1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 224 الى 225

وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (۲۲٤) لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)


بعد أن ذكر سبحانه و تعالى بعض الأحكام الشرعية التي تهدي الإنسان إلى الكمال و توجب له الطهارة، و حذّره جل شأنه عن المخالفة و المعصية.
و أمره بالتقوى ذكر هنا بعض الأحكام العامة في الإيمان و بيّن أنّ من التقوى الاجتناب عن الحلف باسم اللّه تعالى في كلّ شي‏ء فإنّه مانع عن البر و التّقوى و الإصلاح التي لا بد أن يبتغيها المؤمن في كلّ أعماله ثم بيّن سبحانه أنّه لا يؤاخذكم بالأيمان اللاغية التي لا يعقد العزم عليها فإنّه لا كفارة فيها و لا عقاب و إنّما يؤاخذ اللّه تعالى الإنسان بالنيات التي يعقد عليها الأعمال ثم بشره بالغفران.

۲۲٤- قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ.
مادة (عرض) تأتي بمعنى الإظهار للغير لمصلحة فيه، و لهذه المادة استعمالات كثيرة في القرآن الكريم قال تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [الأحزاب- 72]، و قال تعالى: وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ [الأحقاف- ۳٤]، و قال تعالى: وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً [الكهف- 100]، و لم تستعمل هيئة عُرْضَةً إلا في المقام فقط.
و الأيمان جمع يمين: و هي بمعنى الحلف و القسم، تذكّر و تؤنث، و هي فعيل من اليمن بمعنى البركة لأنّها تحفظ الحقوق، أو لأجل أنّ العرب كانت تضرب اليمين على اليمين عند الحلف فسمّي الحلف يمينا. و قد وردت جميع مشتقات اليمين و الحلف في القرآن الكريم.
و من عادة الناس الحلف بالعظماء و الأكابر و ما هو محترم لديهم على اختلاف مذاهبهم و مللهم.
و في القرآن الكريم حلف الخالق بالمخلوق، و المخلوق بالخالق، و لعل أحلى قسمه تعالى قوله عز و جل: لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ‏ [الحجر- 72]، و من أشده و أعظمه قوله جل جلاله: «و عزتي و جلالي و علو قدري و ارتفاع مقامي لأقطعنّ أمل كلّ مؤمل أمل غيري».
و المعنى: لا تجعلوا اللّه تعالى في معرض حلفكم إذا أردتم أن تحلفوا، و هذا يشمل المرة الواحدة فضلا عن الزائد لأنّ عظمته تعالى غير متناهية و لا يمكن دركها بالعقول مطلقا فكيف يحلف بما لا يدرك إلا مفهوم لفظه.
قوله تعالى: أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ.
بيان لأيمانكم، أي: لا تجعلوا اللّه في معرض الحلف به في هذه الأمور الثلاثة التي هي مرضية له تعالى فضلا عما لا يكون مرضيا له، أو شككتم في أنّه مرضيّ له تعالى، فتشمل الآية الحلف على ترك البر و التّقوى و الإصلاح بين الناس بالأولى.
و إنّما ذكر سبحانه هذه الأمور لأنّ سائرها يرجع إليها، أو لأنّها أهم الأمور النظامية الاجتماعية، أو لأنّها مورد النذور و الأيمان بين الناس غالبا، فتشمل الآية غيرها بالأولى، و يؤيد هذا المعنى بعض الروايات كما يأتي.
و للمفسرين في تفسير هذه الآية الشريفة أقوال:
منها: أنّ هذه الآية غاية للحكم أي النّهي في لا تَجْعَلُوا أي: لا تحلفوا باللّه لأن تبروا و تتقوا و تصلحوا فتكون تعليلا لما تقدم.
و منها: أنّ قوله تعالى: أَنْ تَبَرُّوا تقدير (أن لا تبروا) أي: لا تكثروا الحلف باللّه فإنّه يؤدي إلى أن لا تبروا و لا تتقوا و لا تصلحوا بين الناس، فإنّ من أكثر الحلف بشي‏ء أدّى إلى استصغار ما أقسم به فلا يبالي الكذب و لا الحنث.
و منها: لا تجعلوا اللّه بواسطة الحلف به مانعا و حاجزا عما حلفتم على تركه، فإنّه لا يرضى أن يكون اسمه حاجبا عن الخير. و غير ذلك من الوجوه، و لكنّ الوجه الذي ذكرنا أنسب و أشمل و إن أمكن إرجاع بعض الوجوه المتقدمة إلى ما قلناه.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ.
أي: إنّ اللّه سميع لأيمانكم و جميع أقوالكم عليم بنياتكم و أحوالكم و لا يخفى عليه شي‏ء في السّموات و الأرض، و في الآية نوع من التهديد و فيها إرشاد إلى مراقبة الإنسان لأقواله و نياته.
۲۲٥- قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ.
مادة (لغو) تأتي بمعنى ما لا فائدة فيه و لا نفع، و يطلق اللفظ على صوت الطّير و العصافير من هذه الجهة.
و المراد به في المقام: الحلف الخالي عن القصد الاستعمالي الجدي الذي تدور عليه المحاورات المتعارفة بين الناس فإنّه إذا لم يحرز ذلك لا يترتب الأثر على الكلام بلا فرق بين الإخباريات و الإنشائيات و الوضعيات و الأحكام مطلقا.
فيكون الأصل في بيان المراد و الظهور هو القصد الاستعمالي الجدي و عليه يبتني التفهيم و التفهّم و المؤاخذات و الكلام بدونه تكون لغوا بالنسبة إلى المعنى المطلوب لا فائدة فيه و لا يترتب عليه الأثر المقصود.
و الآية المباركة تبيّن أنّ الأيمان الخالية عن القصد الاستعمالي الجدي تكون لغوا لا يترتب عليها الأثر، فلا يؤاخذ اللّه تعالى الناس عليها. و تقع مثل هذه الأيمان في حشو الكلام و تجري على اللسان كثيرا من دون أن يعقد صاحبها على أنّها يمين و يدل على ما ذكرنا قوله تعالى: وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ [المائدة- 89].
و المراد بعدم المؤاخذة عدم الكفارة و عدم العقاب.
قوله تعالى: وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ.
المراد من كسب القلب في المقام: القصد الجدّي و النية و العزم أي: و لكن يؤاخذكم بما نوت قلوبكم في الأيمان من المخالفة العمدية و الكذب و الحنث و ما يكسبه الإنسان من الإثم فيما عقد قلبه بالأيمان.
و الآية تدل على أنّ قسما خاصا من اليمين يكون مورد المؤاخذة و هو ما تصلح النية فيه، و في غيره لا مؤاخذة فيه، للقاعدة العقلية من انتفاء الحكم بانتفاء الموضوع.
و يستفاد من الآية الكريمة كمال الأهمية للنيات، فإنّ عليها يدور صلاح الأعمال و فسادها و الثواب و العقاب، و ظاهر اللفظ إنّما يكون معتبرا لأجل كونه كاشفا عن النيات.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ.
الغفور و الحليم من أسماء اللّه تعالى الحسنى، و الأول مبالغة في التجاوز و الغفران عن الذنب بالشرائط المقرّرة في الشريعة، و الثاني عبارة عن الإمهال و ترك التعجيل في العقوبة.
و تعقيب هذه الآيات المباركة بهذين الاسمين الشريفين للإشارة و الترغيب إلى عدم اليأس من رحمة اللّه تعالى لو تحققت المخالفة لبعض تلك الأحكام أحيانا لإغواء الشيطان فيتوب إليه تعالى و يرغم أنف الشيطان، فذكر جل شأنه هذين الاسمين للإعلام بزيادة التوجه و التنبيه و المبالغة في عدم حصول اليأس عند صدور المعصية.

قوله تعالى: أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ فيه وجوه من الإعراب:
الرفع: على أنّه مبتدأ و الخبر محذوف أي البر و التقوى و الإصلاح، أولى من اليمين باللّه تعالى.
و النصب: إما على تأويل لا تمنعكم اليمين باللّه تعالى البر و التقوى و الإصلاح.
أو على أنّه مفعول لأجله، أي: لأجل أن تبروا و تتقوا و تصلحوا.
أو على أنّه منصوب بنزع الخافض.
و قيل: إنّ التقدير: أن لا تبرّوا و لا تتقوا و لا تصلحوا. و حذف كلمة «لا» كثير، مثل قوله تعالى: يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا [النساء- ۱۷٦]، أي: أن لا تضلّوا.
و قال الخليل و الكسائي إنّه في موضع خفض و التقدير: في أن تبروا فأضمرت و خفضت بها.

من الألفاظ الشايعة في القرآن الكريم و السنة المقدسة: القلب و هو من التقلّب، و الصرف و التصرّف، و له إطلاقان:
الأول: العضو المعروف في جسم الحيوان، أي: اللحم الصنوبري النابت في الطرف الأيسر من الحيوان و هو كمضخة للدم السائل في العروق.
الثاني: اللطيفة الربانية أو العقل العملي أو النفس الناطقة الإلهية في مقام فعليتها، أو النفس اللوامة الفعلية، أو الجميع بحسب مراتبها المختلفة شدة و ضعفا، لأنّه على أيّ تقدير من الحقائق التشكيكية، و إن كان الحق هو الأخير كما هو المستفاد من الأخبار الشريفة و كلمات العلماء.
و من هذا الإطلاق قوله تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشعراء- ۱۹٤]، و مفهوم قوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها [الأعراف- 179]، و قوله تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِيدٌ [ق- 37]،
و ما ورد في الحديث: «قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرّحمن»
و في القدسيات: «لا يسعني أرضي و لا سمائي و إنّما يسعني قلب عبدي المؤمن»
و ما ورد في الحديث: «سأل موسى ربّه أين أجدك يا ربّ؟ قال عزّ و جل أنا عند المنكسرة قلوبهم».
مواهب الرحمان في تفسير القرآن، ج‏3، ص: 390
و من أسمائه الحسنى المباركة: «يا مقلّب القلوب» إلى غير ذلك مما هو كثير.
و عن بعض أكابر الفلاسفة أنّ القلب بهذا المعنى من أبواب الجنة و به تصير ثمانية بخلاف النار فإنّ أبوابها سبعة، و ليس لها باب القلب و استظهر ذلك من الآيات المباركة منها قوله تعالى: نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [سورة الهمزة- 9]، و قد تحير العلماء في ذلك.
و لعلّ إطلاق القلب و إرادة الرّوح أو النفس أو الإنسان نفسه في بعض الآيات كقوله تعالى: فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة- 283]، و قوله تعالى: وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ [ق- 33]، و قوله تعالى: يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة- ۲۲٥]، لأجل أنّه مبدأ الروح و بتلفه يتلف الحيوان و لذا ينسب إليه عند العرف كلّ ما فيه شوب درك مثل الحب و البغض و نحوهما.
كما يطلق عندهم الصدر و يراد به القلب باعتبار الحال و المحل كقوله تعالى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام- ۱۲٥]، و قال تعالى حكاية عن موسى (عليه السلام): رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي [طه- ۲٥]، و غير ذلك من الآيات الشريفة.

في تفسير القمي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ قال: «هو قول الرّجل في كل حاله لا و اللّه و بلى و اللّه».
و في تفسير العياشي عنه (عليه السلام) أيضا في الآية المباركة قال (عليه السلام): «هو قول الرّجل لا و اللّه و بلى و اللّه».
أقول: إنّ إطلاق الرواية يشمل جميع ما ذكر في تفسير الآية الشريفة و لفظ الجلالة من باب المثال لكل اسم مختص به عزّ و جل.
و في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ قال: «إذا دعيت لتصلح بين اثنين فلا تقل عليّ يمين أن لا أفعل».
و في تفسير العياشي عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) في قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ‏ يعني: «الرجل يحلف أن لا يكلّم أخاه و ما أشبه ذلك أو لا يكلّم أمه».
أقول: إنّ الرواية تدل على أنّ المعتبر في الحلف الرجحان أو التساوي فلا ينعقد في المرجوح فتكون بيانا لبعض معاني قوله تعالى: أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا.
و فيه أيضا قال (عليه السلام): «يا سدير من حلف باللّه كاذبا كفر و من حلف باللّه صادقا أثم إنّ اللّه عزّ و جل يقول: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ قال (عليه السلام): «اللغو قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه و لا يعقد على شي‏ء».
أقول: روى مثله العياشي عن أبي الصباح‏ و المراد بذلك أن لا يكون له قصد استعمالي جدّي.
روى الواحدي في أسباب النزول في قوله جل شأنه: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ قال الكلبي: «نزلت في عبد اللّه بن رواحة ينهاه عن قطيعة ختنه بشير بن النعمان، و ذلك أنّ ابن رواحة حلف أن لا يدخل عليه أبدا و لا يكلّمه و لا يصلح بينه و بين امرأته، و يقول: قد حلفت باللّه أن لا أفعل و لا يحل (لي) إلا أن أبر في يميني فأنزل اللّه تعالى هذه الآية».
أقول: تقدم ما يدل على ذلك أيضا.

يستفاد من الآية الشريفة أحكام:
الأول: أنّ الأيمان على ما يستفاد من الآية الشريفة بضميمة ما ورد في شرحها من السنة المقدسة على أقسام ثلاثة:
الأول: يمين التأكيد و التثبيت كما إذا قال: و اللّه إنّ هذا اليوم يوم الجمعة، و هو كذلك.
الثاني: ما تقرن بالطلب و السؤال، و حث المسؤول على إنجاح المقصود، كقول الحالف: «أسألك باللّه أن تقضي لي حاجتي» و الدّعوات المأثورة مشحونة بذلك.
الثالث: ما تقع تأكيدا لما التزم به كقول القائل: «و اللّه لا أرضى- مثلا».
و لا يترتب شي‏ء على القسم الأول سوى الإثم لو كان كاذبا في حلفه، و هي من المعاصي الكبيرة و تسمى باليمين الغموس لأنّها تغمس صاحبها في النار و
في بعض الأخبار: «إنّها تذر الدّيار بلاقع من أهلها».
و كذا لا أثر بالنسبة إلى القسم الثاني و لا كفارة أيضا على الحالف و لا على المحلوف عليه لو لم ينجح المقصود.
و أما القسم الأخير ففيه شرائط مذكورة في الفقه و يترتب على حنثه الإثم و الكفارة.
الثاني: لا أثر لليمين إلا إذا كانت باللّه عزّ و جل أو بأسمائه المقدسة المختصة به لفظا أو بالقرينة الظاهرية، فاليمين بغير ذلك لا أثر لها و لو كان عظيما.
الثالث: الأيمان الصادقة كلّها مكروهة، سواء كانت على الماضي أو المستقبل و تتأكد الكراهة في الأول، فعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في الموثق: «لا تحلفوا باللّه صادقين و لا كاذبين فإنّه عزّ و جل قال: وَ لا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ.
و عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في موثق ابن سنان قال: «اجتمع الحواريون إلى عيسى (عليه السلام) فقالوا يا معلّم الخير أرشدنا فقال: إنّ موسى نبيّ اللّه (عليه السلام) أمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و أنا آمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين».
نعم، لو أراد بها دفع مظلمة عن نفسه أو عرضه أو غيرهما جاز بلا كراهة و التفصيل يطلب من الفقه.
الرابع: يتعلّق اليمين بكلّ مباح فيه غرض صحيح غير منهي عنه شرعا كما يتعلّق بترك كلّ حرام أو مكروه، و بفعل كلّ واجب أو مندوب و لا يتعلّق بغير ذلك بل يكون لغوا و باطلا.

كل من أحب شيئا و عشقه لا يحلف بمحبوبه و معشوقه إلا نادرا بل لا يحلف به في الأمور المهملة و إذا حلف يبر بحلفه و لا يحنث و لو أدى إلى بذل النفس و النفيس و اللّه تعالى أحب الموجودات إلى خلقه و هو تعالى يطلب من خلقه أن يكونوا عبادا له عزّ و جل يأتمرون بأوامره و ينتهون عن نواهيه مطيعين له يراقبونه في جميع أمورهم و تنظيم نظام العبودية يقتضي أن لا يبادروا إلى الحلف به.
كما لا يحلف أحد بمحبوبه فإنّه تعالى المحبوب الحقيقي لكلّ موجود و لو حلفوا به فإنّ عبوديتهم له عزّ و جل تقتضي الوفاء به بكلّ ما أمكنهم.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"