و لم يكن ذلك بسوء اختياره، يجب عليه الخروج مع الإمكان،لوجوب تفريغ ملك الغير عن الكون فيه عقلا و شرعا،و لا حرمة في التصرفات الخروجية،لمكان الاضطرار بل تتصف بالوجوب فقط،و لا يحرم بقاؤه فيه مع عدم التمكن من الخروج و تصح صلاته فيه مع استيعاب الاضطرار،كل ذلك لقاعدة نفي الحرج،و حديث الرفع،بل الظاهر كونه من ضروريات المذهب إن لم تكن من الدين،من دون فرق في ذلك كله بين القول بجواز اجتماع الأمر و النهي،و القول بعدمه.
و أما إذا كان ذلك بسوء اختياره فالبحث:
تارة:في حكم خروجه عنه عرفا.
و اخرى:بحسب مسألة اجتماع الأمر و النهي بناء على الجواز.
و ثالثة:بحسب تلك المسألة بناء على الامتناع.
أما الأول:فالظاهر عن حال الناس رضاؤهم بخروج الغاصب و الظالم و السارق عن ملكهم،لا سيما إذا كان بعد إظهار ندامته و توبته،و عدم حصول تضرر في مالهم،و التضمين لو تحقق ضرر عليهم،بل الظاهر أن متعارف الناس يستنكرون على المالك لو أظهر عدم رضائه بالخروج مع ما ذكرناه.فإذا رضي المالك بالخروج يجب بلا إشكال،لوجود مقتضيه،و بذلك تسقط جملة من الأقوال،لبنائها على حرمة الخروج.
و يشهد لما قلناه عدم تعرضهم قدس سرّهم في ردّ المغصوب المنقول لاحتمال الحرمة،بل يصرّحون بوجوبه مطلقا مع أن المسألتين من واد واحد.و يمكن أن يقال:بأن الشارع يسقط اعتبار رضاه مع عدم التضرر،بل و معه لكن مع التضمين،فيصح الأمر بالخروج بلا مانع و مدافع،كما في صورة اضطرار الشخص إلى تناول غذاء الغير حفظا لنفسه و لو كان الاضطرار بسوء اختياره، و كما في مورد الاحتكار،فتخرج المسألة عن مورد البحث حينئذ.
و أما الثاني:فقد نسب إلى القائلين بالجواز أنه يتصف بالوجوب و الحرمة معا،لما عرفت من تعدد الحيثية.و لكنه مردود:
أولا:بما مرّ من أنه لا بد من اعتبار المندوحة في المسألة،و لا مندوحة في المقام.
و ثانيا:بأنه لا يتصور النهي الفعلي لمكان الاضطرار،فليس في البين تعدد الحكم حتى يكون من مورد الاجتماع إلا أن يقولوا بفعلية النهي في مورد الاضطرار إن كان حاصلا بسوء الاختيار،و لكنه من الدعوى بلا شاهد عليها بل هو على خلافها،لبنائهم في الفقه على سقوط النهي مع الاضطرار مطلقا،و مع ذلك ليس من مسألة الاجتماع لعدم المندوحة.
و أما الثالث:فقيل بوجوب الخروج شرعا بلا عقاب عليه فعلا لا من جهة النهي الفعلي و لا من جهة النهي السابق،لأن الاضطرار يسقط الخطاب و الملاك معا،فالمقتضى للوجوب موجود و المانع عنه مفقود.
و أشكل عليه:
أولا:بأن سقوط الخطاب لأجل الاضطرار معلوم بخلاف أصل المبغوضية،بل هو ثابت فلا وجه لتعلق الوجوب الشرعي بما هو مبغوض فعلي.
و فيه:إنه مبني على ترجيح ملاك الإيجاب على جهة المبغوضية تقديما للأهم على المهم فلا محذور فيه من هذه الجهة،فيكون نظير وجوب بيع مال الغير عند الاحتكار و الاضطرار مع أن التصرف في ملك الغير مبغوض مطلقا.
و ثانيا:بأنه يكون الإيجاب الشرعي لغوا و بلا أثر مع حكم العقل بلا بدّية الخروج.
و فيه:أن حكم الشرع حينئذ يكون إتماما للحجة،و تأكيدا لحكم العقل، و قطعا لعذر المكلف،كما في حرمة الظلم التي استقل العقل و العقلاء بها،و كما في وجوب ردّ المغصوب المنقول مع وجوبه عقلا و شرعا،و لو كان ذلك بسوء الاختيار فلا محذور في الوجوب الشرعي مع اللابدّية العقلية.
و أما عدم العقاب فلانقلاب موضوع الاختيار إلى الاضطرار،فتنقلب العوارض و اللوازم التابعة للموضوع لا محالة.
و قيل:بأنه واجب مع جريان حكم العقاب السابق عليه،و أما بالنسبة إلى الوجوب فقد تقدم تصحيحه و عدم المحذور فيه،و أما بالنسبة إلى جريان حكم العقاب فلا دليل عليه إلا جملة«الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا و إن نافاه خطابا».
و فيه:إنه لم يقم دليل من عقل أو نقل على كلية هذه الجملة،و عدها من القواعد المعتبرة و إن كانت صادقة على نحو الإهمال و في الجملة في مورد عمل الأصحاب بها فتنجبر بالعمل،و اعتبارها في المقام أول الكلام.
و قيل:بعدم الوجوب الشرعي أصلا،و لكن العقل يحكم باختيار أقل القبيحين.
و فيه:ما ثبت من إمكان تصوير الوجوب الشرعي من دون محذور فيه، نفسيا كان أو غيريا.هذا ما يتعلق بحكم الخروج.
و أما حكم الصلاة في حال الخروج فلا تصح في سعة الوقت و إمكان إتيانها في محل مباح بالاتفاق حتى عند القائلين بالجواز،و أما في الضيق فهي صحيحة حال الخروج بناء على الجواز،و كذا بناء على الامتناع و رضاء المالك بالخروج،كما استظهرناه،و كذا بناء على عدم رضاه مع تغليب جانب الأمر.
نعم بناء على عدم رضاه و تغليب جانب النهي لا وجه للصحة،و لكن أنى لنا إثبات ذلك في ضيق الوقت،مع أن الصلاة لا تسقط بحال،و يأتي أنه لا دليل على تغليب النهي مطلقا.