1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 240 الى 242

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (۲٤۰) وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ (۲٤۱) كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (۲٤۲)


الآيات المباركة تتمة لما جاء في الآيات السابقة في أمر الطلاق و العدة.
و الآية الأولى تبين حكم الزوجة أثناء عدة الوفاة و لا بد من ملاحظتها مع ما ورد في ما سبق من الآيات فيها أيضا. و يبيّن عزّ و جل في الآيتين الأخيرتين وجه الحكمة في إنزال الأحكام الإلهية و الشرايع الدينية.

۲٤۰- قوله تعالى: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً.
أي: و الذين يتمون مدة حياتهم و يشرفون على الوفاة و يتركون أزواجا و قد تقدم مثل هذا التعبير في آية (۲۳٥) فراجع ما ذكرناه هناك.
قوله تعالى: وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ.
كلمة وصية مفعول مطلق لمقدّر أي: يوصون وصية. و متاعا منصوب بفعل مقدّر أي: يمتعون أزواجهم متاعا. و جملة: غَيْرَ إِخْراجٍ بدل من متاعا بدل البعض من الكل.
و قيل: إنّ متاعا بدل من وصية بمعنى الموصى به غَيْرَ إِخْراجٍ صفة المتاع ليعم السكنى.
و المعنى: و الذين يموتون و يتركون أزواجا ليوصوا وصية لأزواجهم و يمتعوهنّ متاعا تمام مدة الحول المبتدإ من حين الوفاة من غير إخراج لهنّ من البيوت.
و يمكن أن يكون تعريف الحول لأجل كونه مدة الحداد في الجاهلية فنزلت الآية توصي الأزواج أن يمتعوهنّ في مدة الحداد مالا يتمتعن به في بيوت الأزواج من غير إخراجهنّ منها.
و يحتمل أن يكون تحديدا شرعيّا لهذا الحكم و لم تكن مدة الحداد لعدة الوفاة فإن شاءت أن تبقى في بيت زوجها فلها الإنفاق و السكنى.
و على الاحتمال الأول تكون الآية المباركة منسوخة بآية عدة الوفاة و آية الميراث و هذا هو المشهور بين الفقهاء و المفسرين، و يدل عليه بعض النصوص، و هو من حسن التدبير في جعل القانون بأن يقرّر جاعله بعض القوانين السابقة ثم ينسخها بالتدريج و الإمهال فإنّ في ذلك الوصول إلى المطلوب مع جلب القلوب.
و على الثاني فلا نسخ في البين بل هو حكم أدبي نظير قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ [البقرة- 181].
و إذا كان نسخا فهو لوجوب الوصية و أما رجحانها فلا نسخ فيه و هذا هو الظاهر من الآية الشريفة و قد تقدم في آية 181 من هذه السورة ما يرتبط بالمقام.
قوله تعالى: فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ.
أي: فإن خرجن من بيوت أزواجهنّ من عند أنفسهنّ بلا جبر و إكراه فلا إثم عليكم- على أهل الزوج و عشيرته- فيما فعلن في أنفسهنّ من حيث الزواج أو ما تختار بحسب المعروف و ما يوافق حالهنّ لأنّ ذلك حق لها يجوز تركه.
و إخراج الزوجة من بيت زوجها المتوفّى إما أن يكون جبرا و على كره منها أو يكون بالتماس منها أو يكون برضائها بلا إكراه و التماس و المتيقّن من الآية الشريفة على فرض عدم النسخ هو الأول، لما ذكرنا.
و الآية المباركة في مقام الترخيص لهنّ في استعمال ما هو المعروف سواء كان في الزواج أو استعمال الزينة و لكن بشرط أن تنقضي أربعة أشهر و عشرا إن قلنا بعدم نسخ الآية.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.
أي: و اللّه عزيز غالب على أمره يعاقب من خالفه حكيم يراعي في أحكامه مصالح العباد.
۲٤۱- قوله تعالى: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ.
المتاع: ما يتمتع به و هو يدور في المقام بين أن يكون المراد منه المتعة التي تقدمت في آية (۲۳٦) أو المهر كما في آية (۲۳۷) أو نفقة المطلقة الرجعية و الأخير هو المتيقن، لأنّ الأولين يستلزمان التكرار كما لا يخفى و إنّ ذكر المطلق و إرادة بعض أفراده قسم من الاستخدام الذي هو من المحسنات البديعية فيكون المراد من قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ مطلق الحق الشامل للواجب و المندوب و لما هو أدبي محض و الخصوصيّات تعلم من الجهات الخارجية من باب تعدد الدال و المدلول.
و ذكر المتقين ليس من باب التخصيص بل لبيان أنّ المتقين أهل للايتمار و للإشعار بأهمية هذه الصفة.
۲٤۲- قوله تعالى: كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.
المراد من الآيات في القرآن الكريم: ما يفرق به بين الحق و الباطل، و كل ما ينزله تبارك و تعالى حق، لما أثبتوه بالأدلة القاطعة أنّه جلّ شأنه حق محض بذاته و جميع صفاته و أفعاله و ما ينسب إليه.
و لعلّ في المقام: في معنى التعليل أي يبينها لكي تعقلوا و ترتفع بذلك نفوسكم عن حضيض البهيمية إلى أوج الإنسانية الكاملة، و يستفاد من هذه الآية الشريفة أمور:
الأول: أنّ العقل بذاته لا يكفي في نيل السعادة و الوصول إلى الكمال إلا أن يؤيد من عالم الغيب و الحق المطلق فيكتسب من ذلك نورا يمشي به في ظلمات المادة.
الثاني: أنّ الآية الشريفة تدل على أنّ غاية إرسال الرسل و إنزال الشرايع‏ الإلهية ليست إلا لأجل تعقل الإنسان و تفكره في أنّه لماذا، و إلى أين مسيره و مال أمره، و هل أنّ عمله دليل على أنّه من السعداء أو يدل على أنّه من الأشقياء، و يشير إلى ذلك‏ ما ورد عن علي (عليه السلام): «العقل ما عبد به الرحمن و اكتسب به الجنان» فإنّ ما سوى ذلك و هم زائل و خيال محض لا حقيقة له في الدنيا فضلا عن الأخرى.
الثالث: أنّ ما أنزله اللّه تعالى إنّما يرجع نفعه إلى الإنسان و اللّه هو الغني المطلق.
الرابع: أنّ التعقل النافع هو التعقل في آيات اللّه تعالى من حيث الإضافة إليه عزّ و جلّ ليعرف بذلك الخالق و المعبود، و أما التعقل في ذوات الأشياء من حيث هي فإنّ فطرة الإنسان داعية إلى ذلك لا يحتاج إلى ترغيب منه عزّ و جلّ.

في تفسير العياشي عن معاوية بن عمار قال: «سألته عن قول اللّه عزّ و جل: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ قال (عليه السلام): منسوخة نسختها آية: يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً و نسختها آية الميراث».
و في تفسير العياشي أيضا عن أبي بصير في قول اللّه تعالى: وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً- الآية- قال (عليه السلام): «هي منسوخة قلت: و كيف كانت؟ قال (عليه السلام): كان الرجل إذا مات أنفق على امرأته من صلب المال حولا ثم أخرجت بلا ميراث، ثم نسختها آية الربع و الثمن فالمرأة ينفق عليها من نصيبها».
أقول: قد ورد في عدة روايات عن الأئمة الهداة (عليهم السلام) أنّ هذه الآية منسوخة و هي على فرض النسخ لا يضرها تقدم آية عدة الوفاة في التلاوة لما ذكرنا في أحد مباحثنا أنّ التقدم و التأخر و التقارن لا يعتبر كلّ ذلك في النسخ.
ثم إنّ النسخ في المقام لا يستلزم أن يكون بالنسبة إلى أصل التشريع بل يجوز أن يكون بالنسبة إلى الوجوب و الإلزام و يبقى أصل التشريع و حسنه‏ بحاله و بذلك يمكن أن يرتفع الاختلاف بين الكلمات و قد تقدم في التفسير ما ينفع المقام فراجع.
في الكافي عن حفص البختري عن الصادق (عليه السلام): «في الرجل يطلق امرأته أ يمتعها؟ قال (عليه السلام): نعم أما تحب أن يكون من المحسنين أما تحب أن يكون من المتقين!!».
أقول: هذه الرواية عامة تشمل جميع المطلقات سواء كنّ مدخولا بهنّ أولا، و سواء فرض لهنّ المهر أولا، و هو أيضا أمر ممدوح و يشهد له قوله تعالى: حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ.
في الكافي أيضا عن الحلبي عن الصادق (عليه السلام) في قول اللّه عزّ و جل: وَ لِلْمُطَلَّقاتِ مَتاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ قال: متاعها بعد ما تنقضي عدتها على الموسع قدره و على المقتر قدره، و كيف لا يمتعها و هي في عدتها ترجوه و يرجوها و يحدث اللّه عزّ و جل بينهما ما يشاء؟ قال (عليه السلام): إذا كان الرجل موسعا عليه متع امرأته بالعبد و الأمة. و المقتر يمتع بالحنطة و الزبيب، و الثوب، و الدراهم، و إنّ الحسن بن عليّ (عليهما السلام) متّع امرأة له بأمة و لم يطلّق امرأة إلا متعها».
أقول: كلّ ذلك يدل على الرجحان و أنّ متاع المطلقة من محاسن الأخلاق و من الحقوق المجاملية. و أما استفادة الوجوب بنحو الإطلاق فمشكلة فلا بد من مراعاة القرائن الخارجية، و قد ذكرنا في التفسير ما يتعلّق بذلك.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"