مادة (ذ ر أ) تأتي بمعنى: الفرق, والتفرّق.
وتدلّ على الظهور، ومنه: الخلق على الاختراع، لأنّ فيه إظهار الله تعالى ما أبدعه، ومنه: ذرأ الله تعالى الخلق, أي: أوجد أشخاصهم على الاختراع، وقد وردت في القرآن الكريم في ستة مواضع، وفي إيثاره في قوله تعالى: وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا [1], للإعلام بأنّه سبحانه الخالق الموجد، فلا بدّ من أن يكون جميع ما خلقه له عزّ, وجلّ دون أن يجعل له نصيبًا، فكان فيه التسفيه لآرائهم.
وفي (ذريّة): أبدلت الهمزة ياء، سواء كان أصلها من ذرأ بمعنى: الخلق، أو ذرر, من لفظ الذرّ، أو من ذري, أو ذرو, بمعنى: الإلقاء, والتفريق, يقال: ذريت الحبّ، أو ذروته؛ وهي اسم جمع, يطلق على نسل الإنسان, وعلى غيره، للاختلاف في الخصوصيّات, والهيأة، وقد يأتي الذراري في الجمع, وقد ورد هذا اللفظ في القرآن الكريم كثيرًا, ولا سيّما في قضايا إبراهيم (عليه السلام)، قال تعالى حكاية عنه (عليه السلام): رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ومِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ[2]، وقال تعالى: رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ [3].
[1] الأنعام : 136
[2] البقرة: 128
[3] إبراهيم: 37
الذرّة: قيل: إنّها الصغيرة من النمل، وسئل ثعلب عنها, فقال: “إنّ مائة نملة وزن حبّة، والذرّة واحدة منها”.
وقيل: الذرّة ليس لها وزن, لأنّها الهباء المبثوث في الهواء، ويُرى في شعاع الشمس الداخل من النافذة.
والصحيح أنّها مثال للشيء المتناهي في الصغر، وفي قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [1] إنّما ضرب المثال بالذرّة لأنّها أقلّ شيء ممّا يدخل في وهم البشر في عصر النزول، وإلا فإنّ العلوم الطبيعيّة المعاصرة قد أثبتت أشياء أصغر منها بكثير, لا ترى بالعين المجرّدة.
[1] النساء:40
الذِكر: الاستحضار, سواء كان باللسان, ومنه قوله تعالى: وهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ[1]، أو القلب, ومنه قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ[2]، أو هما معًا, ومنه قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ[3]، وكذا قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيامًا وقُعُودًا[4]، وفي الحديث: “كانت الأنبياء إذا أحزنهم أمر فزعوا الى الذكر”[5], وفي بعض الأخبار: “الصلاة” بدلا من الذكر، ويشهد له قوله تعالى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ[6],
وفي قوله تعالى: واذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[7], المراد بالذكر: حفظه: علمًا, وعملًا, لا مجرّد الذكر اللسانيّ، فإنّه لا ينفع ما لم يكن مقرونًا بالعمل, وهو ما في الروايات المستفيضة، ويدلّ على ذلك قوله تعالى فيها: لَعَلَّكُمْ, إذ التقوى لا تترتّب إلّا على العمل بما يحصل منه التقوى، لا على مجرد التلاوة فقط، فيكون المقام من باب ترتّب المعلول على العلّة, يعني: أنّ العمل به يوجب التقوى؛ ومن جملة ما أمروا بتذكّره وصف النبي (صلّى اللّه عليه وآله), والإيمان به.
[1] الأنبياء: 50
[2] البقرة: 152
[3] البقرة: 200
[4] النساء: 103
[5] مجمع البيان ج 1 – ص 182
[6] البقرة: 45.
[7] البقرة: 63
مادّة (ذكي) تدلّ على تمام الفعل, وإتمامه، لا مجرّد وقوعه, وإيقاعه، ومنه: الذَّكاء، أي السنّ (العمر), الّذي يقال في مرحلة الشباب؛ وفي غيرها لا يقال ذكاء, ومنه الذَّكاء: وهي سرعة الفطنة, وكمالها، والفعل منه ذَكِي، يذكِي ذَكاء، ومنه الذكاء: إذا تمّ اشتعال النار، يقال: ذَكَت النار تذكو ذكوًا وذكاء، وذكي البهيمة: إذا أزهق روحها؛ والتذكية الشرعيّة المقصودة بقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ[1], هي إزهاق روح الحيوان في غير الصيد, بفري الأوداج الأربعة بآلة من الحديد، متتابعًا من المذبح, مستقبل القبلة, ذاكرًا اسم اللّه تعالى عليه، قاصدًا للذبح، وأن يكون الذابح مسلمًا.
[1] المائدة : 3
الذل: الانكسار, والضعف, ومن أسمائه تعالى (المذلّ) أي: هو الذي يلحق الذلّ بمَن يشاء من خلقه، وينفي عنه جميع أنواع العزّ.
والذِلّة: ذلّ خاص قرين الإهانة, ضد العزّ الذي هو بمعنى: الامتناع؛ قال تعالى: وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ والْمَسْكَنَةُ[1], وقال تعالى: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا[2].
وهما, أي: الانكسار, والضعف, تارة يكونان عن قهر, فهو ذُلّ (بالضم) وأخرى: عن تصعّب, وشماس, فهو الذِل (بالكسر), وهي من صيغ الهيأة.
وضرب الذلّة عليهم: كناية عن ملازمتها لهم, وظهور أثرها فيهم, فلا خلاص لهم منها, كضرب السكّة على الفلز.
والذَلول: من البهيمة, ما كانت منقادة, ومعتادة للعمل, وفي قوله تعالى: قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ ولا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها [3]. أي: صعبة, ليست معتادة لعمل إثارة الأرض، ولا تطاوع لأنْ يسقى بها الزرع, أو يستقى عليها.
[1] البفرة: 61
[2] آل عمران: 112
[3] البقرة: 71
الذَنْب: مؤخّر الشيء, واستُعمل في النصيب أيضًا، قال تعالى: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ[1]، ويطلق على كلّ فعل يُستوخَم عقباه، ولذلك يُسمّى الذنب تبعة، وقد ورد في كثير من الدعوات, لما يتبع الإنسان من عواقب الفعل، قال تعالى: فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ[2]، وقال تعالى: أَنْ لَونَشاءُ أَصَبْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ[3].
والذنب على أقسام, وفي قوله تعالى: كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقاب[4], المراد به: الذنب الذي يرفع الحجّة, ويغلق باب التوبة، فلا تقوم الساعة إلا على شرار خلق اللّه تعالى.
والفرق بين الذنب, والجرم, بالاعتبار، لأنّه بمعنى: القطع، أي يقطع ارتباط صاحبه باللّه تعالى، فكلّ مجرم مذنب, وكذا العكس.
[1] الذاريات: 59
[2] الأنفال: 54
[3] الأعراف: 100
[4] آل عمران: 11
الذوق: معروف, وهو ما يكون باللسان لمعرفة طعم الطعام, وأصله في ما يقلّ تناوله دون ما يكثر, ثم اتّسع استعماله لإدراك سائر المحسوسات, والحالات, يقال: ذاق الأمرّين: إذا وقع في الشدائد, وكابد أهوالها, وقاسى آلامها.
وفي قوله تعالى: لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ[1], قال بعضهم: إنّ كلمة (ذق) تستعمل لمن آيس عن العفو، وهي تؤذن بأنّ ما هم فيه من العذاب, والهوان, يعقبه ما هو أشد من ذلك, وأدهى.
[1] آل عمران : 181