1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 222 الى 223

وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (223)


ذكر سبحانه و تعالى حكما من الأحكام التي ترشد الإنسان إلى حفظ نوعه و بقائه و قد نبهه إلى ما يتحفظ به طهارته المعنوية و الظاهرية.
و ذكر بعض أحكام النساء من وجوب الاعتزال عنهنّ في زمان الحيض و أمر الإنسان بالسّعي إلى ما أمره اللّه تعالى حتى يعد عند اللّه مؤمنا متقيا و قد بشّره بعظيم الثواب.

222- قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً.

مادة (حيض) تأتي بمعنى السّيلان و سمّي هذا الدم المخصوص حيضا لسيلانه في الجملة، و إذا كان عين الفعل منه واوا فهو بمعنى الجمع و منه الحوض، و يصح إطلاقه في المقام أيضا، لأنّه لا يسيل الدم إلا إذا اجتمعت مادته في الرحم و لو في الجملة.

(و المحيض) مصدر ميمي و هو اسم للدم الخاص في وقت معين، و لم يستعمل في القرآن الكريم إلا بهذه الهيئة كما في قوله تعالى: وَ اللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ [الطلاق- ٤]، و يأتي المحيض اسما لزمان الحيض و مكانه، و الفارق القرائن المعتبرة.

و الحيض من الأمور الطبيعية للنساء و هو منشأ تكوّن الجنين في الرحم، و له أحكام شرعية، كما أنّ له اثارا صحية و نفسية معروفة ذكرها علماء الطب و النفس.

و إنّما عبّر سبحانه بالمحيض دون الحيض، لأنّ للإضافة الحدوثية إلى الحائض دخلا في الجملة في أحكامه و لأجل ذلك صحح عود الضمير (هو) إليه.

و الأذى: ما يصيب الإنسان من المكروه في نفسه أو جسمه، و لهذه المادة استعمالات كثيرة في القرآن بهيئات مختلفة حتى استعملت بالنسبة إلى اللّه تعالى‏ قال سبحانه و تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ [الأحزاب- ٥۷].

و كون الحيض أذى أمر معلوم فإنّه مستقذر ينفر عنه الطبع لكون هذا الدم خارجا عن مزاج الدم الطبيعي لفساده فلا يصلح لتغذية الجنين أو تهيئة اللبن للإرضاع فيرفضه الرحم إلى الخارج مصحوبا بآلام بدنية و نفسية فيكون أذى للنساء كما أنّ لهذا الدم أحكاما خاصة يصعب عليهنّ تحمّلها و هو أذى للزوج لأنّه يحرم عليه مدة الحيض أهم الاستمتاعات إذ الرّحم مشغول بتطهيره و تنقيته و الوقاع يضرّه بل هو أذى للنطفة إذا فرض انعقادها في زمان الحيض. و قد كشف العلم الحديث عن كثير مما يتعلّق بهذا الدم و يشمل جميع ذلك إطلاق هذه الكلمة الفصيحة بإيجازها قُلْ هُوَ أَذىً.

و قيل: إنّ المراد بالمحيض محلّ الحيض و مكانه و باعتبار الملازمة بين الحال و المحل عبّر تعالى بذلك، فيصح عود الضمير حينئذ بلا استخدام و هذا و إن كان صحيحا و لكنّه صرف لعموم الآية الشريفة إلى بعض المحتملات، فالصحيح ما ذكرناه.

قوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ.

العزل و الاعتزال: التجنب سواء كان بالبدن فقط أو القلب أو بهما و المراد به هنا الأول أي: عدم المقاربة معهنّ في محلّ الحيض فقط بقرينة قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ. و هو المراد أيضا إن أريد بالمحيض زمان الحيض لانسباقه إلى الذهن، و ليس المراد وجوب الاعتزال عن النساء مطلقا فإنّه مخالف لظاهر الآية الشريفة و للنصوص المتواترة و إجماع المسلمين. و بذلك أخذ الإسلام الطريق الوسط بين التشديد التام الذي عليه اليهود فإنّهم لا يساكنون النساء حال الحيض و لا يؤاكلوهنّ و لا يمسوهنّ و لا يضاجعوهنّ ففي التوراة كثير من الأحكام الشديدة بالنسبة إليهنّ فقد جاء في سفر اللاويين الفصل الخامس عشر «كل من مسّها- أي المرأة في أيام طمثها- يكون نجسا إلى المساء و كلّ ما تضطجع عليه في طمثها يكون نجسا و كلّ ما تجلس عليه يكون نجسا، و كلّ من‏ مس فراشها يغسل ثيابه و يستحم بماء و يكون نجسا إلى المساء و كلّ من مس متاعا تجلس عليه يغسل ثيابه و يستحم بماء و يكون نجسا إلى المساء و إن كان على الفراش أو على المتاع الذي هي جالسة عليه عند ما يمسه يكون نجسا إلى المساء و إن اضطجع معها رجل فكان طمثها عليه يكون نجسا سبعة أيام كلّ فراش يضطجع عليه يكون نجسا» و قد أخذ العرب بعض الأحكام من اليهود فشدّدوا على الحائض فكانوا في الجاهلية لا يساكنونها و لا يؤاكلونها.

و بين الإهمال و التهاون كما عليه النصارى، فالإسلام أخذ الطريق الوسط و أوجب اعتزال النساء في محل الدم فقط و حرم إتيانه في وقت الحيض و أباح سائر الاستمتاعات و معاشرتهنّ و مخالطتهنّ.

و وضع الظاهر موضع المضمر في قوله تعالى فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ لأنّ المحيض الأول بالمعنى المصدري و يراد من الثاني مكان الحيض أو زمانه فهو غير المعنى الأول فلا يصح عود الضمير إليه.

ثم إنّه تعالى قدم قوله: قُلْ هُوَ أَذىً و هو كالعلة لما يأتي و يترتب عليه الحكم بوجوب الاعتزال عنهنّ و عدم المقاربة معهنّ في محل الدم.

قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ.

المراد من القرب: خصوص الوطي، و هو في مقابل البعد، لأنّ من أدب القرآن الكريم الكناية عما يستقبح ذكره بألفاظ أخرى حسنة كقوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ [البقرة- 187]، و هذا دليل على أنّ المراد من الاعتزال خصوص المجامعة في موضع الدم و إنّما جي‏ء به تأكيدا للاعتزال و بيانا له.

و قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ بالتخفيف هي القراءة المعروفة بين المسلمين و هو المرسوم في المصاحف المتداولة و هو ظاهر في انقطاع الدم أي: حتى يخرجن من الحيض بانقطاع الدم عنهنّ.

و يكون الأمر بالاعتزال مقيّدا بحصول نقاء المحل، و الغاية في عدم القرب‏ هي انقطاع الدم و الطهر بعد الحيض و لو لم تغتسل المرأة، و يؤيد ذلك قوله تعالى: وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و هو المناسب للتعليل في صدر الآية المباركة و هو المشهور بين المسلمين.

و قرئ بالتشديد أي: يطهّرن بالغسل بعد نقاء المحل من الدم و هو ظاهر في الاغتسال عن حدث الحيض و تكون الغاية حينئذ في وجوب الاعتزال الغسل و لا يكفي نقاء المحل فقط. و هذه القراءة شاذة لا عبرة بها مضافا إلى أنّ فيها تكلّفا زائدا لم يعلم ثبوته شرعا فيشمله‏ قول نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «رفع عن أمتي ما لا يعلمون».

قوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ.

أي: فإذا تطهّرن بالنقاء أو بالغسل فلا محذور لكم في مقاربتهنّ على النحو الذي أراده اللّه تعالى من النكاح، و قد كنّى سبحانه و تعالى عن الجماع بالإتيان كما يقتضيه الأدب القرآني.

و التفريع لأجل بيان إباحة الوطي بعد تحريمه حال الحيض و لا يكون تكرارا كما ذكره بعض المفسرين.

و الظاهر أنّ المراد من قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ مطلق ما كتبه اللّه في هذا الموضوع و هو ابتغاء النسل و الذرية و بقاء النوع لا مجرّد التلذذ من الزّواج و في سياقه قوله تعالى: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ [البقرة- 187].

و يكون المعنى: فأتوهنّ من حيث الوظائف الشرعية التي جعلها اللّه تعالى لكم في هذا الأمر العظيم الذي هو منشأ حياتكم و بقاء نوعكم فإنّ للنكاح أهمية عظمى في الشريعة الإسلامية التي لم تدع جانبا من جوانبه و جهة من جهاته.

و لم يكن النّكاح في نظر الشرع مجرد لهو و نزوة كما ينزو حيوان على آخر و إعمالا للقوة الشهوية بل أراد ما هو أعظم و أنبل من ذلك و تكفي وصية نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) إلى عليّ (عليه السلام) المعروفة التي ذكر فيها بعض آداب النكاح و أحكامه و التي إذا روعيت كان لها الأثر العظيم في تنظيم‏ النسل و سعادة الحياة الزوجية و قد أيد كثيرا منها العلم الحديث و لعلّه يكشف عن سائر ما جاء به الإسلام في المستقبل.

و قد ذكر المفسرون و الفقهاء في تفسير هذه الآية وجوها بعيدة عن سياقها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.

الحب في المقام: بمعنى الأجر و الثواب و التأييد، و هو من صفات فعله تعالى. نعم، حبه تعالى لذاته بذاته هو عين ذاته، و قد تقدم الفرق بين صفات الفعل و صفات الذات في أحد مباحثنا السابقة.

و التوبة: هي الرجوع بعد الانحراف و البعد، و توبة العاصي هي الرجوع إلى اللّه تعالى بعد البعد عنه بفعل المعصية.

و المتطهّر: هو الآخذ بالطهارة و المتنزه عن القذارة و النجاسة، و إتيان الأحكام الإلهية بالايتمار بأوامره تعالى و الانتهاء عن نواهيه هو تطهر من المكلّف عن قذارة ارتكاب المنكرات و المخالفة، و توبة منه إلى اللّه تعالى و لأجل ذلك ذكر سبحانه هذه الجملة في ختام هذا الحكم.

و إطلاق قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ يشمل جميع مراتب التوبة من صغائر الذنوب و كبائرها، و إنّ المبالغة تفيد مطلوبية الاستمرار و كثرتها مطلقا.

كما يشمل جميع مراتب التطهر و كثرته و من حيث العدد و النوع فيهما لمطلوبية التوبة و الطهارة ذاتا و هما من المحسّنات العقلية التي رغب الشرع إليهما، و اللّه يحب ما هو حسن ذاتا و ما هو محبوب الجميع.

و إنّما قدم سبحانه التوبة على الطهارة لتقديم تطهير الروح و الباطن على تنظيف الجسم و الظاهر بل الثاني طريق إلى الأول و الجمع بينهما لبيان أنّ أحدهما بدون الآخر لا أثر له فلا فائدة في التوبة إذا لم يراع فيها جهات الطهارة الظاهرية و كذا بالعكس.

223- قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.

الحرث: هو تهيئة الأرض للبذر و إلقاؤه فيها و زراعتها و يطلق الحرث على المحروث قال تعالى: أَنِ اغْدُوا عَلى‏ حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ [القلم- 22]، و قال تعالى: وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ [البقرة- ۲۰٥].

و لفظ أنّى من المبهمات سواء في الزّمان أو المكان و لكن استعماله في الزّمان أشهر. و قيل باستعماله في كلّ منهما في المقام أي أين شئتم، أو في أيّ محلّ شئتم، و لكن من إيكال الحكم إلى المشيئة- و هي غير محدودة بحد إلا ما نهى عنه الشرع- يستفاد التوسعة في إتيان النساء من حيث المكان و الزمان.

و ذكره بعد اية المحيض لأجل بيان خروج زمان الحيض فإنّه لا استعداد فيه للحرث و غشيان النساء لأنّه أذى لهنّ، و فيه من القذارة التي يحب اللّه التطهير منها. فنسبة هذه الآية نسبة الشرح للآية السابقة فتكون مطلقة من حيث الزمان و المكان إلا ما نهى عنه الشرع المبين.

فالآية واضحة في دلالتها على التوسعة، فلا وقع للبحث عن أنّ كلمة (أنّى) زمانية أم مكانية، بل هي بمعنى ما شاء لتشمل الجميع بقرينة عموم المشية و إطلاقها و عمومات الحلية و الإباحة، و لا نحتاج إلى أقوال اللغويين أو المفسرين و إعمال الترجيح بينها، و لا فرق بين ملك الانتفاع المطلق، و المنفعة المطلقة، و ملك الذات من هذه الجهة، و يدل عليه‏

قول جعفر بن محمد (عليهما السلام): «لك أن تستمتع بكلّ جزء منك من كلّ جزء منها».

نعم، هناك موارد استثناها القرآن الكريم، و السنة المقدسة، و الفقهاء و تعرضنا لها في الفقه بما لا مزيد عليه.

و من تعليق الأمر بإتيان النساء على مشية المكلّفين و اختيارهم يستفاد أنّ الأمر للإباحة دون الوجوب.

كما يستفاد من تشبيه المرأة بالحرث في الآية الكريمة أمور:

الأول: أنّ الإنسان يحتاج إلى الحرث لأنّه منشأ بقاء الحياة و حفظها، كذلك النساء فإنّهنّ منشأ بقاء النوع و دوامه ببقاء النسل، و لولاهما لنفذ النوع و زالت الحياة.

الثاني: أنّ الحارث لما كان يلاحظ خصوصيات الحرث من حيث زمانه و مكانه، إذ ليس كلّ أرض صالحة للحرث و الزرع، و ليس كلّ زمان صالحا للزراعة كذلك لا بد أن يلاحظ في النساء هذه الجهة و هي من أهم جهات الحياة الزوجية و بدونها لم يحصل التعاطف و لم تتحقق المودة و المحبة بين الزوجين، و قد حرص الإسلام على ملاحظة هذه الجهة، و العقل يقضي بذلك أيضا.

الثالث: لزوم مراعاة الجهات الخارجية في الحرث: من سقي الماء و التحفظ عن حوادث الجو و غير ذلك، كذلك لا بد من مراعاة أحوال النساء و ملاحظة الزوجة التي يريد أن يختارها لعشرته و المخالطة معها فلا تقتصر على خصوص أمور خارجة كالجمال و المال و نحو ذلك التي لا ترتبط بسعادة الحياة الزوجية و تنشئة الأولاد و تربيتهم.

الرابع: عدم تحميل الأرض ما يضرّها من كثرة الماء و زيادة البذر، فإنّه و إن أوجب الانتفاع بذلك عاجلا لكنّه يضرّ بها آجلا و هكذا حال المرأة في كلّ ما يتعلق بها من الاستمتاعات.

الخامس: مراعاة البذر في الحرث بالحفظ و التنمية كذلك لا بد من مراعاة المرأة و ما في رحمها من البذر الإنساني فإنّ احتياج المجتمع الإنساني إلى النساء لأجل بقاء النوع و دوام النسل كما يحتاج إلى الحرث في إبقاء البذور، و تحصيل الغذاء للإنسان لحفظ حياته فجعل اللّه تبارك و تعالى رحم المرأة منشأ تكوّن الإنسان كما جعل في الرجل المادة الأصلية، فكلّ واحد من الزوجين يكمّل الآخر و يستعين به في رفع الحاجات، و قد جعل اللّه بينهما مودة و رحمة يخدمان النوع خدمات شرعية.

السادس: أنّ الحارث مسلّط على الأرض بأنحاء التعمير و الاستفادة منها، لأنّ الحرث وسيلة لبقاء النّوع و هو غير مقيّد بوقت كذلك الزوج مسلّط على الانتفاع من الزوجة في أيّ وقت شاء بأيّ كيفية أراد بحسب الوظيفة الشرعية.

السابع: أنّ بهجة الأرض و خضرتها و زيادة زرعها مما يوجب انبساط الحارث و فرحه كذلك جمال الزوجة و نظافتها و نزاهتها الفاضلة من موجبات فرح‏ الزوج و انبساطه و رغبته على الحياة الزوجية. و غير ذلك مما هو منشأ لحسن هذا التشبيه و التنزيل.

ثم إنّ إعطاء هذه السلطة الانتفاعية المطلقة للزوج و تسليطه عليها يستلزم في جملة من النفوس التعدي عن الحقوق التي لا بد للزوج من مراعاتها بالنسبة إلى الزوجة، و لذلك أمرهم بالتقوى، و أنذرهم على المخالفة، و وعد المؤمنين بالبشارة.

قوله تعالى: وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ.

أي: عاملوا النساء معاملة إذا ظهرت يوم عرض الأعمال تكون زينا لكم و لا تكون شينا فتنتفعوا منها في الدنيا و الآخرة، فإنّ اللّه تعالى يراكم فعلا، و يوم ظهور الأعمال و سرائر النفوس تتمثل أمامكم أعمالكم، فإن أحسنتم لهنّ أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها.

و أكد سبحانه ذلك بقوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ و بقوله جلّ و علا: وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ و في سياق ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ [الحشر- 18].

و يمكن أن يكون المراد من قوله تعالى: وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ هو التقديم في الدنيا بالاستيلاد و إنجاب الأولاد لبقاء المجتمع الإنساني الذي يكر على أفراده الفناء و الموت و ببقائه يبقى الدّين الإلهي و تتحقق عبادة اللّه تعالى و يظهر توحيده عزّ و جلّ، و ذلك يتطلب تنشئة الأولاد صالحين قد تربوا على دين الحق و الأخلاق الفاضلة، و يكون فيهم بقاء ذكر الآباء و بقاء للنسل الذي طلبه اللّه تعالى من الزواج، فيكون تقديم الأولاد الصّالحين من تقديم العمل الصالح الذي طلبه اللّه عزّ و جل، و الأمر بالتقوى لأجل عدم تعدّي حدود اللّه تعالى و انتهاك حرماته.

قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ.

أي: لا بد أن يكون عملكم عمل من أيقن بملاقات اللّه تعالى و هو يجازيه على أعماله خيرا كان أو شرّا و كل من علم بأنّه يلاقي المحاسب المرتقب لا يتساهل في تهيئة نفسه للحساب.

و في الآية المباركة إرشاد إلى مراقبة النفس، و التحفظ على الأعمال لئلا يصدر العمل عن غفلة، و فيها من التوعيد على المخالفة ما لا يخفى.

قوله تعالى: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

وعد منه تعالى لأهل الإيمان الذين يراعون أحكام اللّه تعالى و يراقبونه في أعمالهم و فيه إرشاد إلى أنّ الخوف من اللّه تعالى و التقوى من لوازم الإيمان.

و هذه الآية تدل على أنّ لكلّ واحد من الزوجين حقّا على الآخر يحاسبه الرقيب، و هي أعظم اية في تشريع قانون الزواج و التأكيد في مراعاة حق الزوجة و في السنة الشريفة ما يفسر ذلك‏ فعن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «أحبّكم عند اللّه أحسنكم إلى زوجته» و لا يعقل أن يكون قانون أضبط و أشمل لحقوق الزوجية من هذه الآية. و لم تصل الإنسانية في أمر الزواج إلى هذا المستوى من الانحطاط و لم يتحمل المجتمع الإنساني من الآلام و المتاعب في الحياة الزوجية إلا لأجل الإعراض عما أنزله اللّه تعالى فيها.

تدل الآيات الشريفة على أمور:
الأول: يستفاد من قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً أنّه كان في الحيض عادة متبعة عندهم إما شديدة قاسية عليهم كما كانت اليهود تفعله بالنسبة إلى النساء عند عروض الحيض أو مهملة و بسيطة كما كانت تفعله النّصارى، أو بعض العرب من رجحان إتيان النساء في هذه الحال.
و في الجواب كان الحكم الشرعي الذي يعتبر وسطا بين تلك العادات.
الثاني: يدل قوله تعالى: قُلْ هُوَ أَذىً على جميع ما يتعلق بهذا الدم من الآثار الصحية و النفسية بالنسبة إلى الحائض و ما يتعلق بالنسبة إلى الزوج الذي يمنعه هذا الدم من أهم الاستمتاعات و ما يتعلق بالنطفة إن فرض انعقادها في هذه الحالة. فتشمل هذه الجملة الفصيحة الموجزة على كثير مما يذكره الأطباء و غيرهم في هذا الدم.
الثالث: يستفاد من قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوهُنَّ الأخذ بالاحتياط في هذا الأمر فإنّه و إن كان كناية عن إتيان النساء إلا أنّه يدل على شدة الاهتمام‏ لأنّه يصير الإنسان في حالة تغلب عليه الشهوة فلا يتوجه إلى فعله كما هو واضح.
الرابع: يدل قوله تعالى: مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ على أنّه وراء هذا الحكم الشرعي أمر مكتوب من عند اللّه جعله في الزواج الذي لا بد من ابتغائه في هذه الحياة لتسلم عن المشكلات و تبتعد عن الشقاء.
و إطلاقه يشمل ما أمره اللّه من حيث كيفية المعاشرة و المخالطة، و حسن الأخلاق، و ابتغاء النّسل الصّالح و غير ذلك مما له دخل في هذه الحياة التي أحبّ اللّه تعالى أن تكون هنيئة سعيدة.
الخامس: يستفاد من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ الجانب الخلقي في الأحكام الشرعية التي أنزلها اللّه تعالى من حيث إنّها جاءت لتكميل النفوس الناقصة بإتيان ما أمره اللّه تعالى و الانتهاء عن نواهيه و تطهيرها عن القذارات المعنوية بالابتعاد عن سفاسف الأمور و رذائل الأخلاق.
السادس: يستفاد من صيغة الجمع في التوابين و المتطهرين و المبالغة فيهما تعميم التوبة و التطهير بالنسبة إلى جميع الذنوب صغائرها و كبائرها و تكرارها و الإدامة عليها بالاستغفار أو بإتيان الوظائف الشرعية و حسن التطهير عن جميع القذارات الحسية و المعنوية كالأخلاق الرذيلة و العلوم الباطلة و الإدامة على الطهارة و تكرارها.
السابع: يستفاد من قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ حسن الثواب لمن يتبع أوامر اللّه تعالى و ينتهي بنواهيه لا سيّما في المقام الذي تهيج فيه القوى الشهوية و النزوات الشيطانية، و لذا ورد في بعض الأخبار أنّ المرأة إذا عملت بوظائفها حال الحيض يكون ثوابها كثواب الشهيد في سبيل اللّه تعالى.
الثامن إنّما كرّر سبحانه و تعالى «الحب» لبيان تعدد الموضوع و الاهتمام بهما، و هما قد يجتمعان و قد يفترقان. مع أنّ تكرار لفظ الحب محبوب في حد نفسه و أنّه يوجب زيادة الترغيب.
التاسع: يستفاد من قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ احتياج المجتمع الإنساني في بقاء النوع إلى النساء كاحتياجهم إلى الزرع، و أنّهنّ الجزء المكمّل لهذا المجتمع بل الأصل في مادته، و بالتآلف معهنّ تتم الحياة السعيدة و في هذا التعبير كمال العطف بهنّ و فيه من حسن الأسلوب و روعة البيان ما لا يخفى.
العاشر: يدل قوله تعالى: وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ الاهتمام بتربية الأولاد، لأنّهم أهمّ شي‏ء يقدمه الإنسان لنفسه كما
قال نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يستغفر له، و صدقة جارية، و مصحف يقرأ فيه»
و في قوله تعالى: وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ [البقرة- 110]، بيان و شرح لمثل هذه الآية.
الحادي عشر: إطلاق قوله تعالى: وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ يشمل جميع ما يصلح لأن يقدم للآخرة من الأعمال الصالحة أو الأخلاق الفاضلة أو المعتقدات الحقة كما يستفاد منه كمال الترغيب إلى ذلك و الاهتمام بالتقوى.
الثاني عشر: يستفاد من قوله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ نهاية الاهتمام بمراقبة النفس و التحذير و عن المعاصي كما يستفاد البشارة لمن عمل بذلك و أنّ مراقبة النفس و العمل بالأحكام الإلهية من مقوّمات الإيمان و تدل على ذلك آيات كثيرة.

يستفاد من الآيات الشريفة ما يلي من الأحكام الفقهية:
الأول: الحيض دم يخرج من الرحم ذو أوصاف معلومة تختلف باختلاف الأمزجة و الأمكنة و الأزمنة و قد حددته الشريعة الإسلامية بحدود خاصة و قيود مخصوصة وردت في السنة المقدسة، و شرحها الفقهاء بما لا مزيد عليه تعرضنا لها في كتابنا (مهذب الأحكام).
و هو يختلف عن كلّ دم خارج عن الرّحم تراه المرأة كالنفاس و الاستحاضة و دم العذرة، و لا فرق في حصول الحيض بين أن يكون طبيعيا أو بالعلاج و المناط تحقق شرائطه المعتبرة شرعا.
و الحيض من الحدث الأكبر و هو ما يوجب الغسل كالجنابة، و النفاس، و كذا بعض أقسام الاستحاضة، فلا يرتفع حدث الحيض إلا بالغسل و لا يكفي تطهير المحل.
الثاني: الطهارة و النجاسة من الأمور الشايعة عند الناس بلا اختصاص لهما بقوم دون آخرين أو ملة دون أخرى.
و هما ناشئتان عن وجدان الأشياء ما يوجب تنفر الطبع و الرغبة عنها، أو ما يوجب الإقبال و الرغبة إليها، و هذا المنشأ و إن كان بادئ الأمر محسوسا و لكنّ الإسلام عمّهما بالنسبة إلى المحسوسات و المعقولات كالأخلاق و العقائد و الأقوال‏ و الأفعال و نحو ذلك.
و النجاسة: هي القذارة المحدودة شرعا. و الطهارة: صفة خاصة تنافي النجاسة و هي إما ظاهرية- التي تحصل من زوال النجاسة و التجنب عنها- أو معنوية و لها مراتب كثيرة قال تعالى: وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدثر- ٥]، و قال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [الأحزاب- 33]، و قال تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ [الواقعة- 79].
فكما أنّ ظاهر البدن و اللباس يستقذر بالقذارات الظاهرية فلا بد في تطهيرهما بالكيفية المقررة في الشريعة الإسلامية، كذلك تستقذر الروح بالمعاصي و الذنوب و الأخلاق الرذيلة و لا بد من تطهيرها بالإيمان و التوبة و الاجتناب عما يوجب التنفر و الكراهة و إلا حصل التباعد بينها و بين المبدأ الفياض فتبتعد عن محالّ القدس، و تخرج عن الصراط المستقيم و تهوي أخيرا إلى سواء الجحيم و قد اهتم الإسلام بكلّ منهما نهاية الاهتمام و كماله.
و الطهارة في جميع الكتب السماوية تكون على قسمين: إما طهارة حدثية، أو طهارة خبثية، و الأولى ترفع الأحداث و هي: الوضوء، و الغسل، على ما هو المقرّر في الشرع الإسلامي. و الثانية تزيل النجاسة الحاصلة بملاقاة إحدى الأعيان النجسة و هي في الشريعة الإسلامية إحدى عشرة: الدم، و البول، و الغائط، و المني من الإنسان و بعض الحيوانات، و الميتة، و الكلب، و الخنزير البريان، و المشرك، و المايع من المسكر على ما هو مفصّل في الفقه.
الثالث: يستفاد من قوله تعالى: فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ أنّ المحرّم هو إتيان النساء في محلّ الحيض فقط، لاختصاص العلة التي ذكرها سبحانه في الآية الشريفة بهذا الموضع، فيحرم الجماع في الفرج لا مطلق التلذذ و التمتع و المعاشرة و يكون ذلك حدّا وسطا بين تحريم مطلق المعاشرة مع الحائض كما يفعله اليهود و بعض العرب و بين الإباحة المطلقة كما يفعله النّصارى أو بعض مشركي العرب الذين كانوا يستحبون المعاشرة معهنّ في هذا الوقت.
الرابع: ربما قيل بدلالة قوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ على حرمة إتيان النساء من أدبارهنّ، و لكنّه فاسد، لأنّ الآية وردت لبيان حكم خاص في حالة مخصوصة و لا دلالة لها على شي‏ء آخر إلا بضميمة مفهوم اللقب، أو أنّ الأمر يقتضي النّهي عن ضده. و قد أثبتنا بطلان كلّ منهما في الأصول و من شاء فليراجع كتابنا (تهذيب الأصول).
الخامس: يستفاد من قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ التوسعة في إتيان النساء و جواز الاستمتاع من الزوجة من حيث المكان و الزمان إلا ما ورد النّهي عنه شرعا، و إطلاق الآية المباركة يشمل جواز إتيان الزوجة قبلا و دبرا و هو المشهور بين فقهاء الفريقين و المسألة مذكورة في كتب الفقه مفصّلة.
السادس: ربما قيل بأنّ إطلاق قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يدل على جواز العزل عند الجماع.
و لكنّه موهون جدّا لأنّ الإطلاق إنّما يؤخذ به إذا كان في مقام البيان و مع العدم أو الشك في البيان لا يمكن التمسك به كما ثبت في علم الأصول.
السابع: يدل قوله تعالى: حَتَّى يَطْهُرْنَ على كفاية نقاء المحل و لو بملاحظة مجموع الآية بصدرها و ذيلها بعد رد بعضها إلى بعض كما هو الشأن في استفادة حكم من الأحكام الشرعية من الأدلة.

في الدر المنثور في قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ قال: «الذي سأل عن ذلك أبو الدحداح و هو ثابت بن الدحداح».
و في أسباب النزول للواحدي عن أنس: «أنّ اليهود كانت إذا حاضت منهم امرأة أخرجوها من البيت فلم يواكلوها، و لم يشاربوها و لم يجامعوها في البيت فسئل رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) عن ذلك فأنزل اللّه عزّ و جل: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ- الآية- فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): جامعوهنّ في البيوت و اصنعوا كلّ شي‏ء إلا النكاح، فبلغ ذلك اليهود، فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه. فجاء أسيد بن خضير، و عباد بن بشر فقالا: يا رسول اللّه إنّ اليهود قالت كذا و كذا أ فلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حتى ظننا أن قد وجد عليهما فخرجا، فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فأرسل في أثرهما فسقاهما فعرفنا أنّه لم يجد عليهما».
أقول: روى مثله أحمد و الدارمي، و مسلم، و أبو داود، و الترمذي، و النسائي، و أبو يعلى، و ابن المنذر، و أبو حاتم، و النحاس في ناسخه، و أبو حيان، و البيهقي في سننه عن أنس.
و تقدم في التفسير ما يدل على صحة ما ورد في الرواية من التوراة.
في الكافي: «سئل الصادق (عليه السلام) ما لصاحب المرأة الحائض منها؟ فقال (عليه السلام): كلّ شي‏ء ما عدا القبل بعينه».
و فيه أيضا عنه (عليه السلام): «فليأتها حيث شاء ما اتقى موضع الدم».
أقول: الروايات في هذا المعنى متواترة.
في الكافي عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام): «المرأة ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيامها قال (عليه السلام): «إذا أصاب زوجها شبق فليأمرها فلتغتسل فرجها ثم يمسها إن شاء قبل أن تغتسل. و في رواية و الغسل أحبّ إليّ».
أقول: في سياقها روايات أخرى تدل على أنّ المراد بالتطهير انقطاع الحيض لا الاغتسال، و هي تؤيد قراءة يَطْهُرْنَ بالتخفيف.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ أي اغتسلن.
أقول: هذا محمول على الاستحباب جمعا بين الروايات فيجوز الوطي بعد النقاء و إن كان الأفضل أن يكون بعد الغسل.
و أما ما يقال من ظهور لفظ التطهر في الغسل لأنّه ظاهر في الأمر الاختياري. فهو مخدوش أولا لكونه أعم من ذلك كما لا يخفى.
و ثانيا: الروايات في شرح الآية الكريمة تكون قرينة على أنّ المراد هو النقاء من الحيض فلا وجه لتعيّن هذا الاستظهار بعد الجواز قبل الغسل و كون الغسل أحب كما ورد في الحديث السابق.
في التهذيب عن عبد اللّه بن أبي يعفور عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ قال (عليه السلام): «هذا في طلب الولد فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه، إنّ اللّه تعالى يقول: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
أقول: الحديث يبيّن أنّه لا تنافي بين صدر الآية و ذيلها فإنّ طلب الولد على ما أمره اللّه تعالى شي‏ء و التمتع بالزوجة شي‏ء آخر.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام) في قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ قال (عليه السلام): «كان الناس يستنجون بالكرسف و الأحجار ثم أحدث الوضوء، و هو خلق كريم فأمر به رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و صنعه و أنزل اللّه في كتابه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ.
أقول: يستفاد من الحديث أنّ الاستنجاء بالكرسف و الأحجار مجز أيضا و لكن التطهر الحاصل من الماء مبالغة في الطهارة و هي مما يحبه اللّه تعالى.
و الروايات في هذا المعنى كثيرة.
و في الكافي أيضا عن محمد بن النعمان الأحول عن سلام بن المستنير قال: «كنت عند أبي جعفر (عليه السلام) فدخل عليه حمران بن أعين و سأله عن أشياء فلما همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفر (عليه السلام) أخبرك أطال اللّه تعالى بقاءك لنا و أمتعنا بك أنّا نأتيك فما نخرج من عندك حتى ترق قلوبنا و تسلو أنفسنا عن الدنيا و يهون علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثم نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس و التجار أحببنا الدّنيا قال: فقال أبو جعفر (عليه السلام): إنّما هي القلوب مرّة تصعب و مرّة تسهل، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام) أما إنّ أصحاب محمد (صلّى اللّه عليه و آله) قالوا: يا رسول اللّه نخاف علينا النفاق فقال (صلّى اللّه عليه و آله): و لم تخافون ذلك؟ قالوا: إذا كنا عندك فذكّرتنا و رغّبتنا و جلنا و نسينا الدّنيا و زهدنا حتّى كأنا نعاين الآخرة، و الجنة و النار و نحن عندك، فإذا خرجنا من عندك و دخلنا هذه البيوت و شممنا الأولاد و رأينا العيال و الأهل يكاد أن نحوّل عن الحال التي كنا عليها عندك و حتّى كأنا لم نكن على شي‏ء، أ فتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقا؟
فقال لهم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): كلّا إنّ هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا، و اللّه لو تدومون على الحالة التي وصفتم أنفسكم‏ بها لصافحتكم الملائكة و مشيتم على الماء، و لو لا أنكم تذنبون فتستغفرون اللّه تعالى لخلق اللّه خلقا حتّى يذنبون فيستغفروا اللّه تعالى، فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتن تواب أما سمعت قول اللّه عزّ و جل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ و قال تعالى: اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ.
أقول: أطوار القلوب و حالاتها في قربها إلى اللّه تعالى و بعدها عن غيره تارة و التوجه إلى الدّنيا أخرى معلومة لمن كان له قلب أو ألقى السّمع و هو شهيد، و تدل على ذلك الأدلة الكثيرة العقلية و النقلية.
و لا ريب في أنّ طهارة القلب بالتوجه إلى اللّه تعالى و الإعراض عن غيره نحو طهارة معنوية هي غاية استكمال الإنسان، و الطهارة الظاهرية من طرق حصولها و كلّ منهما محبوبة لدى اللّه تعالى.
و المراد من‏ قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لو تدومون على هذه الحالة» أي: الانقطاع إلى اللّه تعالى و الانقلاع عن غيره و هي العبودية الخالصة التي لا يشوبها شي‏ء، و قد تقدّم بعض الكلام فيها في قوله تعالى: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [البقرة- ۱۲٤].
و قوله (صلّى اللّه عليه و آله): «لو لا أنّكم تذنبون فتستغفرون اللّه تعالى لخلق خلقا حتى يذنبوا فيستغفروا اللّه تعالى فيغفر لهم» إشارة إلى قاعدة أثبتها الفلاسفة الإلهيّون و العرفاء: أنّ جميع ما في هذا العالم مظهر من مظاهر أسمائه تعالى المقدّسة، فلو لم يتحقق الذنب لم يتحقق العفو و الغفران و التوبة بالنسبة إليه عزّ و جل، فمن لوازم هذه الأسماء المقدّسة تحقق الذنب مع أنّه بنفسه يوجب استكانة المذنب عند ربه و طلبه العفو و الغفران منه. و الحديث يشرح الطهارة المعنوية.
في تفسير العياشي و القمي في قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ عن الصادق (عليه السلام): «أي متى شئتم في الفرج».
و في تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «سألته عن الرجل يأتي أهله في دبرها فكره ذلك و قال: إياكم و محاشي النساء و قال إنّما يعني نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ: أيّ ساعة شئتم».
و في تفسير العياشي عن معمر بن خلاد في قوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: «أي شي‏ء تقولون في إتيان النساء في أعجازهنّ؟ قلت: بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأسا قال (عليه السلام): إنّ اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل من خلفها خرج ولده أحول فأنزل اللّه تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ يعني: من خلف أو قدام خلافا لقول اليهود و لم يعن في أدبارهنّ».
أقول: يستفاد من مجموع الأخبار الواردة في هذه الآية أنّ كلمة أَنَّى تستعمل في الأعم من الزمان و المكان و المحلّ و هو صحيح مطابق لعموم اللفظ. نعم، هناك بحث آخر مستقل أنّ إتيان النساء من أعجازهنّ هل يجوز أو يحرم أو يكره؟ و المسألة مذكورة في الفقه و المشهور بين الإمامية الجواز مع الكراهة خصوصا مع عدم رضاها بذلك.
في الدر المنثور عن الدارقطني في غرائب مالك مسندا عن نافع قال: «قال لي ابن عمر: أمسك عليّ المصحف يا نافع: فقرأ حتّى أتى على: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ قال لي: تدري يا نافع في من نزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل اللّه: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ قلت له: من دبرها في قبلها قال: «إلا في دبرها».
أقول: ذكر ابن عبد البر الرواية بهذا المعنى عن ابن عمر معروفة عنه مشهورة.
و فيه أيضا: أخرج ابن راهويه و أبو يعلى و ابن جرير و الطحاوي في مشكل الآثار و ابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدري: «أنّ رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس عليه ذلك فأنزلت: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ‏ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
أقول: تدل على إباحة الوطي من الدبر روايات كثيرة عن الجمهور بعدة طرق.
و فيه أيضا عن الطحاوي عن عبد اللّه بن القاسم قال: «ما أدركت أحدا أقتدي به في ديني يشك في أنّه حلال- يعني وطي المرأة في دبرها- ثم قرأ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ- الآية- ثم قال: فأيّ شي‏ء أبين من هذا؟».
في الدر المنثور أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبد اللّه قال: «كانت الأنصار تأتي نساءها مضاجعة، و كانت قريش تشرح شرحا كثيرا فتزوج رجل من قريش امرأة من الأنصار فأراد أن يأتيها فقالت: لا إلا كما يفعل فأخبر بذلك رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فأنزل اللّه تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ أي قائما و قاعدا و مضطجعا بعد أن يكون في صمام واحد».
أقول: روي قريب من ذلك عن الصحابة بعدة طرق و المراد من الشرح: وطي المرأة نائمة على قفاها، و المراد من الصمام: الفرج.
في تفسير القرطبي عن عمرو بن دينار قال: سمعت سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «سمعت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و هو يخطب يقول: إنّكم ملاقو اللّه حفاة عراة مشاة غرلا. ثم تلا رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله): و اتقوا اللّه و اعلموا أنّكم ملاقوه».
أقول: أخرج قريبا منه مسلم في صحيحه.
و الغرل جمع أغرل: و هو الأغلف أي غير مختون. و الوجه في ذلك ثبوت المعاد الجسماني بجميع الأجزاء و الخصوصيات التي كان الجسم عليها.

ذكرنا أنّ الحيض في النساء من الأمور الطبيعية كسائر الأمور التكوينية المتعلقة بالإنسان- الرجال و النساء على حدّ سواء- كالتنفس و الصحة، و المرض و نحو ذلك إلا أنّها تختلف من حيث إنّ بعضها فيه نوع من الأذية و يتنفر الطبع منه، و البعض الآخر ليس كذلك و الإنسان مركب منهما و هذا معلوم لكلّ أحد.
و الحيض من القسم الأول فهو أذى للنساء كما نطقت به الآية الشريفة.
و لكن ذلك لا يوجب الحطّ من منزلة المرأة في المجتمع الإنساني، فإنّها و الرجل عضوان منه يشتركان في بقائه و تحقيق مقاصده و أغراضه، و يتحمل كل واحد منهما المسؤولية الملقاة على عاتقه فيه، و يسعيان في سعادته أو شقاوته.
مضافا إلى ذلك أنّ بالرجل و المرأة تقوم الحياة الزوجية التي هي أساس المجتمع الإنساني.
هذا هو نظر الإسلام إلى المرأة، لا كما تراه الأقوام البدائية التي لم تجعل لهنّ أي دور بارز في المجتمع، و ما عليه المدنية الحاضرة التي جعلت المرأة مبتذلة يخذها الرجل العوبة في تحقيق مآربه و أغراضه مما أوجب صرفها عن المسؤولية التي جعلها اللّه تعالى عليها.
و الآية المباركة التي تقدم تفسيرها تكشف عن جوانب متعددة مما يراه‏ الإسلام فيهنّ، فهي تدل على أنّ دم الحيض أمر طبيعيّ للنساء أذى لهنّ ينبغي مراعاتهنّ في هذه الحالة، و ليس هو نقص لهنّ يحط من منزلتهن ثم أعطت المنزلة السامية لهنّ عند ما اعتبرهنّ بمنزلة الحرث للرجال، و بذلك تتحمل مسئولية الحمل و الرضاع و نشأة الأولاد و قد أعدها اللّه تعالى لهذه المسؤولية إعدادا حسنا، فخلقها صابرة تتحمل الصعاب في هذا السبيل، عطوفة حساسة للأمور التي تحيط بها، شغوفة في حبّ الأولاد و تربيتهم و غير ذلك مما تتطلبه هذه المسؤولية.
و قد حذر سبحانه و تعالى الرّجل من استغلال هذه الصفات فيهنّ بالاستخفاف بهنّ أو استحقارهنّ في قوله تعالى: وَ اتَّقُوا اللَّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.
و أما الرجل الذي هو الجزء الآخر من المجتمع الإنساني و على جانب من المسؤولية الاجتماعية و قد خلقه اللّه تعالى و حمّله مسئولية تربية الأولاد و معيشتهم فقد جعل عزّ و جل المادة الأساسية في الرجل، و جعل محل انعقادها رحم المرأة التي هي كالوعاء لنشوء الجنين و حفظه، و قد أعد اللّه سبحانه الرجل إعدادا جميلا يتحمل هذه المسؤولية فخلقه قويا يتحمل المكاره، مكافحا في سبيل عيشه و عيش أولاده، صعبا لا يخرج عن إرادته بسهولة. و غير ذلك مما لا بد منه في هذه المسؤولية و بمقتضى تغاير المسؤوليتين امتاز كلّ واحد منهما بصفات و أخلاق، و لكن ذلك لا يوجب الفرق بينهما بحسب النوع بحيث يعد أحدهما من أفراد الحيوان، بل هما متماثلان في الذات و الشعور و الحقوق … أو من قبيل الإنسان القليل الاستعداد و الكثير.
و قد أيدت ذلك التجارب العلمية الصحيحة، و الفت كتب خاصة فيما يمتاز به الرجل عن المرأة تكوينا.
و يدل على ذلك: أنّ الأحكام الشرعية الإلهية التي نزلت لتكميل الإنسان تعم الرجل و المرأة على حدّ سواء، و قد أسس الفقهاء «قاعدة الاشتراك» و المراد منها اشتراك النساء مع الرجال في جميع الأحكام الوضعية و التكليفية إلا ما خرج بالدليل، و لكن اختص كلّ واحد منهما بجملة من الأحكام الشرعية بمقتضى وظيفة كلّ واحد منهما في المجتمع، و ليست تلك الأحكام التي تخص المرأة مما يدل على نقص المرأة عن الرجل، بل هي أحكام تتلائم مع مسئوليتها و تكوينها.
و يمكن تقسيم شؤون النساء إلى أقسام:
الأول: التكاليف الشرعية المجعولة لهنّ كما هي مجعولة للرجال.
الثاني: الفضائل و العلوم التي تعتبر من الكمالات التي يرغب إليها شرعا و عقلا فهي مطلوبة منهنّ ما لم يردع عنها الشارع أو تترتب عليها المفسدة و على ذلك يحمل ما ورد من النّهي عن تعليمهنّ بعض الأمور.
الثالث: الأمور الاجتماعية التي يفرضها الاجتماع الإنساني فلا بأس بممارسة المرأة لها مع التحفظ على ما يريده الشرع منها كالستر و العفاف.
الرابع: الأمور التي تنافي عفتها و توجب تبذلها و احتكاكها مع الأغيار و هذه لا تجوز عقلا و شرعا بل و عرفا.
هذا موجز الكلام في شأن النساء بحسب نظرة الإسلام و سنتابع البحث في الآيات الشريفة المناسبة إن شاء اللّه تعالى.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"