لظهور تسالمهم عليه من غير خلاف يعرف بينهم، و المراد بالمالك من بيده الأرض و من أستولى عليها فعلا و آجرها إلى المستأجر، و إلا فالأراضي الخراجية ملك للمسلمين لمن كان منهم موجودا حين الفتح و من سيوجد إلى يوم الدين، و المراد بالأرض الخراجية ما كانت محياة حين الفتح، و قد تقدم أقسام الأرضين و أحكامها في كتاب البيع۱.
فيها مسائل: الأولى: خراج الأرض المستأجرة في الأراضي الخراجية على مالكها (۱). و لو شرط كونه على المستأجر صح على الأقوى (۲) و لا يضر كونه مجهولان حيث القلة و الكثرة لاغتفار مثل هذه الجهالة عرفا، و لإطلاق بعض الأخبار (۳).
لعموم أدلة الشرط الشامل للمقام و ظهور الاتفاق و السيرة. و أشكل عليه.
تارة: بالجهالة و جوابه ما ذكر في المتن مع أن الخارج معلوم غالبا و لو كان تفاوت فهو يسير قابل للمسامحة، مضافا إلى أن الجهالة في الشرط و الإجارة مغتفرة في الجملة.
و أخرى: بأن مورد الحق شرعا هو المؤجر فهذا الشرط يكون مخالفا للسنة.
و فيه. أولا أن كون مورد الحق هو المؤجر إنما هو بنحو الاقتضاء لا بنحو الانحصار، فيصح توجيه إلى الغير، و ثانيا أن مفاد الشرط هو أداء ما على صاحبه لا أن يكون مفاده توجيه الخطاب و التكليف الشرعي إليه حتى يكون مخالفا للسنة.
كصحيح ابن سرحان عن الصادق عليه السلام: «الرجل تكون له الأرض عليها خراج معلوم و ربما زاد و ربما نقص فيدفعها الى رجل على أن يكفيه خراجها و يعطيه مائتي درهم في السنة، قال عليه السلام: لا بأس»۲، و نحوه صحيح ابن شعيب۳، و هما ظاهران بل نصان في التردد بين الأقل و الأكثر و انه لا بأس به، و يدل عليه أيضا إطلاق صحيح يعقوب بن شعيب الآخر، عن الصادق عليه السلام قال: «سألته عن الرجل تكون له الأرض من أرض الخراج فيدفعها إلى الرجل على أن يعمرها و يصلحها و يؤدي خراجها فما كان من فضل فهو بينهما؟ قال عليه السلام: لا بأس»4، و خبر ابن ميمون «سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قرية لأناس من أهل الذمة لا أدري أصلها لهم أم لا، غير أنها في أيديهم و عليه إخراج فاعتدى عليهم السلطان، فطلبوا إليّ فأعطوني أرضهم و قريتهم على أن أكفيهم السلطان بما قل أو كثر، ففضل لي بعد ذلك فضل بعد ما قبض السلطان ما قبض قال عليه السلام: لا بأس بذلك لك ما كان من فضل»٥، و نحوهما غيرهما و إطلاقها يشمل ما إذا كان الخراج شرطا أو عوضا، كما أن إطلاقها تشمل الإجارة و المزارعة.
الثانية: لا بأس بأخذ الأجرة على قراءة تعزية سيد الشهداء و سائر الأئمة صلوات اللّه عليهم (٤)، و لكن لو أخذها على مقدماتها من المشي إلى المكان الذي يقرأ فيه كان أولى (٥).
لأصالة الصحة و إطلاقات الأدلة بعد تحقق جميع شرائط الإجارة التي منها تعيين كيفية القراءة و كميتها، و لو بحسب العادة المعروفة من القارئ.
تنزها عن المشاعر المذهبية عن تلوثها بالماديات الجسمانية، و لاحتمال الجهالة في الكيفية و الكمية المانعة عن صحة الإجارة، و يمكن أن يجعل ذلك كله من الإباحة بالعوض مع التراضي التي لا يعتبر فيها شيء غير رضا الطرفين.
الثالثة: يجوز استئجار الصبي المميز من وليه الإجباري أو غيره- كالحاكم الشرعي- لقراءة القرآن و التعزية و الزيارات (٦)، بل الظاهر جوازه لنيابة الصلاة عن الأموات بناء على الأقوى من شرعية عباداته (۷).
لإطلاق الأدلة و أصالة الصحة بلا فرق بين كون قراءة القرآن و الزيارة و التعزية متقومة بقصد القربة أو كان المراد مجرد إتيانها أما الأول فلا ريب في تحقق القربة منه.
و دعوى: أن عباداته ساقطة لأنها بالنسبة إلى الصبي تمرينية لا حقيقية.
باطل: لما مر غير مرة في هذا الكتاب من شمول إطلاق أدلة العبادات و عمومها له أيضا و حديث الرفع٦، إنما يرفع الوجوب و العقاب على الترك لا أن يرفع أصل التشريع.
فيشمله الإطلاق و العموم الدال على صحة الاستنابة عن الميت و لا وجه لدعوى الانصراف عنه، مع أنه تكفي المشروعية في حق المنوب عنه في صحة النيابة بالنسبة إلى النائب فإن المسافر مثلا يصح له النيابة عن الحاضر في صلاة التمام و بالعكس.
الرابعة: إذا بقي في الأرض المستأجرة للزراعة بعد انقضاء المدة أصول الزرع فنبتت فإن لم يعرض المستأجر عنها كانت له (۸)، و إن أعرض عنها و قصد صاحب الأرض تملكها كانت له (۹). و لو بادر آخر إلى تملكها ملك (۱۰). و إن لم يجز له الدخول (۱۱) في الأرض إلا بإذن مالكها.
لقاعدة التبعية مضافا إلى الإجماع، و مثله ما حمله السيل و ما تناثر من الحاصل و الفرخ و البيض، فكل فرع تابع لأصله في الملكية شرعا و بالسيرة العقلائية ما لم يجعله مالك الأصل مباحا لكل من استولى عليه.
البحث في نظير هذه المسألة من جهات:
الأولى: عمدة الأقسام في مثل الفرض أربعة:
الأول: وجود أمارة معتبرة على أن المالك أعرض عنه و أباح تملكه لكل من استولي عليه.
الثاني: وجود أمارة على أنه لم يعرض و لم يبح تملكه لمن استولى عليه.
الثالث: وجود أمارة على الإعراض دون الإباحة.
الرابع: الشك في كل منهما.
و لا بد من بيان أحكام الأقسام بحسب الأصل و القاعدة أولا، ثمَّ التعرض لما ورد من النصوص، ثمَّ بيان الكلمات.
فنقول: مقتضى الأصل عدم حصول الملكية للآخذ مطلقا إلا مع وجود دليل معتبر عليها، و لا ريب في خروج القسم الأول عن تحت الأصل لفرض وجود الأمارة على الاعراض و الإباحة، فيكون المأخوذ كالمباحات الأولية التي يملكها من حازها و أخذها بالإجماع و النص و السيرة بل الضرورة، كما لا ريب في خروج القسم الثاني عن مورد البحث للأصل و لوجود الأمارة على عدم الاعراض و الإباحة، فالمال باق على ملك مالكه بلا شبهة و ريبة و لا يجوز لأحد التصرف فيه.
و أما الثالث: فمقتضى الأصل بقاء المال على ملك مالكه، و مقتضى الاعراض المتحقق بالفرض جواز تصرف غيره فيه و إلا فلا معنى للاعراض عرفا، لأنه عبارة عن صحة تصرف الغير بحسب المتعارف، و منه يظهر حكم القسم الرابع فإن مقتضى الأصل عدم جواز تصرف الغير فيه و عدم صحة تملكه.
الثانية: مقتضى الأصل عدم كون الاعراض موجبا للخروج عن الملك و عدم كونه مملكا، لأن عدم كون الاعراض موجبا للخروج الملك و عدم كون مملكا، لأن موجبات الخروج عن الملك و أسباب التمليك محدودة شرعا و هو ليس منها و يأتي التعرض للنصوص التي قد يقال باستفادة كون الاعراض مملكا منها و الخدشة فيها.
الثالثة: هل الإعراض و الإشراف على التلف و الضياع أمارة معتبرة على إباحة التملك حتى يصير الشيء كالمباحات الأولية؟ مقتضى الأصل العدم إلا إذا كانا مقرونين بقرائن معتبرة تدل على ذلك.
نعم، لو تمت دلالة النصوص على أن الاعراض و الاشراف على التلف سبب شرعي تعبدي لإباحة التملك، و لو لم يكن ذلك من قصد المالك تتبع النصوص لا محالة.
الرابعة: من الأخبار الواصلة إلينا ما ورد عن الصادق عليه السلام في خبر السكوني عن أمير المؤمنين عليه السلام: «إذا غرقت السفينة و ما فيها فأصابه الناس، فما قذف به البحر على ساحله فهو لأهله و هم أحق به، و ما غاص عليه الناس و تركه صاحبه فهو لهم»۷، و ظهور لفظ الترك في الإعراض مما لا ينكر، و لكن لا يستفاد منه اباحة التملك كما لا يستفاد من قوله عليه السلام: «فهو لهم» حصول الملكية للآخذ.
نعم، لا ريب في استفادة حق الاختصاص منه، و عن الصادق عليه السلام في خبر الشعيري في السفينة المغروقة: «أما ما أخرجه البحر فهو لأهله اللّه أخرجه، و أما ما اخرج بالغوص فهو لهم و هم أحق به»۸، و الكلام فيه عين الكلام في خبر السكوني، و يمكن أن يستفاد من لفظ الأحق مجرد الحقيقة لا الملكية، و عنه عليه السلام أيضا في صحيح ابن سنان: «من أصاب مالا أو بعيرا في فلاة من الأرض قد كلت و قامت و سيبها صاحبها لما لم تتبعه فأخذها غيره، فأقام عليها و أنفق نفقة حتى أحياها من الكلام و من الموت فهي له و لا سبيل له عليها، و انما هي مثل الشيء المباح»۹، و عنه عليه السلام أيضا في خبر مسمع: «أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول في الدابة إذا سرحها أهلها أو عجزوا عن علفها أو نفقتها فهي للذي أحياها، قال:
و قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل ترك دابة بمضيعة، قال عليه السلام: إن كان تركها في غير كلأ و لا ماء و أمن فهي لمن أحياها»۱۰، و صحيح هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام: «قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: يا رسول اللّه إني وجدت شاة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: هي لك أو لأخيك أو للذئب. فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: إني وجدت بعيرا، فقال صلّى اللّه عليه و آله معه حذاؤه و سقاؤه- حذاؤه: خفه، و سقاؤه: كرشه- فلا تهجه»۱۱، إلى غير ذلك من الاخبار و كلمة «اللام» فيها و إن كانت لمجرد الاختصاص الذي هو أعم من الملكية.
لكن يمكن أن يقال أن العرف يستفيد منها الملكية بعد قصد التملك، كما أن مقتضى الأخوة الإيمانية بل وجدان الإنسانية انه لو انقطعت علاقة المالك و دار أمره بين التلف أو إباحته المطلقة لكل من يملكه انه يقدم الثاني على الأول، و لو لم يكن ملتفتا إليه تفصيلا فهو ثابت في حاق قصده واقعا، مع أنه يمكن أن يقال: انه عند انقطاع سلطة المالك عن ماله في هذه الموارد يجري عليه حكم المباحات الأولية أعرض المالك عنه أو لا، اباحه لمن تملكه أولا، و لا محذور فيه إلا أصالة بقاء سلطنته و هي محكومة بإطلاق بعض هذه الأخبار و هذا حكم شرعي حكمته التحفظ على عدم ضياع المال كبيع الحاكم مال المالك الممتنع عن البيع في المخمصة لحكمة عدم ضياع النفوس، مع ان الملكية أمر اعتباري عرفي إنما تعتبر بلحاظ الآثار، فإذا انعدمت الآثار فأي وجه للاعتبار حينئذ فلا وجه لأصالة بقاء الملكية حينئذ، مع أن العرف يراه منقطع العلاقة بالنسبة إلى هذا الشيء، و هذه الاخبار وردت على طبق هذا المرتكز العرفي لا أن يكون تعبدا في شيء.
و أما الكلمات فليس في البين إجماع معتبر على تفصيل شقوق المسألة يصح الاعتماد عليه.
نعم، نسب إلى المشهور عدم العمل بإطلاق هذه الأخبار، و انه يضمن الآخذ للشاة في الفلاة. و هل تصح هذه النسبة؟! ثمَّ على فرض الصحة هل يكون ذلك من الإعراض الموهن، لا بد من التأمل في كل منهما و يأتي في كتاب الاحياء ما ينفع المقام.
فرعان:
الأول: ما ينثر في الأعراس و في المشاهد المشرفة، و عند قدوم الحجيج، و نحو ذلك أو يوضع في مجالس الضيافة لا ريب في حلية أكلها، للسيرة و لظهور الإباحة.
و أما الأخذ و البيع بعده فيشكل ذلك لعدم جريان سيرة المتشرعة عليه و الشك في شمول الإباحة له.
نعم، لو كان ما ينثر من الدراهم و الدنانير فهو قرينة على صحة التملك للأخذ و الصرف في أي مصرف شاء.
الثاني: المنساق مما مرّ من الأخبار ما إذا ترك المالك ماله بعمده و اختياره من دون جبر أحد و لا إكراه و تقدم حكمه.
و أما إن كان ذلك لأجل أحدهما كالأموال التي تصادرها الحكومات في المارك أو غيرها فهل يجوز أخذها لو استولى عليه شخص، و هل يجوز شراؤها من الحكومة أو لا؟ أما مع قدرة المالك على أخذها بأي وجه من الوجوه- بالواسطة أو بلا واسطة- فلا يجوز، لبقاء ملكه و عدم زواله و لا يجوز التصرف في مال الغير بغير رضاه بالأدلة الأربعة، و أما مع قطع علاقته عنه بالمرة و عدم قدرته على استرجاعه بوجه من الوجوه بحيث صار كماله التالف عند العرف فقد قال شيخنا المحقق الشيخ ضياء الدين العراقي قدّس سرّه في بحثه الشريف ما هذا لفظه: «الإعراض على قسمين.
الأول: الاعراض القصدي العمدي سواء كان بطيب النفس كما في الأشياء الجزئية اليسيرة التي تلقي في المزابل و أبواب الدور و نحوها، أو لأجل ضرورة دعت إليه كما في جميع موارد الدوران بين تلف النفس و المال فإن مقتضى الفطرة الإعراض عن المال، فيترك المال عمدا حفظا للنفس فيتحقق الاعراض، و كذا لو كانت في البين ضرورة أخرى داعية اليه.
الثاني: الإعراض الانطباقي العرفي بأن يحكم العرف بقطع علاقته عن ماله، و انه لا مال له و لا سلطنة له على هذا المال أبدا لأجل قهر القاهر و ظلم الظالم، فتكون نسبة المال إلى صاحبه كنسبته الى الأجنبي إلا باعتبار ما كان الذي ليس له أثر إلا في الفرض فقط.
نعم، إذا أرتفع المانع تعود الملكية و آثارها، و لكن البحث في صورة وجود المانع فيكون حينئذ كالإعراض عن عمد و اختيار في ترتب أحكام الاعراض عليه»، و يأتي في كتاب الأحياء تفصيل القول إن شاء اللّه تعالى.
إذا أعرض عنه صاحبه و اباحه لكل من أخذه يصير من المباحات فيملكه كل من أخذه و قصد حيازته، و لا بد من تقييد إطلاق المتن بما ذكر كما مر في سابقة.
إن كانت في البين أمارة على المنع من سور أو تحجير أو نحو ذلك، و أما مع عدمها فمقتضى السيرة جواز العبور لدخول ما لم يستلزم الضرر على المالك.
الخامسة: إذا استأجر القصاب لذبح الحيوان فذبحه على غير الوجه الشرعي بحيث صار حراما ضمن قيمته (۱۲)، بل الظاهر ذلك إذا أمره بالذبح تبرعا، و كذا في نظائر المسألة.
لقاعدة الإتلاف فيه و في نظائره، و تقدم ما يتعلق بنظير المقام في مسألة ٤) من فصل كون العين المستأجرة أمانة.
السادسة: إذا آجر نفسه للصلاة عن زيد فاشتبه و أتى بها عن عمرو فإن كان من قصده النيابة عمن وقع العقد عليه و تخيل أنه عمرو فالظاهر الصحة عن زيد و استحقاقه الأجرة (۱۳)، و إن كان ناويا النيابة عن عمرو على وجه التقييد لم تفرغ ذمة زيد و لم يستحق الأجرة (۱٤) و تفرغ ذمة عمر و إن كانت مشغولة (۱٥) و لا يستحق الأجرة من تركته لأنه بمنزلة التبرع (۱٦)، و كذا الحال في كل عمل مفتقر إلى النية (۱۷).
لفرض انه قصد المنوب عنه الحقيقي واقعا و انما وقع الخطأ في التطبيق، و هو لا يضر بشيء فالمقتضي لصحة الإجارة و استحقاق الأجرة موجود و المانع عنه مفقود و تقدم نظير المسألة في صلاة الجماعة أيضا.
لأن ما قصده على وجه التقييد ليس هو المنوب عنه و ما هو المنوب عنه لم يقصد أصلا، و النيابة متقومة بالقصد فكيف تبرأ ذمة من لم يقصد.
لوجود المقتضي لفراغ ذمته- و هو قصد العامل تفريغ ذمة عمرو- و فقد المانع عنه فتفرغ ذمة عمرو لا محالة.
لعدم تحقق أي جهة من الجهات يوجب تسبب عمرو إلى استيفاء هذا العمل من إجارة أو أمر، و تقدم نظير المسألة في (مسألة ۱۸) من فصل لا يجوز إجارة الأرض لزرع الحنطة أو الشعير فراجع.
فإن فيه أقسام ثلاثة.
الأول: قصد المستأجر حقيقة.
الثاني: قصد غيره على نحو الخطأ في التطبيق و فيهما تبرأ ذمة المستأجر و يستحق الأجير الأجرة.
الثالث: قصد الغير على وجه التقييد فتبرأ ذمة الغير، و لا يستحق الأجير الأجرة عليه و لا تبرأ ذمة المستأجر، و تقدم حكم نفس الإجارة و الفروع المتعلق بها في الأجير الخاص و غيره فراجع.
السابعة: يجوز أن يؤجر داره- مثلا- إلى سنة بأجرة معينة و يوكل المستأجر في تجديد الإجارة عند انقضاء المدة (۱۸) و له عزله بعد ذلك (۱۹). و إن جدّد قبل أن يبلغه خبر العزل لزم عقده (۲۰) و يجوز أن يشترط في ضمن العقد أن يكون وكيلا عنه في التجديد بعد الانقضاء، و في هذه الصورة ليس له عزله (۲۱).
لعموم أدلة الوكالة الشاملة للمقام أيضا.
لأن الوكالة عقد جائز من الطرفين يجوز لكل منهما الرجوع عنها بلا محذور في البين.
لوقوعه عن أهله و في محله لما يأتي في كتاب الوكالة ان شاء اللّه تعالى من أنه يعتبر في سقوط تصرفات الوكيل وصول خبر العزل اليه، و ما لم يبلغ ذلك يكون تصرفه نافذا و إن كان معزولا في الواقع.
لوجوب الوفاء بالشرط و لو كان من شرط النتيجة إذا كان نفس الشرط كافيا في تحققه كما في المقام، إذ الوكالة متقومة بالإذن و الرضا و هما يستكشفان بمجرد الشرط أيضا، و كذا لو كان مرجع الشرط إلى شرط أن لا يعزله، و لكن لا بد في إيجاد عقد الإجارة من استجماعه للشرائط فلو كان الموكل كارها للإجارة أو لخصوصية منها لا بد من مراعاة رضاه، لأن بقاء الوكالة أعم من بقاء سائر الجهات.
نعم، لو كانت الوكالة المشروطة وكالة تفويضية من كل حيثية و جهة بحيث يكون الموكل بعد التوكيل كالأجنبي فالظاهر سقوط رضاه حينئذ، و لكنه مشكل أيضا.
الثامنة: لا يجوز للمشتري ببيع الخيار بشرط رد الثمن للبائع أن يؤجر المبيع أزيد من مدة الخيار للبائع (۲۲) و لا في مدة الخيار من دون اشتراط الخيار حتى إذا فسخ البائع يمكنه أن يفسخ الإجارة، و ذلك لأن اشتراط الخيار من البائع في قوة إبقاء المبيع على حاله حتى يمكنه الفسخ فلا يجوز تصرف ينافي ذلك (۲۳).
إن تعلق الحق برد عين المبيع من حيث هي و الوجه في المنع حينئذ واضح لأنه تصرف في حق الغير بدون إذنه، و هو باطل بالأدلة الأربعة كما تقدم مرارا فيكون من صغريات الفضولي، فإن أجاز من له الخيار يصح و إلا يبطل، و أما إن كان متعلق حق الخيار مالية المال دون خصوصية العين فيصح التصرف بلا إشكال، بلا فرق فيه على كلا التقديرين بين الخيارات الأصلية و الخيارات الاشتراطية، و قد تعرضنا لبعض المقال في الخيارات فراجع.
فيكون من موارد الفضولي كما مر.
التاسعة: إذا استؤجر لخياطة ثوب معين لا بقيد المباشرة فخاطه شخص آخر تبرعا عنه (۲٤)، استحق الأجرة المسماة، و إن خاطه تبرعا عن المالك لم يستحق المستأجر (۲٥)، شيئا و بطلت الإجارة (۲٦)، و كذا إن لم يقصد التبرع عن أحدهما (۲۷). و لا يستحق على المالك أجرة لأنه لم يكن مأذونا من قبله و إن كان قاصدا لها أو معتقدا أن المالك أمره بذلك (۲۸).
أي: عن الأجير و الوجه في استحقاقه الأجرة واضحة لأن المتبرع عن الأجير كأحد عمال الأجير حينئذ فيصدق وفاء الأجير بما استؤجر عليه مع عدم المباشرة كما هو المفروض.
أي الأجير و الوجه في عدم استحقاقه واضح لعدم صدور مورد الإجارة عنه لا مباشرة و لا تسبيبا و لا تبرعا عنه.
لزوال موضوعها و انعدامه فلا موضوع حينئذ لبقاء الإجارة.
فلا يستحق الأجير شيئا لعدم صدور عمل منه لا مباشرة و لا تسبيبا و لا تبرعا، عنه فلا وجه لاستحقاقه الأجرة و تبطل الإجارة لزوال موضوعها.
لأن مجرد الاعتقاد لا يوجب استحقاق شيء ما لم يطابق الواقع و المفروض عدمه، إذ لم يصدر من طرف المالك شيء يوجب ضمانه للعوض من عقد إجارة أو تسبيب لاستيفاء منفعة.
العاشرة: إذا آجره ليوصل مكتوبة إلى بلد كذا إلى زيد- مثلا- في مدة معينة فحصل مانع في أثناء الطريق أو بعد الوصول إلى البلد فإن كان المستأجر عليه الإيصال و كان طيّ الطريق مقدمة لم يستحق شيئا (۲۹)، و إن كان المستأجر عليه مجموع السير و الإيصال استحق بالنسبة (۳۰) و كذا الحال في كل ما هو من هذا القبيل، فالإجارة مثل الجعالة قد تكون على العمل المركب من أجزاء و قد تكون على نتيجة ذلك العمل (۳۱). فمع عدم حصول تمام العمل في الصورة الأولى يستحق الأجرة بمثل ما أتى به (۳۲) و في الثانية لا يستحق شيئا، و مثل الصورة ما إذا جعلت الأجرة في مقابلة مجموع العمل من حيث المجموع (۳۳)، كما إذا استأجره للصلاة أو الصوم فحصل مانع في الأثناء عن إتمامها.
لعدم تحقق المستأجر عليه فلا وجه للاستحقاق حينئذ هذا بالنسبة إلى أجرة المسماة، و أما من جهة احترام أصل العمل فلا بد من استحقاقه لأجرة المثل.
إلا أن يقال: إن إقدامه المعاملي على النتيجة إسقاط لاحترام عمله بالنسبة إلى الأجزاء.
لفرض انبساط الإجارة على الجميع فلا بد من تقسيط الأجرة كذلك.
مع معلوميتها بحسب المتعارف في الإجارة حتى لا يلزم الغرر و الجهالة. و أما الجعالة فهما مغتفران فيها كما تقدم.
لاحترام العمل، و المفروض أن الإجارة وقعت بنحو تقسيط الأجرة على الأجزاء.
لا أثر للمجموع من حيث المجموع، و لا الاستغراق و الأفراد في المقام فليس نظير العام، بل المناط كله على قابلية الأجزاء لتقسيط الأجرة عليها، فتقسط الأجرة بأي نحو كانت الأجزاء، و عدم قابليتها له فلا وجه للتقسيط حينئذ بأي نحو كانت الأجزاء لفرض عدم قابليتها له، و لو فرض أن اجزاء الصلاة قابلة للتقسيط من حيث الفاتحة و السورة و نحوهما لتقسط الأجرة عليها أيضا، و نظير المقام خيار تبعض الصفقة فإنه انما يثبت فيما إذا كانت الأجزاء مورد الغرض و الاعتبار و إلا فلا وجه للخيار.
الحادية عشرة: إذا كان للأجير على العمل خيار الفسخ فانفسخ قبل الشروع فيه فلا إشكال (۳٤) و إن كان بعده استحق أجرة المثل (۳٥)، و إن كان في أثنائه استحق بمقدار ما أتى به من المسمى أو المثل على الوجهين المتقدمين (۳٦)، إلا إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع فلا يستحق شيئا (۳۷)، و إن كان العمل مما يجب إتمامه بعد الشروع فيه كما في الصلاة بناء على حرمة قطعها و الحج بناء على وجوب إتمامه فهل هو كما إذا فسخ بعد العمل أو لا وجهان، أوجههما الأول (۳۸). هذا إذا كان الخيار فوريا كما في خيار الغبن إن ظهر كونه مغبونا في أثناء العمل و قلنا إن الإتمام مناف للفورية، و إلا فله أن لا يفسخ إلا بعد الإتمام، و كذا الحال إذا كان الخيار للمستأجر (۳۹)، إلا أنه إذا كان المستأجر عليه المجموع من حيث المجموع و كان في أثناء العمل يمكن أن يقال إن الأجير يستحق بمقدار ما عمل من أجرة المثل (٤۰)، لاحترام عمل المسلم، خصوصا إذا لم يكن الخيار من باب الشرط (٤۱).
لأن له حق الخيار و قد أعمل حقه بلا مانع في البين، و حكم المقدمات قد تقدم في (مسألة ۲۲) من فصل لا يجوز إجارة الأرض.
لفرض عدم التبرع و تحقق القرار المعاوضي و المعاملي بينهما فإذا بطل العوض المسمى بالفسخ يثبت لا محالة، هذا مضافا إلى ظهور الإجماع و كونه أولى من الإجارة الفاسدة التي يستحق الأجير فيها أجرة المثل.
راجع (مسألة ٥) من فصل يملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان.
إن لم تكن الأبعاض قابلة للتقسيط و التبعيض و إلا فيستحق كما مر.
لصدق أن المستأجر استوفى عمل الأجير بالقرار المعاوضي و العقد المعاملي عند العرف فيجب عليه أجرة المسماة، و حيث أن تمام العمل منسوب إلى المنوب عنه لفرض أن الأجير لم يقصد التبرع بعد الفسخ بعد قصد الواقع بحسب الحكم الشرعي فيلزم على المستأجر عوض المسمى لما استوفاه من المنفعة.
و توهم: أن لازم ذلك ثبوت الأجرة و إن لم يتم العمل.
فاسد: إذ ليس المستأجر عليه هو مجرد الحدوث فقط بل الحدوث من حيث كونه طريقا إلى تفريغ الذمة و قد حصل ذلك ظاهرا في المقام فلا بد من استحقاق الأجرة.
فتجري فيه أيضا جميع الأقسام الخمسة التي تقدمت في صورة كون الخيار للأجير من غير فرق بينهما.
إذا كانت للأبعاض مالية فلا فرق فيه بين ما إذا كان الخيار للأجير أو للمستأجر في الاستحقاق، لجريان قاعدة الاحترام في كل منهما، فلا فرق أيضا في عدم استحقاق شيء.
لعدم اقدام منه حينئذ على إسقاط احترام عمله لأن الخيار حينئذ بحكم الشارع و لا دخل لإقدامه فيه، بخلاف ما إذا كان بنحو الشرط فإن الأجير لأجل قبوله للشرط كأنه أقدم على هتك عمله.
و فيه: أن الاقدام على الشرط أعم من الاقدام على هتك العمل عرفا و وجدانا بل و كذا الاقدام على أصل المعاملة مع العلم بفسادها فإنه أعم من الإقدام على الهتك كما مر مرارا.
الثانية عشرة: كما يجوز اشتراط كون نفقة الدابة المستأجرة و العبد و الأجير المستأجرين للخدمة أو غيرها على المستأجر إذا كانت معينة بحسب العادة أو عيناها على وجه يرتفع الغرر، كذلك يجوز (٤۲) اشتراط كون نفقة المستأجر على الأجير أو المؤجر بشرط التعيين أو التعين الرافعين للغرر، فما هو المتعارف من إجارة الدابة للحج و اشتراط كون تمام النفقة و مصارف الطريق و نحوها على المؤجر لا مانع منه (٤۳) إذا عينوها على وجه رافع للغرر.
لعموم أدلة الشرط الشامل لجميع ذلك، مضافا إلى ظهور الاتفاق على الصحة.
عمل الحملدارية يتصور على وجوه.
الأول: إجارة النفس للإحجاج بالمسافرين بجميع ما يتعلق بهم، و لو بصرف الأعيان كإجارة الصبّاغ و الغسّال و الخيّاط و المرأة أنفسهم للصبغ و الغسل و الإرضاع.
الثاني: إجارة المركوب للحج بجميع ما يتعلق بسفر الحج من المنزل و الطعام و الخدمة و نحو ذلك.
الثالث: إجارة النفس لأن يكون معهم في مصالحهم و أغراضهم من دون صرف مال منه أبدا.
الرابع: إجارة النفس لأن يكون مرشد أعمال حجهم فقط.
الخامس: إجارة الحملدار الحجيج في مدة معينة بقدر معين لأن يقوم بشؤونهم.
السادس: اباحة عمله و عمل من معه من خدمة و عمال، و اباحة منفعة ما معه و اباحة أعيان ما معه فيما يصرف عنه بالعوض مع عدم الغرر.
السابع: ما هو مركب مما ذكر، و الكل صحيح للعمومات و الإطلاقات مع إحراز الخصوصيات و الجهات الموجبة لاختلاف الرغبات و الأغراض الموجبة لاختلاف العوض.
الثالثة عشرة: إذا آجر داره أو دابته من زيد إجارة صحيحة بلا خيار له ثمَّ آجرها من عمرو كانت الثانية فضولية (٤٤)، موقوفة على إجازة زيد، فإن أجاز صحت له (٤٥)، و يملك هو الأجرة (٤٦) فيطلبها من عمرو، و لا يصح له إجازتها على أن تكون الأجرة للمؤجر و إن فسخ الإجارة الأولى بعدها لأنه لم يكن مالكا للمنفعة حين العقد الثاني (٤۷). و ملكيته لها حال الفسخ لا تنفع إلا إذا جدد الصيغة (٤۸) و إلا فهو من قبيل من باع شيئا ثمَّ ملك (٤۹).و لو زادت مدة الثانية عن الأولى لا يبعد لزومها على المؤجر (٥۰) في تلك الزيادة و أن يكون لزيد إمضاؤها بالنسبة إلى مقدار مدة الأولى.
لأنه تصرف في مورد حق الغير بغير إحراز رضاه، و كل ما كان كذلك يكون من الفضولي كما مر في محله.
يعني صحت لزيد لأن المنفعة ملكه و ماله.
لأنه عوض ملكه و ماله.
بناء على أنه يشترط في المعاوضة أن يدخل العوض في ملك من يخرج منه العوض، و يدخل المعوض في ملك من يخرج العوض من ملكه، لا تصح هذه الإجازة لأن المنفعة تخرج من ملك زيد و العوض يدخل في ملك المؤجر، و هذا خلاف ما يعتبر في المعاوضة.
و لكن الكلام في أصل هذا الشرط و منشأ اعتباره فإن كان المراد به ما هو الغالب الواقع ما في الخارج من المعاوضات فلا ريب في أنه كذلك، و أما إن كان المراد أن ذلك يعتبر في قوام ذاتها بحيث لو لم تكن كذلك لا تتحقق ذات المبادلة و المعاوضة أصلا فلا دليل عليه من عقل أو نقل، و إن نسب إلى المشهور. تارة، و ادعي عدم الخلاف فيه أخرى، و لكنه لا وجه لكل منهما، لأن الأصل في الدعوى العلامة رحمه اللّه في جملة من كتبه و لم يستدل عليه، غير أن معنى المعاوضة و المبادلة يقتضي ذلك.
و هو مردود، لأن المبادلة و المعاوضة تقوم بكون مال بدل مال آخر و كون أحد المالين عوضا عن الآخر، و أما دخل اشتراط دخول المعوض في ملك من خرج منه العوض و بالعكس في قوام المبادلة و المعاوضة فهو مشكوك منفي بالأصل و الإطلاق.
إن قيل: فعلى هذا يجتمع عند المؤجر عوضان لمنفعة ماله.
الأول: ما أخذه من زيد.
و الثاني: ما أجازه زيد في الإجارة الثانية.
يقال: لا بأس به مع اختلاف الجهة لأن العوض الثاني كان لزيد فأجازه له لغرض صحيح، و قد مر في المنافع المتضادة بعض ما ينفع المقام.
ظهر مما مر أن ذلك مما لا وجه له لأنه بعد صحة المعاوضة بلحاظ نفس تبادل المالين مع قطع النظر عن لحاظ إضافتهما إلى المالكين لا وجه لهذا التفريع، لأن كلا منهما عنوان ملحوظ مستقل في حد نفسه و مادة المعاوضة و المبادلة غير متقومة باللحاظين من كل جهة، كما في سائر استعمالات باب المفاعلة كالمطالعة و المشايعة و المطالبة، فلا الهيئة تقتضي ذلك بنحو التقوم و لا المادة.
نعم مقتضى الغلبة الخارجية ذلك فبأي وجه تؤخذ الغلبة الوجودية الخارجية مقوما للمفهوم و الذات ثمَّ تبنى على ذلك فروع و مسائل مع إمكان التفكيك بينهما عقلا و عرفا، و قد تقدم بعض الكلام فيه في كتاب البيع فراجع.
تقدم في كتاب البيع صحته مع الإجازة فراجع. فإنه لا وجه للإعادة.
لأنه حينئذ مالك للمنفعة في الجملة حين العقد الثاني، فلا يلزم المحذور المتقدم على فرض صحة كونه محذورا.
الرابعة عشرة: إذا استأجر عينا ثمَّ تملكها قبل انقضاء مدة الإجارة بقيت الإجارة على حالها (٥۱)، فلو باعها و الحال هذه لم يملكها المشتري إلا مسلوبة المنفعة في تلك المدة (٥۲) فالمنفعة تكون له و لا تتبع العين. نعم، للمشتري خيار الفسخ إذا لم يكن عالما بالحال (٥۳) و كذا الحال إذا تملك المنفعة بغير الإجارة في مدة ثمَّ تملك العين كما إذا تملكها بالوصية أو بالصلح أو نحو ذلك فهي تابعة للعين إذا لم تكن مفروزة (٥٤) و مجرد كونها لمالك العين لا ينفع في الانتقال إلى المشتري. نعم، لا يبعد تبعيتها للعين إذا كان قاصدا لذلك حين البيع (٥٥).
للأصل و الإطلاق و الاتفاق.
لأصالة لزوم الإجارة السابقة و عدم بطلانها، و لا دليل على خلاف هذا الأصل يكون حاكما عليه إلا تبعية المنفعة للعين، و لا تجري هذه القاعدة في المقام لأنها قاعدة اقتضائية كجملة من القواعد الأخر، فإذا فقد المانع عن جريانها تصير من العلة التامة فيؤثر أثرها حينئذ، و المانع في المقام أن المالك أخرج المنفعة عن التبعية في مدة خاصة برضائه و رضا المستأجر. فلا تجري القاعدة تخصصا لعدم الموضوع لها. فمع موافقتهما على قطع التبيعة و التفكيك بنى العين و المنفعة كيف تجري القاعدة.
و توهم أن التفكيك كان ما داميا أي ما دام لم يملك العين لا أن يكون دائميا حتى بعد تملكه، حينئذ تحدث تبعية أخرى لتجدد المالك لشخص آخر فتشمله قاعدة التبعية، و لا ترجيح لتقديم القاعدة في التبعية الأولى دون الأخيرة.
مدفوع: بأن الدوران فيها بين التخصص و التخصيص فإن جريان القاعدة في الأولى يوجب زوال الموضوع في الثانية بخلاف العكس فإنه لا بد من تخصيص القاعدة و هو بلا مخصص.
لقاعدة الضرر الموجبة للخيار.
لأن الافراز مع توافقهما على إسقاط لقاعدة التبعية، فلا تجري القاعدة حينئذ.
لا يكفي مجرد القصد في الإنشائيات مطلقا ما لم يكن مبرز خارجي في البين من لفظ أو قرينة معتبرة فيكون إنشاء حينئذ مشتملا على تمليك العين و المنفعة معا، و هو صحيح و لا إشكال فيه و يصير هذا إسقاطا للإفراز السابق.
الخامسة عشرة: إذا استأجر أرضا للزراعة مثلا- فحصلت آفة سماوية أو أرضية توجب نقص الحاصل لم تبطل (٥٦). و لا يوجب ذلك نقصا في مال الإجارة (٥۷) و لا خيارا للمستأجر (٥۸). نعم، لو شرط على المؤجر إبراءه من ذلك بمقدار ما نقص بحسب تعيين أهل الخبرة ثلثا أو ربعا أو نحو ذلك، أو أن يهبه ذلك المقدار إذا كان مال الإجارة عينا شخصية فالظاهر الصحة (٥۹)، بل الظاهر صحة اشتراط البراءة على التقدير المذكور بنحو شرط النتيجة (٦۰)، و لا يضره التعليق لمنع كونه مضرا في الشروط (٦۱). نعم، لو شرط براءته على التقدير المذكور حين العقد بأن يكون ظهور النقص كاشفا عن البراءة من الأول فالظاهر عدم صحته لأوله إلى الجهل بمقدار مال الإجارة حين العقد (٦۲).
للأصل و ظهور الاتفاق.
لوقوع مال الإجارة بعوض طبيعي المنفعة بحسب المتعارف لا بعوضها لو لم تكن آفة في البين.
لعدم موجب له من نقص في العين أو ضرر من طرف المالك في البين إذ الآفة حصلت في ملك المستأجر كما إذا حصلت في سائر أملاكه.
لعموم أدلة الشرط و اغتفار الجهالة فيها بما لا يغتفر في غيرها لو فرض ثبوت جهالة في البين.
و هو صحيح في المقام لكفايته في تحقق المشروط عند المتشرعة و المتعارف من الناس، و لا مانع في البين فتشمله إطلاق أدلة الشروط لا محالة، و مثله شرط سقوط الخيار، و قد ورد النص في صحة أخذ البراءة لمن تطبب أو تبيطر۱۲، و ليس ذلك كله إلا من شرط النتيجة مع اتفاق الكل على الصحة فيها.
لأن عمدة دليل كونه مانعا عن الصحة انما هو الإجماع و لو فرض اعتباره فالمتيقن منه بل مورد كلماتهم انما هو نفس العقد.
إن قلنا بأن هذا النحو من الجهالة يوجب البطلان أيضا و لا دليل عليه لأن الجهالة المانعة ما كانت في أحد العوضين أو هما حين أنشأ العقد بحسب العرف و المفروض عدمها.
السادسة عشرة: يجوز إجارة الأرض مدة معلومة بتعميرها و اعمال عمل فيها من كري الأنهار و تنقية الآبار و غرس الأشجار و نحو ذلك (٦۳) و عليه يحمل قوله (٦٤)، «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرين سنة أو أكثر فيعمرها و يؤدي ما خرج عليها» و نحوه غيره.
مع مراعاة عدم لزوم الغرر و الجهالة.
فعن الصادق عليه السلام في صحيح الحلبي: «لا بأس بقبالة الأرض من أهلها بعشرين سنة أو أقل أو أكثر فيعمرها و يؤدي ما خرج عليها و لا يدخل أصلا في شيء من القبالة»۱۳، و قريب منه صحيحه الآخر۱4، و صحيح يعقوب بن شعيب۱٥، عنه عليه السلام أيضا: «الرجل يعطي الأرض الخربة و يقول أعمرها و هي ملك ثلاث سنين أو خمس سنين أو ما شاء اللّه، قال عليه السلام: لا بأس» و مثلها غيرها و لكن الوجوه المحتملة في مثل هذه الأخبار أربعة.
الأول: أن تكون الأرض من إجارة العين.
الثاني: إجارة العمل بأن يؤجر العامل نفسه بمنفعة الأرض.
الثالث: أن تكون هذه معاملة خاصة في مقابل الإجارة و الجعالة.
الرابع: أن تكون من الجعالة المعهودة.
و الكل صحيح و المتبع على التعيين القرائن المعتبرة.
السابعة عشرة: لا بأس بأخذ الأجرة على الطبابة و إن كانت من الواجبات الكفائية، لأنها كسائر الصنائع واجبة بالعرض (٦٥) لانتظام نظام معائش العباد، بل يجوز و إن وجبت عينا (٦٦) لعدم من يقوم بها غيره، و يجوز اشتراط كون الدواء عليه (٦۷). مع التعيين الرافع للغرر، و يجوز أيضا مقاطعته على المعالجة إلى مدة أو مطلقا (٦۸)، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البرء (٦۹)، أو بشرطه إذا كان مظنونا (۷۰) بل مطلقا، و ما قيل من عدم جواز ذلك لأن البرء بيد اللّه فليس اختياريا له و أن اللازم مع إرادة ذلك أن يكون بعنوان الجعالة لا الإجارة. فيه: أنه يكفى كون مقدماته العادية اختيارية (۷۱) و لا يضر التخلف في بعض الأوقات، كيف و إلا لم يصح بعنوان الجعالة أيضا (۷۲).
يعني: واجبة بالمعنى الأعم من بذل العمل مجانا أو بعوض، لا أن يكون المراد تقوم الوجوب بالعوض حتى لا تجب بدونه كما قد يتوهم.
و خلاصة الكلام في نظائر المقام ان حبس المال و العمل مع احتياج الناس إليهما حرام لا أن يكون البذل المجاني واجبا، فهذه الاعمال النظامية نظير الطعام عند احتياج الناس إليه حيث يشتري من صاحبه بسعر الوقت مع وجوب بذله و حرمة احتكاره.
لأنه ليس من الواجبات العبادية حتى يشمله دليل المنع على فرض تماميته، بل واجب نظامي، و كما أن تنظيم النظام النوعي يقتضي بذل العمل نفس هذا التنظيم يقتضي بذل المال بإزائه أيضا لئلا يتعطل صاحبه و لأن يرغب غيره في تحصيله و استكماله.
لعموم أدلة الشرط الشامل لجميع ذلك كالبنّاء و الخيّاط و نحوهما، و اشتراط كون ما يحتاج إليه العمل عليهم.
بنحو لم يكن في البين غرر مانع عن صحة الإجارة فتبطل الإجارة حينئذ و إن صحت بعنوان الجعالة.
إذا كان من عادته حصول البرء بمعالجته لهذا المرض غالبا، كما في المتخصصين لمعالجة بعض الأمراض الذين اعتادوا لبرء المريض بحيث ليست في الإجارة جهالة، و لا فرق حينئذ بين جعل البرء غاية للإجارة أو قيدا للعمل أو شرطا فيه لفرض عدم جهالته على كل تقدير، و أما إن لم يكن من عادته ذلك فالإجارة باطلة في الصور الثلاثة إلا في الأخيرة بناء على أن الشرط الفاسد لا يفسد أن قلنا بأن الجهالة في الشرط توجب فساده.
لعدم الجهالة حينئذ سواء حصل الظن من اعتياد الطبيب ببرء هذا المرض أو من الخارج لرفع الجهالة على أي تقدير، و كل ذلك صار مطابقا للسيرة في هذه الأعصار.
مع انه نسلم أن البرء بيد اللّه تعالى و لكن أبى اللّه إلا أن يجري الأمور إلا بأسبابها، و جعل سبب البرء الرجوع الى الطبيب، و استعمال الدواء فيرجع ذلك إلى إرادة اللّه تعالى و الناتج كلها بإرادة اللّه و مشيته و لكنه تعالى جعل أسبابا ظاهرية مؤدية إليها غالبا.
و ما يقال: من أن اختيارية المقدمات إنما تنفع فيما إذا لم تتخلل بينها و بين حصول المطلوب إرادة فاعل المختار و إلا فلا أثر لاختيارية المقدمات.
مردود: بأنه يصح تخلل إرادة البشر و أما إرادة اللّه تعالى التي تعلقت أزلا بترتب الأسباب على مسبباتها فلا يجري هذا الكلام فيها، فالمناط كله صدق الاختيارية عرفا و لو باختيارية بعض المقدمات كما في جميع الأمور.
يظهر منهم كفاية مجرد صحة الانتساب في الجعالة و لو لم تكن المقدمات اختيارية فهي أوسع دائرة من الإجارة بكثير، فلو قال المريض في الجعالة للطبيب: لو حصل اتفاق في برئي بعلاجك فلك جعل كذا تصح الجعالة، مع أن الفقهاء لا يقولون بصحة الإجارة.
الثامنة عشرة: إذا استؤجر لختم القرآن لا يجب أن يقرأه مرتبا بالشروع من الفاتحة و الختم بسورة الناس بل يجوز أن يقرأ سورة فسؤره على خلاف الترتيب، بل يجوز عدم رعاية الترتيب في آيات السورة أيضا (۷۳).و لهذا إذا علم بعد الإتمام أنه قرأ الآية الكذائية غلطا أو نسي قراءتها يكفيه قراءتها فقط (۷٤). نعم، لو اشترط عليه الترتيب وجب مراعاته (۷٥)، و لو علم إجمالا بعد الإتمام أنه قرأ بعض الآيات غلطا من حيث الأعراب أو من حيث عدم أداء الحرف من مخرجه أو من حيث المادة فلا يبعد كفايته و عدم وجوب الإعادة، لأن اللازم القراءة على المتعارف و المعتاد و من المعلوم وقوع ذلك من القارئين غالبا إلا من شذ منهم. نعم، لو اشترط المستأجر عدم الغلط أصلا لزم عليه الإعادة مع العلم به في الجملة (۷٦) و كذا الكلام في الاستئجار لبعض الزيارات المأثورة أو غيرها و كذا في الاستئجار لكتابة كتاب أو قرآن أو دعاء أو نحوها لا يضرّ في استحقاق الأجرة إسقاط كلمة أو حرف أو كتابتهما غلطا (۷۷).
كل ذلك للإطلاق و لا دليل على خلافه إلا دعوى الانصراف إلى ما هو المتعارف، و لكنه بدوي لا اعتبار به.
نعم، لو كانت قرينة معتبرة في البين على الترتيب يتعين الأخذ بها فالنزاع في المسألة صغروي لا أن يكون كبرويا، و الظاهر إنه لا يصح خلاف الترتيب في حروف الكلمة لكونه غلطا بل يشكل الجواز في بعض الآيات أيضا.
و أما ما يقال: من أنه ان كان المراد الجنس، أي: جنس القرآن فيجوز خلاف الترتيب، و إن كان المراد خصوص ما هو المعهود المتعارف فلا يصح.
ففيه: إن المراد ما هو المعهود المتعارف بما له من الحكم الشرعي و هو عدم وجوب الترتيب شرعا للأصل بعد عدم دليل عليه.
لفرض عدم وجوب الترتيب و هذا من ثمراته.
لعموم وجوب الوفاء بالشرط.
لمكان الالتزام بالشرط الذي التزما به.
لا بد من تقييده بعدم التعمد و عدم كونه على خلاف المتعارف، و الوجه فيه حينئذ ما مر منه رحمه اللّه من وقوع ذلك غالبا و الإجارة منزلة على الغالب، فلا يضر و لا تبطل الإجارة بذلك.
التاسعة عشرة: لا يجوز في الاستئجار للحج البلدي أن يستأجر شخصا من بلد الميت إلى النجف و شخصا آخر من النجف إلى مكة أو الى الميقات و شخصا آخر منها إلى مكة، إذ اللازم أن يكون قصد المؤجر من البلد الحج (۷۸) و المفروض أن مقصده النجف مثلا و هكذا، فما أتى به من السير ليس مقدمة للحج (۷۹)، و هو نظير أن يستأجر شخصا لعمرة التمتع و شخصا آخر للحج، و معلوم أنه مشكل (۸۰)، بل اللازم على القائل بكفايته أن يقول بكفاية استئجار شخص للركعة الأولى من الصلاة و شخص آخر للثانية و هكذا يتمم (۸۱).
الحج البلدي يكون على قسمين:
الأول: أن يتصدى نائب واحد لمباشرة ذلك من حين الخروج من البلد إلى الفراغ من الاعمال، و هذا لا يصح فيه استنابة شخص آخر لاعتبار وحدة النائب و مباشرته بنفسه في جميع مقدمات السير فيه إلى الفراغ من العمل، و الظاهر أن هذا هو المنساق من الحج البلدي عرفا فلا يجوز تعدد النائب في السير لأجل ذلك، سواء قلنا بوجوب مطلق المقدمة أم بخصوص الموصلة منها لأن مبنى الحكم شيء آخر لا كيفية وجوب المقدمة.
الثاني: أن يكون السير و الذهاب لأجل النيابة عن المنوب عنه، سواء كان ذلك بمباشرة شخص واحد أم أشخاص متعددة بحيث كان سيرهم و ذهابهم طولا لأجل النيابة عن المنوب عنه، و هو خلاف المنساق من الحج البلدي عند المتشرعة، فلا يصح سواء قيل بوجوب مطلق المقدمة أم خصوص الموصلة منها، لأن مبنى عدم الصحة شيء آخر لا ربط له بوجوب الموصلة و عدمه و منه تظهر الخدشة فيما ذكره بعض مشايخنا من ابتناء المسألة عليه.
لا ريب في أنه مقدمة في الجملة، و لكنه لا تنفع هذه المقدمة لفرض اعتبار وحدة المباشر للسير من البلد الى الفراغ من العمل، و يمكن أن يكون مراده بنفي المقدمة نفي أصل النيابة فيه من باب نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.
مر ما يتعلق به في كتاب الحج (فصل في صورة حج التمتع) الشرط الخامس۱٦، و لكن القياس مع الفارق لأن مسألة الحج و نحوه من التفكيك في الجزء و ما نحن فيه من التفكيك في الشرط الخارجي.
هذا أيضا لا ربط له بالمقام لأنه من التفكيك في الاجزاء الداخلية لعمل واحد له شخصية في النيابة، و لا ملازمة بوجه بين صحة التفكيك في النيابة في الشرط الخارج عن العمل رأسا و بين التفكيك فيها في الاجزاء، بل الشرائط الداخلية أيضا كالطهارة و الاستقبال بالنسبة إلى الصلاة.
العشرون: إذا استؤجر للصلاة عن الميت فصلى و نقص من صلاته بعض الواجبات غير الركنية سهوا، فإن لم يكن زائدا على القدر المتعارف الذي قد يتفق أمكن أن يقال لا ينقص من أجرته شيء (۸۲)، و إن كان الناقص من الواجبات و المستحبات المتعارفة أزيد من المقدار المتعارف ينقص من الأجرة بمقداره (۸۳) إلا أن يكون المستأجر عليه الصلاة الصحيحة المبرئة للذمة (۸٤)، و نظير ذلك إذا استؤجر للحج فمات بعد الإحرام و دخول الحرم حيث إن ذمة الميت تبرأ بذلك، فإن كان المستأجر عليه ما يبرئ الذمة (۸٥) استحق تمام الأجرة و إلا فتوزع و يتسرد ما يقابل بقية الأعمال.
لجريان الطريقة العرفية على ذلك و الإجارة منزلة على هذه الطريقة.
لما مر مرارا من تقسيط الأجرة على الأجزاء.
بحسب القواعد الثانوية الشرعية من التجاوز و الفراغ، و لا تعاد، و نحوها، و الظاهر أن هذا هو المراد فلا ينقص من أجرته شيء إلا مع التصريح بالخلاف.
كما هو الظاهر من حال المسلمين، و قد تقدم ما يتعلق بفروع هذه المسألة في كتاب الحج۱۷، (مسألة ۱۰) من فصل النيابة في الحج فلا وجه للإعادة و التكرار.
و الحمد للّه أولا و آخرا
و ظاهرا و باطنا و الصلاة على رسوله و أوصيائه المعصومين.
- راجع ج: ۱۷ صفحة: ٥۹- ۷۱.
- الوسائل باب: ۱۷ من أبواب المزارعة.
- الوسائل باب: ۱۷ من أبواب المزارعة.
- الوسائل باب: ۱۰ من أبواب المزارعة: ۲.
- الوسائل باب: ۱۷ من أبواب المزارعة: ۲.
- الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات: ۱۱ و غيره.
- الوسائل باب: ۱۱ من أبواب اللقطة: ۱ ج: ۱۷.
- الوسائل باب: ۱۱ من أبواب اللقطة: ۲ ج: ۱۷.
- الوسائل باب: ۱۳ من أبواب اللقطة: ۲ ج: ۱۷.
- الوسائل باب: ۱۳ من أبواب اللقطة: ۳ ج: ۱۷.
- الوسائل باب: ۱۳ من أبواب اللقطة: ۱ ج: ۱۷.
- راجع صفحة: ۱۰۸.
- الوسائل باب: ۹۳ من أبواب ما يكتسب به: ۳.
- الوسائل باب: من أبواب المزارعة.
- الوسائل باب: من أبواب المزارعة.
- راجع ج: ۱۲ صفحة: ۳٦۲.
- راجع المجلد الثاني عشر صفحة: ۲4۳.