفا. و لا تنجز للعلم الإجمالي في جميع هذه الموارد، لأنّ متعارف المتشرعة بل العقلاء يرون الشبهة فيها من الشبهة البدوية التي يرجع فيها إلى البراءة. لا المقرونة بالعلم الإجمالي المنجز، حتّى يجب فيها الاحتياط و هذه المرتبة من القدرة مما يدركها كلّ من رجع إلى وجدانه مع ملاحظة المقتضيات و الموانع، فالابتلاء و عدمه من الوجدانيات، و ليس من المباحث العلمية، حتّى يطال الكلام فيه. مع أنّه يمكن أن يجعل النزاع لفظيا، فمن يقول بأنّه عبارة عن القدرة أي العرفية منها، و من ينفي ذلك أي العقلية منها.
فروع:
الأول: لو شك في الابتلاء و عدمه، وجب الفحص حتّى يثبت العجز، لإطلاق الأدلة و كون الشك في أصل التخصيص، لأنّ الخارج عنها بحسب المتفاهم العرفي من ثبت عجزه و أحرز ذلك من نفسه فمن شك فيه تشمله الإطلاقات و لا يكون التمسك بها من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية. و قد ذكرنا تفصيل ذلك في بحث الاشتغال من الأصول فراجع.
الثاني: لو كانت الأطراف مورد الابتلاء و أثر العلم الإجمالي أثره، ثمَّ خرج بعض الأطراف عن مورد الابتلاء، لا يسقط بذلك تنجز العلم الإجمالي و لا يرتفع أثره، للأصل.
الثالث: لو حصل العلم الإجمالي مقارنا لخروج بعض الأطراف عن الابتلاء، فمقتضى الأصل عدم تنجزه.
لأنّه حينئذ من الشبهة البدوية التي يرجع فيها إلى الأصول الموضوعية أو الحكمية.
مسألة ۳: لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها (۱۱). نعم، يعتبر عدم معارضتها بمثلها (۱۲).
لإطلاق دليل اعتبارها بل الظاهر عدم مانعية الظن بالكذب هذا في الظن الشخصي و أما الاطمئنان النوعي فقد تقدم ما يتعلق به٦.
لسقوط المتعارضين عن الحجية الفعلية كما تقدم۷. نعم، لو كانت في إحديهما مزية يؤخذ بذات المزية، على تفصيل يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللَّه تعالى.
مسألة ٤: لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة (۱۳). نعم، لو ذكرا مستندها، و علم عدم صحته، لم يحكم بالنجاسة (۱٤).
للإطلاق و لسيرة المتشرعة، بل العقلاء على اتباع البينة و لو مع عدم ذكر المستند و عدم بنائهم على الفحص عنه كما تقدم۸. هذا مع عدم احتمال الخطأ احتمالا صحيحا، و إلا فيشكل التمسك بالسيرة، لأنّ المتيقن منها غير هذه الصورة بل يشكل التمسك بالإطلاقات أيضا، لأنّ المنساق منها غير هذه الصورة و يبقى التمسك بأصالة عدم الخطأ التي هي من الأصول العقلائية و التي يتمسك بها في دفع احتمال الخطأ.
و يمكن الخدشة فيها. بأنّ المتيقن من التمسك بها ما إذا كان احتمال الخطإ مما لا يعتني به العقلاء و أما مع الاعتناء به عندهم، فلم يعلم من سيرتهم إجراء أصالة عدم الخطإ حينئذ، و لعلّ نظر العلامة حيث اعتبر فيها ذكر السبب إلى هذه الصورة. و بالجملة مقتضى الأصل عدم الحجية إلا في مورد السيرة و ثبوت الإطلاق و مع الشك فيهما يكون الأصل محكما.
لأصالة عدم الحجية بعد عدم شمول أدلة اعتبار البينة لمثل الفرض.
مسألة ٥: إذا لم تشهد بالنجاسة، بل بموجبها كفى، و إن لم يكن موجبا عندهما أو عند أحدهما فلو قالا: إنّ هذا الثوب لاقى عرق المجنب من حرام أو ماء الغسالة، كفى عند من يقول بنجاستهما (۱٥) و إن لم يكن مذهبهما النجاسة.
أما أصل اعتبار الشهادة بالسبب و الموجب، لإطلاق أدلة اعتبار البينة و عموم السيرة الشامل لكلّ من الشهادة بالسبب و المسبب. و أما لزوم ترتيب الأثر عليها عند من يقول بالبينة، فلصدق قيام البينة عنده على النجاسة فيشمله الإطلاق و العموم. و لا دليل من عقل أو نقل على لزوم كون المشهود به ذا أثر عند الشاهد أيضا، بل الإطلاق و العموم ينفيه. و لا اختصاص لذلك بالبينة بل هو حكم جميع الأمارات المعتبرة، فيكفي في اعتبارها تحقق الأثر لها عند من قامت لديه.
مسألة ٦: إذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها (۱٦) و إن لم تثبت الخصوصية كما إذا قال أحدهما: إن هذا الشيء لاقى البول، و قال الآخر: إنّه لاقى الدم، فيحكم بنجاسته. لكن لا تثبت النجاسة البولية و لا الدمية، بل القدر المشترك بينهما. لكن هذا إذا لم ينف كلّ منهما قول الآخر بأن اتفقا على أصل النجاسة. و أما إذا نفاه- كما إذا قال أحدهما: إنّه لاقى البول، و قال الآخر: لا بل لاقى الدم- ففي الحكم بالنجاسة إشكال (۱۷).
لا بد و أن يكون المشهود به في مورد البينة واحدا، حتّى يصدق قيام البينة، إذ مع التعدد يكون من خبر العدل الواحد. و الوحدة أما مطابقية بالنسبة إلى مدلول شهادتهما، كما إذا قالا هذا الإناء نجس. أو التزامية معتبرة عند العرف و المتشرعة، كما إذا قالا هذا الإناء لاقى البول أو تكون عرفية في الجملة كما إذا قال أحدهما إنّه لاقى البول، و قال الآخر إنّه لاقى الدم، و اعتبار الأخير موقوف على شمول الإطلاق له، و مع الشك في الشمول فالمرجع أصالة عدم الحجية و لا يبعد الشمول عرفا لصدق أنّ النجاسة مما قامت عليه البينة بحسب المحاورات المتعارفة فإنّ المتفاهم العرفي من شهادتهما، إنّما هو النجاسة فتكون شهادتهما ظاهرة فيهما و يتحد المشهود به من هذه الجهة، فتشملها أدلة اعتبار البينة.
و بالجملة: إن كان المناط الظهور العرفي للمشهود به، فهو ظاهر في النجاسة، فيصدق قيام البينة و إن كان المناط الجمود على المدلول المطابقي فقط، فلا وحدة من هذه الجهة في البين، و مقتضى السيرة و الإطلاقات كون المناط الظهور العرفي. نعم، لا ريب في أنّ الخصوصية تكون من خبر العدل الواحد فيدور ثبوتها مدار اعتباره و من هذا القبيل ما إذا قال أحدهما إنّه نجس لوقوع قطرة من بولي فيه و قال الآخر: إنّه نجس لوقوع قطرة من دمي فيه أو قال أحدهما: إنّه نجس لملاقاته ليد الميت و قال الآخر: نجس لملاقاته لرجل الميت- مثلا- و يمكن اختلاف صدق الوحدة و عدمه بحسب الموارد و القرائن فيصير النزاع في قبول البينة و عدمه في بعض الموارد لفظيا، لأنّ القائل بالقبول يقول به مع وحدة مورد الشهادة. مع اعترافه بعدم القبول في مورد التعدد.
و القائل بعدم القبول يثبت التعدد مع اعترافه بالقبول مع الوحدة، و يأتي في باب القضاء إن شاء اللّه تعالى ما ينفع المقام.
لكونه حينئذ من شهادة العدل الواحد، و تقدم الإشكال فيها و على فرض الاعتبار فلا يبعد سقوط الحجية الفعلية عنها، للتعارض في مدلولها المطابقي.
مسألة ۷: الشهادة بالإجمال كافية أيضا (۱۸) كما إذا قالا: أحد هذين نجس فيجب الاجتناب عنهما. و أما لو شهد أحدهما بالإجمال و الآخر بالتعيين- كما إذا قال أحدهما: أحد هذين نجس، و قال الآخر: هذا- معيّنا- نجس، ففي المسألة وجوه: وجوب الاجتناب عنهما (۱۹). و وجوبه عن المعيّن فقط (۲۰). و عدم الوجوب أصلا (۲۱).
لعموم دليل اعتبار البينة، و إطلاقه الشامل لصورة الإجمال أيضا و تقتضيه سيرة المتشرعة أيضا، و لكن مع صدق وحدة المشهود به عرفا، كما إذا شهدا بوقوع قطرة من البول في إناء مردد بين الإنائين. و أما مع التعدد، كما إذا علم أحدهما بوقوع قطرة من البول في إناء زيد، و علم الآخر بوقوعها في إناء عمرو ثمَّ اشتبه الإناءان، فلا تكون شهادتهما في مورد واحد حينئذ.
بدعوى: كون المقام من الشهادة الإجمالية بعد إلقاء خصوصية التعيين، لكونه من شهادة العدل الواحد.
و فيه: ما تقدم من أنّ مورد قبول الشهادة الإجمالية ما إذا أحرز وحدة المشهود به، و المقام ليس كذلك.
بدعوى: صحة انطباق غير المعيّن على المعيّن فيصير خصوص المعيّن مورد البينة.
و فيه: ما تقدم في سابقة من عدم إحراز وحدة المشهود به فكيف يصدق قيام البينة على نجاسة المعيّن.
لأصالة الطهارة بناء على عدم اعتبار شهادة العدل الواحد و لكن الأحوط الاجتناب مطلقا. و إن أحرز من القرائن وحدة المشهود به فيتعيّن الاجتناب عنهما، لصدق قيام البينة على نجاستهما إجمالا حينئذ.
مسألة ۸: لو شهد أحدهما بنجاسة الشيء فعلا، و الآخر بنجاسته سابقا مع الجهل بحاله فعلا، فالظاهر وجوب الاجتناب (۲۲).و كذا إذا شهدا معا بالنجاسة السابقة، لجريان الاستصحاب (۲۳).
بدعوى: أنّ النجاسة الفعلية من اللوازم الشرعية عند المتشرعة لشهادتهما، و تعتبر البينة في لوازمها الشرعية.
و فيه: أنّ صدق قيام البينة في المقام أول الدعوى، لعدم إحراز وحدة المشهود به، و لا ينفع الاستصحاب، لعدم الثبوت السابق، إلا بناء على اعتبار خبر الواحد و هو أول الكلام، فيشكل قوله رحمه اللّه: «فالظاهر وجوب الاجتناب» مع أنّه مخالف لما يأتي منه رحمه اللّه في [مسألة ۹] من عدم الكفاية في الحكم بالنجاسة. نعم، لا ريب في أنّه الأحوط.
لوجود المقتضي، لجريانه، و فقد المانع. و ذلك، لأنّ المراد باليقين في قوله عليه السلام: «لا تنقض اليقين بالشك»۹.
ليس خصوص اليقين الوجداني فقط، بل كلّ ما يصح الاعتماد عليه شرعا. فكأنّه قال: لا تنقض الحجة إلا بالحجة على الخلاف، كما ثبت ذلك في الأصول، فيشمل جميع ما هو معتبر شرعا، كالبينة، و اليد، و سوق المسلم، و نحو ذلك من الأمارات، و لباب معنى الاستصحاب يرجع إلى لزوم ترتب الآثار الشرعية على ما قامت عليه من الحجج المعتبرة عند الشك فيها ما لم ينكشف الخلاف، سواء كان الثبوت في السابق واقعيا، أم ظاهريا بالبينة و الأمارة.
مسألة ۹: لو قال أحدهما: إنّه نجس، و قال الآخر: إنّه كان نجسا و الآن طاهر فالظاهر عدم الكفاية (۲٤)، و عدم الحكم بالنجاسة.
لاختلاف المشهود به، فلا يكون من مورد قيام البينة. نعم، يكون من خبر العدل الواحد، و تقدم بعض ما يتعلق بها في المسألة السابقة.
مسألة ۱۰: إذا أخبرت الزوجة أو الخادمة أو المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج أو ظروف البيت كفى في الحكم بالنجاسة. و كذا إذا أخبرت المربية للطفل أو المجنون بنجاسته أو نجاسة ثيابه. بل و كذا لو أخبر المولى بنجاسة بدن العبد أو الجارية أو ثوبهما مع كونهما عنده أو في بيته (۲٥).
كلّ ذلك لاعتبار قول المستولي فيما استولى عليه في الطهارة و النجاسة عند المتشرعة، بل الظاهر تحقق السيرة على قبول قوله فيها. هذا إذا لم يكن مانع عن قبول قوله من اتهام أو وسواس أو نحوهما و إلا فلا يقبل، كما تقدم۱۰.
فرع: لو كان الاستيلاء الفعلي بإجارة أو عارية أو نحوهما لأحد و الاستيلاء الملكي لآخر، يقدم قول الأول في الإخبار بالنجاسة و الطهارة إلا إذا كانت في البين قرائن معتبرة تدل على العكس و تقدم ذكر فروع تتعلق بالمقام۱۱.
مسألة ۱۱: إذا كان الشيء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كلّ منهما في نجاسته (۲٦). نعم، لو قال أحدهما: إنّه طاهر. و قال الآخر: إنّه نجس، تساقطا (۲۷)، كما أنّ البينة تسقط مع التعارض، و مع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه (۲۸).
لثبوت اليد الفعلي من كلّ منهما عليه.
لامتناع الأخذ بكلّ منهما، و بأحدهما المعيّن ترجيح بلا مرجح فلا بد من التساقط، هذا إذا لم يكن قول من أخبر بالطهارة مستندا إلى الأصل. و إلا فيقدم قول من أخبر بالنجاسة عليه. و كذا الكلام بعينه في تعارض البينتين.
تقدم التفصيل في [مسألة ۷] من فضل ماء البئر.
مسألة ۱۲: لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين أن يكون فاسقا أو عادلا، بل مسلما أو كافرا (۲۹).
لعموم السيرة بالنسبة إلى الجميع ما لم تكن قرينة على الخلاف.
مسألة ۱۳: في اعتبار قول صاحب اليد إذا كان صبيا إشكال (۳۰)، و إن كان لا يبعد إذا كان مراهقا.
إن كان متوجها إلى الطهارة و النجاسة و لم يكن متهاونا و متسامحا في النجاسة، فلا يبعد تحقق سيرة المتشرعة على قبول قوله فيهما، و لعلّ عدماستبعاده رحمه اللّه فيما إذا كان مراهقا إشارة إلى ما قلناه، و إلا فلا خصوصية في كونه مراهقا بعد كونه مميزا، و متوجها إلى الطهارة و النجاسة و غير متهاون في النجاسة.
مسألة ۱٤: لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد أن يكون قبل الاستعمال- كما قد يقال (۳۱)- فلو توضأ شخص بماء- مثلا- و بعده أخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه. و كذا لا يعتبر أن يكون ذلك حين كونه في يده فلو أخبر بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده، يحكم عليه بالنجاسة في ذلك الزمان (۳۲)، و مع الشك في زوالها تستصحب (۳۳).
نسب هذا القول إلى جمع منهم العلامة في التذكرة. فإن كان ذلك لأجل أنّ المتيقن من السيرة إنّما هو قبل الاستعمال.
ففيه: أنّ بناء المتشرعة على ترتب الأثر على قول ذي اليد و لو كان بعده، فإذا أخبر بنجاسة الماء بعد استعماله في الطهارة يرون تلك الطهارة باطلة، و يرتبون آثار البطلان عليها، مع أنّهم لا يقولون بذلك في البينة، و لا فرق بينها و بين اليد في الاعتبار.
و إن كان لأجل أنّه بالاستعمال يخرج عن مورد استيلائه و يده.
ففيه: أنّ ترتيب الأثر إنّما هو بلحاظ اعتبار قوله قبل الاستعمال، و معنى اعتبار قوله: هو بطلان الاستعمال إن أخبر بالنجاسة. مع أنّه يختص بما يتلف بالاستعمال، كالماء و نحوه، لا مثل الفراش و الثوب و نحوهما.
و إن كان لأجل صحيح العيص عن الصادق عليه السلام: «في رجل صلّى في ثوب رجل أياما ثمَّ إنّ صاحب الثوب أخبره أنّه لا يصلّي فيه، قال: لا يعيد شيئا من صلاته»۱۲.
فإنّه ظاهر في عدم الاعتبار بقول ذي اليد بعد الاستعمال.
ففيه: أنّ عدم الإعادة، لأجل الجهل بالموضوع، لا لأجل عدم اعتبار قول ذي اليد. مع معارضته بخبر ابن بكير عنه عليه السلام أيضا: «في رجل أعار رجلا ثوبا فصلّى فيه و هو لا يصلّي فيه قال: لا يعلمه قلت: فإن أعلمه؟ قال:
يعيد»۱۳.
فإنّه ظاهر بل صريح في اعتبار خبر ذي اليد، و لو بالاستعمال. و لكنه لا بد من طرحه أو حمله على الندب، لما يأتي من عدم وجوب الإعادة على من صلّى جاهلا بالنجاسة من حيث الموضوع. مع أنّه يحتمل أن تكون الإعادة لأجل أنّه صلّى بعد الإعلام بالنجاسة، فتجب الإعادة حينئذ من جهة وقوع الصلاة في النجاسة الثابتة بقول ذي اليد.
لشمول أدلة اعتبارها لصورة الخروج عن يده أيضا، فما أخبر الناقل بأنّ ما نقله إلى المنتقل إليه كان نجسا يجتنب عنه المتشرعة بارتكازاتهم و الظاهر عدم الفرق فيه بين تخلل الزمان القليل أو الكثير، إلا إذا كانت الكثرة بحيث يشك في تحقق السيرة معها على الاعتبار، فالمرجع قاعدة الطهارة.
لما تقدم في استصحاب النجاسة إن ثبتت بالبينة.
- تقدم في صفحة: ۳۲۳ و ما بعدها.
- الوسائل باب: ٦۱ من أبواب الأطعمة المباحة حديث: ٥ و تقدم في صفحة: ۳۱۲.
- الوسائل باب: ۱۰ من أبواب مقدمة العبادات.
- الوسائل باب: ۱٦ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث: ۲.
- الوسائل باب: ۱۱ من أبواب المواقيت حديث: ۷( كتاب الحج).
- صفحة: ۲۳٥.
- صفحة: ۲٤۲.
- صفحة: ۲٤۳.
- راجع الوسائل باب: ۱ من أبواب نواقض الوضوء.
- صفحة: ۲٤۳.
- صفحة: ۲٤۰.
- الوسائل باب: ٤۰ من أبواب النجاسات حديث: ٦.
- الوسائل باب: ٤۷ من أبواب النجاسات حديث: ۳.