1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة فاتحة الکتاب
  10. /
  11. الآیات 2 الی 4

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (۲) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (۳) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)


قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ: الألف و اللام للجنس أو الاستغراق، و المعنى واحد و الفرق بالاعتبار فإذا لوحظ الحمد من حيث طبعه و ذاته الشامل لجميع ما يدخل تحته من الأفراد يطلق عليه الجنس و إذا لوحظ من حيث الأفراد فهو استغراق، فالحقيقة واحدة و الفرق بالإجمال و التفصيل. و على أي تقدير يفيد الانحصار به تعالى، كما سيأتي.

الحمد:هو الثناء على الجميل الاختياري،و المعنى أنّ كل حمد يصدر من أي حامد اختياريا كان أو غير اختياري(تكويني)فهو للّه تعالى لأنّ الكل مخلوق و مربوب له عزّ و جل فهو الخالق و المدبر لجميع ما سواه فيرجع ما سواه إليه سبحانه،قال تعالى: أَلاٰ إِلَى اَللّٰهِ تَصِيرُ اَلْأُمُورُ  [سورة الشورى،الآية:٥۳]فكما أنه تعالى مبدأ الكل يستلزم أن يكون حمد الكل له،و في الآيات دلالات واضحة عليه،قال تعالى: لَهُ اَلْمُلْكُ وَ لَهُ اَلْحَمْدُ   [سورة التغابن،الآية:1]و قال تعالى: وَ لَهُ اَلْحَمْدُ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ   [سورة الروم،الآية:18]،و قال تعالى: لَهُ اَلْحَمْدُ فِي اَلْأُولىٰ وَ اَلْآخِرَةِ   [سورة القصص،الآية:70]. ثم إنّ هناك عناوين أربعة:الحمد،و المدح،و الشكر،و التسبيح. و نسب إلى أهل اللغة و جمع من الأدباء و المفسرين أنّ الأول-هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري،و الثاني-هو الثناء باللسان على الجميل و لو لم يكن. اختياريا،كما في قولك:مدحت اللؤلؤ على صفائها،و النجوم اللامعة على جلائها و بهائها،فيكون الفرق بينهما بالعموم و الخصوص.و لم يرد لفظ المدح في القرآن الكريم،كما أنّه لم يستعمل الحمد فيه إلاّ للّه تبارك و تعالى.و الثالث ما أنبأ عن عظمة المنعم سواء أ كان بالقلب أو اللسان أو الأركان،فالتفكر في عظمته تعالى شكر له و ذكره باللسان و فعل الصّلاة شكر له أيضا،فالحمد أعم من الشكر من ناحية المتعلق،لأنّه الجميل الاختياري سواء أ كان للحامد أم لغيره،و أخص منه من ناحية المورد لأنّ مورده اللسان فقط في الإنسان،و الشكر بالعكس فإنّ متعلقه الإنعام على الشاكر فقط و مورده يعم القلب و اللسان و الأركان.و قد ورد الشكر في القرآن بالنسبة إليه تعالى كثيرا،قال تعالى:  وَ اُشْكُرُوا لِي وَ لاٰ تَكْفُرُونِ  [سورة البقرة،الآية:۱٥۲]،و قال تعالى:  وَ اُشْكُرُوا لِلّٰهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيّٰاهُ تَعْبُدُونَ  [سورة البقرة،الآية:172]،و قد يكون من اللّه عزّ و جل لعباده قال تعالى: فَأُولٰئِكَ كٰانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً  [سورة الإسراء،الآية:19]،و قال تعالى: وَ كٰانَ اَللّٰهُ شٰاكِراً عَلِيماً  [سورة النساء، الآية:۱٤۷].و المراد بشكره تعالى هو الجزاء على الخير سواء كان في الدنيا،أو في الآخرة أو فيهما معا.كما يقع من الخلق للخلق قال تعالى: أَنِ اُشْكُرْ لِي وَ لِوٰالِدَيْكَ إِلَيَّ اَلْمَصِيرُ  [سورة لقمان،الآية:۱٤].و التسبيح هو التنزيه عن كل نقص مطلقا و يختص ذلك باللّه تعالى كاختصاص الحمد به تعالى،قال تعالى:  سُبْحٰانَ اَللّٰهِ عَمّٰا يَصِفُونَ  [سورة الصافات،الآية:۱٥۹]،و قال تعالى:  وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّٰ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لٰكِنْ لاٰ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ  [الإسراء، الآية:٤٤]و يأتي التفصيل.هذا ما هو المعروف بينهم. و هنا وجه آخر و هو أن مادة(ح م د)مع مادة(م د ح)واحدة في أصل المواد،و إنما الاختلاف بالتقديم و التأخير و هذا الاختلاف أوجب اختصاص لفظ الحمد باللّه تعالى،و إطلاق المدح على غيره أيضا،فيكون لفظ الحمد كلفظ(اللّه،و الرحمن)مختصا به تعالى فلا ينبغي إطلاقه بالنسبة إلى غيره عزّ و جل و لو أطلق يكون بمعنى المدح،بخلاف المدح فإنه يطلق على غيره تعالى إطلاقا شائعا هذا من ناحية الحصر اللفظي. و أما من ناحية الحصر المعنوي فلا ريب في أن الممكنات له و منه و به تعالى و قد ثبت في محله أن كل ما بالغير يكون بذاته و كماله منه فكمال الكل و محمودية الكل ترجع إليه. ثم إنّ الحمد يكون من اللّه تعالى لذاته المقدسة و هو كثير في القرآن،قال تعالى: وَ لَهُ اَلْحَمْدُ فِي اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ  [سورة الروم،الآية: 18]،و قال تعالى: اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ فٰاطِرِ اَلسَّمٰاوٰاتِ  [سورة فاطر،الآية:1]و قال تعالى: فَلِلّٰهِ اَلْحَمْدُ رَبِّ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ رَبِّ اَلْأَرْضِ  [سورة الجاثية،الآية: ۳٦]. و يكون من خلقه له تعالى: وَ قٰالُوا اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ اَلَّذِي هَدٰانٰا لِهٰذٰا  [سورة الأعراف،الآية:٤۳]. و أما التسبيح فيقع منه تعالى و من خلقه له،و لكن لا يقع من الخلق للخلق،كما يأتي التفصيل. قوله تعالى:  رَبِّ اَلْعٰالَمِينَ   :لهذا الاسم[رب]الشريف منزلة عظيمة في الكتب السماوية لا سيما القرآن المهيمن على جميعها فهو من أمهات الأسماء المقدسة كالحي،و القيوم بل هو الأم وحده،لأنه ينطوي فيه الخالق و العليم و القدير و المدبر و الحكيم و غيرها،فإنه غير الخلق كما يستفاد من قوله تعالى: رَبُّ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ اَلَّذِي فَطَرَهُنَّ  [سورة الأنبياء،الآية:٥٦] أي خلقهنّ. و قد ذكر بعض المفسرين تبعا لجمع من اللغويين أنّ الرب بمعنى المالك و الملك أو الصاحب.لكن التدبر في استعمالات هذا اللفظ يعطي أن الملك شيء و ربانيته شيء آخر قال تعالى: ذٰلِكُمُ اَللّٰهُ رَبُّكُمْ لَهُ اَلْمُلْكُ   [سورة الزمر،الآية:٦]و قال تعالى بِرَبِّ اَلنّٰاسِ `مَلِكِ اَلنّٰاسِ `إِلٰهِ اَلنّٰاسِ   [سورة النّاس:الآية:٤]فإن فيه خصوصية-ليست هي في المالك و الملك و الصاحب-و هي الربوبية الحقيقية الناشئة عن الحكمة الكاملة التي لا يتصور النقص فيها بوجه،فالتكوين شيء و تنظيم عالم التكوين بتربيبه على النظام الأحسن شيء آخر،قال تعالى: وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ  (سورة الأنعام، الآية:۱٦٤].و يدل على ذلك مضافا إلى ما ذكر عدم صحة استعمال كل واحد منها مقام الآخر في الاستعمالات الصحيحة إلاّ بالعناية. و على أية حال فإنّ الرب مجمع جميع أسماء أفعال اللّه المقدسة لأن جميع أفعاله تبارك و تعالى متشعبة من جهة تدبيره تعالى،و تربيبه في كل موجود بحسبه فالرب مظهر الرحمة و الخلق و القدرة و التدبير و الحكمة فهو الشامل لما سواه تعالى،فإنهم المربوبون له تعالى على اختلاف مراتبهم. فكم فرق بين الربوبية المتعلقة برسوله الأكرم(صلّى اللّه عليه و آله)أو سائر الأنبياء العظام أو الملائكة المقربين و ما تعلق بسائر النّاس. فالربوبية لها مراتب تختلف باختلاف مراتب المربوب و المتعلق،قال تعالى:  اِقْرَأْ وَ رَبُّكَ اَلْأَكْرَمُ  [العلق،الآية 3]،و قال تعالى: وَ تَرَى اَلْمَلاٰئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ اَلْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ  (سورة الزمر،الآية:۷٥]و قد ورد في الأثر عن الأئمة الهداة(عليهم السّلام):«رب الملائكة و الروح». و قد قرن هذا اللفظ في القرآن الكريم بما يفيد عظمته و جلالته قال تعالى: سُبْحٰانَ رَبِّكَ رَبِّ اَلْعِزَّةِ  [سورة الصّافات،الآية:180]،و قال تعالى: وَ رَبُّ اَلْعَرْشِ اَلْعَظِيمِ  [سورة المؤمنون،الآية:۸٦]،و قال تعالى: اَللّٰهَ رَبَّكُمْ وَ رَبَّ آبٰائِكُمُ اَلْأَوَّلِينَ  [سورة الصافات،الآية:۱۲٦]، و قال تعالى: سَلاٰمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ  [سورة يس،الآية:٥۸]،و قال تعالى: بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ  [سورة سبأ،الآية:۱٥]إلى غير ذلك من الآيات المباركة. و لجلال عظمته وقع مقسما به قال تعالى: فَلاٰ وَ رَبِّكَ لاٰ يُؤْمِنُونَ   [سورة النساء،الآية:٦٥]و قال تعالى: فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ  [سورة الحجر،الآية:92]،و قال تعالى: فَوَ رَبِّ اَلسَّمٰاءِ وَ اَلْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ  [سورة الذاريات،الآية:23].

و لأجل ما تقدم-من أنه أم الأسماء،و كونه مظهرا لجملة من أسمائه المقدسة-لم يرد في القرآن الكريم دعاء من عباده إلاّ مبدوّا باسم الرب قال تعالى: رَبَّنٰا آتِنٰا فِي اَلدُّنْيٰا حَسَنَةً وَ فِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً  [سورة البقرة،الآية: 201]و قال تعالى: رَبَّنَا اِغْفِرْ لَنٰا ذُنُوبَنٰا  [سورة آل عمران،الآية:۱٤۷] و قال تعالى: رَبِّ اِجْعَلْ هَذَا اَلْبَلَدَ آمِناً  [سورة إبراهيم،الآية:۳٥]و قال تعالى: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ اَلْمَوْتىٰ  [سورة البقرة،الآية:۲٦۰]و غيرها من الآيات المباركة. و لعل السر في ذلك هو إفادة هذا اللفظ حالة الانقطاع إلى اللّه تعالى أكثر من غيره و لذا وقع من أنبيائه العظام في تلك الحالة قال تعالى عن لسان نبينا الأعظم(صلّى اللّه عليه و آله):« يٰا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اِتَّخَذُوا هٰذَا اَلْقُرْآنَ مَهْجُوراً  [سورة الفرقان،الآية:30]،و قال تعالى عن لسان نوح(عليه السّلام): رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهٰاراً  [سورة نوح،الآية:٥]. فليس في أسمائه المقدسة أعم نفعا و أكمل عناية و لطفا من اسم(الرب) بالمعنى الذي ذكرناه،و لعل المراد بقوله تعالى: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ  [سورة المؤمنون،الآية:88]و قوله تعالى: أَ وَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ  [سورة الأعراف،الآية:۱۸٥]و قوله تعالى: فَسُبْحٰانَ اَلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ  [سورة يس،الآية:83]هو الربوبية العظمى الإلهية فإن التغييرات و التبدلات اللازمة لعالم الكون و الفساد،و الإفاضات الحاصلة منه تعالى على العوالم هي عبارة عن الملكوت المضافة اليه تعالى. مع أن الثابت في علم الفلسفة ان ما سواه تبارك و تعالى يحتاج إليه تعالى في البقاء كما يحتاج إليه في أصل الحدوث ففي كل لحظة-بل أقل منها-له رحمة خالقية و ربوبية بالنسبة إلى ما سواه من الموجودات و هذا هو معنى القيمومية المطلقة التي لا يمكن إحاطة الإنسان بها و بالربوبية العظمى كعدم إمكان الإحاطة بذاته تعالى و تقدس شأنه. قوله تعالى:  اَلْعٰالَمِينَ   :جمع عالم و هو أيضا جمع،لا واحد له من لفظه كالقوم و الرهط و النفر،و اشتقاقه من العلامة بمعنى الدلالة فكل ما هو مخلوق علامة و آية كاشفة عن خالقه،كما أن كل معلول أو مصنوع علامة للعلة أو الصانع.و الممكن علامة عقلية للواجب بالذات،فكل ممكن عالم من عوالمه عزّ و جل بذاته و كذا كل ما يتعلق من عوارضه و آثاره و خواصه من أدنى الموجودات إلى أرقاها فجميع الموجودات عوالمه و جميع عوالمه آياته و يأتي في الأخبار تفسير العالمين بالجماعات من المخلوقات أيضا. و عن جمع إن العالم لا يطلق إلاّ على كل جماعة متمايزة لأفرادها صفات تقربها من العقلاء و إن لم تكن منهم و ذاك لأن هذه العوالم هي التي يظهر فيها معنى التربية.و هو فاسد لأنه إن كان المراد به التغليب فله وجه،و إن كان المراد عدم الصدق الحقيقي على ما لا يعقل فهو مخالف لصحة إطلاق عالم التكوين فإن إطلاقه يشمل الجمادات أيضا.و إن اثر التربية يظهر في كل ما يسمى شيئا قال تعالى: وَ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ  [سورة الأنعام،الآية:۱٦٤].فلا اختصاص للتربية بمن يعقل. ثم إنّ معنى العالم و مدلوله وسيع جدا و غير محدود بحد،بل غير متناه-بالمعنى الذي سنبينه إن شاء اللّه تعالى-فمن أقرب العوالم إلى الإنسان عالم التراب-الذي يكون محسوسا له و هو عظيم لم يتمكن الإنسان من إدراك جميع خصائصه و جهاته.مع أنه من أجل العوالم نفعا،و كذا بالنسبة إلى عالم الإنسان الذي كل من أراد فهمه لا يزداد إلاّ تحيرا فيه،و هكذا غيرهما من العوالم،فليس للإنسان إلاّ الاعتراف بالعجز و القصور أمام جلال عظمته تبارك و تعالى. و العوالم تارة:تكون في نفسها مترتبة منظمة بأن يكون كل سابق مقتضيا للاحقه،فيصح أن يقال: أول ما خلق اللّه العقل في عالم الروحانيين و المجردات، كما في الحديث . و أول ما خلق اللّه تعالى في عالم الماديات الماء، كما عن علي(عليه السّلام) .و أول ما خلق اللّه في عالم الأعراض الحروف،كما في بعض الأخبار إلى غير ذلك مما ورد في أوّليات خلق عوالمه تعالى،و للفلاسفة من الأقدمين بل و من المسلمين مباحث علمية في بيان العوالم المترتبة(طولية)و قد أثبتوا ذلك بالبرهان و سيأتي تفصيل العوالم في محله إن شاء اللّه تعالى. و أخرى:لا ترتب بينها بل ينشأ جمع من تلك العوالم عن مبدإ واحد في عرض واحد،كما نشاهد ذلك في عالم الطبيعة. و ثالثة:تكون مركبة من القسمين كما هو المحسوس في عالم النطفة في صلب الرجال ثم مسيرها إلى الرحم و مجيئها إلى هذا العالم و كذا كل ما هو في مسير الاستكمال و الارتقاء و تسمى هذه العوالم الطولية و في عرض ذاك عوالم أخرى إن لوحظت مع نظيرها،كما تقدم في القسم الثاني. و هناك عوالم(طولية)أخرى يمر الإنسان عليها و هي عالم الدنيا،و عالم البرزخ،و عالم النشر و الحشر،و عالم الخلود،و سيأتي بيانها في الآيات المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى. نعم هنا بحث و هو أنّ العوالم هل هي متعددة حقيقة أو أنّ تعددها اعتباري محض؟عن بعض المحققين من المتألهين أنّ العالم واحد و هو عالم الدنيا و غيره من عوالم البرزخ و الحشر و النشر و الخلود من تبعاتها و شؤونها فتكون الدنيا كالمادة للجميع السارية فيها فيكون العالم واحدا حقيقة،و سيأتي تفصيل هذا البحث في الآيات المناسبة له. و كل ما تقدم من العوالم-بشؤونها و أصنافها-غير متناهية بجميع مراتبها-و يأتي شرح ذلك مفصلا-و أنّها مخلوقة بأحسن خلق و أكمل نظام،كما أن جميع تلك الأصناف غير المتناهية مورد ربوبيته العظمى و قيمومته المطلقة و له المعيّة(الإحاطة)التدبيرية بكل ما سواه من العالم،و لكن تلك المعية في العباد لا توجب سلب اختيارهم،لأن الإختيار فيهم ثابت لفرض وجود التربية التشريعية و هي لا تعقل بدون الإختيار. و أما تربيته التكوينية فهي منحصرة بإرادته و اختياره تعالى كما يأتي تفصيل هذا الإجمال في محله إن شاء اللّه تعالى. ثم إنّ في ذكر رب العالمين بعد الحمد دلالة على أن من موجبات استحقاقه تعالى للحمد هو كونه رب العالمين. 1\3 قوله تعالى:  اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ   :تقدم تفسيرهما.و إنما كرر سبحانه و تعالى:  «اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ»   هنا،بناء على جزئيّة البسملة للفاتحة،كما هو الحق عند المسلمين،لأنّ الرحمن الرحيم،لوحظا في البسملة بالعنوان العام من كونهما من صفات الذات الأقدس بلا إضافة إلى شيء،و في الفاتحة لوحظا باعتبار منشأ استحقاقه تعالى للحمد،فهذه الخصوصية توجب الاختلاف في الجملة،و بها يرتفع التكرار. 1\٤ قوله تعالى:  مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ   .هذه المادة(المالك)بأي هيئة استعملت تكون بمعنى الاستيلاء و الإحاطة و الاحتواء سواء أ كان بالنسبة إلى الخلق و الإيجاد أو بالنسبة إلى النظم أو الانتظام.نعم؛هي في المخلوق محدودة لفرض محدودية ذاته و صفاته و في الخالق لا وجه للتحديد فيه بوجه من الوجوه،و ذكر يوم الدين من باب ذكر بعض المصاديق لنكتة لا للانحصار كما ستعرف. نعم؛مالكية يوم الدين تستلزم مالكيته لجميع العوالم السابقة عليه نحو استلزام النتيجة للمقدمات كما أن مالكية الدنيا ملازمة لمالكية يوم الدين كاستلزام المقدمات للنتيجة المنطوية فيها،مع أن قوله تعالى: بِيَدِهِ اَلْمُلْكُ [سورة تبارك،الآية:1]،و قوله تعالى: لَهُ اَلْمُلْكُ وَ لَهُ اَلْحَمْدُ  [سورة التغابن،الآية:1]،و قوله تعالى: بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ  [سورة المؤمنون،الآية:88]عام يشمل جميع العوالم و مالكيته لها بالدلالة المطابقية. ثم إنه وردت هذه المادة بأغلب مشتقاتها في القرآن الكريم فقد أطلق فيه الملك(بفتح الميم و كسر اللام)بالنسبة إليه تعالى: لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ اَلْمَلِكُ اَلْقُدُّوسُ اَلسَّلاٰمُ  [سورة الحشر،الآية:23]و قال تعالى: فَتَعٰالَى اَللّٰهُ اَلْمَلِكُ اَلْحَقُّ  [سورة طه،الآية:۱۱٤]،و قال تعالى: مَلِكِ اَلنّٰاسِ  [سورة الناس،الآية:2]كما ورد الملك(بضم الميم و سكون اللام)مضافا إليه تعالى كثيرا قال تعالى: لَهُ مُلْكُ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضِ  [سورة الحديد،الآية:2]،و قال تعالى: ذٰلِكُمُ اَللّٰهُ رَبُّكُمْ لَهُ اَلْمُلْكُ  [سورة فاطر،الآية:13]، و قال تعالى: تُؤْتِي اَلْمُلْكَ مَنْ تَشٰاءُ وَ تَنْزِعُ اَلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشٰاءُ  [سورة آل عمران، الآية:۲٦].و قد ورد المالك،قال تعالى: اَللّٰهُمَّ مٰالِكَ اَلْمُلْكِ  [سورة آل عمران،الآية:۲٦].كما ورد المليك أيضا،قال تعالى: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ   [سورة القمر،الآية:٥٥]و لم يرد الملك(بكسر الميم و سكون اللام)لإغناء الملك(بضم الميم)عن ذلك بالأتم و الأكمل،و لعل عدم وروده في القرآن لأنه غالبا يستعمل في الأمور الزائلة و هو تعالى منزه عن إضافة مثله إليه. هذا و قرئ(ملك)لأن كل ملك يستلزم المالك و لا عكس.و الظاهر أنه لا فرق بالنسبة إليه تعالى لكونه مالكا في عين ملكيته تعالى و بالعكس فكما أنه تعالى رب العالمين بالنسبة إلى جميع الموجودات كذلك ملك و مالك بالنسبة إلى جميعها أيضا. و قد يرجح قراءة(مالك)،لأن المالكية تشمل ملكية الأجزاء و الجزئيات بخلاف(ملك)،فإن الملكية هي التسطير على الكل.هذا بحسب اللغة. و أما بالنسبة إليه تعالى فقد قلنا:إنه لا وجه لذلك،كما تقدم،و ان كان قراءة(مالك)أوفق بالعرف.  يَوْمِ   :المراد به هو الوقت،و ان كان إطلاقه على الزمان الذي لا ظلام فيه بالطبع إطلاقا شائعا و لكن ليس بحسب ذاته و من مقوماته فهو غير محدود بحد معين بل هو بالنسبة إلى هذا العالم الذي نحن فيه المقدر فيه الليل و النهار لأجل دوران الكرة الأرضية لا بالنسبة إلى جميع العوالم،و لذا لم يذكر اليوم في القرآن في مقابل الليل و إنما ذكر النّهار في مقابله. و مما يدل على عدم التحديد فيه قوله تعالى: إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ  [سورة الحج،الآية:٤۷]،و قوله تعالى: خَلَقَ اَلسَّمٰاوٰاتِ وَ اَلْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّٰامٍ  [سورة الأعراف،الآية:٥٤]،و قوله تعالى: فَقَضٰاهُنَّ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ فِي يَوْمَيْنِ  [سورة فصلت،الآية:12]بناء على أن اليوم المعهود لدينا إنما حدث بعد خلق السموات و الأرض و لا وجه لأخذ الحد الخاص الحاصل من خصوصيات عالم معين في معنى الكلمة الذي هو عام و شامل لجميع العوالم إلاّ إذا كانت هناك قرائن معتبرة خارجية تدل على خصوصية معينة و حد خاص.  اَلدِّينِ   :هو الجزاء و يوم الدين هو يوم الجزاء على الأعمال و حسابها،كما في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: اَلْيَوْمَ تُجْزىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ  [سورة غافر،الآية:17]،و قوله تعالى: اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مٰا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ  [سورة الجاثية،الآية:28].الى غير ذلك من الآيات المباركة. و المستفاد من مجموع الآيات أنّ الإنسان من بدء حدوثه إلى خلوده هو في يومين:يوم العمل الذي يعبّر عنه ب(الدنيا)و يوم الجزاء المعبّر عنه ب(الآخرة)،أو يوم القيامة،أو غير ذلك. و قد وصف اللّه تعالى هذا اليوم بأوصاف شتى كالعظيم،قال تعالى:  فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ  [سورة مريم،الآية:37]؛ و المحيط كقوله تعالى: وَ إِنِّي أَخٰافُ عَلَيْكُمْ عَذٰابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ  [سورة هود، الآية:۸٤]،و بأنواع الحوادث العظيمة الهائلة قال تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَهٰا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّٰا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذٰاتِ حَمْلٍ حَمْلَهٰا وَ تَرَى اَلنّٰاسَ سُكٰارىٰ وَ مٰا هُمْ بِسُكٰارىٰ  [سورة الحج،الآية:2]. و كل ذلك لأجل بيان نهاية عظمة اليوم؛و قد لخصها اللّه تعالى في سورة الإنفطار بأحسن تلخيص و أكمل بيان و أتم دهشة،و في المقام مباحث تأتي في مواضعها المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى. و إنما ذكر اللّه عزّ و جل  «مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ»   مع أنه تعالى مالك لجميع ما سواه و لم يخرج عن ملكه شيء لأن يوم الدين مظهر ثبوت الوحدانية المطلقة و الربوبية العظمى الإلهية عند الكل و انقهار الجميع تحت قهاريته و هو يوم ظهور فساد الشرك الذي توهمه النّاس بزعمهم و خيالهم فيوم الدين يوم يظهر فيه التوحيد الحقيقي و العدل الإلهي. و إنما ذكر  «مٰالِكِ يَوْمِ اَلدِّينِ»   بعد  «اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ»   ترغيبا لعباده

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"