1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 21 الى 22

يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (۲۱) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (۲۲)


بعد أن ذكر سبحانه في ما تقدم أصناف خلقه و هم المؤمنون المهتدون الفائزون، و الكافرون الذين اختاروا الكفر فطبع بذلك على قلوبهم و سمعهم و أبصارهم، و المنافقون الذين هم الأخسرون اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا و هم يحسبون انهم يحسنون صنعا. فكما أن الدنيا مجمعهم بالوجود الجمعي و التدريجي في سلسلة الزمان كذلك الآخرة مجمعهم بالوجود الجمعي في الزمان و المكان. دعا سبحانه و تعالى في هذه الآيات النّاس إلى التوحيد و العبادة حتّى تستعد نفوسهم إلى التقوى. ثم عدد جلائل نعمه في السماء و الأرض ليرغّبهم إلى التفكر و نبذ الأنداد فلا يستعينوا بغيره عزّ و جل، كل ذلك في عبارات يتدفق منها الحنان و العطوفة، و قد أظهر اهتمامه بهم بقوله تعالى: خَلَقَكُمْ ثم ذكر خلق السابقين ليعرف أن الجميع خلقه و هو الخالق و المستحق للعبادة دون غيره و إنما كان الخلق السابق كالمقدمة لخلق المسلمين ثم بين الغاية القصوى للخلق و هي التقوى ثم عدد بعض النّعم النوعية التي تكون من خصائص الربوبية.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ. تقدم في سورة الفاتحة معنى العبادة و الرب، و في هذه الآية أمر سبحانه النّاس بالعبادة و هي الغاية لخلق الإنس و الجن كما قال سبحانه و تعالى: وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات، الآية: ٥٦]و قد ورد عن الأئمة الهداة (عليهم السلام): «خلقهم ليأمرهم بالعبادة» و لم يبعث اللّه الرسل إلّا لدعوة أقوامهم إلى العبادة قال تعالى: وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [سورة النحل، الآية: ۳٦].
و إنما اختار من أسمائه المقدسة لفظ (الرب) لاشتمال الربوبية المطلقة على جميع الكمالات الإلهية، و فيه إشعار بالحنان و الرأفة بخلقه. و إنما أمر بالعبادة لأنها تقتضي الإعتقاد بالتوحيد الذاتي أيضا.
قوله تعالى: الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. ذكر تعالى خلق الذين من قبلهم لأنهم كانوا يفتخرون بآبائهم بل بعضهم يعبدونهم فقال تعالى: إنهم مخلوقون له كما أنتم مخلوقون له فنفى تعالى جهة الشرك بهذه الكلمة كما بين غاية العبادة و هي التقوى.
قوله تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً. الفراش و البساط و المهاد لها جامع واحد و هو سهولة الأرض للانتفاع بها بكل معنى يتصور الانتفاع و إنما تفترق هذه الألفاظ بخصوصيات خاصة تأتي الإشارة إليها في محالها. و التعبير بالفراش كما في هذه الآية الشريفة، و المهاد. كما في قوله تعالى: أَ لَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً [سورة النبأ، الآية: ٦]، و البساط كما في قوله تعالى: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً [سورة نوح، الآية: 19] دلالة على أنها خلقت كذلك لأجل ملاءمتها لطباع النّاس و ألفتهم بها كما يألفون إلى الفراش و البساط و المهاد.
و السماء تطلق على كل ما علا و أظل و على مجموع ما فوقنا و للعلو درجات و مراتب و لذا يتصور فيها الجمع و قد ورد في القرآن لفظ «السموات» كثيرا لأن جهات البعد كثيرة جدا و لا سيما بناء على أن البعد غير متناه. و البناء وضع شي‏ء على شي‏ء مع التماسك بينهما.
و المراد به أنه تعالى جعل السماء سقفا متماسكا لئلا تقع على الأرض و يدل عليه قوله تعالى: وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ [سورة الأنبياء، الآية: 32] و يمكن أن يراد بالبناء العمران في مقابل الخراب و ليس المراد بالعمران و الخراب ما ندركه بأبصارنا الظاهرية فقط بل لها معان أخرى لا يحيط بها إلّا اللّه تعالى،
و قد روى الفريقان عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) «أطت السماء و حق لها أن تئط فإن ما بها موضع شبر إلّا و ملك واضع جبهته عليه عظمة للّه تعالى»، و قد ورد التأكيد عن أئمة الدين في رد من زعم أنها خراب لا عمران فيها و على هذا يصح ترتيب نزول الماء من السماء سواء كان البناء بمعنى السقف أو بمعنى العمران كما لا يخفى على أهله.
و قد خلق السماء بأحسن نظام و أجمل صورة و جعل فيها أجراما غير متناهية متماسكة من غير أن يصطدم بعضها ببعض و قد كشف العلم الحديث لهذا السقف آثارا و فوائد كل ذلك يدل على تمام قدرته و عنايته تبارك و تعالى.
و إنما قدم سبحانه و تعالى الأرض لأنها من أنفع الكرات و أعظمها فائدة للإنسان و لأن فيها قيام حياة النبات و الحيوان و الإنسان، و الذي زاد في فضلها انها مهبط وحي السماء و محل نشوء الأنبياء و معبد الأولياء و مسجد أهل الإيمان و محل تكميل نفوس العقلاء بل لم يخلق سبحانه و تعالى في العالم خلقا أجل نفعا و أعظم فائدة من هذه الكرة الأرضية و لذا كان اهتمامه تعالى بها أكثر و اعتناؤه أشد من أي كرة أخرى فإنه سبحانه أعلم بأسرارها و رموزها و كنوزها. و ما يتوهم من أن الأرض كما أنها مجمع المنافع فيها شرور أيضا من أهمها انها محل إضلال الشياطين و اغوائهم. غير صحيح بما ثبت في علم الفلسفة من أن الشر القليل لا يمنع عن الخير الكثير الموجود فيها و لم يذكر الأرض بلفظ الجمع في القرآن العظيم و ان وردت جمعا في الدعوات المأثورة المعتبرة و قد ذكر السماء مفردا و جمعا في القرآن. نعم ورد في قوله تعالى: وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [سورة الطلاق، الآية: 12]، و يأتي ما يتعلق بذلك.
و لكن ثبت في الفلسفة القديمة بالبراهين القويمة أن جميع الكرات من النوع المنحصر في الفرد بلا فرق بين الأرض و غيرها و لو فرض تعدد فإنما هو بحسب النوع لا بحسب الأفراد الداخلة تحت نوع واحد؛ و على هذا فإفراد لفظ الأرض في القرآن كإفراد لفظي الشمس و القمر يكون بحسب الدليل، و سيأتي تتمة البحث و أما إفراد السماء و جمعها فقد تقدم بعض الكلام فيه.
قوله تعالى: وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ. الماء معروف و هو منشأ الحياة في كل ذي روح سواء كان إنسانيا أو حيوانيا أو نباتيا كما قال تعالى: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْ‏ءٍ حَيٍّ [سورة الأنبياء، الآية: 30] و الماء أصل حدوثه يكون في العالم العلوي و في الأرض أمكنة مجعولة إلهية لإبقاء هذه النعمة الكبرى تسهيلا على المنتفعين به فأصل الحدوث من السماء و العلة المبقية في الأرض، و سيأتي مزيد بيان لهذا البحث في الآيات المناسبة.
و لا ريب في تقوّم الإنسان بل كل حيوان برزق مخصوص، و الرزق متقوم بالثمرات و هي ما يحصل من النبات و كل نبات متقوم بالماء و هو من السماء و بالأخرة يرجع الرزق اليه تبارك و تعالى و قد أشار سبحانه و تعالى الى ذلك بقوله: وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ [سورة الذاريات، الآية:22].
و قد ذكر سبحانه في هذه الآيات من أصول نعمه نعمة الإيجاد و الخلق‏ لنا و لأسلافنا و نعمة العيش و الحياة و نعمة الغذاء، فعرفنا ذاته المقدسة بآثار رحمته و عظيم نعمه و سعة فضله و غاية قدرته و عظمته.
قوله تعالى: فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ تفريع و توبيخ للمخاطب العاقل في صورة النهي، يعني أنه مع علمكم بألطافه تعالى و عناياته عليكم كيف تجعلون له شريكا و مثلا. و الند هو المثل و الكفؤ و الشريك. «وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» أنه لا ندّ له لكونهم معترفين بأن اللّه خالقهم و رازقهم و المنعم عليهم و المدبر لأمورهم فلا يقول خلاف علمكم و عقيدتكم. و يجري معنى الآية في كل من يقول بأنّ مجاري الطبيعة مسخرة تحت إرادته تعالى و مع ذلك يعتقد بخلاف ذلك فلا يختص بزمان دون زمان.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"