بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه الذي ضمن لنا العفو
و الإحسان و الصلاة و السلام على مفخر الإنسان و
آله الذين يصل الناس بهم إلى درجات الجنان.
بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه الذي ضمن لنا العفو
و الإحسان و الصلاة و السلام على مفخر الإنسان و
آله الذين يصل الناس بهم إلى درجات الجنان.
على ما هو المعروف بين الإمامية و تقتضيه جميع الاشتقاقات المتفرعة عنه في الاستعمالات المتعارفة المحاورية، و يتعدى بالتضعيف فيقال:
«ضمنه المال» أي: ألزمته إياه، و أما احتمال كون كل من الضمن و الضمان أصلا برأسه، و الأول بمعنى الظرفية و الثاني بمعنى التعهد فهو ساقط، لأن المراد بالظرفية و الضمنية المعنى الأعم من الحقيقي و الاعتباري و التعهد ليس إلا الظرفية الاعتبارية، فيكون احتمال الاستقلالية في الضمان لمعنى التعهد من لزوم ما لا يلزم.
و الحق: أن الضمان أقسام ثلاثة:
الأول: الضمان المتعارف بحسب الغالب أي: اشتغال ذمة المضمون عنه بشيء و ضمان شخص آخر له.
الثاني: ما له معرضية قريبة للثبوت و هو واقع في الخارج كثيرا عند الناس.
الثالث: تعهد و التزام من شخص بوفاء ما ثبت لشخص آخر، و الكل صحيح بلا إشكال للإطلاق و أصالة الصحة و يأتي تفصيل كل من الأقسام في مستقبل الكلام.
ثمَّ أنه لا يخفى أن الضمان مصدر و هو تضمين رد العين أو مثله أو قيمته أو غير ذلك مما يعتبر في المتعارف، و المضمون عنه هو المديون و المضمون له هو الدائن و الضامن هو من يقوم به عقد التضمين.
نسب ذلك إلى أكثر العامة، و عن بعض اللغويين أنه غلط.
لقاعدة: «ان كل ما ليس في المصدر فهو زائد».
لوجود ال- (نون) في جميع المشتقات و في جميع الاستعمالات المحاورية الصحيحة، و احتمال كونه من الاشتقاقات الكبيرة.
فاسد: لعدم تعارفه في الاستعمالات المتعارفة و انما يصدر لأجل الضرورة كما هو معروف من طريقة الأدباء.
و إلا يكون الفعل ثنائيا و هو باطل باتفاق اللغويين.
الظاهر أنه ليس للفقهاء، فيه اصطلاح خاص زائد على ما هو المنسبق من هذا اللفظ في العرف فينسبق منه.
تارة: المعنى العام.
و أخرى: المعنى الخاص، و الاختلاف انما هو بحسب القرائن الخارجية و الجامع انما هو الضمنية الذمية التي يصح التعبير عنها ب- «العهدة» و «التعهد» أيضا، فالتعهد إن كان بالنفس يسمى «كفالة» أيضا، و إن كان بالمال ممن ليس عليه يسمى «ضمانا» بالمعنى الأخص، و يدخل فيه «ضمان الأعيان» بناء على صحته، و إن كان ممن عليه مال يسمى ب- «الحوالة» هذا بحسب الغالب و إلا فالحوالة على البريء يصح كما يأتي في محله، فالضمان المبحوث عنه في المقام: «تعهد بمال ثابت في ذمة الشخص لآخر»، و هذا هو معناه لغة و عرفا و شرعا.
كما إذا آجر شخص نفسه لآخر لعمل من بناء أو خياطة أو نحوهما فيصح اعتبار المالية في العمل فيضمنه شخص ثالث.
الاحتمالات في الضمان ثبوتا ثلاثة:
الأول: كونه عقدا محتاجا إلى الإيجاب و القبول كما ينسب إلى ظاهر المشهور.
الثاني: كفاية إحراز رضاء المضمون له و لو لم يقبل ظاهرا.
الثالث: عدم الاحتياج إلى إحراز رضاء المضمون له أصلا فضلا عن قبوله، بل يكون منعه مانعا عن حصول التعهد الضماني لا أن يكون إحراز رضاه شرطا.
نعم، بعض أحكام الضمان متوقف على اذنه كما يأتي في (مسألة ۱۲)، و يمكن توجيه الأخير بأن الضمان من سنخ الوفاء و الأداء فهو من المعاني الإيقاعية لا العقدية المتقومة حقيقتها بالإيجاب و القبول.
نعم، بعض أحكامه مترتب على رضاء المجنون له و إذنه و ليس ذلك
داخلا في حقيقته و قوامه، و حيث أنه مع عدم إذن المضمون له فيه معرضية التخاصم و التشاجر نسب إلى المشهور إطلاق اعتبار القبول و إلا فهو خارج عن حقيقته، و يأتي في المسائل الآتية إن حقيقة الضمان «تعهد مال لحفظ اعتبار المضمون عنه و شأنه و حيثيته».
و لو بالقرائن العرفية المعتبرة كما أثبتناه غير مرة في موارد مختلفة فراجع كتاب البيع.
لأن الظهور الفعلي حجة معتبرة لدى العقلاء كالظهور القولي ما لم يرد دليل معتبر على الخلاف و هو مفقود في المقام، و مر تحقيق ذلك في المعاطاة، و الظهور الفعلي في المقام كما إذا كان على عاتق المضمون له حمل فرفعه الضامن و جعله على عاتق نفسه أو نحو ذلك من الأفعال المقرونة بالقرائن المعتبرة.
نسب ذلك إلى المشهور، و عن جامع المقاصد دعوى الإجماع عليه، و يظهر من الخلاف عدم اعتبار رضاء المضمون له فضلا عن قبوله، فلا وجه لدعوى الإجماع حينئذ.
و تنقيح البحث.
تارة: بحسب الأصل.
و أخرى: بحسب الاعتبار.
و ثالثة: بحسب الاستظهار من الأدلة.
و رابعة: بحسب كلمات الأجلة.
أما الأولى: فمقتضى الأصل عدم ترتب الأثر بدون رضاء المضمون له- سابقا أو مقارنا أو لاحقا- لكن صدور عنوان الضمان عن الضامن و إقدامه عليه و كونه كالأداء و الوفاء مع كونه موثوقا به كالأمارة التي يسقط معها هذا الأصل و الشك في جريان الأصل مع هذا الإقدام يكفي في عدم جريانه فلا وجه للتمسك به.
أما الثانية: فإذا تحقق الضمان عن الضامن، و كان ضمانا معتبرا لدى العرف يرى متعارف الناس كون المال على عاتق الضامن و يحكمون بأن حق المطالبة للمضمون له بالنسبة إلى الضامن دون المضمون عنه، لإقدامه على ذلك باختياره فيرون انتقال الحق بمجرد إقدام الضامن، و يقولون للمضمون له ليس لك الرجوع إلى المضمون عنه إذا لم يكن محذور في البين من اهانة أو نحو ذلك على المضمون له.
أما الثالثة: فعمدة ما استدل به على اعتبار رضى المضمون له صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «في رجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال عليه السّلام: «إذا رضي به الغرماء فقد برئت ذمة الميت»۱، و هذا الصحيح يحتمل معنيان.
الأول: أن يكون في مقام بيان اشتراط رضاء المضمون له.
الثاني: أن يكون في مقام بيان كون الضمان ضمانا معتبرا من شخص موثوق به، و المنساق منه هو الثاني، و على فرض الأول فليس لاعتباره موضوعية خاصة و إنما هو طريق لإحراز الاطمئنان العرفي بالأداء، مع أنه مع وجود الاحتمال الثاني لا وجه للجزم بالأول مع ظاهر خبر أبي سعيد الخدري، قال:
«كنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في جنازة، فلما وضعت قال صلّى اللّه عليه و آله: هل على صاحبكم من دين؟ قالوا: نعم، درهمان، فقال صلّى اللّه عليه و آله: صلّوا على صاحبكم، فقال علي عليه السّلام: هما عليّ يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أنا لهما ضامن، فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عليه ثمَّ أقبل على علي عليه السّلام فقال: جزاك اللّه عن الإسلام خيرا، و فك رهانك كما فككت رهان أخيك»۲، و في خبر جابر بن عبد اللّه: «أن النبي صلّى اللّه عليه و آله كان لا يصلي على رجل عليه دين فأتي بجنازة، فقال: هل على صاحبكم دين؟ فقالوا: نعم ديناران، فقال: صلّى اللّه عليه و آله: صلوا على صاحبكم، فقال أبو قتادة: هما عليّ يا رسول الله صلّى اللّه عليه و آله، قال: فصلي عليه فلما فتح اللّه على رسوله قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن ترك مالا فلورثته، و من ترك دينا فعليّ»۳.
و أما الأخير: فليس في المسألة إجماع يصح الاعتماد عليه على اعتبار أصل رضاء المضمون له فضلا عن قبوله.
المعتبر هو تحقق الوفاء و لو مع عدم رضاء المضمون له إذا لم يكن حرج و ضرر في البين كما يأتي.
تقدم ذكره فراجع.
لعدم الموضوع لها على ما بيناه فيكون الحكم بلا موضوع فالضمان من سنخ المعاني الإيقاعة لا قبول فيه كما في ضمان النفس المعبر عنه ب- «الكفالة»، فلا وجه للبحث عن القبول فضلا عن شرائط العقد، و الظاهر أن هذا المعنى في الجملة مرتكز في أذهان جميع الفقهاء من خاصتهم و عامتهم، و الخلط انما حصل من ملاحظة بعض أحكام الضمان مع أصل موضوعه و هو كثير بينهم رحمة اللّه كما لا يخفى على الخبير المتتبع، و يأتي في أول كتاب الحوالة بعض ما ينفع المقام.
للأصل، و الإطلاق، و الاتفاق، و ما يذكره قدس سرّه بعد ذلك تبعا لغيره من الفقهاء.
فمقتضى قاعدة «نفي الحرج» و «الضرر» اعتبار رضاه حينئذ».
لدعوى الإجماع عن جمع عليه، و قد تقدم في بطلان بيع الصبي ما ينفع المقام فراجع.
لأن الدليل إن كان هو الإجماع فالمتيقن منه غير هذه الصورة، و إن كان غيره فقد أشكلنا عليه في كتاب البيع4، فراجع، و على فرض تماميتها فهي منصرفة عن صورة إذن الولي؛ و كون الصبي مميزا، بل يمكن استفادة الجواز و الصحة عن الآية الكريمة وَ ابْتَلُوا الْيَتامى، حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ٥، و كذا خبر السكوني عن الصادق عليه السّلام:
«نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن كسب الإماء فإنها إن لم تجد زنت إلا امة قد عرفت بصنعة يد، و نهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة بيده فإن لم يجد سرق»٦، و قد تقدم فروض أحكام الصبي في بعض المباحث السابقة۷.
لاتفاق الفقهاء- بل العقلاء- على أنه مسلوب العبارة و الفعل.
لوجود المقتضي حينئذ و فقد المانع فتشمله الأدلة بلا مدافع.
بناء على المشهور من اعتبار رضاه إذ لا اعتبار برضاء الصبي و المجنون، و تقدم التفصيل فلا وجه للإعادة بالتكرار.
للأصل و الإطلاق، و الاتفاق بعد عدم دخالة رضاه في قوام الضمان بوجه إلا فيما مر من مورد الضرر و الحرج.
لمكان الحجر عليهما فلا ينفع إذنهما.
للإجماع، و لما دل على رفع الإكراه۸، الظاهر في الرفع المطلق حتى السببية خصوصا بملاحظة صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه السّلام: «في الرجل يستكره على اليمين فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك أ يلزمه ذلك؟ فقال عليه السّلام: لا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وضع عن أمتي ما أكرهوا عليه و ما لم يطيقوا و ما أخطأوا»۹، و كذا الكلام في المضمون له بناء على اعتبار قبوله.
لأن حجره مانع عن التصرف في ماله و في ذمته.
على ما يأتي في كتاب الحجر.
بناء على اعتبار قبوله و رضاه إذ لا أثر للرضاء و القبول مع الإكراه و الحجر لما مر.
لأن الضمان تصرف في ذمته و عهدته لا في ماله.
لأن المال صار مورد حق الغرماء و اختصوا به فلا يشاركهم غيرهم إلا برضائهم.
لعدم ترتب الأثر على رضاء المحجور عليه و قبوله هذا بناء على اعتبارهما فيه و إلا فلا موضوع لاشتراط هذا الشرط فيه.
ما لم يكن الضمان حرجا و ضررا عليه و إلا فلا بد من مراجعة وليه في الأول و مراعاة إذنه في الثاني.
ما دام الحجر باقيا في المفلس و أما بعد زواله فلا محذور في الرجوع عليه.
و اختاره الشهيدان و المحققان و حكي عن المبسوط أيضا.
و الضمان شيء فلا يقدر عليه خصوصا بقرينة صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المملوك لا يجوز طلاقه و لا نكاحه إلا بإذن سيده، قلت: فإن كان السيد زوّجه، بيد من الطلاق؟ قال عليه السّلام: بيد السيد ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ۱۰، و يأتي في كتاب الطلاق أن هذا انما هو فيما إذا تزوج العبد أمة سيده، و أما إذا تزوج حرة أو أمة غير سيده فالطلاق بيده لا بيد سيده و هذا تخصيص في الصحيح و لا بأس به.
و فيه: أنه يمكن الإشكال عليه بأن المنساق من الآية الكريمة۱۱، أن حيثية المملوكية هي المناط لنفي القدرة فنفي القدرة مطلق ما دامت المملوكية باقية إلا ما خرج بالدليل المخصوص و هو مفقود في المقام؛ و من ذلك يظهر فساد ما عن بعض من أن متعلق القدرة أنما هو المال، لما قلناه من أن مناط سقوط القدرة المملوكية و هي تعم المال و غيره.
لم نظفر على صاحب هذه الدعوى، و على فرض وجوده لا دليل له بل لعله خلاف الوجدان.
لوجود المقتضي و فقد المانع، مضافا إلى الإجماع.
و لا نزاع لأحد ظاهرا في لزوم اتباع القرينة مع وجودها و ظاهرهم مسلمية الحكم لديهم حينئذ، و يقتضيه عموم أدلة لزوم الوفاء بالشرط.
الظاهر اختلاف ذلك باختلاف الموالي و العبيد و سائر الجهات، و النزاع في مثله صغروي لا أن يكون كبرويا، و مقتضى ما ارتكز في الأذهان من أن الإذن في الشيء إذن في لوازمه هو صحة رجوع العبد إلى المولى فيما ضمن بإذنه، و لا تصل النوبة حينئذ إلى أن ذلك يرجع إلى التوكيل في الضمان عن المولى حتى يرد عليه إشكال صاحب الجواهر رحمة اللّه، بل يكون معنى ذلك:
«اضمن أنت و أنا أعطيك مال الضمان»، و لا محذور فيه هذا مع صحة الانفهام عرفا.
و أما مع الشك فيه فالظاهر تعلقه بذمته بعد اعتبار الذمة، لأنه المنساق منه عرفا، و التعلق بالكسب أو الرقبة يحتاج إلى عناية خاصة و مقتضى الأصل و الاعتبار عدمها إلا مع وجود القرينة معتبرة في البين.
و بالجملة: الذمة أوسع الأشياء و أعمها تقدم على غيرها إلى مع القرينة على الخلاف.
و توهم: أن الانفهام العرفي إنما هو بالنسبة إلى الأداء دون اشتغال الذمة.
فاسد، لأن المتفاهم العرفي من الأداء إنما هو عن تعهد ذمي لا مجرد الأداء و لو بأن يرجع إلى العبد بعد ذلك.
هذه الدعوى لصاحب الجواهر.
بعد ثبوت القابلية له للملكية كما مر في الزكاة لا وجه لهذه الدعوى.
مع ثبوته و عدم القرينة على الخلاف.
يمكن أن يكون هذا المثال خارجا عن التعليق الممنوع لأنه تعليق على مقتضى العقد، و حيث ان عمدة الدليل على المنع الإجماع يمكن أن يقال أن المتيقن منه غير هذه الصورة.
أرسلوا ذلك إرسال المسلمات الفقهية في العقود و الإيقاعات إلا ما خرج بالدليل كالتدبير و النذر المعلق و الوصية التمليكية.
تعرضنا له في البيع۱۲ و غيره.
هذا من احدى الوجوه التي استدلوا بها على عدم صحة التعليق في الإنشاءات مطلقا، عقدا كان أو إيقاعا.
و خلاصته: أن الأثر لا ينفك عن المؤثر، و المؤثر فعلى فلا بد و أن يكون الأثر كذلك، و هذا معنى قولهم: «إن الوجود لا ينفك عن الإيجاد».
و بطلان هذا الدليل واضح لأن الإنشاء فيه جهتان:
الأولى: أنه لفظ من اللافظ، و لا ريب في أنه معلوم التلفظ و يوجد في الخارج بمجرد إرادة المتلفظ.
الثانية: المعنى القائم بهذا اللفظ، و لا ريب في أن المعنى تابع لكيفية إرادة المتكلم به.
فتارة: يريده مطلقا.
و أخرى: معلقا على شيء و كل منهما إنشاء عرفا فهو من هذه الجهة مثل الأخبار ..
فتارة يقال: «قام زيد».
و أخرى: يقال: «يقوم زيد إن جاء عمرو» و كل منهما إخبار، و قد تعرضنا في اعتبار التنجيز في البيع ما ذكر في وجه اعتباره و أشكلنا على الجميع فراجع.
هذا عبارة أخرى عن الوجه الأول.
و يريد عليه ما أوردنا عليه بلا فرق بينهما فلا وجه للتكرار.
لما مر في سابقة آنفا إذ لا فرق بين الدليلين بحسب الواقع.
الظاهر عدم الفرق بين المقام و غيره بعد إطلاق معقد إجماعهم على عدم صحة التعليق في العقد و الإيقاعات مطلقا.
يظهر ذلك من الرياض.
التفكيك واقع فكيف لا يعقل لما سيأتي في (مسألة ۷) من ضمان دين الحال مؤجلا و بالعكس و لا وجه للتفكيك إلا هذا، فراجع و تأمل فالتفكيك واقع و صحيح و لعله يساعد الأذهان العرفية على صحة التفكيك أيضا، فقد أثبتنا غير مرة أن هذه الأمور عرفيات لم يخطأه الشارع، و يمكن الاختلاف بالجهة فيكون الضمان من جهة فعليا و من جهة أخرى معلقا و لا بأس به أيضا.
أشكل عليه. أولا: بأنه خلاف ظاهر المثال الثاني.
و ثانيا: بأنه من ضم ذمة إلى ذمة أخرى.
و فيه: أن الأول من مجرد المناقشة اللفظية و الثاني ليس من ضم ذمة إلى ذمة أخرى لأن الضم الممنوع انما هو فيما إذ لوحظ كل واحد من الذمتين مستقلا و لو حظ ضم كل واحد منهما إلى الآخر فيتحقق ضم ذمة إلى أخرى، و أما في المثال الثاني فلوحظ ذمة المديون كالعدم ففي فرض عدمه أنشأ الضامن الضمان لنفسه فلا موضوع لضم ذمة إلى ذمة أخرى.
يأتي تفصيله في (مسألة ۳۸) و نبين هناك أن الضمان فيها أيضا فعلى.
نعم، له أحكام تعليقية لا أن يكون ذات الضمان من حيث هو تعليقيا و فرق واضح بينهما كما لا يخفى، و يصح أن يجعل لضمان الدين أيضا أحكاما تعليقية.
الفرق بينهما واضح، إذ الأول إنشائي و الثاني وضعي و لكل منهما أحكام و آثار.
نعم، بناء على نظره قدّس سرّه يكون ضمان العين تعليقيا، و أما بناء على التحقيق فالضمان فيه أيضا فعلي و له حكم تعليقي و لا محذور فيه من عقل أو نقل.
أرسلوا ذلك إرسال المسلمات الفقهية في متون الفقه و شروحها و لا بأس بكونه من الإجماع.
الظاهر عدم كونه قابلا للضمان لأن كون «تلف المبيع قبل قبضه من مال بائعه» أما حكم شرعي أو من تبعات المعاوضة القائمة بخصوص المتعاوضين فلا يقبل الاسقاط و لا النقل و الانتقال.
لشمول ظاهر كلماتهم للجميع بلا استثناء منهم لشيء من ذلك.
الوجوه التي استدل بها على المنع ثلاثة: الإجماع، و عدم صدق الضمان عليه، و أنه من ضمان ما لم يجب.
و يمكن الخدشة في الكل أما الإجماع فهو من اجتهاداتهم، و أنظارهم الشريفة في المسألة لا أن يكون تعبديا، مع أنه لا دليل لهم على استثناء الفروع الآتية و هو من موهنات الإجماع أيضا.
و أما عدم صدق الضمان عليه فإن أريد به الاستعمال الغالبي فهو مسلم، لأن الغالب في استعماله انما هو في مورد اشتغال ذمة المضمون عنه فعلا، و أما إن أريد به تقوم حقيقة الضمان به فهو ممنوع، بل هو تعهد مال عن شخص سواء كان ثابتا فعلا أو في معرض الثبوت عرفا بحيث كان كالثابت بحسب المتعارف بين الناس، و لمعرضية الثبوت مراتب متفاوتة بعدا و قربا بالنسبة إلى تحقق اشتغال الذمة و ثبوته و لعله لا يساعد العرف على صدقه بالنسبة إلى بعض مراتبه البعيدة.
و بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات فمن منع عنه إنما هو في المعرضية البعيدة و هو المتيقن من الإجماع، و من يجوزه أي: في المعرضية القريبة العرفية بحيث يكون كالثابت.
و أما الأخير فهو عين المدعى كما لا يخفى و حقيقة الضمان في الواقع انما هو جعل اعتبار للمضمون عنه لئلا يضيع شأنه و حيثيته بين الناس، و بهذا المعنى يشمل الدين الثابت و غيره.
تعرض لبعضها في (مسألة ۳۳).
تقدم أن الضمان بحسب العرف على أقسام ثلاثة و أن حقيقة الضمان تعهد مالي عن شخص نتيجته حفظ اعتبار المضمون عنه و شأنه، و هذا متحقق في جميع ماله معرضية الثبوت معرضية عرفية ففعلية المال تلحظ في طرف الضامن من حيث تعهده له لا في طرف المضمون عنه، و يأتي في (مسألة ۲۸) ما يرتبط بالمقام.
كما عن جمع منهم المحقق و العلامة.
بل الأصل و الإطلاق ينفيه، مع أن هذا التقسيم لا يتم بناء على صحة الحوالة على البرء كما يأتي في (مسألة ٥) من كتاب الحوالة.
أي ضمن عن المضمون عنه.
مع تحقق شرائط التهاتر كما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.
أي: دائنه و حاصل الكلام أن الضمان و الحوالة عنوانان مختلفان عرفا و لغة و شرعا، لتقوم الحوالة بالمحيل و المحال عليه بخلاف الضمان فإنه متقوم بالضامن كما قلناه و المضمون له متفرع عليه و أما الفرق بينهما باختصاص الحوالة بالمديون للمحيل و اختصاص الضمان بالبريء فلا دليل عليه من عقل أو نقل بل الإطلاقات و العمومات و الأصل ينفي ذلك كله.
نعم، ما ذكروه هو الغالب لا أن يكون من المقومات الحقيقة و كم اشتبه القيود الغالبية بالمقومات الحقيقة في كلماتهم الشريفة؟
و لا محذور فيه بعد صحة صدقهما عرفا إذ الآثار مترتبة على الصدق العرفي فيترتب عليه الأثر المشترك كما يترتب عليه الآثار المختصة، و ليس ذلك بعادم النظير في الفقه.
و توهم: أن الحوالة و الضمان متباينان مفهوما لا يمكن اجتماعهما في الواحد من مجرد الدعوى بلا دليل، و لو فرض كونهما متباينان و تصادقهما على واحد بالاعتبار مما لا إشكال فيه.
بإجماع العقلاء فضلا عن الفقهاء.
لأن المبهم و المردد لا وجود له خارجا و لا ذهنا، إذ الوجود مطلقا- ذهنيا كان أو خارجيا- مساوق للتشخيص فلا تترتب آثار العقود و الإيقاعات مطلقا على المبهم و المردد.
هذا في المردد الواقعي المستقر و من كل جهة، و أما ما كان في معرض التعيين فيأتي الكلام فيه.
للأصل و الإطلاق، و عدم دليل على اعتبار أزيد من ذلك
البطلان في هذا النحو من الترديد مشهور بين الفقهاء في المقام و في البيع.
و الإجارة عند قولهم المعروف: «إن خطته فارسيا فبدرهم و إن خطته روميا فبدرهمين». و نظائرهما و لنا فيه كلام تعرضنا له مكررا، لأن الترديد على قسمين:
الأول: ما إذا كان مستقرا بحيث لم يكن مفاد العقد مضبوطا عند متعارف الناس و لا ريب في بطلانه.
الثاني: ما إذا كان في معرض التعيين العرفي و كان بناء متعارف الناس الاقدام عليه فلا دليل على البطلان في مثل هذا النحو من الترديد، لأن عمدة الدليل على هذا الشرط في الجميع دعوى الإجماع و عدم الاقدام من الناس، و المتيقن من الأول صورة الترديد المستقر، و الثاني مفروض الانتفاء لفرض ثبوت الاحترام من متعارف الناس و طريق الاحتياط واضح.
و بعبارة أخرى: ما يئول إلى التعيين مثل التعيين الواقعي في المقام و هم يقولون بكفاية التعيين الواقعي و لو لم يكن معينا ظاهرا كما يأتي منه رحمة اللّه.
كل ذلك إذا لم يكن في معرض التعيين القريب العرفي.
إذا كان المناط هو التعيين الواقعي و ما هو في معرض التعين فيصح في الموردين الأولين مع تحقق سائر الشرائط.
لأنه من الكلي الاستغراقي و هو معلوم في مقابل الإبهام و الترديد، لأنه مثل ما إذا قال: «أضمن جميع ديونك»، و لا ريب في صحته عرفا و عدم مانع عنه شرعا فتشمله الإطلاقات و العمومات.
نسب ذلك إلى المبسوط. و الحق أن يقال: إن الضمانات على قسمين:
الأول: ما هو المعروف الذي ليس في معرض التشاجر و التخاصم عرفا و لا يعتبر فيه شيء سوى ما مر.
الثاني: ما إذا كان في معرض ذلك و يعتبر في الثاني ضبط جميع الخصوصيات و الجهات دفعا للخصومة و اللجاج و تسهيلا لموضوع حكم الحاكم لو رجع إليه، مع أن العرف يبادرون إلى ذلك في هذا القسم و قد وقع الخلط بين القسمين في كلمات الاعلام.
بل مقتضى الأصل و الإطلاق عدمه إلا في ما تقدم مما إذا كان معرضا للخصومة و اللجاج، و يشهد لعدم الاعتبار ضمان على عليه السّلام و أبي قتادة لدين الميت۱۳، مجملا بمرأى من النبي صلّى اللّه عليه و آله و محضره بلا تعرض منهما لأي خصوصية.
لا نسلم كونه أضيق دائرة من سائر العقود فقد وسع فيه من جميع الجهات، لصحة المعاطاة و الفضولي فيه، و كذا النسية، و السلف و التولية و المرابحة و المواضعة و المساومة.
و أنحاء الخيار التي ربما تبلغ أربعة عشر قسما، فالبيع أم العقود و أصلها و أوسع دائرة من جميعها، و أعم ابتلاء لعامة الناس من جميعها، و ما كان كذلك لا بد و أن يوسع فيه الشرع بكل ما أمكنه كما هو عادته المقدسة فيما هو مورد ابتلاء العامة.
نسب ذلك إلى أكثر الأصحاب، للإطلاقات و العمومات بعد صدق الضمان عرفا عليه.
هذا النبوي مذكور في كتب القوم و هو من جوامعه صلّى اللّه عليه و آله و تمام الحديث: «العارية مؤداة و المنحة مردودة و الدين مقتضى و الزعيم غارم»۱4، و إطلاقه يشمل جميع أقسام الضمان مطلقا إلا ما خرج بالدليل، و أما خبر ابن خالد فقال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام: جعلت فداك قول الناس: الضامن غارم، فقال عليه السّلام: ليس على الضامن غرم الغرم على أكل المال»۱٥، فيمكن الجمع بينهما بحمل النبوي على ما إذا وقع الضمان بلا إذن المضمون عنه، أو حمله على الغرم غير المستقر و حمل خبر ابن خالد على الغرم المستقر فالنبوي أثبت الغرم غير المستقر و الخبر نفي الغرم المستقر فإن الضامن يرجع إلى المضمون عنه فلا وجه لطرح النبوي.
أما الأول فعن الفقيه قال: «روى أنه احتضر عبد اللّه بن الحسن فاجتمع إليه غرماؤه فطالبوه بدين لهم، فقال لهم: ما عندي ما أعطيكم و لكن ارضوا بمن شئتم من أخي و بني عمي على بن الحسين عليهما السّلام أو عبد اللّه بن جعفر، فقال الغرماء: أما عبد اللّه بن جعفر فملي مطول، و أما علي بن الحسين فرجل لا مال له صدوق و هو أحبهما إلينا فأرسل إليه فأخبره الخبر، فقال عليه السّلام:
أضمن لكم المال إلى غلة، و لم يكن له غلة، فقال القوم: قد رضينا، فضمنه فلما أتت الغلة أتاح اللّه تعالى له المال فأداه»۱٦.
و أما الثاني: في خبر فضيل و عبيد عن الصادق عليه السّلام قال: «لما حضر محمد بن أسامة الموت دخل عليه بنو هاشم، فقال لهم: قد عرفتم قرابتي و منزلتي منكم و عليّ دين فأحب أن تقضوه عني، فقال على بن الحسين عليه السّلام: ثلث دينك عليّ، ثمَّ سكت و سكتوا، فقال عليّ بن الحسين عليه السّلام: عليّ دينك كله، ثمَّ قال علي بن الحسين عليه السّلام: أما انه لم يمنعني أن أضمنه أولا إلا كراهة أن يقولوا:
سبقنا»۱۷، و إطلاقه يشمل جميع أقسام الجهل بالخصوصيات.
لما يظهر منهم الاتفاق على البطلان في مورد عدم التعين الواقعي.
يظهر ذلك من العلامة و المحقق و الشهيد الثانيين، و هو المطابق لما اخترناه من أنه يكفي المعرضية العرفية.
يظهر ذلك من صاحب الجواهر، و الظاهر أنه ليس من الإشكال و إنما هو تقرير للتصحيح بكل ما أمكن الطريق إلى التعيين و لو كان ذلك من الأخذ بالمتيقن أو القرعة أو نحوهما.
في الدوران بين الأقل و الأكثر، و تصح القرعة و نحوها في المتباينين.
نسب ذلك إلى الشيخ و القاضي و ابن إدريس و بعض آخر.
سواء استظهر الاختصاص بالبيع أو مطلق المعاوضات ليست القاعدة من التعدبيات الشرعية، بل هي من الأمور العقلائية التي كشف عنها الشارع، فإن العقلاء بفطرتهم العقلائية يتحرزون عن الغرر و يلومون من يقدم عليه.
هذا فيما إذا تحقق الإقدام عليه عرفا، و لكن فيما إذا لم يكن إقدام عرفي على الغرر لأوله إلى التعيين إما لوجود القدر المتيقن أو للقرعة و التخيير و نحوهما فأي غرر حينئذ في البين يبطل البيع أو مطلق المعاوضة أو الضمان لأجل الغرر.
مع تحقق الإقدام ينتفي موضوع الغرر، لأنه ما لا يقدم عليه العرف و العقلاء، و المفروض تحقق الاقدام و عدم استنكار من المتعارف لذلك.
إن كان المراد بالتبرع عدم الإذن ففي ضمان السجاد عليه السّلام تحقق الالتماس من المضمون عنه فضلا عن الإذن كما تقدم، و إن كان المراد عدم الرجوع إلى المضمون عنه فله وجه.
لا قرب فيه و الأقرب عدم الفرق بين القسمين في عدم اشتراط العلم فيها للأول القريب العرفي إلى العلم و في مثله لا غرر و لا ضرر، لعدم جريانهما مع الاقدام الصحيح المتعارف.
و تلخيص المقام: ان الضمان قسم من قضاء الحاجة المطلوب مطلقا بأي نحو كان الا مع النص الصحيح الصريح على الخلاف، فيصح بكل ما لا يستنكره المتعارف و تشمله الإطلاقات و العمومات.
بضرورة من الفقه إن لم تكن من المذهب.
أما الأول فهو قريب من ضروريات فقهنا فضلا عن الإجماع و هو مذهب جمع من فقهاء العامة أيضا، و يشهد له الاعتبار العقلائي أيضا في الضمانات المتحققة عند الناس.
و أما الثاني: فهي من الفريقين أما من طرقنا ففي صحيح ابن سنان عن الصادق عليه السّلام: «في الرجل يموت و عليه دين فيضمنه ضامن للغرماء، فقال عليه السّلام:
إذا رضى به الغرماء فقد برئت ذمة الميت»۱۸ و ما تقدم من خبر محمد بن أسامة، و أما من طرقهم فخبر أبي سعيد الخدري و خبر جابر»۱۹
نسب ذلك إلى عامتهم على اختلاف فيما بينهم في أن للمضمون له الرجوع إلى كل منهما كما عن جمع منهم۲۰، أو أنه لا رجوع إلا إلى الضامن إلا في موارد خاصة فيصح الرجوع إلى المضمون عنه، و تقدم عدم وجه صحيح لأصل مبناهم فضلا عما بنوا عليه.
البحث في هذا الفرع من جهات:
الأولى: هل يكون ضم ذمة إلى ذمة أخرى ممتنع عقلا أو عرفا أو شرعا أو لا بل هو واقع؟ لا ريب و لا إشكال في الثاني كما في الأيادي المتعاقبة التي لم يلحظ فيها البدلية، و كما في المقام حيث يلحظ في ذلك، و الوجه فيه أن اشتغال الذمة من الاعتباريات و هي خفيفة المؤنة يصح اعتبارها بأي نحو يتصور ما لم يكن مانع عقلي أو شرعي في البين و هو مفقود في المقام.
الثانية: الاختلاف بين الخاصة و العامة في معنى الضمان المعهود اختلاف اجتهادي في نفس الضمان من حيث هو مع قطع النظر عن الطواري و سائر الجهات، و أما فيها فلا بد و أن يرجع إلى القواعد العامة و العمومات و الإطلاقات فطبيعي ضم ذمة إلى ذمة أخرى صحيح في الشريعة إلا في الضمان المعهود مع تجرده عن أي عنوان كان من شرط أو نحوه.
الثالثة: قد تقدم في الشروط في كتاب البيع: أن كل شرط شك في كونه مخالفا لكتاب اللّه تعالى أو لا؟ تجري فيه أصالة الصحة و عدم المخالفة ما لم يكن دليل معتبر على الخلاف، إذا تبين هذا فنقول:
إذا تحقق هذا التصريح يكون ذلك اتفاق منهما على أمر هو جائز في حد نفسه و هو متضمن للضمان أيضا، و عمدة الدليل على بطلان الضمان بالمعنى الذي ذهب إليه العامة هو ظهور الإجماع، و المتيقن منه على فرض اعتباره غير هذه الصورة و مع الشك تصل النوبة إلى أصالة الصحة و عدم مخالفة الشرط للكتاب، بل و عمومات و إطلاقات الضمان بعد صدق الضمان عليه عرفا، و إطلاقات أدلة الشروط بعد صدق الشرط.
و لكن الأحوط ما هو ظاهر كلمات الأصحاب.
أما براءة ذمة الضامن فمن جهة الإبراء فلا دين في البين حينئذ حتى تشتغل به ذمة الضامن.
و أما براءة ذمة المضمون عنه فهو مترتب على براءة ذمة الضامن، لأن إبراء الدين عنه من حيث انه دين مستلزم لسقوط أصل الدين الذي كان على المضمون عنه.
و بعبارة أخرى: ذمة الضامن طريق إلى ذمة المضمون عنه و إسقاط ذمته إسقاط لذمة المضمون عنه عرفا.
إبراء ذمة المضمون عنه على قسمين:
الأول: إبراء ذمته بما له من الآثار و التبعات و الخصوصيات بحيث أن يكون طريقا إلى إبراء ذمة الضامن، فلا إشكال حينئذ في برأيه الضامن.
الثاني: أن يلحظ ذمة المضمون عنه بنحو الموضوعية و لا موضوع للإبراء بالنسبة إليه، لكونه من تحصيل الحاصل لفرض سقوط ذمته بالضمان فتبقى ذمة الضامن مشغولة.
لسقوط الفرع بسقوط أصله.
لأن إسقاط الوثيقة لا يستلزم سقوط أصل الدين.
بأن يجعل طبيعة الإبراء بأي وجه تحقق كالاستيفاء فكما انه يوجب سقوط الذمتين فكذا في الإبراء، و لكن هذا التنظير لا كلية فيه و يدور مدار وجود القرائن المعتبرة فإن دلت على أنه كالاستيفاء و تسقط الذمتان و الا تبقى ذمة المضمون عنه مشغولة، و لكن الأذهان المتعارفة ترى الاسقاط و الإبراء و الاستيفاء كشيء واحد إلا أن تدل قرينة خارجية معتبرة على التفصيل و الفرق بينها.
فرع: لو أراد شخص أن يصير ضامنا لشخص آخر لأخذ دين من مصرف من المصارف الحكومية، و المصرف لم يقبل ضمانه إلا بتأمين و دفع المضمون عنه مبلغا للضامن لأن يصرف في مصارف التأمين، فلما تمَّ الضمان و استلم الدائن الدين من المصرف مات الضامن، و أخذ المصرف المال من إدارة التأمين فهل تبقى ذمة المضمون عنه مشغولة؟
يمكن أن يكون من سقوط الضمان قهرا، لأن الضامن لم يخسر شيئا و سيأتي في بعض الفروع ما يناسب ذلك.
لأصالة اللزوم بناء على كونه عقدا كما نسب إلى المشهور مضافا إلى الإجماع، و مقتضى أصالة اللزوم- في كل التزام عقلائي إلا ما خرج بالدليل- هو اللزوم فيه حتى بناء على كونه من سنخ الإيقاع أيضا، و أما من طرف المضمون عنه فلا وجه لملاحظة اللزوم و الجواز بالنسبة إليه، لأن من لا يعتبر رضاه في تحقق عنوان الضمان لا موضوع لملاحظة اللزوم و الجواز بالنسبة إليه.
نعم، له إذهاب موضوع الضمان بأداء الدين.
كل ذلك لأنه لا معنى للزوم إلا ذلك مضافا إلى الإجماع في كل منهما.
أرسل كل منهما إرسال المسلمات الفقهية، و يظهر منهم الإجماع عليه.
و عن صاحب الغنية دعوى الإجماع عليه.
و هو موثق ابن الجهم قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن رجل مات و له علىّ دين و خلف ولدا رجالا و نساء و صبيانا، فجاء رجل منهم فقال: أنت في حلّ مما لأبي عليك من حصتي و أنت في حل مما لإخوتي و أخواتي و أنا ضامن لرضاهم عنك؟ قال: يكون في سعة من ذلك وحل، قلت: فإن لم يعطهم؟ قال:
كان لك في عنقه، قلت: فإن رجع الورثة عليّ فقالوا أعطنا حقنا؟ فقال: لهم ذلك في الحكم الظاهر فأما بينك و بين اللّه فأنت منها في حل إذا كان الذي حللك يضمن لك عنهم رضاهم فيحمل لما ضمن لك قلت: فما تقول في الصبي لأمه أن تحلل؟ قال: نعم، إذا كان لها ما ترضيه أو تعطيه، قلت: فإن لم يكن لها؟ قال:
فلا، قلت: فقد سمعتك تقول انه يجوز تحليلها، قال: إنما أعني بذلك إذا كان لها، قلت: فالأب يجوز تحليله على ابنه؟ فقال له: ما كان لنا مع أبي الحسن عليه السّلام أمر يفعل في ذلك ما شاء، قلت: فإن الرجل ضمن بي عن ذلك الصبي و أنا من حصته في حل فإن مات الرجل قبل أن يبلغ الصبي فلا شيء عليه قال: و الأمر جائز على ما شرط لك»۲۱، فإن قوله عليه السّلام: «فما تقول في الصبي لامه أن تحلل؟
قال: نعم، إذا كان لها ما ترضيه و تعطيه» مشعر باعتبار الملائة.
و أشكل عليه ..
تارة: بأنه في التحليل لا الضمان.
و أخرى: بأن المنساق منه أن الملائة شرط الصحة لا اللزوم.
و ثالثة: بأنه مختص بالصبي و أمه فلا يشمل المقام.
و الكل مخدوش أما الأول فلأن التحليل في الحديث أعم من الضمان بقرينة قوله عليه السّلام: «إذا كان الذي حللك يضمن لك عنهم رضاهم» فإن المراد بهذه الجملة تعهد الرضاء و لو بالضمان أيضا.
و أما الثاني: فلأن المنساق من مجموع الحديث صدرا و ذيلا إنما هو السؤال و الجواب عن لزوم هذا الالتزام الحاصل في البين و ليس فيه إشارة إلى الصحة، مع أنه إذا استفيد شرطية الصحة، فكلما هو شرط للصحة يكون شرطا للزوم أيضا.
و أما الأخير: فلا ريب في كونه من باب المثال.
أرسل ذلك إرسال المسلمات الفقهية، و عن المحقق الثاني دعوى الاتفاق عليه، و تقتضيه المرتكزات فإن المتعارف لا يرون لضمان المعسر أثرا.
و لكن الأقسام أربعة:
الأول: معسرا فعلا و لا يعلم يساره.
الثاني: موسر فعلا و لا يعلم إعساره.
الثالث: معسر فعلا و يعلم يساره.
الرابع: موسر فعلا و يعلم إعساره.
و شمول الإجماع على المنع للصورة الثالثة مشكل و المتيقن منه الصورة الأولى، كما ان المتيقن من المرتكزات ذلك أيضا، كما ان شموله لصحة في الصورة الأخيرة مشكل أيضا.
لاستصحاب اللزوم من غير دليل على الخلاف.
فيما إذا كان معسرا حين الضمان و علم بيساره بعد ذلك فثبوت الخيار فيه مشكل بل ممنوع، لأصالة اللزوم من غير دليل حاكم عليها.
لإطلاق معقد الإجماع و الفتاوى الشامل للجميع.
من الجمود على المتيقن من الإجماع، و ظاهر الكلمات المستفاد منها الاختصاص بالإعسار.
و من أن المتفاهم عرفا من كون الإعسار موجبا للخيار انما هو مراعاة حال المضمون و عدم تعطيل ماله و حقه و وقوعه في المشقة، و هذه الجهة موجودة في المماطلة بل ربما تكون المشقة فيها أكثر، و يشهد لثبوت الخيار قاعدة «نفي الضرر و الضرار» أيضا.
النزاع في صحة اشتراط الخيار في الضمان و عدمه نزاع صغروي، فمن يقول بجريان الخيار فيه يجعل اللزوم حقيا لأن الحق قائم بالمتعاقدين، فلهما إبقاء هذا الحق كما لهما ازالته، و من يقول بعدم الصحة يجعله حكميا و الحكم الشرعي غير قابل للإزالة، و لا بد و أن يبين ان الأصل في اللزوم العقدي هو الحقي منه إلا ما خرج بالدليل، أو أن الأصل هو اللزوم الحكمي إلا ما خرج بالدليل؟
الحق هو الأول، لأن كل عقد يقع بين المتعاقدين ليس إلا جعل تعهد منهما على قرار معلوم بينهما، و هذا التعهد عبارة عن اللزوم و هو عبارة أخرى عن ثبوت حق مجعول بينهما بالإنشاء الاختياري، و قرره الشارع بالعمومات و الإطلاقات إلا ما خرج بالدليل من كونه لزوما حكميا أو حكم الشارع فيه بالجواز، و كما أن حدوث هذا الحق المجعول يكون تحت الاختيار بقائه يكون كذلك، و لا معنى لكون البقاء تحت الاختيار إلا صحة جعل الخيار فيجري في الضمان اللازم جميع ما يجري في سائر أقسام اللزوم الحقي بلا فرق بينهما إلا ما دل دليل مخصوص على الفرق بينهما.
و أما توهم أن الضمان نحو استيثاق و الخيار ينافيه.
مردود، بأنه إذا كان باتفاق منهما فلا ينافي الاستيثاق لفرض تراضيهما على جعل الخيار.
و دعوى: أن الخيار يلازم صحة الإقالة فما لا إقالة فيه لا وجه لثبوت الخيار.
باطل، لأنه لم يعرف الا من قبل قائله.
لعموم أدلة الشروط و عدم دليل على المنع، فيكون المقتضي للجواز موجودا و المانع عنه مفقودا، و ما عن التذكرة «لو ضمن رجل عن غيره ألفا و شرط المضمون له أن يدفع الضامن أو المضمون عنه كل شهر درهما لا يحسبه من مال الضمان بطل الشرط إجماعا» لا وجه له أبدا، كما لا وجه لدعواه الإجماع إلا احتمال كونه من الربا المحرم و هو ممنوع كما هو واضح لتباين الضمان مع الربا المعاملي و القرض لغة و عرفا و شرعا.
فليس الضمان من الربا لا موضوعا و لا حكما.
لعموم دليله الشامل لكل شرط خولف فيه.
لأنه إما من الإعسار موضوعا أو ملحق به عرفا.
كل ذلك لأصالة الصحة، و عموم الأدلة، و السيرة في الجملة، و ظهور الاتفاق بعد ضعف قول من خالف كما يأتي.
نسب هذا القول إلى ابني حمزة و البراج و الشيخ في النهاية، و لعل أنظارهم الشريفة إلى ما إذا اتفقا على كون أصل الضمان بأجل كما حمل عليه ابن إدريس كلام الشيخ، و لكنه خلاف الظاهر من كلماتهم على ما فهمه الأصحاب منها.
لكونه مخالفا للأدلة الدالة على الصحة بلا دليل له يصح الاعتماد عليه.
نسب هذا القول إلى الشيخ رحمة اللّه، و استدل عليه بأن الفرع لا يكون أقوى من الأصل، و ضعف هذا الدليل واضح لأنه لا فرع و لا أصل في المقام بعد تحقق التراضي منهما على جعل المؤجل حالا.
لأن الحق متقوم بهما فلهما أن يعملا فيه كلما شاءا و أرادا ما لم ينه الشارع عنه و هو مفروض العدم.
نسب ذلك إلى ولد العلامة فخر الدين بدعوى: أن الحلول صفة زائدة على أصل الحق فيكون من ضمان ما لم يجب و أعجب به والده العلامة رحمه اللّه.
و الحق جلالة مقامهم قدس سرّه أجل عن أن يعتمدوا في الأحكام الإلهية على مثل هذه الوجوه الضعيفة، و إنما جرت أمثال ذلك ليعلم الطبقات اللاحقة أن الإنسان حليف الخطأ و إن بلغ أقصى الذروة العليا في الفكر و الفهم، و تلك سنة اللّه التي جرت في عباده وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا*۲۲.
ثمَّ إن الأقسام كثيرة لأن المضمون إما أن يكون حالا أو مؤجلا، و كل منهما إما أن يضمن حالا أو مؤجلا، و الأخير أن يكون الأجل مساويا لأجل الدين أو أقل أو أكثر، و في كل ذلك إما أن يكون الضمان بسؤال المضمون عنه أو تبرعا و في الجميع إما أن يكون الضمان بما يساوي أصل الدين أو بالأقل أو بالأكثر، و في الكل مقتضى أصالة الصحة و العموم و الإطلاق هو الصحة مع ثبوت الرضاء، و يأتي التفصيل في المسائل الآتية.
لفرض أنه اشترط في الضمان و لا ربط له بأصل الدين فهو حق التزم به في خارج أصل الدين.
أما صحة إسقاط الأجل، فلأن لكل شارط إسقاط شرطه إلا ما خرج بالدليل.
لأنه نحو من الحق القابل للإسقاط كما مر في محله.
و أما جواز الرجوع إلى المضمون عنه حينئذ فلوجود المقتضي لذلك و فقد المانع عنه، لأن المانع قد حصل من ناحية شرط التأجيل و المفروض سقوطه بالإسقاط و قد صرح بذلك جمع منهم الشهيد و المحقق الثانيين.
نسب القول بذلك إلى جمع منهم العلامة و الشيخ، و ما يصلح لاعتمادهم عليه وجهان:
الأول: إن تقييد الضمان تقييد لأصل الدين عرفا.
الثاني: إن الدين الأصلي قد فرغت عنه ذمة المضمون عنه، فلا يتصف بالحلول أو التأجيل، و إطلاق ما دل على صحة رجوع الضامن إلى المضمون عنه بعد الأداء يقتضي الرجوع إليه في المقام أيضا.
و كل منهما مردود أما الأول فلأنهما موضوعان مختلفان و لا تلازم بين تقييد أحدهما و تقييد الآخر لا بالملازمة العقلية و لا العرفية و لا الشرعية كما هو واضح.
و أما الثاني: فلأن تفريق ذمة المضمون عنه إنما هو بلحاظ حال الضمان، و أما بلحاظ ما بعد الأداء فالاشتغال ثابت فالسقوط جهتي لا من كل جهة و هذه الجهة هي جهة اعتبارية تصح أن تكون منشأ الفرق.
هذا إذا لم تكن قرينة معتبرة على الرجوع أو على عدمه في البين و ألا تتبع القرينة حينئذ.
ظهر وجه الضعف مما مر.
أرسل ذلك إرسال المسلمات في جملة من كتب الفقهية معللا في بعضها بما في المتن، و هو صحيح و لا خدشة فيه إلا ما يتوهم من أن دين المضمون عنه قد سقط بالضمان فلا وجه لاعتبار الحلول و التأجيل بالنسبة إليه، و تقدم الجواب عنه من أن هذا السقوط سقوط جهتي لا من كل جهة و بقول مطلق، و يصح تصوير الحلول و التأجيل بالنسبة إلى هذا النحو من السقوط الذي لا يكون بنحو الإطلاق من كل جهة.
لفرض كون أصل أداء الحق كان مؤجلا فمقتضى الأصل بقائه.
بلا إشكال فيه بحسب الأنظار العرفية في محاوراتهم و خصوماتهم و احتجاجاتهم، لأن الإذن في الضمان المؤجل حالا أعم من الإذن في الرجوع إلى المضمون عنه حالا، لأنهما موضوعان مختلفان عرفا، و تتفاوت الأغراض العقلائية بالنسبة إلى كل منهما عند متعارف الناس، و لكن تشتت أقوالهم في هذه المسألة.
أحدها: جواز الرجوع إلى المضمون عنه مطلقا فيما إذا أذن في ضمان المؤجل حالا نسب ذلك إلى القواعد و التنقيح.
ثانيها: أنه يجوز مع التصريح بالإذن لا مع الإطلاق نسب ذلك إلى ظاهر المفاتيح.
ثالثها: الإشكال في صورة الإطلاق، و الفتوى بالجواز في صورة التصريح نسب ذلك إلى الإيضاح.
و الكل مخدوش: لأنه من النزاع اللفظي؛ إذ المدعى انه مع وجود قرينة معتبرة عرفية على الرجوع إلى المضمون عنه فعلا يصح الرجوع إليه، و مع العدم لا يصح الرجوع و هذا مما لا ينبغي أن ينازع فيه عاقل فضلا عن فاضل و منه يعلم ما في بقية الأقوال في المسألة.
هذه المسألة نظير سابقتها فيجزي فيها جميع ما مر في السابقة دليلا و قولا و ردا.
راجع المسألة الثامنة.
لفرض رضاء المضمون له باستيفاء دينه من الضمان، و تقدم عدم اعتبار رضاء المضمون عنه في تحقق الضمان.
لأن الإذن في الأداء و الأمر به أعم من تعهده بما يؤديه الضامن إذا كانت في البين قرينة عرفية على أنه أعم، و أما إن كانت في البين قرينة على الخلاف أو كان الأمر أو الإذن مجملا من هذه الجهة فيدخل المقام تحت قاعدة «أن استيفاء عمل الغير يوجب الضمان» مع عدم دليل على خلافه من إجماع أو غيره.
ثمَّ أنهم ذكروا في المقام صورا أربع و أدعوا الإجماع على عدم ضمان المضمون عنه في اثنين منها، كما أدعوا الإجماع على ضمانه في اثنين آخرين:
الأولى: الضمان بغير إذن المضمون عنه و الأداء بغير الإذن أيضا.
الثانية: الضمان بغير الإذن و الأداء بالإذن و أدعوا بالإجماع على عدم ضمان المضمون عنه في الصورتين؛ و يقتضيه أصالة البراءة أيضا، و لا بد من تقييد الصورة الثانية بما إذا لم تكن قرينة في البين على كون إذنه كاشفا عن تعهده و إلا فيكون ضامنا.
الثالثة: الإذن في الضمان و كون الأداء بالإذن أيضا.
الرابعة: الإذن في الضمان و كون الأداء بغير الإذن، و أدعوا الإجماع على الضمان في الصورتين و هو صحيح و موافق لقاعدة التسبيب.
مقتضي القاعدة احترام المال و العمل مطلقا، إلا إذا ثبت بدليل معتبر بسقوط الاحترام من صاحب المال و العمل بالتبرع و المجانية، أو أسقط الشارع الأقدس اعتباره، و هذا القاعدة من القواعد النظامية العقلائية التي قررها الشارع تتبع في جميع الموارد، و المرجع في صدق التبرع و المجانية و الوعد انما هو العرف، فمع صدق هذه العناوين لا وجه لضمان المضمون عنه لفرض أن الضامن تبرع و قضى دين المضمون عنه مجانا، كما أنه مع صدق مجرد الوعد بالإحسان من المضمون عنه لا شيء عليه أيضا، لأن الوعد بالإحسان لا يوجب اشتغال الذمة و إن عد مخالفته خلاف المجاملات الأخلاقية الشرعية بل العرفية، و أما مع صدق العدم أو الشك فيه فمقتضى قاعدة «الاحترام» هو الضمان بعد حصول الاستيفاء و التسبب منه عرفا كما هو المفروض في المقام.
هذا هو القسم الثالث و الرابع و تقدم أن الحكم مجمع عليه فيهما و أما خبر ابن خالد قال: «قلت لأبي الحسن عليه السّلام، جعلت فداك قول الناس: الضامن غارم، فقال عليه السّلام: ليس على الضامن غرم بل الغرم على من أكل المال»۲۳، فلا وجه للأخذ بإطلاقه بل لا بد من حمله على ما لا ينافي الإجماع.
حق التعبير أن يعلل بأنه أقدم على دفع ماله مجانا فلا وجه للرجوع إلى المضمون عنه.
بل مجمع عليه بين كل من ادعى الإجماع على الحكم مع تقييده، بالأداء كما هو مورد غالب كلماتهم.
بناء على أنه ليس لنفس الضمان من حيث هو موضوعية خاصة لاشتغال ذمة المضمون عنه بالنسبة إلى الضامن، بل المناط كله تفريغ ذمة المضمون عنه كلا أو بعضا، و يأتي تفصيل الكلام بعد ذلك.
نسب ذلك إلى المسالك و قواه في الجواهر و نسبة القول بذلك إلى ظاهرهم كما فعله رحمة اللّه مشكل كما سيأتي، و هنا وجه رابع و هو حصول الاشتغال بمجرد الضمان لكن متزلزلا و مع عدم الأداء يزول الاشتغال
سيأتي المناقشة في ذلك.
لفرض حصول التسبيب من المضمون عنه بالإذن في الضمان من حين حصوله، فالضمان نحو استفادة للمضمون عنه من الضامن بسبب إذنه في تحقق الضمان بينهما، فمن حين حصول هذه الاستفادة يتحقق اشتغال ذمته قهرا، و الأداء شيء آخر لا ربط له بحصول اشتغال ذمة المضمون عنه بمجرد إقدامه على الإذن، و هذا مطابق للمرتكزات العرفية أيضا، فإن مقتضاها تحقق الضمانين في آن واحد فبمجرد تحقق اشتغال ذمة الضامن للمضمون له يتحقق ضمان المضمون عنه للضامن أيضا، فيثبت الضمان بالنسبة إلى المضمون عنه لحصول التسبب منه في الرتبة السابقة على الأداء و لا يخرج منها إلا بدليل على الخلاف.
لتلازم الضمانين عرفا بعد أن كان الضمان بالإذن من المضمون عنه.
إن كان المراد بالحكم المذكور المطالبة بالأداء فلا ريب في كونه مطابقا لقاعدة: «أن استيفاء مال الغير يوجب الضمان»، و إن كان المراد ضمان المضمون عنه بمجرد حصول الضمان فلم يقم إجماع و لا حديث على خلافه حتى نترك قاعدة «حصول الضمان بالتسبيب»، و الملازمة بين الضمانين بالملازمة العرفية لأجل ذلك.
و بعبارة أخرى: نحن ندعي الملازمة العرفية في الجملة و للملازمة مراتب متفاوتة شدة و ضعفا، و لعل الخلط بين المراتب أوجب الاختلاط بين الاعلام، و نسب إلى الشيخ رحمة اللّه و جماعة اشتغال ذمة المضمون عنه من حين الضمان فكيف يتحقق الإجماع على أن اشتغال ذمته انما يتحقق بعد الأداء نعم نسب ذلك إلى العلامة و اشتهر بعده و ليس ذلك من الإجماع المصطلح في شيء.
و أما الخبر فهو موثق عمر بن يزيد قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل ضمن عن رجل ضمانا ثمَّ صالح عليه؟ قال عليه السّلام: ليس له إلا الذي صالح عليه»۲4، و نحوه موثق ابن بكير۲٥، و لا ربط لهما بأن اشتغال ذمة المضمون عنه يحصل بالأداء، بل هما في مقام بيان حكم تكليفي و هو وجوب الأداء على المضمون عنه بقدر ما صالح عليه، و هو غير أصل حدوث طبيعي اشتغال الذمة.
من حيث حدوث الضمان.
الظاهر أن قضية انه «ليس للضامن إلا ما خسر» شرعية و عرفية أيضا و حدوث طبيعي الاشتغال للضامن بالنسبة إلى المضمون له، و كذا حدوث طبيعي الاشتغال بالنسبة إلى المضمون عنه للضامن غير مرتبة الأداء و هما مختلفان، فالأداء شيء و طبيعي الاشتغال في الجملة شيء آخر.
أي: وجوب أداء المضمون عنه ما حسرة الضامن لا أصل ما ضمن و هذا هو المطابق للعرف أيضا، لأن طبيعي اشتغال الذمة الحاصل بأصل الضمان فإنه حصل بمجرد تسبيب المضمون عنه للضمان بواسطة إذنه فيه، فطبيعي أصل الضمان حصل من المضمون عنه للضامن بمجرد حدوث الضمان و تحديده بحد خاص حاصل بما خسره الضامن، و لعله بذلك يمكن أن يجمع بين الكلمات و ان بعد عن ظاهر بعضها.
ثمَّ إن الوجه في تفرع الفروع الخمسة المذكورة في المقام على ما ذكروه واضح لا ريب فيه، لقاعدة أن «استيفاء مال الغير موجب للضمان» عرفا و عقلا و شرعا.
و هناك قاعدة أخرى أشرنا إليها و هي أن «التسبيب لوقوع الغير في الضمان يوجب ضمان المسبب (بالكسر)» و الضمان في القاعدة الثانية له، طريقية إلى ما خسره الضامن لا أن يكون له موضوعية من كل جهة، و يأتي تفصيل جملة من الفروع المناسبة للمقام في موجبات الضمان في الغصب و الديات، و تقدم بعضها في أحكام الصيد في الحج فراجع.
هذا هو الفرع الأول، و الوجه في عدم رجوع الضامن إلى المضمون عنه واضح، لعدم تحقق خسارة بالنسبة إلى الضامن حتى يرجع فيها إلى المضمون عنه.
هذا هو الفرع الثاني و ظهر وجهه مما سبق، لأن الضامن يرجع إلى المضمون عنه فيما استوفاه من المال، و المفروض انه لم يستوف إلا البعض و لم يتحقق خسارة الضامن إلا بالنسبة إليه.
هذا هو الفرع الثالث و هو مطابق لقاعدة أن ضمان المضمون عنه إنما هو بقدر الخسارة، فالخبر المتقدم ورد مطابقا للقاعدة لا مخالفا لها.
هذا هو الفرع الرابع و الوجه فيه واضح لما ذكره قدس سرّه و تعرضنا له أيضا.
هذا هو الفرع الخامس و وجهه واضح لما تقدم مرارا.
سقوط اشتغال ذمة الضامن عن الدين الذي ضمنه على أقسام:
الأول: أن يخسر مقدار الدين من ماله، و لا ريب في ضمان المضمون عنه حينئذ لما مر.
الثاني: أن يعطي أحد أصل الدين لخصوصية في المضمون عنه، و لا ريب في سقوط الذمتين لزوال أصل الدين من البين.
الثالث: أن يوفى الدين شخص من حيث إضافته إلى الضامن و لخصوصية فيه أيضا بحيث يصدق عرفا أن الضامن خسر المال، و يصح له الرجوع إلى المضمون عنه حينئذ.
الرابع: أن يشك في أنه من أي الأقسام، و مقتضى الاستصحاب ضمان المضمون عنه في هذا القسم أيضا بعد ما مر من حدوث ضمانه بمجرد تحقق الضمان، و احتمال أن المناط في الرجوع إلى المضمون عنه تحقق الغرامة الخارجية عرفا من الضامن و لا يتحقق في مورد الشك و لا فيما إذا احتسب المال على الضامن من الحقوق.
مدفوع، بأن للغرامة مراتب مختلفة منها الخارجية الحقيقية المتحققة بأداء الضامن المال من كيسه.
و منها الاعتبارية العرفية بحيث يصدق أن الضامن بنفسه و من حيث هو صار سببا لفراغ ذمة المضمون عنه، و لا ريب في صدقه فيما إذا احتساب المال على الضامن من الحقوق، و كذا في مورد الشك لصدق السببية في الجملة مضافا إلى ما مر من الاستصحاب.
لأن الإبراء تعلق بنفس الدين و هو مضاف أولا و بالذات إلى المضمون عنه فيشمل الإبراء ذات الدين المضاف إلى المضمون عنه أيضا فتسقط ذمته لا محالة.
لأنه تمليك مستأنف لا ربط له بالدين السابق الذي خسره الضامن و دفعه إلى المضمون له فمقتضى خسرانه المال ضمان المضمون عنه.
وجه الأول أن الهبة تعلقت بما في الذمة- و هو الدين- و الدين أولا و بالذات مضاف إلى المضمون عنه فتشمل ذات الدين الهبة المتعلقة بالدين فيكون كالإبراء.
و وجه الثاني انها كالاحتساب على الضامن من الحقوق.
و فيه: أن الاحتساب من الحقوق متعلق أولا بالضامن، و الهبة في المقام تعلقت أولا بالدين و تكون لها إضافة إلى المضمون عنه، و عن بعض مشايخنا۲٦، في حاشيته الشريفة أن الهبة في المقام حقيقة الإبراء.
لتحقق الغرامة، و الإرث ملك مستأنف لا ربط له بالضمان.
في العبارة مسامحة و الظاهر (لو باع أو صالح).
نسب ذلك إلى جمع منهم المحقق و العلامة، و الشهيد الثاني.
حق العبارة أن يقال: يصح له الرجوع إلى المضمون عنه بمقدار ما يسوى.
إن كان المراد من القاعدة تحمّل الضامن أصل الدين بحده من المضمون عنه فحكمهم موافق لها، و إن كان المراد بها غرامة الضامن و خسارته فحكمهم مخالف لها و مخالف للخبر أيضا كما يأتي.
لكن العرف لا يفرق بين الصورتين كما لا يخفى.
لأنه لا ربط للزيادة بالدين المضمون، و مقتضى الأصل و العرف و السيرة عدم اشتغال ذمة المضمون عنه بها.
في صحة ذلك لقاعدة «السلطنة».
لقاعدة «عدم تضمين الأمين» إلا مع ثبوت تعديه أو تفريطه.
لفرض تحقق اشتغال ذمة المضمون عنه للضامن بمجرد الضمان فيصح اعتبار الوفاء حينئذ.
إلا أن تعد المعرضية القريبة للاشتغال بمنزلة الاشتغال في الآثار بنظر أهل العرف و فيه: تأمل.
مقتضى الأصل بقاء الإذن الأول و لا يحتاج إلى الإذن الجديد.
حكي ذلك عن الشرائع و المسالك.
يمكن أن يكون مراد الشرائع و المسالك ذلك أيضا، و إن قصرت عبارتهما عن أدائه.
كون المقام من التهاتر معلوم و كونه من التقاص مشكوك بل الظاهر عدمه كما لا يخفى.
أما إشكاله قدس سرّه فقال: «إن أداء دين الضامن المأذون بمال المضمون بإذن الضامن لا يقتضي اشتغال ذمة الضامن بمثله، إذ ليس هو قد صار بذلك قرضا عليه مع عدم قصده و عدم توقف وفاء الدين على كونه مملوكا للمديون كما أنه لا يستحق رجوعا على المضمون عنه لعدم حصول الأداء منه فلا تقاص حينئذ لعدم ثبوت المالين في ذمة كل منهما»، و أما كونه في غير محله فلأن المقام لا ربط له بالقرض بل هو من باب الاستيفاء بالأمر و هو من موجبات الضمان عرفا كما مر مكررا.
لانتفاء موضوع الضمان حينئذ رأسا مضافا إلى ظهور الإجماع، و كذا الكلام في دفع الأجنبي.
معنى العبارة: أن شخصا ضمن تبرعا عن شخص و ضمن شخص ثالث عن الضامن بإذنه و أدى المال ليس للضامن الثاني الرجوع إلى المضمون عنه الأول، لعدم ضمانه عنه بإذنه بل يرجع إلى الضامن الأول لأنه ضمن عنه بإذنه، و كذا الكلام بعينه في قوله: «و كذا لو ضمن بالإذن».
لأن معنى الضمان هو انتقال تمام ما في ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن بنحو الاقتضاء لا العلية التامة، بحيث لو حدد أصل الدين بحد خاص- قلة أو كثرة- يبطل أصل الضمان، فتحقق طبيعي الضمان مسلم و التحديد انما حصل برضاء الطرفين فلا محذور فيه من العرف و الشرع و العقل، و دعوى: أن قوام الضمان بأن يكون بمقدار الضمان و مع الاختلاف فلا يتحقق موضوعه دعوى بلا شاهد بل على خلافه الشواهد.
لفرض أنه خسر بهذا المقدار.
لتحقق الإذن و الخسران بهذا المقدار بلا إشكال.
فيرجع الضامن إلى المضمون عنه بالزيادة حينئذ لاستيفائه للزيادة بإذنه فيها.
لأن ذلك متوقف على رضاء الضامن و المضمون له فيصح بكل ما رضيا به و المفروض تحققه منهما بغير الجنس، كما أن الوفاء بغير الجنس متوقف على رضاء الدائن مع ورود النص فيه كما في خبر ابن جعفر عن أخيه، قال: «سألته عن رجل له على آخر كرّ من حنطة أ يصلح له أن يأخذ بكليها شعيرا أو تمرا؟ قال عليه السّلام: إذا تراضيا فلا بأس»۲۷، و ظهور الإجماع عليه.
و توهم أنه مخالف لمعنى الضمان فإنه متقوم بانتقال نفس ما في الذمة.
مردود، بأن تقوم الضمان إنما هو بحفظ أصل المالية و انتقاله و انتقال نفس ما في الذمة من مقتضيات إطلاقه لا ذاته كما لعله واضح.
مع عدم إذنه في الضمان بغير الجنس فيشمله إطلاق قول الصادق عليه السّلام في الموثق: «ليس له إلا ما صالح عليه»۲۸، و أما مع الإذن فله أن يرجع إليه كما يأتي منه رحمة اللّه.
لإطلاق أدلة الشروط و عمومها الشامل للمقام أيضا هذا في شرط الفعل، و أما شرط النتيجة فسيأتي.
مقتضى إطلاق أدلة الشروط و عمومها صحة الشرط مطلقا، سواء كان من شرط الفعل أو شرط النتيجة إلا مع الدليل على الخلاف، و لا دليل على الخلاف في شرط النتيجة إلا دعوى أن الناتج غير مقدورة و إن لها أسباب خاصة في الشريعة ليس الشرط منها، و إن الشرط تمليك و لا يتصور التمليك في النتيجة.
و الكل مخدوش: أما الأول فلأنها مقدورة بأسبابها، و القدرة على السبب قدرة على المسبب شرعا و عقلا و عرفا.
و أما الثاني فلأن الشرط من جملة الأسباب عرفا، و إطلاق أدلة الشرط منزل على العرف.
و أما الأخير فهو من مجرد الدعوى، إذ الشرط نحو التزام و تعهد خاص قرره الشارع بأدلة الشروط و لا ريب في تحققهما في شرط النتيجة أيضا، مع ورود النص به في شرط الضمان في الإجارة۲۹، و العارية۳۰، و شرط الأجل في النسيئة و السلف۳۱، و غير ذلك، و على ما قلناه ورد النص مطابقا للعمومات و الإطلاقات.
و كل من قال بالصحة عللها بذلك، و هو تعليل حسن عرفا في الجملة في الموارد التي يرى المضمون بواسطة الضمان ماله حاضرا لديه.
الإشكال ان الضمان ليس إلا نقل المال من ذمة إلى أخرى؛ فلا ربط له بسقوط وثيقة الدين، و الضمان الصحيح لدى العرف وثيقة حية ناطقة لها شعور و ادراك و تقبل التفهم و التفاهم، و مع الوثيقة الأقوى مع موضوع للوثيقة الضعيفة مع أن الرهن رهن لذمة المضمون عنه فإذا سقطت الذمة بالضمان فلا وجه لبقاء الرهن عليها.
لأدلة وجوب الوفاء بالشرط كما تقدم في محله.
أما أصل جواز ذلك فلإطلاق أدلة الضمان، مضافا إلى ظهور الإجماع عليه، و أما صحة كونه على وجه التقييد فبأن يقيد الضمان بمال مخصوص، أو يقيد نفس المضمون بمال مخصوص، أو يقيد الأداء أنه أداء لما اشتغلت من حيث ذمته بالضمان كذلك، و الكل صحيح مع وجود غرض صحيح في البين، لأصالة الصحة، و إطلاق أدلة الشروط الشامل لهذا النحو من الجعل أيضا، و لا يختص بخصوص الالتزام، و الظاهر تلازم العناوين المذكورة، و معنى التقييد هنا أي: جعله دخيلا في قوام الضمان الذي هو من الاعتباريات، و هي خفيفة المؤنة تدور حقائقها مدار كيفية الاعتبار و عدم محذور عقلي أو شرعي فيه كما هو المفروض في المقام.
إن قيل مع التقييد هل تشتغل ذمة الضامن بشيء أو لا؟ و على الأول لا وجه للتقييد، و على الثاني لا وجه للضمان.
يقال: نظير المقام نظير العين المنذورة بناء على أن النذر المتعلق بالعين يوجب اشتغال الذمة و ثبوت حق للمنذور له في العين و نظير الزكاة من جهة.
بلا إشكال فيه من أحد؛ لعموم أدلة الشروط الشامل لذلك.
لوجوب الوفاء بكل شرط حاصل في ضمن عقد سواء كان بنحو التقييد أو بنحو الالتزام في الالتزام.
لفرض أنه جعل مقوما اعتباريا للضمان، فأصل الالتزام الضماني حدث متقوما بهذه الخصوصية الذاتية الجعلية من المتعاقدين، فتكون بمنزلة المقومات الذاتية التي تنتفي الذات المخصوصة بانتفائها، و لا بأس بذلك لأن خصوصيات الجعل تدور مدار جعل الجاعل فيصير بعد الجعل كالذاتي.
إن قلت: أنه لا فرق بين القيد و الشرط من هذه الجهة لفرض كون كل واحد منهما خارجا عن مرتبة الذات، فالتخلف في كل واحد منهما يوجب الخيار إلا أنه فيما إذا كان بنحو الالتزام خيار تخلف الشرط و فيما إذا كان بنحو التقييد خيار تخلف الوصف.
قلت: بعد فرض أنه إذا كان بنحو التقييد جعل ذلك ذاتيا اعتباريا بخلاف ما إذا كان بنحو الالتزام فالفرق بينهما ظاهر.
إن قيل ان جعل الذاتي للعقود خارج عن عهدة المكلف بل هو تحت اختيار الشارع فلا وجه لهذا الجعل.
يقال: العقود تحت سلطة الشارع بلا إشكال لكن قد قلنا مكررا انه يكفي في ذلك عدم ثبوت الردع، و للمفروض عدم ثبوته في المقام فبأي وجه جعل العقد في عالم الاعتبار سواء جعل شيء بعنوان الذاتي له أو بنحو آخر، و لم يرد فيه ردع يشمله دليل التقرير من العموم و الإطلاق بعد عدم مانع في البين.
لكونه من لوازم بطلان الضمان كما في جميع الموارد التي يبطل فيها الضمان.
لفرض بطلان الضمان بالنسبة إليه.
لفرض كونه خارجا عن حقيقة الضمان بحسب الجعل الشرعي و الجعل الاعتباري العقدي.
أما أصل ثبوت الخيار فلعدم إمكان الوفاء بالشرط و هو موجب للخيار كما تقدم في أحكام الشروط.
و أما كونه للضامن أيضا إذا كان الشرط له، فقد يقال: بعدم صحته لأن مرجعه حينئذ إلى التزام المضمون له قبوله إن أداه الضامن إليه فلا يخلف منه حتى يثبت به الخيار للضامن.
و لا يخفى بطلانه، لأن مرجع الشرط- إذا كان الشرط للضامن- إلى التزام أن يؤدي الضامن المال من المال المعين، و مع التلف ينقص هذا الالتزام فيكون له الخيار، و إن كان الخيار لهما فمرجعه إلى التزام من الضامن بأن يؤدي المال من المال المخصوص، و التزام من المضمون له بأن يقبله و مع التلف يكون لهما الخيار فما ذكره في المتن هو الصحيح.
لأن الشرط كان خارجا من حقيقة العقد و هو واقع على الضمان المال و المنساق منه عرفا تمام المال و المفروض أنه التزام بالعقد بلا شرط.
غاية ما يقال: في وجه عدم الصحة أن المال لا عهدة له حتى يتعلق به الضمان و ليس لهم دليل غير ذلك.
و فيه: إن الاعتباريات خفيفة المؤنة، و العهدة من الأمور الاعتبارية العقلائية فلا يعتبرون العهدة لمن لا يتمكن من المال أصلا بخلاف من يتمكن منه، و مرجع التمكن إلى المال فالعهدة الاعتبارية ترجع بالآخرة إليه و الضامن واسطة في الإيصال لا أن يكون له موضوعية خاصة، و مرجع تعين الضمان و العهدة في مال معين أن المضمون له يصح أن يأخذ المال بدون اطلاع الضامن لفرض تعلق حقه به، و قد تقدم في المسألة الخامسة عشر من مسائل ختام الزكاة: أن الحاكم الشرعي يجوز له أن يقترض على عهدة الزكاة فراجع، فكل من له السلطة و الولاية على شيء يجوز له اعتبار أي جعل بالنسبة إليه ما لم ينه عنه الشارع.
أي: تقييدا حقيقيا مقوما، و وجه البطلان واضح لتبدل الموضوع و العنوان على هذا.
لا وجه له مع كون الضامن هو المولى كما هو المفروض إلا إذا كان قبول العبد للضمان في كسبه بنحو يشمل بعد العتق أيضا فتصير هذه الصورة مثل الصورة الأخيرة من هذه الجهة.
لاعتبار رضاه كما مر و حينئذ فإن رضي بضمان أحدهما دون الآخر صح سواء كان هو الأول أو الوسط أو الأخير لتحقق شرائط الضمان بالنسبة إليه حينئذ، و إن رضي بأحدهما ثمَّ رضي بالآخر صح في الأول دون الآخر، لأنه مع اجتماع شرائط الصحة بالنسبة إلى الأول لا يبقي موضوع للآخر.
لأنه مع صحة انطباق رضاه على الأول كما هو المفروض لا يبقي موضوع للثاني.
فيجري فيه التفصيل الآتي.
لوجود المقتضي للصحة فيه حينئذ و فقد المانع فلا بد من الصحة.
لأن تقديم أحدهما على الآخر من الترجيح بلا مرجح، و التقسيط يحتاج إلى دليل و هو مفقود في المقام، و ضمان كل واحد منهما عرضا مستقلا لا وجه له إذ المال الواحد لا يكون في ذمتين مستقلتين و طولا يرجع إلى الوجه الأخير فيتعين البطلان.
نسبه في مفتاح الكرامة إلى ابن الجنيد، و لكن عبارته غير ظاهرة فيه و استدل عليه بعد جريان أصالة الصحة في الضمان و عدم صحة سائر الأقسام كما مر انه طريق العدل و الإنصاف.
و فيه: أنه لم تثبت قاعدة العدل و الانصاف بنحو الكلية.
نعم، هي جارية فيما عمل به الأصحاب لا مثل المقام الذي اختلفوا فيه على أقوال.
نسب ذلك إلى ابن حمزة و ارتضاه العلامة في درسه و يسمى بضمان الاشتراك، كما أن ضمان الواحد عن الكثير يسمى بضمان الانفراد.
لكونه غير عادم النظير كما في الواجبات الكفائية في التكليفيات و تعاقب الأيادي على المال المغضوب في الوضعيات، و يشهد له مذاق العرف و سيرة المتشرعة في الرجوع في أموالهم إلى كل من جرت يده عليها من غير استنكار لذلك فيما بينهم بل يستنكر قول من منعهم عن ذلك.
و ما يقال من أنه صحيح بناء على أن الضمان: ضم ذمة إلى ذمة أخرى كما نسب إلى العامة، و أما بناء على أنه انتقال المال من ذمة إلى ذمة أخرى فلا وجه له.
باطل: لفرض أن الانتقال طولي لا أن يكون عرضيا، و لا محذور فيه من عقل أو نقل.
لأنه لا معنى لاشتغال الذمم طولا إلا هذا.
و كذا لو أراد استيفاء أصل الدين من فعله هذا و كل منهما خلاف الظاهر يحتاج إلى قرينة معتبرة في البين.
و تلخيص المقام أن الوجوه المتصورة في الضمان أربعة:
الأول: الوحدة في كل من الضامن و المضمون له.
الثاني: التعدد في الجميع.
الثالث: الوحدة في الضامن و التعدد فيهما.
الرابع: التعدد فيه و الوحدة فيهما، و في موارد التعدد إما أن يكون بنحو الطبيعة السارية في الجميع أو من سنخ الحكم التخييري، و الكل صحيح ما لم يكن محذور في البين كما مر.
بلا خلاف و لا إشكال في الصحة من أحد، و تقتضيها أصالة الصحة و إطلاق أدلة الضمان.
لأنه لا معنى للضمان الصحيح إلا هذا.
أما الإعسار و اليسار فإن ظهر كون أحدهما معسرا حين الضمان يتخير المضمون له في فسخ الضمان، فإذا فسخ استقر تمام المال على الموسر و أما الرهن فقد تقدم حكمه في (مسألة ۲۳) فراجع.
فلا تحول في جميع تلك الأقسام إلا في القسم الأول في المقدار المشترك على تأمل فيه أيضا.
أما دين نفسه فلعدم الأداء لا مباشرة و لا ضمانا لفرض عدم رضاء المضمون له به، و أما دين صاحبه فلانتقاله إليه بالضمان.
لظهور الإجماع و بناء العقلاء في قبول من لا يعرف المقول إلا من قبله، لأنه أعرف بنية نفسه.
نعم، لو كان ذلك في مورد التخاصم يحتاج حينئذ إلى ضم اليمين لو لم يمكن إقامة البينة لقطع النزاع و الخصومة.
بل الظاهر لزوم اتباع القرائن، و مع عدمها تصل النوبة إلى ما ذكره قدس سرّه.
أما التقسيط فهو اما قصدي أو قهري و الأول مفروض العدم.
و الثاني لا دليل على تعيينه في المقام بعد إمكان بعض الوجوه التالية إلا أن يقال: انه من العدل و الإنصاف المغروس في الوجدان.
و فيه: انه في مقام الثبوت لا بأس به، و لكن لا دليل عليه في مقام الإثبات.
و أما القرعة فلا يعمل بها إلا فيما عمل بها الأصحاب، و لم يحرز ذلك في المقام.
و أما الأخير فأشكل عليه بأنه بعد أن ملك الآخذ المال بالقبض لا يتصور وجه للتعيين حينئذ لعدم الموضوع له في ملك الغير، و يمكن أن يجاب عنه بأن ملك الآخذ يكون مراعا بتعيين المعطي فلا ملكية له قبل التعين.
و هنا وجه رابع و هو الانصراف القهري إلى ما لا أثر له إلا براءة الذمة فقط من دون أمر آخر في البين متوقف على القصد، كفك رهن أو رجوع إلى الغير بعوض أو نحو ذلك.
أما احتمال القرعة فلدعوى شمول عموم دليلها للمقام، و لكنه مشكل لما عرفت و لأنها انما تثبت في مورد التحير المطلق من كل جهة، و بعد احتمال وجوه في المقام و استظهار تعيين بعضها بحسب الإفهام فلا وجه لها حينئذ.
و أما احتمال التعيين بعد ذلك فلا بأس به بعد كون المورد باقيا على ما كان حين إنشاء الضمان و الوجه في ذلك كونه تحت اختياره ما لم يلزم بملزم شرعي، و المفروض عدم ذلك ما لم يعين و تقدم ما أشكل عليه مع دفعه.
بل الظاهر في الجميع ملاحظة القرائن و لو كانت مرتكزة غير ملتفت إليها تفصيلا، و مع عدمها، يمكن أن يقال بالانصراف إلى ما ليس له أثر خاص و مع العدم فالتقسيط أو التعيين بعد ذلك، و تقدم في كتاب الزكاة نظير ذلك.
قد يجعل ذلك كقاعدة بأن: «كلما لا يعلم إلا من قبل المدعي يقبل قوله فيه بلا بينة مع عدم المنازع في البين»، كدعوى الفقر و دعوى السيادة و نحو ذلك و لكن إثبات الكلية لذلك مشكل فلا بد من التمسك به من جبر يعمل الأصحاب و قرائن معتبرة.
أرسله المحقق و الشهيد الثانيين إرسال المسلمات، لقاعدة الصحة من غير دليل على الخلاف إلا دعوى انه مع عدم العلم به يتحقق الغرر و هو منفي بقاعدة «نفي الغرر» فيبطل أصل الضمان حينئذ، و قد نسب ذلك في مفتاح الكرامة إلى ظاهر الأصحاب.
و فيه: أولا أن النسبة إلى ظاهر الأصحاب مشكل.
نعم، ظاهر الشرائع و القواعد ذلك.
و ثانيا: أنه لا غرر فيه لا عرفا و لا عقلا، لأن المضمون عنه إما مديون أو لا، و على الأول يتحقق موضوع الضمان قهرا و في الواقع، و على الثاني لا موضوع له أصلا فأين يتحقق الغرر؟ و يمكن أن يستأنس لذلك بما مر في المسألة الأولى من عدم اعتبار العلم بقدر الدين إذ يستفاد منه أن الضمان مبنى على المسامحة.
تقدم ما يتعلق به في المسألة الأولى فراجع.
لعموم دليل اعتبار البينة من الإجماع و قوله عليه السّلام: «و الأشياء كلها على هذا حتى يتبين غير ذلك أو تقوم به البينة»۳۲، و المراد بالسبق و اللحقوق سبق قيام البينة على الضمان أو لحوقه له.
أما الثبوت بالإقرار الثابت على الضمان، فلعموم إقرار العقلاء على أنفسهم جائز و هو من القواعد المعتبرة شرعا و عرفا.
و أما اليمين المردودة فكما إذا أنكر المضمون عنه الدين الذي يدعيه المضمون له، و لم يكن له بينة على دعواه فتوجه على المضمون عنه اليمين على نفي دعوى المضمون له فلم يحلف ورد اليمين إلى المضمون له فحلف على ثبوت دعواه و يثبت الدين حينئذ، و اليمين المردودة حجة في إثبات الحق و فصل الخصومة كما يأتي في كتاب القضاء إن شاء اللّه تعالى.
و أما قوله رحمة اللّه «كذلك» أي قبل الضمان كما هو واضح.
لعدم الاعتبار بإقراره، لكونه في حق الغير، و كذا اليمين المردودة من هذه الجهة بناء على كونها كالإقرار و إن كانت حجة لدى الحاكم في فصل الخصومة، و لا بأس بأن يكون شيء حجة من جهة و غير حجة من جهة أخرى كما يأتي ذلك في كتاب القضاء.
أخذ له بإقراره و يمينه بالنسبة إلى نفسه لجواز التفكيك في مفاد الحجج كما يأتي في محله و تنظر في هذا اللزوم شيخنا المحقق الآغا ضياء الدين العراقي قدس سرّه في حاشيته الشريفة لأنه إن كان مشغول الذمة قبل الضمان فقد برئت بالضمان، و إن لم يكن مشغول الذمة فلا موجب للأداء.
و يمكن المناقشة فيه بأنه بالإقرار يثبت اشتغال الذمة ثبوتا ظاهريا كما في جميع موارد ثبوت الدعاوي، و الانتقال إلى ذمة الضامن إنما هو في الرتبة المتأخرة، و يمكن التفكيك بين الرتبتين عقلا و عرفا، فإذا وردت خدشة على الرتبة الأخيرة من حيث كونه من الإقرار في حق الغير تبقى الرتبة الأولى سالمة عن الإشكال، و لعله لذلك قرر المسألة على ما في المتن بقية مشايخنا قدس سرّه.
لعدم حجة شرعية لثبوت الدين في ذمة المضمون عنه أما الإقرار فلعدم كونه حجة في حق الغير كما في جميع الموارد، و كذا اليمين المردودة إلى المضمون له، لأنها كالإقرار فلا تنفذ بالنسبة إلى الغير.
للأصل بعد عدم قيام حجة معتبرة على ثبوت الدين حال الضمان.
لأنه هو الظاهر من سياق هذا الجملة المذكورة في لسانه.
أي: حين الضمان، و هذا من المسلمات في المحاورات المستفادة من مثل هذه الجملة «علي ما تشهد به البينة» ثمَّ ان هذه الجملة يحتمل ثبوتا فيها أمور:
الأول: ما قلناه و استفدناه من المحاورات.
الثاني: أعم من الثبوت الفعلي و ما يثبت بعد ذلك.
الثالث: خصوص ما يثبت بعد ذلك و الاحتمالان الآخران صحيح ثبوتا، و لكن ظاهر هذا الكلام آب عن إثباته بحيث يصح الاحتجاج به في المحاورات إلا مع وجود قرينة معتبرة على تعيين أحدهما، و من ذلك يمكن أن يجعل النزاع في الصحة و عدمه لفظيا يعني: أن من يقول بالصحة أي الشهادة الفعلية، و من يقول بعدم الصحة أي: في أحد الاحتمالين الآخرين الذي قلنا بقصور الكلام عن إثباته في مقام الاحتجاج، و من يقول بالصحة فيها أيضا أي مع وجود القرينة المعتبرة بحيث يصح الاحتجاج.
و هذا هو القسم الأخير الذي ذكرناه.
لبعده عن ظاهر الكلمات، مع انه لا بد، و أن يذكر هذا الفرع حينئذ في أول بيان شروط الضمان، و بناء على توجيه صاحب الجواهر يصير النزاع لفظيا بينهم كما مر فإن كان من ضمان ما لا يجب فلا يصح لظهور اتفاقهم عليه و إلا فيصح.
و خلاصة كلماتهم في توجيه كلام صاحب الشرائع و من تبعه وجوه.
فتارة: يحمل على ضمان المجهول كما عن مفتاح الكرامة.
و أخرى: على ضمان ما ليس مفروض الثبوت حال الضمان كما عن المسالك و جامع المقاصد.
و ثالثة: على ضمان ما لم يجب كما عن صاحب الجواهر.
و رابعة: على عدم العلم بالثبوت حتى بعد الضمان و يمكن أن يكون الكل من تفسير ما لا يرضى صاحبه.
لإطلاق الأدلة و أصالة الصحة و عدم المانع من عقل أو نقل.
إذ لا مانع في صيرورة الفرع أصلا و بالعكس في الاعتباريات القائمة بالاعتبار، و كذا الإشكال الثاني لأن عدم الفائدة لا يوجب خروج المورد عن تحت الإطلاق و الأصل بعد وجود غرض صحيح في البين بل هو الفائدة حينئذ فلا معنى لنفي الفائدة بقول مطلق.
بلا إشكال فيه و مر نظيره في المسألة السابعة و العشرين.
للأصل و الإطلاق و ظهور الاتفاق.
لأنه من أحسن موارد عون المؤمن المأذون فيه عقلا و شرعا و المرغب إليه بنصوص مستفيضة منها قولهم عليهم السّلام: «اللّه تعالى في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه المؤمن»۳۳، فمثل هذه الأدلة يعطي نحو إذن شرعي و ولاية شرعية لذوي الحقوق في صرف حقوقهم في مصارف الفقراء، إلا فيما دل دليل خاص على توقفه على إذن شخص خاص كسهم الإمام عليه السّلام ورد المظالم بناء على توقف أدائه على الإذن، و كذا المتواترة الواردة في الترغيب إلى قضاء حاجة المؤمن۳4، فيضمن و يؤدي فيما لا يحتاج إلى الإذن أو يضمن و يؤدي ثمَّ يستأذن ممن له الإذن فلا مانع من ذلك من عقل أو شرع.
إن قيل: فيما يحتاج إلى الإذن ثمَّ يستأذن يكون من الفضولي.
يقال: لا بأس به لما أثبتناه انه موافق للقاعدة و عمدة إشكالهم رحمة اللّه في المقام عدم ولاية المالك لذلك.
و فيه: انه لا ريب في أن ولاية الصرف له في مطلق الصدقات إلا في سهم الإمام عليه السّلام ورد المظالم على قول، مع أن ما ذكرناه من النصوص اذن و ولاية عرفا.
و بالجملة: ولاية الحسبة للمؤمنين لمثل هذه الأمور ثابتة قطعا لمن تأمل في مذاق الشريعة المقدسة السمحة السهلة فيصح الضمان حينئذ.
و الإشكال عليه أولا: بأن الصحة متوقفة على ثبوت الولاية للضامن و الأصل عدمها كما ثبت في محله.
مردود، بأن الولاية عبارة عن صحة القيام بالعمل و الإذن من الشارع فيه، و ظهر مما مر صحة كل منهما فتحقق الولاية قهرا و اعتبار الزائد على ذلك مشكوك و منفي بالأصل.
و ثانيا: بأن في مثل الخمس و نحوه تمليك للمستحق و لا وجه لتمليك الضامن فلا يصح ذلك.
و هو مخدوش أولا بأنه لا فرق في الصدقات مطلقا من الزكاة و الخمس فإن استفادوا ذلك من كلمة «اللام» في قوله تعالى فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ۳٥، هنا و بين تلك الكلمة في قوله تعالى إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ۳٦، و المتحصل من مجموع الاثنين في الموردين بيان مصرف المال.
نعم، يتملك المستحق بالأخذ و هذا غير أن يقصد المعطي التمليك كما هو واضح.
و ثانيا: على فرض انه يعتبر التمليك فأي مانع من أن يقصد التمليك بعد كون المورد مأذون من الشارع الذي هو ولى الملك بالعمومات و الإطلاقات التي مرت الإشارة إليها.
و دعوى: أن كلامه هنا مناف لما مر منه قدس سرّه في (مسألة ۲٤) فيمكن دفع المنافاة بأن مراده في (مسألة ۲٤) المال الخاص المعين الذي ليس للمضمون له معرضية أخذه بدون الضمان، و هو غير متحقق في المقام لفرض أن للمضمون له معرضية أخذ الحقوق المنطبقة عليه، و هذا المقدار من الفرق يكفي في رفع التنافي كما هو معلوم.
و توهم انه من صرف الحقوق في الوفاء عن ذمة المالك فلا يصح مطلقا- زكاة كان أو غيرها.
فاسد: لأن ذمة المالك يتصور على قسمين:
الأول: ذمة شخصية من حيث هو.
الثاني: كونه طريقا إلى الوفاء عن ذمة المديون الذي تنطبق عليه الحقوق و لا إشكال فيه و المقام من الثاني دون الأول.
ثمَّ انه لا فرق بين أن يكون ذلك من الضمان الاصطلاحي أو التعهد بالوفاء المنطبق عليه عرفا.
و دعوى: أنه حينئذ يرجع إلى الوعد الذي لا يجب الوفاء به.
مردود، لفرض انه تعهد بذلك، و لفرض صدق الضمان عليه عرفا فكيف يكون هذا وعدا؟!
منشأه انه اختص الضمان بما لا تحقق و لا ثبوت له، فيكون من اشتراط الضمان في مال معين لا وجود له فيبطل.
و فيه: ان محتملات هذا الضمان ثلاث:
الأول: أنه يضمن دينه و يشترط بأن يحصل دينه من الحقوق، و هو صحيح لصحة اشتراط شيء في الضمان.
الثاني: انه في معرض ثبوت الحق معرضية قريبة عرفية، و هو أيضا صحيح، لأنه ليس من ضمان ما لم يجب عرفا.
الثالث: أن لا يكون من هذين القسمين فلا يشترط تحصيل دينه من حقوق غيره، و ليس بنفسه معرضا له و لا يضمن بالذمة المطلقة، و الظاهر البطلان حينئذ فلا يبقي بعد ذلك مورد للإشكال.
لأن له الولاية على الصدقات و الاستيلاء عليها فيصح صدق المضمون له بالنسبة إليه عرفا و شرعا، فتشمله العمومات و الإطلاقات قهرا.
منشأه انه ليس لهم ملكية فعلية أو حق فعلي حتى يصح الضمان، و لكنه مخالف للأدلة الدالة على «أن اللّه تعالى شرّك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال»۳۷، و المشهور ذهبوا إلى أن هذه الشركة شركة عينية خارجية، و ذهب المحققون من متأخر المتأخرين إلى أن الشركة شركة حقية إما بنحو حق الرهانة أو حق منذور التصدق أو نحو حق خاص و متعلقة الكلي في المعين، و قد فصلنا القول في كتاب الزكاة و الخمس فراجع، فلا إشكال في صحة الضمان بناء على الشركة العينية و كذا بناء على الحقية فراجع و تأمل.
المسألة مبنية على أن منجزات المريض في مرض الموت هل تخرج من الأصل أو من الثلث، و فصلنا القول فيها في كتاب الوصية و اخترنا خروجها من الأصل فراجع، و الوجه في صدر المسألة واضح حسب ما ذكره قدّس سرّه.
الفروع الثلاثة المذكورة في هذه المسألة لا تخلو عن أقسام ثلاثة:
الأول: أن تكون اشتراط المباشرة و الأداء من المال المعين و الكلي في المعين من باب وحدة المطلوب دقة حقيقية فلا موضوع للضمان حينئذ لأنه خلف.
الثاني: أن يكون ذلك كله من تعدد المطلوب كما هو الغالب في مثل هذه الأمور عرفا، و الظاهر الجواز.
الثالث: ما إذا شك في أنه من أي القسمين، و مقتضى أصالة الصحة و الإطلاقات و العمومات الحاقة بالقسم الثاني، هذا إذا كانت الخصوصية قيدا لعمل المضمون عنه، و أما إذا كانت قيدا لنظره فلا ريب في صحة الضمان حينئذ فتقع خياطة الضامن بنظر المضمون عنه و أدائه للدين من المال المعين بنظره و وفائه له من الكلي في المعين كذلك.
سيأتي تفصيله في النفقات من كتاب النكاح.
فيكون المقتضي لاشتغال الذمة موجودا و المانع عنه مفقودا فيصح الضمان لا محالة، فإن المتعارف بين الناس انهم يرون أن الزوج مشغول الذمة بالإنفاق على زوجته بما هو متعارف بين طبقاتهم المختلفة.
هذا بناء على الثبوت المستقر أول اليوم ثمَّ السقوط بالنشوز من الأول و لكنه لا دليل عليه، و كذا بناء على الثبوت المتزلزل المراعى بعدم النشوز كما هو المنساق من الأدلة.
و أما الثبوت في الذمة مطلقا أو الثبوت و السقوط بالنشوز من حينه فمقتضى الأصل عدمهما و عدم دليل ظاهر عليهما، و يأتي التفصيل في النفقات في كتاب النكاح إن شاء اللّه تعالى.
مع إحراز عدم النشوز بالقرائن المعتبرة و كون مدة الضمان مدة يسيرة يمكن أن يقال بالصحة لأنه بمنزلة الثابت عرفا، و تقدم في الشرط الثامن من شروط الضمان ما ينفع المقام فراجع.
للأصل و الإجماع و سيرة المتشرعة و عدم قضاء ما فات عنهم من نفقة الأقارب.
و دعوى: ان الأصل هو القضاء في كل حق مالي لآدمي كما عن صاحب الجواهر.
مخدوش، لظهور الكلمات في أنها من مجرد الحكم التكليفي كنجاة النفس المحترمة من الجوع و الهلاكة، و لم يحتمل أحد القضاء لو فات نجاة النفس المحترمة عن شخص.
و بالجملة الاحتمالات ثلاثة:
الأول: ثبوت كونها حقا ماليا لآدمي.
الثاني: الشك في أنها حق أو من مجرد الحكم.
الثالث: ثبوت كونها من مجرد الحكم التكليفي، و مقتضى الأصل عدم القضاء في الأخيرين إلا بدليل صحيح يدل عليه و هو مفقود، و يأتي في أحكام النفقات تتمة الكلام.
لثبوت الإذن الشرعي في الاستقراض في كل منهما فيصير دينا على المنفق و يتحقق موضوع الضمان حينئذ.
وجه الإشكال أن الوجوب التكليفي عن قسمين:
الأول: ما كان تكليفيا محضا غير منوط بالمال كوجوب رد السلام مثلا.
الثاني: ما كان متعلقه المال بحيث يكون الوجوب بدون ملاحظته كاللغو الباطل، و في مثله يمكن أن يقال بالاشتغال في الجملة كما في ما نحن فيه فيتحقق منشأ الاشتغالين التكليفي و الوضعي- في الذمة- في الجملة.
و لكن إرسالهم بأن وجوب نفقة الأقارب تكليفي محض يوجب و هن الإشكال.
و الحاصل أن الإنفاق أقسام ثلاثة:
الأول: ذمي محض فيتبعه الوجوب التكليفي كنفقة الزوجة.
الثاني: تكليفي محض كانجاء النفس المحترمة، إذ لم يتوهم أحد اشتغال الذمة فيه لو ترك.
الثالث: ما هو مشوب بهما كنفقة الأقارب، و هذا وجه حسن ثبوتا و الاستدلال عليه بظواهر الأدلة لو لا إجماعهم على عدم اشتغال الذمة في الأخير، و لكن البحث في اعتبار مثل هذا الإجماع، و يأتي الكلام في أحكام النفقات.
كما عن جمع كثير منهم المحققين و الشهيدين و العلامة، و عن بعض دعوى عدم الخلاف في المطلقة.
بلا إشكال فيه من أحد و يقتضيه العرف و الوجدان.
فيسقط الدين حينئذ بسقوط اعتبار الذمة بعد العجز عن الأداء.
نسب هذا القول إلى الشيخ في المبسوط و وجه ضعفه أنه لا دليل على اعتبار اللزوم و الرجوع إليه في صحة الضمان، و انما المعتبر هو الدين فعلا أو ما هو له معرضية قريبة عرفا.
لأنه لا دليل من عقل أو نقل على بطلانه، و مقتضى أصالة الصحة و الإطلاق صحته كما في ضمان الثمن مثلا في زمن الخيار، فالدليلان باطلان سوآء عد كل واحد منهما دليلا مستقلا للاختلاف الاعتباري الذي يكون بينهما أو أرجع الأول إلى الثاني.
منهم الشيخ و العلامة.
إذا كان قريبا عرفا كما هو الواقع كثيرا بين الناس في هذه الأعصار، و يمكن أن يقال: إن الضمان على الأقسام:
الأول: ما كان تحويلا لذمة المضمون عنه في الدين الفعلي.
الثاني: ما كان كذلك فيما كان له معرضية قريبة للفعلية.
الثالث: ما كان التزاما و تعهدا للمضمون عنه بشيء و الكل صحيح للعموم و الإطلاق و أصالة الصحة، و واقع في الخارج عند العرف، فلا يكون التمسك بالعمومات و الإطلاقات من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك كما عن بعض مشايخنا۳۸ قدس سرّه، و لا موجب للاقتصار على القسم الأول، من عقل أو نقل، فليكن نظائر المقام من القسم الأخير، و ما هو المعروف من أن الضمان: «نقل ذمة إلى ذمة أخرى» انما هو من باب الغالب لا من باب التخصيص.
و من ذلك يظهر أنه يمكن أن يكون نزاعهم في مثل هذه الفروع صغرويا لا أن يكون نزاعا علميا كبرويا.
راجع الشرط الثامن من شروط الضامن.
تبعا لجمع منهم الشيخ و المحقق و العلامة «رحمهم اللّه تعالى» و لا بد من بيان أمور:
الأول: الضمان كسائر عناوين العقود و الإيقاعات من المفاهيم العرفية يدور تحققها مدار الصدق العرفي ما لم يردع الشارع عنه، فمهما يصح صدقه كذلك تشمله الأدلة، و مقتضى المرتكزات صحة العقد، و لا يكون التمسك بالعمومات و الإطلاقات من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك كما مر.
الثاني: الظاهر أن الضمان بأي وجه كان سواء كان ضمانا عقديا أو ضمان اليد لا ربط له بالحكم الشرعي و إن وجب الوفاء في الأول و الأداء في الثاني كما في جميع الوضعيات التي يكون في موردها حكم شرعي، فاحتمال المنع في المقام من هذه الجهة كما نسب إلى جامع المقاصد مخدوش.
الثالث: كما يصح اعتبار الدين في ذمة الضامن و نقله من ذمة المضمون عنه إليها كذلك يصح اعتبار العين في ذمته أيضا، إذ الاعتبار خفيف المؤنة جدا.
و عن جمع من محققي مشايخنا قدّس سرّه في الأعيان المغصوبة و ما يلحق بها إن نفس العين في ذمة الغاصب بشخصها ثمَّ تتبدل إلى المالية مثلا أو قيمة حين الأداء مع التلف أو تعذر رد الشخص أو النوع، فيجوز في المقام اعتبار نفس العين في ذمة الضامن كما في ضمان الدين بلا محذور فيه.
الرابع: تقدم في بيان الشرط السابع من شروط الضمان عدم الدليل على بطلان التعليق في الضمان إلا الإجماع و تحققه في المقام مشكل، لذهاب، جمع إلى الصحة، مع أنه في الواقع من التعليق على مقتضى العقد، و منه يظهر المناقشة في دعوى الإجماع في أصل المسألة، فلا دليل على بطلانه من هذه الجهة أيضا، مع أن معنى الضمان هو التعهد و هو فعلي مطلقا و التعليق انما هو في أثره لا في ذات التعهد كما لا يخفى، و في مثله لا دليل على البطلان أصلا بل هو واقع في العقود كثيرا كالجعالة و السبق و الرماية و السلف و النسيئة و غيرها.
الوجوه المحتملة ثلاثة:
الأول: ضمان العين بمعنى تعهد ردها عينا مع البقاء ورد ماليتها مع التلف، و المالية إما بالمثل أو بالقيمة فيتحقق الضمان أولا و بالذات بالعين و مع التلف بالبدل.
الثاني: تعهد المثل أو القيمة إذا تلف فتعلق الضمان أولا و بالذات بالبدل لكن في ظرف تلف العين.
الثالث: ضمان المالية المتحققة في العين و البدل طولا، و الفرق بينه و بين الوجه الأول أن في الوجه الأول تعلق العهد أولا و بالذات بنفس العين الشخصية بخلاف الوجه الأخير فإنه تعلق بالمالية المتحققة بخصوص العينية.
تارة: و بالبدل.
أخرى: بحيث يكون التقييد داخلا و القيد خارجا.
و كل هذه الوجوه ثبوتا لا محذور فيه و يأتي التعرض للإشكالات و الجواب عنها.
هذا هو الإشكال الأول، كما أن قوله رحمة اللّه: «من ضم ذمة إلى ذمة أخرى» هو الإشكال الثاني، و قوله رحمة اللّه: «من ضمان ما لم يجب» هو الإشكال الثالث، و قد ذكر هذه الإشكالات في جامع المقاصد و المسالك و غيرهما؛ و قد ذكر إشكال أنه حكم شرعي لا يقبل الضمان و ليس بحكم وضعي و هو من مجرد الادعاء كما مر، و كل هذه الإشكالات مخدوشة:
أما الأول: فلإمكان اعتبار العين في العهدة سواء كانت عهدة شخص أو أشخاص طولا كما في الأيادي المتعاقبة و توهم: انه يلزم وجود شيء واحد في محلين لأن العين موجودة في الخارج فلو وجدت في الذمة يلزم المحذور.
مدفوع: بأنه لا محذور في تعدد الوجود إذا كان بالاختلاف كما في الوجود الخارجي و الذهني و الاعتباري، و في المقام أحد الوجودين خارجي و الآخر اعتباري فلا محذور من هذه الجهة، و لا ينافي ذلك كون الضمان نقل الحق من ذمة إلى أخرى لعدم المنافاة بين المثبتين بعد كونهما موافقا للعرف و الاعتبار، و كون الغالب فيه كونه نقل الحق لا يوجب تقوم حقيقته به مع إمكان تصوير التعميم فيه، و هذا الإشكال عام في جملة من عناوين العقود التي عرّفت، بما هو الغالب فيها، مع أن حقائقها أعم منه و قد تقدم نظيره في أول كتاب البيع.
أما الثاني: فإن كان ذلك عرضيا لا يصح عندنا، و إن كان طوليا كما في الأيادي المتعاقبة فلا محذور فيه، و قد تقدم في (مسألة ۲٦).
أما الأخير فقد مر غير مرّة أنه مع المنشائية القريبة العرفية ليس من ضمان ما لم يجب عرفا و إن كان كذلك دقة و لكن الشرعيات ليست مبنية على الدقيات.
أما الإشكال على التمسك بالعمومات بأنه من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك فلا وجه له، لفرض أن العرف يراه ضمانا، فالموضوع محرز عرفا و الأدلة منزلة عليه.
و أما الإشكال على النبوي: «الزعيم غارم»۳۹، بخبر حسن بن خالد قال:
«قلت لأبي الحسن عليه السّلام جعلت فداك قول الناس الضامن غارم. فقال عليه السّلام: ليس على الضامن غرم الغرم على آكل المال»4۰، فالمراد به استقرار الغرم عليه لا نفي تحقق الغرم و لو في الجملة ثمَّ صحة الرجوع فيما غرم إلى المضمون عنه، فإن الغرم في الجملة الضامن مقوم حقيقة الضمان كما هو معلوم فلا تنافي بين النبوي و الحديث.
فيصح جعل النبوي من أدلة الضمان بعد شهادة نفس الكلام بصدوره عنه صلّى اللّه عليه و آله.
بعد ما تقدم في الشرط السابع من صحة كون الضمان في ضمان الأعيان المضمونة فعليا و آثاره تعليقيا يصير هذا من الضمان المصطلح و لا إشكال فيه.
خصوصا إذا كانت له معرضية قريبة عرفا.
الظاهر أن تلك الموارد هي التي تكون فيها المعرضية العرفية بحيث لا يتشكك المتعارف في صحة الضمان فيها.
هذا، و أما الإشكال على ضمان الأعيان المضمونة بأنه لا وجه له أصلا، لأن هذا الضمان إما بمعنى الوعد بالوفاء أو بمعنى التزام الوفاء عمن وجب الوفاء عليه شرعا، فإن كان المراد به هو الأول فلا ريب و لا إشكال في أن مورد الوعد لا يجب الوفاء فيخرج عن موضوع الضمان قهرا، فإن كان المراد به هو الثاني فهو مثل ما إذا التزم أحد بإتيان الفريضة اليومية عن شخص آخر، و لا ريب في عدم صحته و عدم السقوط عن الآخر و عدم كفاية إتيان الضامن فلا معنى للضمان على التقديرين أصلا.
فاسد: لأنه خلط بين الحكم التكليفي و الوضعي، إذ لا ريب في عدم صحة الضمان في مورد الأحكام التكليفية العينية بالنسبة إليها، و أما إذا كانت في المورد جهة وضعية فلا إشكال في صحة الضمان كذلك فيجب على المضمون عنه الخروج عن تلك الجهة الوضعية، كما يصح الضمان بالنسبة إليها توثيقا للوفاء و الأداء بعد كون الضمان كالرهن على الشيء من جهة و إن كان غيره من جهات.
ادعى في الجواهر: عدم الإشكال و الخلاف فيه، و نسبه في التذكرة إلى علمائنا معللين بأنه غير مضمونة العين و لا مضمونة الرد فلا موضوع للضمان فيها.
و فيه: أن دعوى عدم الخلاف و النسبة إلى العلماء (رحمهم اللّه) مع ما ذكروه من التعليل يكشف عن استنادهما إلى العلة المذكورة لا أن يكون إجماعا تعبديا، و أما العلة فصحيحة لا بأس بها؛ و لكن يتصور الضمان فيها.
تارة: بلحاظ عدم موجب الضمان أصلا و الحق معهم لأن ما لا يتصور فيه موجب الضمان يكون الضمان لغوا حينئذ.
و أخرى: يلحظ مع لحاظ موجبه و لا مانع حينئذ من عقل أو نقل من صحة اعتبار هذا الضمان فيرجع إلى الضمان الفعلي التعليقي الأثر، و لا محذور فيه أصلا و شمول إجماعهم- على فرض تحققه- لمثله مشكل بل ممنوع.
أى: بلحاظ الطواري الموجبة للضمان، و قد ظهر صحته مما قلنا آنفا، فلا وجه للإشكال عليه كما عن جمع من مشايخنا (رحمهم اللّه) لعدم الموضوع للتمسك بالعمومات أو التشكيك فيه فكيف يتمسك فيه بالعمومات؟! و فيه: بعد إمكان فرض صحته فيكون الموضوع عرفي يصح التمسك فيه بالعمومات.
و خلاصة المقام لنا أن نقول: بصحة الضمان في كل ما فرض فيه غرض صحيح غير منهي شرعا، و ضمان الأعيان المضمونة و الغير المضمونة يمكن أن يكون فيها غرض صحيح بل هو كثير الوقوع في المسائل المستحدثة العصرية.
كما عن جمع منهم صاحب الجواهر، و عن الشهيد و المحقق الثانيين دعوى اطباق الناس عليه.
يعنى يتعهد الضامن تدارك الثمن للمشتري عند عروض العوارض المذكورة و خوف المشتري أن يذهب ثمنه الذي أعطاه إلى البائع.
نسب ذلك في مفتاح الكرامة إلى أكثر الكتب ما عدى المبسوط و الشرائع و اللمعة، و في الوسيلة و التذكرة و التحرير بأنه يصح مع قبض الثمن و لا يصح مع عدمه، و في الجواهر: «أن مراد من لم يصرح به هو ما صرح به الأكثر من التقييد» ضرورة عدم دخوله في عهدة البائع الذي هو المضمون عنه إلا بقبضه.
منهم الشيخ و المحقق و الشهيد كما مر و حمل صاحب الجواهر إطلاق كلامهم على أن مرادهم ما نسب إلى الأكثر و لم يتعرضوا له لوضوحه.
لأن هذا نحو تأمين و استيثاق من المشتري لحفظ ماله عن التلف و الضياع عند ظهور كون المبيع مستحقا للغير، و لا مانع عنه من عقل أو شرع أو عرف بعد أن كان من لوازم الضمان الاستيثاق عرفا، و كون الغالب فيه انتقال الحق من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن لا يوجب تخصص ذاته و حقيقته التي تكون أوسع من الغالب بخصوص مورد الغلبة.
نسب هذا القول إلى جامع المقاصد و منشأ الاستثناء ذهاب الأكثر إلى صحته و إطباق الناس عليها مع اختلافهم في ضمان الأعيان المضمونة مع صدق التعهد و الالتزام في المقام- كما مر في شرح المسألة السابقة- و الجامع العنواني القريب العرفي بين الأقسام الثلاثة التي تعرضنا لها هناك هو الضمان و التعهد و لا وجه لجعل ضمان الدرك مغايرا للقسمين الأخيرين كما فعله في المسالك، فراجع و تأمل فإنه رحمه اللّه لم يأت بدليل صحيح على المغايرة.
هذا الاختلاف في فروع هذه المسألة و نظائرها لفظي بينهم فكل من يقول بعدم صحة الضمان فيما لا يجب مطلقا لا بد له من القول بعدم صحة الضمان في جميع هذه الموارد، و من يقول بصحته لا بد له من القول بالصحة في الجميع، و حيث قلنا بالصحة فيما له منشئية قريبة عرفا و غرض صحيح شرعي في البين للثبوت و ذلك لإقدام المتعارف عليه و عدم الاستنكار منهم له فيصح في الجميع، و لا نحتاج حينئذ إلى إطالة البحث في كل فرع مستقلا فإن المناط كله وجود غرض فيه غير منهي عنه شرعا- كما تقدم- فمع وجوده تشمله الأدلة قطعا و مع عدمه لا موضوع للضمان قهرا.
هذه الدعوى مكررة في كلماتهم الشريفة و هي أساس ما أفتوا به من عدم صحة الضمان في أمثال هذه الموارد، و لعلهم أرادوا بقولهم: «ما لم يجب» أي: ما لم يجب فعلا و لا استعدادا و هو صحيح بلا إشكال فيه، و لكن لو أرادوا عدم الوجوب الفعلي مع الثبوت الاقتضائي الاستعدادي فهو مخالف للوجدان و العرف، بل العقل أيضا و الظاهر أنهم لا يقولون به و إن كانت عباراتهم مطلقة في الشمول لهذه الصورة أيضا.
يظهر وجه الصحة فيه فيما مر.
و أما ما يقال: من الضمان في جميع ذلك ليس من الضمان المصطلح لعدم المضمون عنه فيها فعلا فمخدوش لأن العنوان الاعتباري كاف ما دام يصح الاعتبار عرفا كما في سائر الاعتباريات، و لا ريب في صحة اعتبار المضمون عنه بالنسبة إلى المشتري و البائع في المقام.
لعدم جواز المقتضي للرجوع إليه بالنسبة إلى الجميع، لكون الضمان مقيدا بما ظهر، مستحقا للغير و هو البعض دون الجميع، و بهذا يدفع الإشكال عن الماتن بما ذكره بعض الشراح من أن مقتضى مبني الماتن رحمه اللّه حيث قال بصحة الضمان في المقام هو صحة الرجوع إلى الجميع. وجه الدفع أن الضمان مقيد في الواقع بما ظهر مستحقا للغير بعضا كان أو جميعا.
كل من منع عن صحة هذا الضمان علل عدم الصحة بذلك فالنزاع في هذه المسألة أيضا لفظي فمن يذهب إلى صحة ضمان ما لم يجب مع وجود المعرضية القريبة العرفية يقول بالصحة، و من لا يقول بها لا بد له من القول بالبطلان فلا وقع لمثل هذا النزاع، و لا وجه للتعبد بقول المشهور بعد مساعدة العرف و الاعتبار على خلافه.
نسب عدم الصحة إلى الشيخ رحمة اللّه و جمع من متأخر المتأخرين و استدلوا لعدم الصحة بأمور:
الأول: انه من ضمان ما لم يجب.
الثاني: انه لغو و تحصيل للحاصل لثبوت الضمان بحكم الشرع فلا وجه له حينئذ فيكون مثل الضمان الشخص عن نفسه.
الثالث: استنكار العرف لذلك و عدم كفاية تعدد الجهة لتعدد الضمان هذه هي الأدلة التي استدل بها لعدم الصحة.
و الكل باطل أما الأول: فلما مر مرارا من أنه لا دليل من عقل أو نقل على هذه القاعدة بنحو الكلية خصوصا إذا كانت في البين معرضية قريبة للثبوت بحيث يراه العرف كأنه ثابت.
و أما الثاني: فلا إمكان فرض الثمرة كما ذكر في المتن تبعا للمسالك و ضمان الشخص عن نفسه لا بأس به إذا فرض فيه غرض عقلائي.
و اما الأخير: فلا استنكار من العرف بعد توجهه إلى الثمرة في الجملة.
و أما دعوى: عدم كفاية تعدد الجهة بالنسبة إلى شخص واحد فهو من مجرد الدعوى بعد كون الاعتباريات قابلة لكل اعتبار ما لم يمنع عنه العقل أو الشرع، فيصير المقام مثل: من نذر إتيان ما ثبت عليه وضعا أو تكليفا، و التعدد الاعتباري يكفي في الاعتباريات مطلقا و لا نحتاج إلى القول بالتأكيد.
فلا موضوع حينئذ لتوهم كونه من ضمان ما لم يجب لفرض وجود السبب و تحققه.
لكون كل منهما، أمران مستقلان و لا تلازم بينهما ثبوتا و سقوطا فيصح ثبوت أحدهما و سقوط الآخر.
هو صاحب الجواهر قدس سرّه.
الجهة الأولى: حاصلة من الالتزام الطبيعي الذي التزم على نفسه بجميع ما يتعلق به من الغرر و الدرك لا ربط بالتسليم.
و الثانية: تحصل بعقد الضمان المستأنف و التعدد الواقعي الحاصل بينهما لاختلافهما وجدانا، و كذا اختلاف الأثر بينهما أيضا.
نعم، موضوعهما ذمة واحدة كما مر في نذر شخص ما ثبت عليه وضعا أو تكليفا.
و أشكل عليه بأن الجهة تعليلية و الجهة التعليلية لا توجب التعدد في المتعلق فلا أثر لتعدد مثل هذه الجهة.
نعم، لو كانت الجهة تقييدية يكون لها أثر لتعددها واقعا كما هو معلوم.
و فيه: منع كونها تعليلية حقيقية دقية في مثل هذه الأمور الاعتبارية العرفية القابلة لأي اعتبار و فرض صح أن يفرض، فيدور ذلك مدار صحة الاعتبار بأي وجه اعتبر و لا وجه لخلط الدقيات العقلية بالاعتباريات العرفية، و لنا أن نرجع في نفي التعليلية إلى الأصل فنقول: أصل تعدد الجهة اعتبارا معلوم و نشك في خصوصية التعليلية و المرجع فيها الأصل، كما في سائر القيود و الخصوصيات المشكوكة.
لعموم أدلة الشروط الشامل لكل شرط لم يقم على خلافه دليل.
و توهم أن الضمان ليس من الماهيات التشكيكية حتى يقبل التأكيد خلاف الوجدان فأين ضمان الملك للرعية و ضمان بعضهم لبعض، مع أن عدم التشكيك في الماهية محل بحث و نظر كما هو معلوم لأهل الخبرة و البصر.
ادعى جمع إجماع المسلمين عليه منهم الشيخ و العلامة (رحمهم اللّه) و استثنوا أبا ثور و لم يعتنوا بخلافه لشذوذه و تعرضوا لأصل المسألة في كتب الفريقين في كتاب الضمان و الديات و غيرهما بالمناسبات، و كبرى المسألة أن الضمان هل يختص بنقل الحق الثابت كما هو الغالب فيه أو يعم جميع التعهدات التي فيها أغراض عقلائية، و قد تكرر منا مرارا أن الحق هو الثاني لأصالة الصحة و عموم قوله تعالى أَوْفُوا بِالْعُقُودِ4۱ و عدم دليل على الردع.
لا دليل لهم على عدم الصحة إلا أن الضمان إنما هو نقل الحق و لا ريب في أنه الغالب فيه، و أما كونه مقوما لحقيقة الضمان فلا دليل عليه من عقل أو نقل، و الأدلة الشرعية المشتملة على النقل إنما هو تعرض للغالب لا لبيان الذات و الحقيقة كما هو واضح لذوي البصيرة، فالمدار كله على وجود الغرض الصحيح الغير المنهي عنه فمع وجوده يصح و مع العدم لا يصح.
و يمكن إرجاع نزاعهم في الصحة و عدمها إلى النزاع الصغروي.
هذا إذا قال: «الق متاعك في البحر و علي ضمانه»، أو نحو ذلك مما فيه أغراض عقلائية، و أما لو قال: «الق متاعك في البحر» مثلا و اقتصر عليه و لم يقل «علي ضمانه» فادعي الإجماع على عدم الضمان حينئذ و هو مشكل جدا، و أشكل منه تمسكهم بالأصل و ذلك لأصالة احترام المال و حصول التسبيب منه إلى تلفه، و يمكن حمل مورد الإجماع على فرض اعتباره ما إذا لم يكن الآمر أهلا لأن يتبع أمره وعد الإلقاء من تسامح المأمور عرفا فلا موجب للضمان حينئذ، لفرض استناد التلف إلى نفس المالك حينئذ.
و أما تنظير المقام بقصة الخضر عليه السّلام فلا ربط بها لأن قصة الخضر من الأسرار الواقعية و ما نحن فيه في التشريعيات فلا ربط لأحدهما بالآخر، و لذلك أشكل موسى عليه السّلام على الخضر لأن موسى كان مراعيا للشرع و الخضر كان مراعيا للإسرار الباطنية في الجملة.
هذا كالتخليص لجملة من المسائل السابقة، و كل ما ذكره قدس سرّه في التتمة صحيح لمساعدة العرف و عدم استنكاره لها و عدم ثبوت ردع شرعي عنها فالمقتضي للصحة موجود و المانع عنها مفقود فتشملها الأدلة لا محالة كما تقدم.
أي: قول المنكر لأصالة عدم تحقق الضمان و أصالة بقاء ما كان على المضمون عنه و عدم انتقاله إلى ذمة ما لم يثبت بحجة معتبرة، و المفروض عدم الثبوت.
فيقدم قول المنكر أيضا، لعين ما تقدم في سابقة من غير فرق من أصالة عدم الضمان و أصالة بقاء الدين، و لا مانع من جريان الأصل السببي و المسببي معا إذا لم يكن بينهما تمانع و إن اختلف رتبتهما إذ السببي مقدم على المسببي كما فصل في محله.
لأصالة الصحة و اللزوم، مع أن مقتضى الظاهر أن المعسر لا يقدم على الضمان هذا مع الجهل بالحالة السابقة، و أما إذا كان مسبوقا بالإعسار و اليسار فمقتضى الأصل بقائهما، و لكن مع سبق الإعسار يمكن أن يقال بجريان أصالة الصحة و تقدمها على الاستصحاب ما لم تكن قرينة على الخلاف.
لأصالة عدم جعل الخيار في الأول و أصالة الصحة في الثاني.
لأصالة عدم اعتبار كل ما يدعيه المضمون له في جميع هذه الفروع إلا أن يثبت ذلك بحجة معتبرة، و المفروض عدمها فيقدم قول الضامن لا محالة لمطابقته للأصل.
لأصالة عدم اعتبار كل ما يدعيه الضامن في جميع هذه الفروع إلا أن يثبت دعواه بحجة معتبرة و المفروض عدمها، فيقدم قول المضمون له لا محالة لمطابقته للأصل.
لأصالة عدم اعتبار كل ما يدعيه الضامن إلا إذا ثبت بحجة معتبرة و هي مفقودة فيقدم قول المضمون عنه لمطابقته للأصل.
ثمَّ ان في دعوى الضامن الوفاء إن صدقه المضمون له احتمل العلامة إلزام المضمون عنه بالأداء لأن المضمون له أقر بالوفاء فيؤخذ بإقراره، و فيه: أن هذا الإقرار بالنسبة إلى الغير لا أثر له فلا اعتبار به فيبقى دعوى الضامن حينئذ بلا حجة معتبرة على ثبوته و الأصل مع المضمون عنه فيقدم قوله.
ثمَّ ان نزاعهما في اشتراط شيء على المضمون عنه لا بد و إن يتصور في ضمن عقد آخر و الا فهو ليس طرفا في عقد الضمان حتى يشترط عليه و في ضمنه، فإطلاق كلام الماتن لا بد و إن يقيد بذلك.
لأصالة عدم تحقق الضمان و عدم الزيادة إلا إذا ثبت بحجة معتبرة من طرف المضمون عنه، و المفروض عدمه.
حق المسألة أن تقرر هكذا «لو ادعى المضمون له ضمان شخص و أنكره الضامن و أثبت المضمون له ذلك بالبينة ..»، فالمأخوذ باق على ملك الضامن و لم يخرج عن ملكه لأن خروجه عنه لا بد و أن يكون بوجه معتبر، و البينة التي يعترف كل من الضامن و المضمون عنه ببطلانها كيف تكون ملزمة للحكم بينهما، و مع بقاء المال على الملك الضامن و عدم خروجه عنه و ورود الظلم عليه باعترافه كيف يتوهم صحة رجوعه إلى المضمون عنه المنكر للإذن أو أصل الدين؟! إن قيل: أن البينة حجة شرعية؛ فإذا شهدت بالضمان تثبت لوازمها، و منها الرجوع إلى المضمون عنه تعبدا.
يقال: مع اعتراف الضمان بأن الظلم ورد عليه كيف تكون البينة حجة بالنسبة إليه مع أن حجية البينة في لوازمها مطلقا محل بحث.
حق هذا الفرع أن يعنون هكذا: «لو أنكر الضامن و اعترف بالإذن في الأداء بلا ضمان، و صدقه المضمون عنه في ذلك مع اعترافه بأصل الدين، و استوفى المضمون له الحق من الضامن بالبينة يجوز للضامن الرجوع إلى المضمون عنه»، و دليل صحة الرجوع حينئذ واضح لفرض أن المضمون عنه استوفى مال الضامن بسبب إذنه في الأداء، و لا ريب في أن الإذن في الأداء استيفاء المال الغير عرفا و شرعا، و لا يحتاج الاستيفاء إلى عقد لازم و وجوب الأداء على المؤدي، و قد جرت السيرة على استيفاء أموال الغير و أعمالهم بمجرد الإذن ثمَّ دفع العوض و يصير وجود السببية لغو لثبوت الحق بتوافقهما على الإذن و الأداء.
نعم، لو أنكر المضمون عنه الأداء تصير البينة حجة عليه.
أخذا له باعترافه حيث يعترفه بالدين؛ و الإذن في الضمان تضمن للإذن في الأداء أيضا ما لم تكن قرينة على الخلاف عرفا.
إن قيل: أولا أن الإذن في الضمان أعم من الإذن في الأداء فلم يتحقق منه تسبيب لاستيفاء مال الضامن.
و ثانيا: إن الضامن يدعي الإذن في الأداء بلا ضمان فيعترف بعدم استحقاقه للرجوع إلى المضمون عنه فكيف يصح الرجوع حينئذ.
يقال: أما تضمن الضمان للإذن مع عدم القرينة على الخلاف، فالظاهر كونه من الانسباقيات العرفية.
و أما دعوى الضامن الإذن في الأداء بلا منافاة بينهما كما ذكره قدس سرّه، و يكون المقام نظير المثال الذي ذكره فلا يبقى مجال لتوهم أن هذا الأداء كالعدم فلا وجه للرجوع.
أما بيان موضوع المقاصمة في المقام فهو أن المضمون له ظلم على الضامن فيجوز للمظلوم أن يقاص من مال الظالم أين ما وجده لما يأتي إن شاء اللّه تعالى في كتاب القضاء من الأدلة على جوازه عند تعذر وصول المظلوم إلى حقه إلا بذلك مثل قوله تعالى جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها4۲، و قوله تعالى:
فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ4۳، و أخبار مستفيضة تأتي الإشارة إليها في محله، و حيث إن مال المضمون له عند المضمون عنه، يصح للضامن أخذه مقاصة.
إن قيل: المقاصة مختصة بالعين و لا تشمل الدين و على فرض جريانها فيه أيضا، فما وجه اختصاصها بهذه الصورة فلم لا تجري في الصورة السابقة التي جزم فيها بقوله: «جاز له الرجوع عليه».
يقول: أما اختصاص المقاصة بالعين فهو خلاف إطلاق الآيات الكريمة و جملة من الأخبار44.
نعم السؤال فيها هو العين و هو لا يكون مخصصا للحكم كما ثبت في محله، مع أنه يظهر عن جمع منهم العلامة رحمه اللّه ظهور التسالم على جوازها في الدين.
و أما اختصاصها بهذا الفرض فقط فلأنه في الفرض السابق اعترف المضمون عنه بالدين و الإذن في الضمان فيؤخذ باعترافه، و مع هذا الاعتراف لا يبقى موضوع للمقاصة لأن موضوعها الجحود و المماطلة و هو غير جاحد و لا مماطل، فلا موضوع لها حينئذ في الفرع السابق بخلاف المقام، و سيأتي ما يتعلق بالمقاصة في تاب القضاء.
بناء على شمول عموم حجية البينة لما شهدت بالجنس أو النوع أو الشخص.
وجه الإشكال. تارة: أن المنساق من أدلة اعتبار الشهادة خصوصا مثل قوله عليه السّلام: «على مثل هذا فاشهد أو دع»4٥، هو ما إذا كان شخصا خاصا أي الشهادة بتمام الحدود و القيود دون غيرها.
و يرده بأن إطلاق أدلة الشهادة و عمومها يشمل ما لو كان النوع أو الجنس موردا للأثر و شهدت بالجنس و إن اختلفا في الصنف مثلا، كما إذا شهدا بأصل النجاسة و قال أحدهما أنها لملاقاة الدم و قال الآخر انها لملاقاة العذرة مثلا، فيثبت الأثر حينئذ هذا إذا لم ينف كل منهما قول الآخر و الا فيشكل الاعتماد عليها حينئذ.
و أخرى: بأن المشهود به هو نفس الإذن من حيث هو و لا أثر له مع أن المشهود به لا بد و أن يكون له أثر شرعي، و يرده بأن الأثر هو التسبيب لاستيفاء مال الضامن له فيجب تداركه عليه كما تقدم.
لكنه أوهن من السابق لأن الجامع القريب و هو الدين موجود و له أثر معلوم.
لعدم ثبوت الوفاء بوجه شرعي بل مقتضي الأصل عدمه فلا موجب للرجوع.
أما جواز الرجوع فلأخذه بإقراره و اعترافه.
و أما قبول شهادة المضمون عنه للضامن بالأداء فلعموم أدلة قبول الشهادة مع عدم المانع عنه، مع أن ظاهرهم التسالم عليه في المقام.
كما هو كذلك في جميع الشهادات مع اقترانها بالمانع كما يأتي في محله إن شاء اللّه تعالى، و المرجع متعارف ثقات المتشرعة فمع حكمهم بها لا اعتبار بالشهادة، و الظاهر أن من التهمة ما إذا كان الضامن معسرا و لم يعلم المضمون له بإعساره و حينئذ يصح له الفسخ و الرجوع إلى المضمون عنه مع عدم ثبوت الأداء فيدفع المضمون عنه بشهادته رجوع الدين إلى ذمته.
لأن الإذن في الوفاء استيفاء المال الغير عرفا فلا بد له من التدارك إذا كانت قرينة معتبرة في البين على العدم.
أي: أنكر المديون صدور الإذن منه في الأداء قبل قول المأذون، لأنه أمين من قبل المديون و الدليل على قبول قول الأمين سيرة المتشرعة بل العقلائية الجارية في جمع الموارد و قاعدة «كل من استولى على شيء فقوله معتبر فيما استولى عليه».
لما مر في سابقة.
لأن الإذن كان مقيدا بالإشهاد فإذا انتفى الإشهاد ينتفي الإذن أيضا لقاعدة: «الشرط ينتفي بانتفاء المشروط».
هذا صحيح إن علم المديون من نفسه أن غرضه كان ذلك، و أما إن كان غرضه من الإشهاد شيء آخر من الأغراض الصحيحة العقلائية فلا وجه لهذا التعليل فيكون الإذن منتفيا لما مر من انتفاء المقيد بانتفاء قيده.
و الحمد للّه رب العالمين.