الموضوع: بحث الأصول – مباحث الألفاظ – المطلق والمقيد .
الاطلاق المتعارف في الفقه من أوله إلى آخره أقسام ثلاثة: –
الأول: – الاطلاق اللفظي وهو شايع في كل علم.
الثاني: – الاطلاق الحالي.
الثالث: – الاطلاق البياني.
فالإطلاق حالي ومقالي وبياني، وجميع أقسام الاطلاق متوقف على جريان مقدمات الحكمة، فكما أننا نحتاج إلى مقدمات الحكمة في الاطلاق اللفظي نحتاج إلى إليها أيضاً في الاطلاق الحالي، والفرق بينهما أنَّ الاطلاق اللفظي متقوّم باللفظ ولا يصح استفادة الاطلاق من غير اللفظ، لفرض أنَّ مدار الإفادة عليه، والاطلاق الحالي يستفاد من خصوص الحال، فحالة المتكلّم – أي الحالة الخاصة – تقتضي استفادة الاطلاق من مفهومه ومراده، فالإطلاق في أيّ مورد تحقق سواء كان حالياً أو مقالياً – أي لفظياً أو ذاتياً – بأيّ معنىً تحقق يتوقف على جريان مقدّمات الحكمة، فلو كان المتكلم في مقام البيان ولكن ليس بمتكلم فعلاً وسكت حين تكلّمه فمن سكوته إن استفدنا اطلاق مراده فحينئذٍ يصح الاعتماد على هذا الاطلاق، فلو أنا استفدنا الاطلاق من حالة المتكلم ولم يكن متكلماً وإنما من ذاته ومن شيءٍ آخر ومن سكوته كل ذلك اطلاق يصح الاعتماد عليه، لفرض أنَّ قرينة الحكمة قرينة عامة معتبرة عند العقلاء، ففي كل موردٍ تدل هذه القرينة وتثبت هذه القرينة يصح استفادة الاطلاق منها، لذا نرى الفقهاء رحمهم الله في جملة من الموارد لا يستفيدون الاطلاق من اللفظ بل يقولون إنَّ حالة المتكلم تقتضي الاطلاق، فبأيّ وجهٍ استفدنا مقصود المتكلم وأن مقصوده عدم التقييد والتوسعة والاطلاق يصح الاعتماد عليه سواء كان من مقال أو من حال أو من غير ذلك وجرت سيرة الفقهاء على الاعتماد على الاطلاق في جميع هذه الموارد.
ثم إنَّ اخراج الاطلاق في مقام الاثبات إما بالقطع أو بالظاهر والأصل، فتارة نقطع بأنَّ مراد المتكلم من لفظه هو الاطلاق دون التقييد وأخرى نستظهر ذلك من كلامه ونجري أصالة عدم التقييد، فيصح احراز الاطلاق بالقطع في كل مورد حصل القطع به من أي سبب كان، وتارة يحرز الاطلاق بالظاهر والأصل، أي كون المتكلم في مقام البيان ولم ينصب قرينة نحرز الاطلاق من هذا الأصل، وعلى كل واحد من القسمين إما أن يكون في الكلام ما يصلح للتقييد أو ما لا يكون في الكلام ما لا يصلح للتقييد، هذه أقسام أربعة: –
القسم الأول: – ما إذا أحرز الاطلاق بالقطع وكان في الكلام ما يصلح للتقييد، فلا ريب ولا إشكال في أنَّ القيد ساقط، لفرض أنا قطعنا بأنَّ مراد المتكلم هو الاطلاق فهذا الذي يحتمل أنه قيد يسقط بلا اشكال، فالإطلاق في هذه الصورة ثابت لا إشكال فيه.
القسم الثاني: – ما إذا أحرزنا الاطلاق بالقطع ولم يكون في الكلام ما يصلح للتقييد، فلا ريب اشكال في ثبوت الاطلاق حينئذٍ لوجود المقتضي وفقد المانع، لفرض أنا أحرزنا الاطلاق بالقطع وليس في الكلام ما يصلح للتقييد، فلا ريب ولا اشكال في ثبوت الاطلاق.
القسم الثالث: – ما إذا أحرز الاطلاق بظاهر الكلام أو بأصالة عدم التقييد ولم يكن في الكلام ما يصلح للقيدية، ففي هذه الصورة الاطلاق ثابت أيضاً لوجود المقتضي وفقد المانع، لفرض أنا أحرزنا الاطلاق إما بالظاهر وإما بالأصل وليس في البين ما يصلح للتقييد، فالإطلاق ثابت.
القسم الرابع: – ما إذا أحرز الاطلاق بالأصل وكان في البين ما يصلح للتقييد، فهل يكون حكم هذه الصورة حكم الصورة السابقة من ثبوت الاطلاق أو لا؟ الظاهر أنَّ هذا القسم يتأمل في استفادة الاطلاق فيه، لفرض أنَّ الاطلاق أحرز بالأصل والمفروض أنه يوجد في البين ما يصلح للقيدية والتقييد، فليس لنا دليل يصح الاعتماد عليه في مثل هذا المورد يدل على الاطلاق.
ففي الصور الأربعة المذكورة ثلاثة صور منها يصح الاعتماد فيها على الاطلاق لوجود المقتضي وفقد المانع، وصورة واحدة منها – وهي ما إذا أحرز الاطلاق بالأصل وكان في الكلام ما يصلح للتقييد – لم نستظهر أنَّ بناء العقلاء على الاعتماد على الاطلاق في مثل هذه الصورة.
وأما بالنسبة إلى القيد فيصح لنا إجراء أصالة عدم التقييد فيما إذا شككنا في أصل القيدية، فلو ورد علينا مطلق وشككنا في أنه هل ورد قيد أو لا فأصالة عدم التقييد جارية، كما في جملة من الموارد، بل في جميع الموارد، فلو توضأ أحد أو اغتسل وشك في أنه هل كان يوجد مانع وحاجب في بدنه يمنع غسله فأصالة عدم المانعية جارية، فلو ورد عام وشك في أنه هل ورد خاص أو لا فأصالة عدم صدور التقييد جارية، وهذا مسلَّم بينهم والأصل صحيح، ولكن لو كان في البين شك في شيءٍ وشككنا في أنه قيد أو مانع هل تجري أصالة عدم القيدية والمانعية في هذه الصورة أيضاً أو لا ؟ إنه إذا أحرز الاطلاق بالقطع فحينئذٍ تجري أصالة عدم القيدية في هذه الصورة أيضاً لفرض أنَّ إحراز الاطلاق بالقطع بما هو قوي تجري أصالة عدم القيدية، فأصالة عدم التقييد تجري فيما إذا شك في أصل القيدية أو شك في القيدية الموجودة إذا أحرز الاطلاق بقطعٍ معتبر، وكذا في أصالة عدم المانعية، فلو توضأ شخص أو اغتسل ثم رأى في مواضع غسله نقطةً وسواداً أو نحو ذلك فهل تجري أصالة المانعية للشك في مانعية الموضوع أو لا؟ نسب إلى جمعٍ بأنهم فرقوا بين جريان أصالة عدم المانعية في الشك في أصل المانعية فحكموا بجريان الأصل، وفي الشك في مانعية الموجود فحكموا بعدم جريان الأصل، لكن يظهر من بعض الأخبار عد الفرق بينهما والمسألة مذكورة مفصلاً في الفقه.
ثم إنَّ المعاني في جميع أنواع الاستعمالات وفي جميع الموارد على أقسام: –
القسم الأول: – المعاني الاستقلالية.
القسم الثاني: – المعاني الإفرادية.
القسم الثالث: – المعاني التركيبية.
والمعاني الإفرادية تتصور المفردات، والمعاني التركيبية كالجمل تركيبية كانت أو لا، فيعبرون عن العقود بالمعاني التركيبية لتوقفها إلى الايجاب والقبول، وكذا الجمل الشرطية.
القسم الرابع: – المعاني الطبعية، فجميع الحروف وما يلحظ بها داخل في المعاني الطبعية.
ومقتضى التحقيق أنَّ الاطلاق يشمل جميع تلك المعاني الأربعة التي ذكرناها، فالمعاني الإفرادية تتصف بالاطلاق، زيد إلى غير ذلك مطلق، والمعاني التركيبية تتصف بالاطلاق، إن جاءك زيد فأكرمه مطلقٌ، إن جاءك زيد وأكرمك فأكرمه مقيّدٌ، فالمعاني الإفرادية والمعاني التركيبية تتصف بالاطلاق والتقييد بلا إشكال، وكذا المعاني الاستقلالية، والفعل والحرف من المعاني الاستقلالية ويتصفان بالاطلاق والتقييد، وكذا القسم الرابع وهو المعاني الطبعية، والمعاني الحرفية بأجمعها تتصف بالاطلاق والتقييد باعتبار المعاني الاستقلالية، فالمعاني الاستقلالية تتصف بالاطلاق والتقييد أولاً وبالذات، والمعاني الطبعية تتصف بالاطلاق والتقييد ثانياً وبالعرض، فجميع هذه المعاني الأربعة التي يدور عليها نظام الافادة والاستفادة مطلقاً تتصف بالاطلاق والتقييد.
وأما الأعلام الشخصية: – ففيها جهتان: –
الجهة الأولى: – لحاظ ذات العَلَم من حيث هو.
الجهة الثانية: – لحاظ الاضافات والنسب والعوارض الملحقة بالعَلَم الشخصي، فإذا لاحظنا نفس العَلَم الشخصي من حيث هو فإنه لا يتصف بالاطلاق، لأنَّ الشخصية الذاتية تنافي الاطلاق بلا إشكال، ولكن إذا لاحظنا عوارضه فإنه يتصف بالاطلاق من تلك الجهة، فإذا لاحظت ذات زيد من حيث هو عَلَمٌ شخصي لا وجه لاتصافه بالاطلاق، لفرض أنه مشخَّص ولا إطلاق فيه، ولكن إذا لاحظت ذات زيدٍ من حيث طوله وقصره وسواده وبياضه ومكانه إلى غير ذلك فحينئذٍ يصح اتصاف الأعلام الشخصية بالاطلاق والتقييد بلحاظ العوارض والاضافات والخصوصيات.