هذا الحصر استقرائي، و يدل على وجوب كل واحد من الأقسام أدلة خاصة كما سيأتي.
و هم ثلاثة: (۱). الأول: أهل الحرب. الثاني: أهل الكتاب (۲) إذا أخلّوا بشرائط الذمة. الثالث: البغاة من المسلمين على الإمام عليه السّلام، و يلحق بهم مانعوا الزكاة و إن لم يكونوا مستحلّين (۳).
و هم اليهود، و النصارى، و المجوس.
لما يأتي من الدليل على كل ذلك إن شاء اللّه تعالى.
(مسألة ۱): يجب على المسلمين غزو أهل الحرب لنقلهم إلى الإسلام، و غزو من أخلّ بشرائط الذمّة من أهل الكتاب لأن يعملوا بها، و غزو البغاة، و كل من هجم على بلاد الإسلام على وجه يخشى منهم على الإسلام و المسلمين (٤).
كل ذلك بضرورة فقه المسلمين إن لم تكن من ضرورة مذهبهم، مع ما تقدم من العمومات، و الإطلاقات من الآيات و الروايات.
(مسألة ۲): يجب الابتداء بمحاربة هؤلاء مع الشرائط (٥) و ليست محاربتهم محدودة بحدّ خاص و عدد معيّن بل كل ما اقتضت المصلحة ذلك وجبت (٦). و لو بدأوا بالمحاربة تجب المدافعة معهم بالأولى (۷).
لتعاضد الكتاب و السنة، و المعلوم من سيرة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و من شدّة المواظبة، و الحث عليه حتى تكرّر ذلك منه صلّى اللّه عليه و آله و هو في النزع خصوصا في جيش أسامة بن زيد۱، و قد أرسل ذلك كله في الجواهر إرسال المسلّمات.
لإطلاق الأدلة، و عمومها الشامل للمرّة و المرّات مع وجود المصلحة و اقتضاء نظر وليّ الأمر ذلك، و ما يظهر من الشرائع من أنّ أقلّه في عام مرّة إنّما هو مع اقتضاء المصلحة ذلك لا فيما إذا اقتضت التكرر و لو في عام واحد مرّات.
لما تقدم من الأدلة الدالة على وجوب مطلق المدافعة فضلا عن مثل المقام.
(مسألة ۳): لو اقتضت المصلحة مهادنتهم وجبت (۸).
لأصالة الاحترام في النفوس و الأعراض و الأموال إلا إذا انحصر الطريق في المحاربة، و قد صالح النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع قريش بإجماع المسلمين و اتفاق تواريخهم۲.
(مسألة ٤): تجب أن تكون المصلحة و المهادنة بنظر ولي الأمر بجميع جهاتها و خصوصياتها (۹).
لقصور غيره عن القيام بهذا الأمر الذي له معرضية للخطر القريب على المسلمين سيّما مع غلبة الفتنة و المكر و الخديعة على الناس فلا بد من قيام المعصوم عليه السّلام لذلك أو نائبه المنصوب من قبله الذي يترصد المعصوم عليه السّلام لأعماله و أقواله و جميع خصوصياته. و في عصر الغيبة يتصدّى ذلك من جمع الشرائط التي قدّمنا الإشارة إليها فإنّه أيضا مؤيد من عالم الغيب لاقتضاء اتصافه بتلك الصفات ذلك.
(مسألة ٥): لو أراد الكفار الاستيلاء على بلاد المسلمين- أو بعضها مع عدم تدخلهم في نفوس المسلمين و أعراضهم و أموالهم، و دينهم، بل إبقائهم على إقامة شعائر الإسلام و العمل بأحكامه و عدم تعرضهم لذلك بوجه من الوجوه يشكل وجوب جهادهم حينئذ (۱۰).
لأنّ الشك في الوجوب يكفي في عدمه في مثل هذه المسألة التي فيها المعرضية لإيقاع النفس في التهلكة قال في الجواهر: «نعم، قد يمنع من الوجوب بل قد يقال بالحرمة لو أراد الكفار ملك بعض بلاد الإسلام أو جميعها في هذه الأزمنة من حيث السلطة مع إبقاء المسلمين على إقامة شعائر الإسلام و عدم تعرضهم في أحكامهم بوجه من الوجوه، ضرورة عدم جواز التغرير بالنفس من دون إذن شرعيّ بل الظاهر اندراجه في النواهي عن القتال في زمن الغيبة مع الكفار في غير ما استثني».
- الكامل لابن الأثير ج ۲ صفحة ۳۱۸- ۳۳4 ط- بيروت: ۱۹٦٥.
- راجع الكامل لابن الأثير ج ۱ صفحة: ۲۰۰.