1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 40 الى 43

يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤۰) وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَ إِيَّايَ فَاتَّقُونِ (٤۱) وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٤۲) وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (٤۳)


بعد أن ذكر سبحانه خلق الإنسان و حالاته و أطواره خاطب طائفة خاصة و هم اليهود- و بدأ بذكرهم، لأنهم أقدم الطوائف التي أرسل فيهم الأنبياء و الرسل، و أنزل فيهم الكتب، و هم أول طائفة من الأمم هبطوا من ذروة المقام الإنساني الى درك حضيض البهيمية، و هم السابقون في نقض عهد اللّه، مصرين على ذلك، و ملتزمين بغيهم و جحودهم لا يرتدعون برادع أرضي أو سماوي أتعبوا أنبياء اللّه بغيهم و لجاجهم و شق على سيد المرسلين فسادهم و إفسادهم، و هم أشد الناس عداء للمؤمنين، و من سنة اللّه تعالى المداراة مع العصاة بكل ما أمكن- كما سيأتي في الآيات الشريفة- فقد تكرر ذكرهم في القرآن لعلهم يرشدون.

قوله تعالى: يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ.
إسرائيل مركب من كلمتين [إسراء] بمعنى العبد، أو الصفوة، أو القوة- على ما يأتي في البحث الروائي- و [ائيل‏] بمعنى اللّه تعالى و معناه عبد اللّه أو صفي اللّه، و قد ورد هذا اللفظ في القرآن مكررا. و إنما ذكرهم سبحانه بهذا التعبير تحريضا لهم بالتحلي بمكارم الأخلاق و نبذ مساويها، لأنهم يرون أنفسهم من أهل صفوة اللّه و العبودية له عزّ و جل، فلا ينبغي لهم هذا النحو من اللجاج و العناد و الفساد، كما في قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ [سورة الأحزاب، الآية: 32].
و (الذكر) بمعنى الاستحضار سواء كان باللسان أو القلب أو هما معا، فمن الأول قوله تعالى: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ [سورة الأنبياء، الآية: ٥۰]، و من الثاني قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ [سورة البقرة، الآية: ۱٥۲]، و من الأخير قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ [سورة البقرة، الآية: 200]، و كذا قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَ قُعُوداً [سورة النساء، الآية: 103]، و في الحديث: «كانت الأنبياء إذا حزبهم أمر فزعوا الى الذكر» و في بعض الأخبار «الصلاة» بدل الذكر، و يشهد له قوله تعالى: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ [سورة البقرة، الآية: ٤٥].
و الآية لم تعين هذه النعمة التي اختصهم اللّه تعالى بها و لكنه عزّ و جل كرّم بني إسرائيل بأعظم أنحاء النعم كما قال تعالى: سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ [سورة البقرة، الآية: 211] فجعلهم من أولاد الأنبياء و وسمهم بالوسام الجليل حيث جعلهم من ذرية إبراهيم الخليل و فضلهم على الأمم، قال تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ [سورة المائدة، الآية: 20]، و اصطفاهم بالنبوة زمنا طويلا و فيهم من أنبياء أولي العزم موسى و عيسى (عليهما السلام)، و أنزل فيهم التوراة التي هي أقدم الكتب السماوية و أعظمها بعد القرآن الكريم قال تعالى: وَ لَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَ الْحُكْمَ وَ النُّبُوَّةَ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [سورة الجاثية، الآية: ۱٦]. و بالجملة فقد أعطاهم اللّه تعالى من كل ما سألوه فلا بد أن يذكروا هذه النعم التي اختصوا بها، و لكنهم قابلوا ذلك بالكفران و الإساءة و أعرضوا عما أمروا به فكفروا بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله) بعد ما جائتهم البينات.
قوله تعالى: وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ. الوفاء ضد الغدر، و هو الحفظ و الإتمام و عدم النقض، و كثيرا ما يستعمل في القرآن متعديا من باب الإفعال كما في المقام، و قوله تعالى: وَ الْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذا عاهَدُوا [سورة البقرة، الآية: 177]، و يستعمل من باب التفعيل أيضا، و قال تعالى في شأن خليله: وَ إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى [سورة النجم، الآية: 37] أي بذل غاية جهده في جميع ما طولب به من اللّه تعالى، و هو من أجل مقامات الخلة.
و العهد: حفظ الشي‏ء و مراعاته حالا بعد حال و الاهتمام به، و هو من الصفات الإضافية، له تعلق بالعاهد و المعهود اليه و المعهود به إلّا أن في الأول يكون من الإضافة الى الفاعل، و في الثاني كذلك إذا كان مع العوض، كما يكون من الإضافة الى المفعول أيضا.
و الفرق بين العهد و الميثاق هو أن الثاني أخص من الأول، لأنه العهد المؤكد بأنحاء التأكيدات و التوثيقات، سواء أ كان بين اللّه تعالى و بين خلقه أم بين خلقه بعضهم مع بعض، و مادة (و ث ق) تدل على كمال التثبت.
و المعنى: أوفوا بعهدي الذي أبلغته إليكم بواسطة الأنبياء و الرسل من المواثيق و الطاعات و العبودية، و هي كثيرة يأتي في الآيات التالية تعداد أصولها، و من جملة ما عهد إليهم الإيمان بشريعة خاتم المرسلين كما يستفاد من قوله تعالى: وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ. و الوفاء بالعهد مطلقا سواء أ كان من النّاس ام من اللّه تعالى يرجع إلى مصلحة النّاس أنفسهم.
و إنما سمى سبحانه ذلك عهدا و أوجب وفاءه على نفسه، تحننا منه و ترغيبا لعباده إلى الطاعة حيث يكون لهم حق مطالبة الجزاء مع الشرط فيصير المقام نظير آية الاشتراء: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى‏ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [سورة التوبة، الآية: 111] مع أن السلعة و المشتري و قدرته و ارادته من اللّه تعالى و لذلك نظائر كثيرة يأتي التعرض لها. و يمكن أن يكون الترتيب في قوله تعالى: أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ من قبيل ترتب المعلول على العلة، لا من ترتب وفاء أحد المتعاوضين على وفاء الآخر.
قوله تعالى: وَ إِيَّايَ فَارْهَبُونِ. الرهب هو الخوف المشوب بالاضطراب. و تقديم الضمير المنفصل يفيد الحصر، أي لا بد أن يكون الخوف من اللّه تعالى الذي هو على كل شي‏ء قدير، و المطلع على الضمائر و الظواهر، فإن الرهبة إن كانت لأجل عظمة المرهوب منه و جلاله فلا نهاية لهما فيه عزّ و جل، و إن كانت لأجل علمه بموجبات السخط و العقاب فلا يعزب عن علمه شي‏ء في السموات و الأرض، و إن كانت لأجل قهاريته التامة فهي من أخص صفاته، و عهوده هبات منه عزّ و جل فيكون نقضها عظيما.
ثم إنّه شرع في بيان جملة من عهوده المباركة على بني إسرائيل و هي الإيمان باللّه تعالى و القرآن المشتمل على تصديق سائر الكتب السماوية، و عدم الكفر، و المحافظة على آيات اللّه تعالى و عدم تبديلها، و تقوى اللّه، و عدم كتمان الحق، و عدم خلطه بالباطل. و هذه هي من أهم العهود الإلهية و أصولها على عباده، و لا اختصاص لها بطائفة دون أخرى، و إن كانت تختص ببعض الأحكام الفرعية.
و العهود الإلهية و إن كانت تعد من الأمور التشريعية لكن كل تشريع له دخل في نظام التكوين، لأن جميع جهات التشريع ترجع إلى تربية الإنسان الذي هو المقصد الأقصى من نظام التكوين فيرجع التشريع اليه.
قوله تعالى: وَ آمِنُوا بِما أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ.
تفصيل بعد إجمال، فإن قوله تعالى: أَوْفُوا بِعَهْدِي يشمل الإيمان بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله) إلّا أنه تعالى ذكره بالخصوص تنبيها لهم و تعظيما لأمره، و هذه الآية المباركة تدل بالدلالة الالتزامية العادية على إخبار موسى (عليه السلام) بشريعة خاتم الأنبياء (صلّى اللّه عليه و آله)، لأن كل شريعة سابقة لا بد أن تخبر بالشريعة اللاحقة كما أخبر تعالى عن الشرائع السابقة في القرآن، و قوله تعالى: مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ يدل على تصديق هذه الشريعة لما تقدم من الشرائع، و قد ذكرنا في ما سبق أن الشرائع الإلهية و إن تعددت بحسب الظاهر إلّا أنها متحدة في أصول العقائد و الأحكام التي ترجع إلى تربية الإنسان و سعادته في الدارين.
قوله تعالى: وَ لا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ. لأنكم أعرف بحقيقة هذا الدين بعد أن كان الإيمان بالنبي (صلّى اللّه عليه و آله) مذكورا في التوراة- كما سيأتي- و أن هذا القرآن مصدق لما معكم فمن بادر منكم إلى الكفر يكون أشد خزيا و منقصة، و يكون من أئمة الكفر في ملته، كما أنّ من بادر من أهل الكتاب الى الإيمان باللّه و الرسول يكون أول مؤمن به.
قوله تعالى: وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا. المراد بالاشتراء هنا مطلق المبادلة، و الثمن القليل هو الدنيا و ما فيها، لأنها تنفذ و آيات اللّه تعالى‏ لا تنفذ، و كل من قدّم هوى نفسه على رضاء اللّه تعالى فقد اشترى بآيات اللّه ثمنا قليلا، لأنه خسر رضوان اللّه تعالى، و عن الأئمة الهداة (عليهم السلام): «من أصغى الى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق نطق عن اللّه فقد عبد اللّه، و إن كان الناطق نطق عن الشيطان فقد عبده» و تشمل مثل هذه الأخبار تبديل آيات اللّه بجميع الأغراض الدنيوية. و المراد بآيات اللّه تعالى مطلق تشريعاته في معارف الدين و أحكامه.
قوله تعالى: وَ إِيَّايَ فَاتَّقُونِ. بوفاء العهد و اتباع الهدى و ترك الركون الى الدنيا. و هو يدل على وجوب التقوى و انحصارها بالنسبة إليه تعالى المستفاد من تقديم الضمير المنفصل.
و قوله تعالى: وَ لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَ تَكْتُمُوا الْحَقَّ وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.
اللبس هو الخلط و التغطية، أي لا تخلطوا الحق الذي أنزلناه بالباطل الذي تفعلونه. و لبس الحق بالباطل يستلزم كتمان الحق لا محالة، و قد أفرده تعالى بالذكر، اهتماما به و تبيينا لكل واحد من المتلازمين بالذكر، و لا تكتموا الحق بعدم بيانه مع الحاجة الى البيان، و ذلك يتصور على وجوه: إظهار الحق في صورة الباطل و بالعكس، كتمان الحق مع الحاجة إلى بيانه، الافتراء على اللّه تعالى، و الجميع من القبائح و من شعب النفاق، مع أنكم تعلمون الحق و ما تعلمون من لبس الحق بالباطل و كتمانه و الافتراء على اللّه.
قوله تعالى: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ. بعد أن أمرهم اللّه تعالى بالإيمان أمرهم بأهم وظائف العبودية و هي الصلاة على ما قررتها الشريعة، ثم أمرهم بأهم الوظائف الاجتماعية و هي الزكاة بما قررتها الشريعة من بذل المال و السعي في الحوائج، بل زكاة الجاه. ثم أمرهم بالركوع مع الراكعين، لأن العبادة الاجتماعية أهم من العبادة الفردية لما فيها من المصالح الكثيرة. و المراد بالركوع إما الركعة و يكنى به عن الصلاة، لأنه أهم أركانها أو لأجل أنّ الركوع كان أشق عليهم من السجود فذكره تبارك و تعالى بالخصوص، أو للإشارة إلى نبذ عبادتهم و الإتيان بهذه العبادة الجديدة.

عن ابن بابويه في العلل عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «و يعقوب إسرائيل و معنى إسرائيل عبد اللّه لأن أسراء هو عبد و ئيل هو اللّه عزّ و جل» و روى في خبر آخر: «إن أسراء هو القوة و ايل هو اللّه فمعنى إسرائيل قوة اللّه عزّ و جل».
أقول: قد ورد في التوراة الوجه الأخير و المراد بالقوة هنا قوة يعقوب من حيث اعتماده على ربه فيرجع إلى المعنى الأول لأن عبودية الأنبياء (عليهم السلام) تكون عن اعتمادهم من كل جهة على اللّه تبارك و تعالى مطلقا و ذلك يستلزم لهم القوة.
و عن القمي عن جميل عن الصادق (عليه السلام): «قال له رجل: جعلت فداك إن اللّه تعالى يقول أدعوني أستجب لكم و إنّا ندعوا فلا يستجاب لنا قال (عليه السلام) لأنكم لا توفون بعهد اللّه لو وفيتم للّه لوفى اللّه لكم».
أقول: يظهر منها و من سائر الروايات المتواترة أن لاستجابة الدعاء شروطا كثيرة سيأتي بيانها في قوله تعالى: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ [سورة المؤمن، الآية: ٦۰].
و عن العياشي عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن قول اللّه عزّ و جل: و أقيموا الصلاة و آتوا الزكاة قال: هي الفطرة التي افترض اللّه على المؤمنين».
أقول: قريب منه روايات أخرى، و هذا كله من باب التطبيق.
و عن ابن عباس في قول اللّه تعالى: وَ ارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ: «نزل في رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و علي بن أبي طالب (عليه السلام) و هما أول من صلّى و ركع».
أقول: في ذلك روايات أخرى مستفيضة من الفريقين.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"