1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 8 الى 10

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (۸) يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ ما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ (۹) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (۱۰)


ذكر سبحانه أولا المؤمنين حقا و هم الذين أخلصوا دينهم للّه، ثم ذكر الكافرين حقا و هم الذين محضوا في الكفر. و اللازم منهما أنّ هناك قسمين‏ آخرين هما من أبطن الكفر و أظهر الإيمان و هم المنافقون، و من أظهر الكفر و أبطن الإيمان؛ حيث إنّ للإنسان قلبا و لسانا فيمكن أن يعتقد بقلبه شيئا و يظهر بلسانه خلافه، و يأتي الثاني عند قوله تعالى: إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ [سورة النحل، الآية: ۱۰٦].
و في هذه الآيات يذكر حال المنافقين الذين جعلهم اللّه تعالى في عرض الكفار في الدنيا فقال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ [سورة التوبة، الآية: 73] كما أنه جمعهم في الآخرة فقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [سورة النساء، الآية: ۱٤۰].
و قد عطف هذه الطائفة على الطائفة الثانية لما بينهما من الصّلة و الترابط في الكفر بينما قطع الثانية عن الأولى لما بينهما من التباين و الاختلاف.
و قد وصف سبحانه و تعالى حال الطائفة الثانية في آيتين و حال المنافقين في ثلاث عشرة آية هنا لأنهم أشد ضررا على المسلمين من غيرهم. و انهم فرقة من النّاس توجد في كل عصر و زمان و لا تختص بالمنافقين في عصر التنزيل و إن كانت تتناولهم تناولا أوليا و قد اعتنى اللّه سبحانه بذكر أوصافهم و توبيخهم ليتجنب المؤمنون عن كيدهم و إغوائهم و تضليلهم و خبثهم و إلّا فهم من الكافرين لنفي الإيمان عنهم حيث قال تعالى: وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فالتقسيم ثنائي في الواقع المؤمن، و الكافر. و إنما أهمل سبحانه ذكر أسمائهم لأن من أدب القرآن الستر مهما أمكن، و لأن الأمر من قبيل القضية الحقيقية شامل لكل من يكون كذلك.

ذكر سبحانه جملة من صفات المنافقين في هذه الآيات الشريفة: منها قوله تعالى: يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ ما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ فنفى الإيمان عنهم. و إنما خص سبحانه الإيمان باللّه و اليوم الآخر بالذكر و لم يحك عنهم الإيمان بالأنبياء لاستلزام الإيمان بالمبدأ و المعاد الإيمان بالأنبياء أيضا كما عرفت سابقا.
و ما يقال: من أنّ للمنافقين أعمالا حسنة في حد نفسها أيضا فكيف يعدون من الكفار بقول مطلق (مردود) بأنّ الأعمال الحسنة من المنافق إنّما صدرت لأجل أغراضهم الشريرة فلا وجه لترتب الأثر الحسن عليها فنفي حقيقة الإيمان عنهم يجزي عن هذه التكلفات.
و منها قوله تعالى: يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا. الخدع: المكر. و هو إظهار شي‏ء و إخفاء خلافه، و هو من أقبح الرذائل و شر الصفات.
و عن بعض الأدباء أن المخادعة من فعل الطرفين و جعلوا ذلك هو الأصل في صيغ المفاعلة و تبعهم جمع من المفسرين ثم قالوا إنّ المخادعة محالة على اللّه و غير لائقة بالمؤمنين لأنه من فعل المنافقين.
و لكن ذلك مردود بأنّ صيغة المفاعلة إنّما تدل على إنهاء الفعل إلى الغير واقعا أو اعتقادا و أما أنّ الغير يفعل مثل ذلك بالنسبة إلى الفاعل الأول فهو غير مأخوذ فيها، فقد يكون و قد لا يكون. نعم الجزاء على المخادعة مع اللّه و رسوله شي‏ء و مخادعة اللّه و رسوله شي‏ء آخر لا ربط لأحدهما بالآخر و إنما ذكرت المخادعة لبيان أن هذا العمل يتكرر عنهم.
و أما مخادعتهم مع اللّه و رسوله تكون بالنسبة إلى اعتقاد المنافق لا بالنسبة إلى الواقع إذ لا معنى لمخادعة من هو عالم السر و الخفيات و مع ذلك نسبها سبحانه الى نفسه ابتداء تسلية للمؤمنين لئلا يثقل تحملها عليهم لشدة صفاء قلوبهم فوحدة السياق نحو تلطف منه تعالى بالمؤمنين كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [سورة الفتح، الآية: 10] و غير ذلك من الآيات المباركة.
و أما خداعهم مع المؤمنين فبإظهار الإيمان و إخفاء الكفر و العمل رياء و سمعة و ذلك لأجل الاطلاع على أسرار المؤمنين و اذاعتها لأعدائهم.
قوله تعالى: وَ ما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَ ما يَشْعُرُونَ اي: ضرر عملهم راجع إليهم فهم المخدعون. و أصل الشعور هو التوجه و الالتفات و الفطنة بالشي‏ء و لا يقال إلّا في ما دق و خفي، و لذلك لا يوصف به سبحانه لعدم خفاء شي‏ء عليه.
و معنى الآية المباركة إن المنافقين لا شعور لهم في إدراك قبح عملهم لفرض أنّ بناءهم على النفاق و الفساد و هم مسخرون تحت طبيعتهم الشريرة، كما في قوله تعالى: فَطُبِعَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ [سورة المنافقون، الآية: 3].
ثم إنّ مفاد هذه الآية المباركة يجري في جميع الرذائل النفسانية التي طبعت في قلوب أهلها فالمورد و إن كان خاصا و لكن الحكم (و ما يشعرون) عام.
قوله تعالى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ. المراد بالقلب في الآيات المباركة: منشأ الفهم و الإدراكات فينطبق عليه النفس و الروح و العقل أيضا. و المرض هو الخروج عن الاعتدال سواء كان في الجسم أو في القلب. و المراد بمرضها ضعف إدراكاتها و عدم تعقلها للدين و أسراره و أحكامه و يجمع ذلك عدم التفقه لها كما قال تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها [سورة الأعراف، الآية: 179].
قوله تعالى: فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً. يمكن أن تكون هذه الجملة المباركة دعاء عليهم كقوله تعالى: ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [سورة التوبة، الآية: 127]. و يمكن أن تكون جريا على سلسلة الأسباب المنتهية إليه تعالى فانه عزّ و جل بعث الرسول (صلّى اللّه عليه و آله) و أنزل القرآن و أتم الحجة فكذّبوا بها و أبوا أن يتّبعوه حسدا و استكبارا فزاد ذلك مرضا على مرضهم، فنسب المرض بالسبب القريب الى اختيارهم و بالسبب البعيد الى إرسال الرسول و الدعوة الى الإسلام و الكل ينتهي إليه تعالى في سلسلة الأسباب.
و في تنكير المرض إشارة إلى ثبوت جميع أنواعه حسب مفاسد أخلاقهم و استقرارها في قلوبهم.
قوله تعالى: وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ. أي: كان العذاب لأجل كذبهم لأن المنافق كاذب و يستلزم ذلك تكذيبهم للرسول (صلّى اللّه عليه و آله) فلا فرق في قراءة (يكذبون) بين المجرد اللازم و المزيد المتعدي.
و إنما ذكر تعالى خصوص هذه الصفة (كذب) لكونه مصدر كل شر و أساس كل نفاق.
أليم: صفة للعذاب بمعنى المؤلم و إطلاقه يشمل كل ألم و في أي مرتبة كانت من مراتب العظمة كما يدل قوله تعالى: إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَ لَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً [سورة النساء، الآية: ۱٤٥] فيكون عذابهم أشد من عذاب الكافرين.

الشعور هو أدنى مرتبة الإحساس و الإدراك و كلما كان إحساسات الشخص و إدراكاته للدقائق أكثر كان شعوره بها أشد و كليات أنواع الإحساسات و الإدراكات ثلاثة: عقلية، و خيالية- و منها الإدراكات الحيوانية- و نباتية على ما أثبتها قدماء الفلاسفة و العلم الحديث أيضا و لكل منها مراتب كثيرة غير متناهية لا يحيط بها إلّا الباري جل شأنه.
و كمال الإنسان لنفسه و لغيره إنما هو بالإدراكات العقلية و في غيرها لا ثمرة مهمة فيها. و الإدراكات العقلية على قسمين:
الأول: ما يتعلق بالجهات التشريعية السماوية فهي محدودة و لا بد فيها من موافقتها للكتاب و السنة و عدم مخالفتها و الخدعة- التي هي النفاق- مطلقا مخالفة لها.
الثاني: ما يتعلق بغير الجهات التشريعية كسائر العلوم أو الصنائع فإن الإدراك فيها مرسل غير محدود بحد إذ لأحد للعقل و لا منع للشرع، و يأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.
ثم إنّ صفات النفس على أقسام:
الأول: ما كانت صفة لها بحسب ذاتها كان هناك غيرها أولا، كالحياة و الجمال. فالجميل جميل كان هناك غير يراه أولا.
الثاني: الصفات التي تضاف إلى الغير فلا تحقق لها بدونه كالظلم و حسن الخلق و الأذى و نحوه و منها النفاق.
الثالث: الصفات الإضافية المختلفة باختلاف الجهات و سيأتي بيان ذلك في الآيات المناسبة لها إن شاء اللّه تعالى.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"