1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 236 الى 237

لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (۲۳٦) وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏ وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (۲۳۷)


بعد ما ذكر سبحانه و تعالى أقسام الطلاق و عدته و بعض أحكامه بيّن في هاتين الآيتين حكم الطلاق قبل الدخول فذكر ما يجب على الزوج في هذه الحالة من العطاء إلى الزوجة المطلقة إن لم يفرض لها مهرا معينا و طلّقها قبل المس و المباشرة و لهذه العطية أثرها النفسي في المرأة التي انفصمت عنها عقدة الحياة الزوجية و ذاقت ألم الفراق و مرارة العتاب كما حفظ تعالى استطاعة الزوج فيها فعلى الغني بقدر غناه و على الفقير حسب ما يستطيع.
و لو فرض لها مهرا فيجب عليه دفع نصفه إن طلّقها قبل المس إلا إذا عفى الولي أو عفت الزوجة عن بعض المهر و أرشد الإنسان إلى توخي المودة و الإحسان، و اختتمها بمراقبة اللّه تعالى و أنّه مطلع على النيات لتبقى القلوب نقية خالصة موصولة به جلّ شأنه فيتم الترهيب و الترغيب.

۲۳٦- قوله تعالى: لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً.
المس و المسيس هو اللمس يكنّى به عن المباشرة الجنسية و غشيان النساء بالقرائن الخارجية.
و الفريضة: المهر لأنّه يقطع من مال الزوج للزوجة. و فرض الفريضة تسمية المهر و تقديره تفصيلا أو إجمالا.
و المراد ب لا جُناحَ رفع المنع و المسؤولية في كلّ من الموردين أي: عدم المس، و عدم ذكر الصداق و المهر فإنّهما لا يمنعان عن صحة الطلاق، و لا يجب على الزوج شي‏ء.
و إنّما ذكر تعالى كلمة أَوْ لدفع توهم اشتراط اجتماعهما، كما في قوله تعالى: وَ لا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً [الإنسان- ۲٤].
و قد ذكر سبحانه و تعالى في هاتين الآيتين المباركتين و غيرهما كما في قوله تعالى: وَ آتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النّساء- ٤]، و ما ورد في السنة أقساما أربعة:
الأول: أن يكون الطلاق قبل المباشرة و غشيان النساء و قد فرض المهر، فتستحق المرأة نصف المهر المسمّى.
الثاني: أن يكون الطلاق قبل الدخول و لم يسم لها مهرا في عقد النكاح فيجب عليه أن يمتعها على الموسع قدره و على المقتر قدره.
الثالث: أن يكون الطلاق بعد المس و بعد التسمية فتستحق المرأة المهر المسمّى.
الرابع: أن يكون الطلاق بعد المس و لم يسم المهر في عقد النكاح فيجب عليه مهر المثل.
و لكلّ واحد من هذه الأقسام أحكام خاصة مذكورة في كتب الفقه مأخوذة من الكتاب الكريم و السنة المقدّسة الشارحة.
قوله تعالى: وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ.
الموسع اسم فاعل، و يراد به من كان في سعة، و المقتر خلافه أي من يكون في ضيق. و أصل القتر: قلة النفقة، قال تعالى: وَ الَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَ لَمْ يَقْتُرُوا وَ كانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً [الفرقان- ٦۷]، و قال تعالى: وَ كانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً [الإسراء- 100]، و هو يدل على أنّ البخل مما جبل عليه الإنسان فيكون مثل قوله تعالى: وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ [النساء- ۱۲۸].
و القتر- بالتحريك-: سوء الحال، قال تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ تَرْهَقُها قَتَرَةٌ [عبس- ٤۱].
و المتعة و المتاع: ما يتمتع به أي ينتفع به، و التمتيع: هو إعطاء المتعة.
و القدر- بفتح الدال و سكونها- قدر الطاقة و الإمكان.
و المعنى: يجب على الأزواج أن يمتعوا المطلّقات- اللّواتي لم يفرض لهنّ فريضة و لم يدخل بهنّ- شيئا بحسب حال الزوج في الغنى و الفقر.
و يستفاد من سياق الآية المباركة أنّ المتعة من الحقوق التي تستحقها المرأة على الرجل بحسب حاله، و يشهد له الاعتبار أيضا كما مر، و لكنّ‏ الكلام في أنّها من الحقوق الواجبة التي يلزم على الرجل وفاؤها أو أنّها من الحقوق المجاملية الأدبية؟ ظاهر الآية الشريفة هو الأول لظاهر الأمر.
و هذه الآية الشريفة و الآية التالية تشتركان في أنّ الطلاق فيها قبل المس و الغشيان و إنّما تفترقان في أنّ الآية التالية قد فرض لها فريضة فيجب إخراج نصف المهر، و في الأولى لم يفرض لها فريضة فيجب إعطاء المتعة لها و هي غير مهر المثل و إنّما جعلت لها المتعة تطييبا لنفسها و جلبا لخاطرها.
و إنّما كرّر سبحانه و تعالى كلمة قَدَرُهُ لبيان أنّ الموسع يلاحظ قدر وسعه و لا ينقص عن ذلك، و المقتر أيضا يلاحظ حاله و لا يزيد على ذلك و لو لم تكن مكررة لما أفاد هذه الفائدة.
قوله تعالى: مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ.
متاعا مفعول مطلق، لقوله تعالى: وَ مَتِّعُوهُنَّ و هو إما بمعنى ما يتمتع به أو بمعنى التمتيع.
و قيل: إنّه حال من قَدَرُهُ. و قيل: إنّه تأكيد لمتعوهنّ و الجميع يرجع إلى معنى واحد.
و حقا صفة للمتاع. و المعروف: ما تعارف عليه الناس على اختلاف طبقاتهم و حالاتهم.
و المعنى: إنّ المتعة هي حق واجب على من يريد الإحسان، أو إنّها من الإحسان الذي يرغب إليه المحسنون، و هذه قرينة أخرى على أنّها من الحقوق الإلزامية كما سيأتي في البحث الرّوائي.
و إنّما ذكر المحسنين تعظيما لشأنهم و ترغيبا إلى الإحسان، و تحريضا للناس على أن يدخلوا في زمرة المحسنين، كما في سائر الخطابات التي تكون في هذا السياق، كقوله تعالى: هُدىً لِلْمُتَّقِينَ.
و الحسن عبارة عن كل مرغوب إليه- بأي قوة من القوى النفسانية ظاهرية كانت أو باطنية- و تتصف به جميع الأشياء من الجواهر و الأعراض بل‏ جميع الاعتباريات، و هو و الإحسان بمعناهما الأعم من المعاني التي تدرك و لا توصف كما هو كذلك في جملة كثيرة من المعاني.
و من فسره ببعض المعاني الخاصة فهو من باب التطبيق لا التخصيص و ليس للحسن حد معيّن إلا أنّه محدود بما لم ينه عنه الشرع، و هو من الصفات الإضافية فربّ حسن عند قوم لا يكون حسنا عند آخرين و ما ورد في القرآن الكريم و السنة المقدسة من الترغيب إلى الإحسان و الحسنة إنّما يراد بهما ما هو المتعارف. و المحسن من أسماء اللّه الحسنى و أما الحسن- بفتحتين- فلم أجد استعماله فيه تعالى منفردا نعم ورد في المأثورات «يا حسن التجاوز».
۲۳۷- قوله تعالى: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ.
بيان للقسم الأول من الأقسام المتقدمة، و فيه تفصيل ما أجمل في قوله تعالى: ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أي: و إن وقع الطلاق قبل الدخول بهنّ و قد فرض لهنّ المهر فلهنّ نصف المفروض.
و تدل الآية المباركة على أنّ نصف المهر حق ثابت لهنّ يجب إعطاؤه، و النصف الثاني يرجع إلى ملك الزوج، و ظاهر الآية الشريفة يدل على أنّ مجرد العقد مقتض لثبوت المهر في الجملة.
قوله تعالى: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ.
أي: إلا أن تعفو المطلّقات عن النصف كلّا أو بعضا و حق الإسقاط و العفو إنّما يكون للمرأة البالغة الرشيدة جائزة التصرف في أموالها بلا فرق بين أن يكون العفو منهنّ مباشرة أومن وكيلهنّ في العفو فقط أو المأذون له في كلّ تصرّف.
و العفو: أعم من الإبراء و الهبة، فيكون كالتنازل من الإنسان الراضي.
و يعفون في موضع نصب ب إِنْ، و هو مبني لاتصاله بضمير جماعة المؤنث.
قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.
أي: أو يعفو وليّ الزوجة الصغيرة الذي جعل اللّه في يده عقدة النكاح، و الولي هو الأب أو الجد للأب أو الأخ القائم على أمرها و تدل على ذلك جملة من الروايات.
و قيل: إنّ المراد به الزوج أيضا لأنّ بيده عقدة النكاح و حلّها أيضا.
و لكنّه مردود فإنّه حينئذ يكون مخيّرا بين دفع نصف المهر كلّا أو تشطيره و تبعيضه، فلا يكون الطلاق مشطرا في نفسه، أو يعفو عن جميعه، و هو مناف لملكية المرأة المهر بالعقد و التصرف في حقها.
و أما عفو الزوج عن النصف الآخر فهو أيضا ليس بصحيح فإنّه ليس للمرأة حق في النصف الآخر و لا يجب على الزوج دفعه إليها حتّى يصح في مورده العفو، فإذا دفع إليها النصف فهو إحسان و فضل منه.
قوله تعالى: وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى‏.
أي: أنّ العفو على أية حال و من أيّ واحد صدر هو أقرب للتقوى لأنّ عفو الإنسان عن حقّه فيه الفضل الكبير و هو أقرب إلى فضيلة التقوى، و لأنّ فيه من التشبه بأخلاق اللّه تعالى لأنّه عفوّ غفور فيكون أقرب للتقوى.
قوله تعالى: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ.
مادة (نسي) تأتي بمعنى الترك و الإهمال، و التأخير، و منه‏ قول نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «صلة الرحم منسأة للأجل و مثراة للمال» و تأتي بمعنى الذهول و الغفلة في مقابل الذكر و الالتفات، و منه قوله تعالى: وَ ما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ [الكهف- ٦۳]، و قال تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ [الحشر- 19].
و المراد به في المقام: هو الأول بقرينة تعلّق التكليف به، و يمكن إرادة الأخير أيضا إن كان منتهيا إلى الاختيار و لو ببعض أسبابه.
و الفضل: هو الزيادة في المكارم و ما يكون ممدوحا و ليس بواجب و في‏ المقام الفضل بالنسبة إلى الرجل: أن يعطي أكثر من النصف و لو بقليل، و بالنسبة إلى المرأة: أن تأخذ أقل منه و لو بقليل.
و الآية المباركة تحرّض الإنسان على ابتغاء الفضل و الإحسان بالعفو عن الحقوق و التخفيف، و عدم التغافل عن المكارم عند عروض أسباب التخاصم و التنازع، فإنّها تشير إلى قاعدة عقلية تشمل كلّ ما يقع في طريق الاستكمال و السعادة الأبدية، و إن كانت باعتبار سياق الكلام و المورد ظاهرة في الحقوق المجاملية المتعارفة بين الناس.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
ربط ذلك بمراقبته تعالى حتّى تكون الأعمال- كالقلوب- خالصة موصولة باللّه على كلّ حال. فيكون ذلك زيادة في الترهيب و الترغيب أي: أنّ أعمالكم ظاهرة و غير خفية لدى من يحيط بها و أنّه يجازيكم بها.

في الكافي عن الحلبي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «في رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها قال (عليه السلام): عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها فليمتعها على نحو ما يمتع مثلها من النساء».
أقول: المراد من‏ قوله (عليه السلام) «ما يمتع مثلها من النساء» أي مثلها في مراعاة حال الزوج فلا اختلاف بين هذه الرواية و غيرها الدالة على اعتبار حال الزوج فقط.
في تفسير العياشي عن أبي الصباح عن الصادق (عليه السلام): «إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها فلها نصف مهرها و إن لم يكن سمّى لها مهرا فمتاع بالمعروف على الموسع قدره و على المقتر قدره و ليس لها عدة و تتزوج من شاءت من ساعتها».
أقول: قريب من هذه الروايات روايات كثيرة أخرى ذكرناها في الفقه.
في الكافي و التهذيب و تفسير العياشي في عدة روايات عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام): «إنّ الذي بيده عقدة النكاح هو الولي».
أقول: الروايات في ذلك كثيرة.
في الفقيه و التهذيب عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ قال: «يعني الأب و الذي توكله المرأة و توليه أمرها من أخ أو قرابة أو غيرهما».
أقول: المستفاد من هذا الحديث أنّ المراد ممن بيده عقدة النكاح من يتولاها إما بوكالة من المرأة وكالة تفويضية أو بولاية من الشرع مع مراعاة المصلحة كما ذكرنا في الصداق من (مهذب الأحكام).
في التهذيب عن رفاعة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الذي بيده عقدة النكاح قال: الولي الذي يأخذ بعضا و يترك بعضا و ليس له أن يدع كلّه».
أقول: يمكن حمله على وجود المصلحة و الا فليس من شرائط العفو ذلك.
في تفسير العياشي في قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ.

قال: «هو الأب و الأخ و الرجل يوصى إليه».
و في الدر المنثور عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): «إنّ الذي بيده عقدة النكاح: الزوج».
أقول: وردت عدة روايات عن طريق الجمهور دالة على تفسير الآية الشريفة بالزوج و لكن يمكن حملها على ما إذا فوضت المرأة أمر المهر إلى الزوج حتّى العفو و تقدم ما يتعلق بذلك في التفسير أيضا.
و في تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يأتي على الناس زمان عضوض يعض كلّ امرئ على ما في يديه و ينسون الفضل بينهم قال اللّه تعالى: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ».
أقول: المراد بالعضوض: الشدة في الإمساك لأجل تركهم مكارم الأخلاق و فضائلها.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"