محاضرة رقم: – ( 044 للسيد عبد الأعلى السبزواري(قده).
الموضوع: – هل يشمل الخطاب بالتكاليف الحاضرين أو يعم الغائبين والمعدومين؟ – مبحث الاطلاق – مباحث الألفاظ – بحث الأصول.
تلخص من جميع ما مر أنّه لا يعتبر في جعل القانون والأحكام الإلهية مطلقاً حضور مخاطبٍ لدى الخطاب، فيصح الجعل ولو بالنسبة إلى المعدومين فضلاً عن الغائبين، وعلى فرض اعتبار الحضور نتنازل مع القوم فمن قال بأنه يعتبر حضور المخاطب في مجلس التخاطب في الخطابات الشرعية، ونحن نتنازل معهم ونقول إنَّ الحضور على أقسام: –
القسم الأول: – الحضور الجسماني الخارجي، كحضور زيد عن عمرو في مجلسه.
القسم الثاني: – الحضور الاحاطي الواقعي، كحضور جميع المخلوقات عند الله جل جلاله، فجميع ما وسى الله تبارك وتعالى موجود لدى الله وهو يخاطبهم حتى أنه يخاطب الجمادات لحضور الكل لديه.
القسم الثالث: – الحضور الاعتباري والحضور الرائي أي أن الله جلَّ جلاله يري نبيه الأعظم جميع أمته فيخاطبهم بالخطاب، ويدل على هذا الحضور ما ورد عنه صلى الله عليه وآله سلم:- ( دعيت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها )، رواه عنه الفريقان من العامة الخاصة:- ( دعيت أمتي فأريت أمتي سعيدها وشقيها )، فالأمة المرحومة من أوّل البعثة إلى يوم الحشر جميعها موجودة عند نبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بالوجود الاحاطي والعلم الارائي، ولا محذور في ذلك من عقلٍ أو نقل بل في رواياتنا الخاصة مستفيضة أو متواترة من أنهم عليهم السلام أجمعين قالوا:- ( الدنيا وما فيها ومن فيها بين يدي صاحب هذا الأمر كفلقة الجوزة بين يدي أحدكم )، فإذا كانت احاطة الواقع والاحاطة الارائية بهذا النحو من الاحاطة موجودة فجميع الأمة موجودة وحاضرة لديه، فسواء أردنا بتشريع الأحكام جعل القانون واعتباره بالحضور ولو تنازلنا وقلنا إنه لابد من الحضور فنحن نقول بالحضور العلمي الاعتباري اللحاظي الارائي ويدل عليه النص والاعتبار ولا محور فيه.
فهذا البحث إلى الآن ليس فيه ثمرة.
ثم إنهم قالوا: – إنَّ الخطابات مشتملة على البعث والزجر، فالخطابات الآمرة تبعث المكلف إلى اتيان المأمور به والناهية تزجر المكلف عن اتيان المنهي عنه والبعث والزجر يستلزمان الحضور، هذا اقوى أدلتهم فقالوا إن التكاليف مشتملة على الزجر والبعث، والبعث والزجر يستلزمان حضر الطرف لدى الآمر والناهي فيكون اعتبار الحضور من هذه الناحية.
وفيه: – إن البعث والزر على قسمين: –
القسم الأول: – أن يراد بالبعث والزجر إتمام الحجية واتمام البيان سواء انبعث وانزجر الطرف أو لا.
القسم الثاني: – أن يكون المراد بالبعث والزجر البعث الفعلي والانبعاث الفعلي من كل جهة والزجر الفعلي والانزجار الفعلي من كل جهة.
فإن كان مرادكم بالبعث والزجر القسم الأول أي إتمام الحجة والبيان فقد أثبتنا سابقاً أنَّ إثبات الحجة والبيان لا يتوقف على وجود مكلف أصلاً وأبداً، إذ يصح للمولى في نفسه وعند نفسه أن يقنّن قانوناً وأن يبين حكماً يتم حجة سواء كان في البين مكلف أو لا، نعم بعد وجود المكلف في الخارج ينطبق عليه إتمام الحجة وإتمام البيان قهراً، فإذا كان مرادكم هو إتمام البيان وإتمام الحجة فالتعليل به يتوافق مع عدم وجود المكلف ولا يتوقف على وجود المخاطب، وإن كان مرادكم من البعث والزجر الفعلي منه من كل حيثية وجهة بحيث يستلزم انبعاث المكلف وانزجاره لا دليل لنا من عقلٍ أو نقل أنَّ مرجع جعل التكاليف إلى هذا النحو من البعث والزجر، وإنما ما هو لازم في تشريع التكاليف هو البعث الشأني والزجر الشأني لا أن يكون معتبراً حين جعل التكليف البعث الفعلي والزجر الفعلي من كل جهة، لأنه يمكن أن يكون بل الواقع أيضاً كذلك أنَّ جمعاً كثيراً من أفراد المكلفين حين تشريع الحكم ليسوا واجدين لشرائط فعلية التكليف، فبعضهم لا عقل له وبعضهم لا بلوغ له وبعضهم فاقد لجميلة من الشرائط، فالبعث الفعلي من كل حيثية وجهة بالنسبة إلى جميع افراد المكلفين غير معقول لفرض أن جمعاً كثيراً منهم فاقدين لشرائط الفعلية، بل المناط هو البعث الشأني والزجر الشأني يعني قابلية التكليف لأن يكون باعثاً وقابلية التكليف لأن يكون زاجراً، وهذا المعنى يوافق مع غيبة المكلف ومع عدمه وعدم حضوره، فهذا الدليل ساقط أيضاً ولا وجه له.
هذه خلاصة أدلتهم.
ثم قالوا في بيان الثمرة لهذا البحث الطويل: – إنا إذا قلنا باختصاص بشمول الخطابات للقاعدين والمعدومين يشملهم نفس إطلاق الخطاب وإذا لم نقل بذلك فلابد لنا من تعيين الدليل إليهم من التمسك بدليل خارجي من إجماع أو ضرورة، فسمول الخطاب للغائبين والمعدومين مسلّم عند الكل، إلا أنه بناء على اختصاص الخطاب بخصوص المشافهين فالتكليف يعم الكل بدليل خارجي من إجماع أو غيره، وبناءً على عدم اختصاص الخطاب بخصوص المشافهين نفس الدليل بمنطوقة اللفظي المطابقي يشمل الكل.
وأصل هذه الثمرة ساقط أيضاً: – لما يأتي في محلّه إن شاء الله تعالى من أنَّ هذه الثمرة مبنية على اختصاص الخطاب بمن قُصِد إفهامه، فهناك بحثٌ في حجية الظواهر يأتي إن شاء الله تعالى وهو أن تكون ظواهر الأدلة شاملة للجميع ولو لم يكن ممن قصد تفهيمه، وبناءً على هذا المبنى المشهور بين العلماء من أنَّ ظاهر الكلام حجة مطلقاً ولو لم يكن قصد إفهامه فهذه الثمرة تكون ساقطة أيضاً، لأنا نقول إنَّ ظواهر كلمات نبينا الأعظم صلى الله علي وآل وسلم حجة لكل من التفت إليها سواء كان ممن قُصِد إفهامه كحاضري مجلس التخاطب أو لم يكن ممن قُصِد إفهامه كجميع الأمة إلى يوم القيامة، مع أنا نقول إنَّ جميع الأمة بالوحدة الاعتبارية من أوّلهم إلى يوم القيامة جميعهم ممن قُصِد إفهامهم فتشمل الظواهر للجميع أيضاً.
فهذا البحث لا ثمرة عملية فيه.