1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 165 الى 167

وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ (۱٦٥) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ (۱٦٦) وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ (۱٦۷)


بعد أن ذكر سبحانه جملة من مصنوعاته التي في كل واحدة منها آيات دالة على توحيد الخالق، و قدرته، و رحمته، و علمه و حكمته التامة البالغة، و رغب الناس إلى التفكر و التأمل فيها، عقبها بهذه الآيات للإشارة إلى أنه مع وجود هذا الإله القادر المحيط الحكيم و بعد تلك الآيات الباهرات لا موضوع لاتخاذ الند من دونه و من فعل ذلك فليس إلّا من نهاية غفلته و سيأتي يوم يتبرّأ أحدهم من الآخر و يستحقون الخلود في النّار.

قوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً. الأنداد، و الأكفاء، و الأشباه، و الإشكال، و الأقران، و النظير بمعنى واحد، و الفرق بينها بالاعتبار، ففي الاتحاد في الذات يقال: ند، و في الاتحاد في الأمور المتعارفة يقال: كفو، و في الاتحاد في عرض من الأعراض يقال: شبيه، و في الاتحاد في القدر و المساحة يقال: شكل، و في الاتحاد في الكيفية يقال: نظير. و ربما لا تلاحظ هذه الخصوصيات فيطلق بعضها في محل البعض الآخر، و المثل أعم من الجميع، فكل ند مثل و لا عكس، و من عبر عن الأنداد بالضد يكون من اشتباه المفهوم بالمصداق، لأن الضدين أمران وجوديان لا يجتمعان في موضوع واحد، فمن جهة شمول الوجود لهما يكونان مثلين، و في جملة من الدعوات: «و كفرت بكل ند يدعى من دون اللّه». و الأنداد أعم من تأليههم أو اتباعهم في الأفعال و الأعمال.
و إنما عبر تعالى بلفظ «الناس» تعميما لجميع أفراد الإنسان من حين نزول الآية المباركة إلى قيام يوم الحشر فانه يكون فيهم أفراد يتخذون من دون اللّه أندادا في كل زمان و مكان، و لا يختص ذلك بقوم دون آخرين بل يمكن أن‏ يكون الخطاب من قبيل القضايا الطبيعية الشاملة لما قبل نزول الآية أيضا.
و إنما ذكر تعالى لفظ «اللّه» دون الرحمن الرحيم و أمثالهما من الصفات لبيان إثبات الدليل على بطلان اتخاذ الند من دونه، فان لفظ «اللّه» اسم للذات المسلوب عنها جميع النقائص الإمكانية. يعني: أن من كان هكذا يكون أخذ الند في مقابله لغوا عند كل ذي شعور و دراية و يستقبح ذلك.
قوله تعالى: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ. الحب معروف، و هو من المفاهيم التي قصرت الألفاظ عن بيان حقيقتها، و الكلمات عن الإحاطة بها، فإيكاله إلى الوجدان أولى من التعرض له باللفظ و البيان.
و قد وردت مادة (ح ب ب) في القرآن الكريم كثيرا و هو من اللّه تعالى لخلقه، قال تعالى: وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [سورة البقرة، الآية: ۱۹٥]، و قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [سورة الممتحنة، الآية: 8]، و قال جلّ شأنه: وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ [سورة آل عمران، الآية: ۱٤٦] و قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [سورة التوبة، الآية: ٤] إلى غير ذلك مما هو كثير، و من الخلق للّه تعالى قال سبحانه: يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ [سورة المائدة، الآية: ٥٤]. و بالنسبة إليهما معا قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سورة، آل عمران، الآية: 31]. و من الخلق للخلق قال تعالى: وَ قالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا [سورة يوسف، الآية: 30].
و الحب أصل جميع المقامات و الأحوال؛ فهي إما وسيلة إلى حصوله أو هي ثمرة من ثمراته، كالتوحيد، و الرجاء، و الخوف، و التوكل، و غير ذلك؛ و لذا اختص بهذا المقام الخطير إمام الأنبياء و سيد المرسلين (صلّى اللّه عليه و آله) و لعلنا نتعرض لبعض الجوانب في المقامات المناسبة إن شاء اللّه تعالى.
و أما تفسير المحبة بالإرادة، كما عن بعض المفسرين فهو خلاف الاستعمالات المتعارفة لأنه يصح أن يقال: «اللهم و من أرادني بسوء فأرده» و لا يصح ان يقال: اللهم من أحبني بسوء. كما يصح ان يقال: أحببت القرآن‏ فقبّلته، و لا يصح استعمال الإرادة فيه، و من اختلاف استعمال كل منهما في مورد الآخر حسنا و قبحا يعلم اختلاف المعنى. نعم يصح جعل الإرادة و الشوق من مبادي المحبة.
و المعنى: و من الناس من يتخذ من دون اللّه أندادا و أمثالا و نظائر إما في القدم، فيجعلون الذوات قديمة، او في الأثر، كما يجعلون الطبيعة مؤثرة، أو في الحكمة و البداعة فيجعلونها من مقتضيات الذوات أو في الاختيار و القدرة فيتبعون الرؤساء و يجعلونهم سببا مستقلا في مقابل إرادة اللّه تعالى، أو في الأفلاك و كائنات الجو فللناس فيها عقائد و مذاهب باطلة، و يظهرون العلاقة القلبية بالنسبة إليهم و يعظمونهم و يخضعون لهم على نحو تعظيم اللّه تعالى و إظهار العلاقة له عزّ و جل، لعدم التعقل و التفكر في الواقع و عدم فرقهم بين الحقيقة و المجاز و الاقتصار على الظاهر فقط.
و المراد (بحب اللّه) الحب الظاهري الناشئ من المعاشرة مع المسلمين المحبين للّه تعالى، و الحب الادعائي الذي يدعيه المنافقون.
و مقتضى المقابلة بين الآيات السابقة و المقام و سياق المخاطبة أن يقال: و من الناس من يتخذ من دون اللّه أندادا يحبونهم كحب اللّه لأنهم لا يعقلون.
إلّا أن من أدب القرآن، و الحث و الترغيب في دخولهم الإسلام و المدارة معهم مهما أمكن أوجب تغيير التعبير، و لذا نرى أن الآيات المشتملة على جملة: «لا يعقلون» نازلة في أواخر البعثة و بعد استقرار الإسلام، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [سورة الحجرات، الآية: ٤]، و قال تعالى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [سورة الحشر، الآية: ۱٤] و قال تعالى: وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ [سورة المائدة، الآية: 103].
قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ. لاعتقادهم بأنه جامع لجميع الصفات الحسنى، و انه مرجع الكل و منتهاه، و أنه أرحم الراحمين، و له القدرة و السلطان، و ان عنده مفاتيح الغيب يعطي لمن يشاء و يمنع عمن يريد، و ان‏ عنده الثواب و العقاب. فكان عرفانهم له أتم فلا يرجون غيره و لا يعبدون سواه فلا محالة يكون حبهم له أشد.
و حب الذين آمنوا باللّه تعالى ليس كالحب الحاصل من الشهوات النفسانية، بل له واقع غيرها و هو اللّه عزّ و جل، و انه حق لأن الاعتقاد بالحق حق لا ريب فيه، و أنه ظاهر في العمل لأن العمل المنبعث عن الواقع و الحقيقة مرآة صافية لا شائبة فيه غيرهما، فكان هذا الحب بالنسبة إلى الواقع و الاعتقاد و العمل، هو الحب الحقيقي الذي يربط بين الخالق و المخلوق و العابد و المعبود، و بقدر إخلاص العبد للّه تعالى تزداد محبته له تعالى، كما ان بقدر الاختلاط مع الغير تضعف درجة المحبة، فان كل من أحب شيئا أعرض عن غيره و ازداد الاتصال به.
و يظهر أثر هذه المحبة في الدنيا و الآخرة أما في الدنيا فباتصاف العبد بجميع الكمالات المعنوية و ارتقائه في المقامات العالية و الابتعاد عن الرذائل و التجافي عن دار الغرور و الإنابة إلى دار الخلود، فان للملكات النفسانية تأثيرات في ذات النفس و كذا بالعكس.
و أما في الآخرة فقد أعد اللّه للمحبين له ما لا عين رأت و لا اذن سمعت. هذا بالنسبة إلى حب العبد للّه تعالى.
و أما محبته عزّ و جل للعبد فهي من صفات فعله، و هي الهداية الى الصراط المستقيم و كشف الحجب عن قلبه، و توفيقه لما يحبه عزّ و جل، و التوجه إليه و حينئذ يطأ بساط قربه و لا يصل العبد إلى هذه المراتب إلّا باتباع الشريعة المقدسة اعتقادا و قولا و عملا، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سورة آل عمران، الآية: 31].
قوله تعالى: وَ لَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ رأى مصدرها (رؤية) تحذف الهمزة في مستقبلها، فيقال: يرى و نرى و ترى. و لها استعمالات كثيرة في القرآن الكريم و هذه المادة تستعمل في جميع القوى الظاهرية، يقال: لمسته فرأيته ناعما، أو سمعت صوته فرأيته حسنا، و تفكرت فيه فرأيته صحيحا، و تعقلت فيه فرأيته دقيقا و غير ذلك من الاستعمالات التي‏ لا تنحصر بالمحسوسات و الإنسان، و الدنيا، بل تشمل غيرها، قال تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ [سورة التوبة، الآية: ۱۰٥]، و قال تعالى: وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ [سورة الزمر، الآية: ٦۰]، و قال تعالى: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ [سورة الأعراف، الآية: 27] فهو أعم لفظ يستعمل في الإدراكات.
و المراد به هنا هو الإدراك بعين اليقين و حق اليقين كما هو الشأن في جميع مدركات الآخرة، و أما في الدنيا فإنّ ذلك يختص بالأنبياء و الأولياء و المعنى: و لو يرى الظالمون الذين ظلموا عظيما باتخاذهم الأنداد و التعدي عن حدود اللّه تعالى و يرون بالعيان العذاب و يشاهدونه و يدركون أهواله لعلموا حق اليقين بأنه يصيبهم بما اقترفوه من الآثام و ما جنوه من السيئات.
قوله تعالى: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ. جملة «أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ …» مفعول ل «يرى»، و الجملة الثانية عطف على المفعول. أي: حينما يدركون بعين اليقين انحصار القوة و القدرة فيه تعالى وحده و ان غيره لا حول و لا قوة له، و ان العقاب و الثواب بيده عزّ و جل و انه شديد العذاب مع الظالمين.
و جواب «لو» مقدر حذف لدلالة سياق الكلام عليه، و لتعظيم الأمر و تهويله، أي: لندموا ندامة شديدة و أذعنوا بظلمهم و ضلالهم و رجعوا إلى الحق و اعتقدوا بالوحدانية، و انه ليس من دونه وليّ و لا نصير. و بالجملة انه يدخل عليهم ما لا يمكن دخوله تحت وصف من الحسرة و الندامة.
و في الآية تسفيه عظيم لهم بأنهم لا يهتدون بعقولهم، و توبيخ شديد.
قوله تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ.
جملة «إذ تبرأ» بدل من «إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ» أو عطف بيان، و العامل فيهما «و لو يرى».
و التبري، و البرء، و البراء بمعنى واحد و هو الابتعاد عما يكره مجاورته، سواء كان في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما معا، قال تعالى: أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِي‏ءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ [سورة يونس، الآية: ٤۱] و قال تعالى: أَنَّ اللَّهَ بَرِي‏ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ [سورة التوبة، الآية: 3].
و يقال في العرف: برئت من المرض.
و الاتباع هو اقتفاء الأثر، سواء في الخير أو الشر، قال تعالى: لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ [سورة الأنعام، الآية: ۱٤۲]، و قال تعالى: يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ [سورة يس، الآية: 20]، و قال تعالى: أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [سورة النحل، الآية: 123].
و المراد بالرؤية هنا- كما تقدم- هو الانكشاف و المشاهدة بعين اليقين، لظهور الحقائق و انكشاف الحجب في الآخرة.
و المعنى: و لو يرى الظالمون تبرؤ المتبوعين- و هم الرؤساء- من الأتّباع حين ما يرون العذاب و يشاهدون أهواله و علموا بأنّه يصيبهم بما اقترفوه من الآثام و ما فعلوه من السيئات باتخاذهم الأنداد و التعدي عن حدود اللّه تعالى.
قوله تعالى: وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ. التقطع الانفصال، و زوال الأثر المطلوب و الأسباب جمع السبب و هو الحبل الذي يتوصل به إلى الصعود، و المراد بها هنا تلك الروابط التي كانت بين الظالمين- الرؤساء و الأتّباع- فتشمل رابطة المال، و الجاه، و العقيدة، و العشيرة و نحو ذلك من الروابط و الأسباب التي اعتقدوها سببا لنجاح مقصودهم.
و الجملة كناية عن خيبة آمالهم في الوسائل و الروابط حينما يرون العذاب و يدركون أهواله فلا يمكن الاستفادة من تلك الأسباب التي عاشوا بها برهة من الزمن فلا تجديهم نفعا.
و الآية تشير إلى غريزة من الغرائز في الإنسان و هي أن متابعة كل فرد للغير إما ان تكون لجلب النفع أو لدفع الضرر فإذا لم يرج ذلك عند انحصار الأمر في اللّه تعالى يثبت التبري عن الغير، و هي مثل غريزة دفع الضرر بل الأولى من فروع الأخيرة و لا اختصاص لها بعالم دون عالم فهي قرينة الإنسان‏ إلى ما بعد موته إلى خلوده في دار الخلد إما الجنّة أو النّار.
و من هذه الغريزة يتحقق كثير من أفعال الإنسان كسائر الغرائز- خيرا كانت أو شرا- إلّا إذا وجهها صاحبها إلى طريق الخير فقط و من آثارها ما نشاهده في عالمنا من وقوع التبري بين الأتّباع و المتبوعين عند ما يتوقع أحدهما وقوع الضرر من الطرف الآخر أو عدم تمكن الانتفاع منه، و أما في الآخرة فان المتبوع حينما يرى العذاب الشديد و لا يمكن التخلص منه إلّا بالعمل الصالح فلا تنفعه الأسباب و لا يقدر الأتباع مساعدته لا محالة يتبرأ منهم و الأمر في الأتباع أظهر، فتنكشف حقيقة التبعية، و أنّها كانت كالسراب لا واقع لها فتبطل التابعية و المتبوعية، و ينحصر الأمر في اللّه تعالى فيجازيهم بسوء أعمالهم.
و مضمون هذه الآية من القضايا العقلية التي يغني تصورها و التأمل فيها عن إقامة الدليل عليها.
كما أنه لا اختصاص لهذه الآية بطائفة خاصة و بقسم خاص من التبعية بل يشمل جميع الطوائف و الأفراد حتّى الفقهاء الذين إذا ادعوا لأنفسهم ما لا يستحقون لجلب قلوب الناس إليهم و الإتباع لهم، كما يشمل المبلغين و المرشدين الذين لم يظهروا حقيقة الإسلام قولا و عملا بل بينوا خلاف ما أسسته الشريعة المطهرة، و كذا المعلمين إذا كان التعليم خلاف ما أذن فيه سيد المرسلين،
و في الحديث: «من أصغى إلى ناطق فقد عبده فان كان الناطق ينطق عن اللّه فقد عبد اللّه و إن كان الناطق ينطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان».
ثم إن في التعبير بقوله تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مع ادعائهم الحب للأنداد من اللطف ما لا يخفى، و من البلاغة و روعة الأسلوب ما يبهر منه الفطن اللبيب.
قوله تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنَّا. بيان لقضية فطرية و هي مجازاة الشي‏ء بمثله، و حيث انه لا موضوع لتبري الأتباع من المتبوعين في دار الآخرة لما يشاهدونه من العذاب علقوا ذلك على الكرة إلى الدنيا و تمنوا الرجوع إليها فيتبرءوا من المتبوعين و يعودوا إلى الحق و يهتدوا بهدى المرسلين لينتفعوا به في الجزاء.
قوله تعالى: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ. الحسرة واحدة الحسرات و هي أعلى درجات الندامة على شي‏ء و أشد من الغم و سببها الجهل بالواقع و تركه و العمل على خلافه فيكون السبب الفاعلي للحسرة من العبد، و الفرار منها إنما يكون بالرجوع إلى الإيمان باللّه تعالى و رسله و العمل الصالح، أو التوفيق منه عزّ و جل.
أي: كما أنّهم رأوا العذاب و وقع التبري بينهم و انقطعت الأسباب التي علقوا عليها آمالهم كل ذلك يكون حسرة عليهم و ان جميع أعمالهم صارت وبالا عليهم فخلّفت أسوأ الآثار في نفوسهم حيث أورثت الحسرة و الشقاء فتكون أسباب الحسرة هي نفس الأعمال لتفريطهم فيها.
و إنّما أسند ذلك إلى نفسه المقدسة لبيان أنّ جميع الأمور مستندة اليه عزّ و جل سواء في الدنيا أم الآخرة إلّا أنّه عزّ و جل جرت عادته على ترتب المسببات على الأسباب الظاهرية في دار الدنيا فيزعم الغافل السببية الحقيقية.
قوله تعالى: وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ. أي: خالدون في النار لا يمكنهم الرجوع إلى الدنيا، جزاء لأعمالهم و اعتقاداتهم السيئة.

تتضمن الآيات الشريفة أمورا:
الأول: إنما عبّر سبحانه و تعالى بالاتخاذ للإشارة إلى أنه ليس من الصراط المستقيم و سواء السبيل بل فيه تكلف بإخراج الفطرة عن طريقتها و سبيلها المستقيم لأنّ الاتخاذ هو الافتعال و تدل المادة على كثرة العناية و الاهتمام بما اتخذ و هو أعم من الحق و الباطل، قال تعالى: وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا [سورة النساء، الآية: ۱۲٥]، و قال تعالى: أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ [سورة الفرقان، الآية: ٤۳] و كذا المقام الذي هو من الباطل للأدلة الكثيرة الدالة عليه.
الثاني: إنّما قال تعالى: أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ و لم يقل أحب للّه، لأن في التعبير الأول نحو عناية لم تكن في الثاني و تدل على ان محبة المؤمنين أشد من سائر أنحاء المحبة و أنها أتم لأن من شهد له محبوبه بالمحبة كان حبه أتم، و لأن المحبة إذا كانت للّه تعالى و في اللّه عزّ و جل و باللّه كانت لا محالة أشد و أبقى و أدوم.
الثالث: يستفاد من قوله تعالى: أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ان جميع ما يستدل به على وحدانية اللّه تعالى أو صفاته العليا أو أفعاله المقدسة بالأدلة العقلية و البراهين القويمة إما من المعلول على العلة أو بالعكس إنما يكون موطنها في هذا العالم، و أما في الآخرة فإنها عالم العيان و المشاهدة لانكشاف الواقع و ارتفاع الأستار و الحجب فيها، و قد يكون كذلك في هذا العالم لعباد اللّه المخلصين الذين تجلت عظمة الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم فلا يرون غيره تعالى، قال علي (عليه السلام): «ما رأيت شيئا إلّا و رأيت اللّه قبله و بعده و معه و فيه»، و نسب إلى ابنه الحسين (عليه السلام): «عميت عين لا تراك و خسرت صفقة عبد لم يجعل له من حبك نصيب».
الرابع: إنّ قوله تعالى: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ يدل على أن الحب للأنداد شي‏ء و حب اللّه تعالى شي‏ء آخر و لا يستفاد منه الاشتراك في المحبة بينه تعالى و بين الأنداد، و كذا في قوله تعالى: أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ لأنّ حب الأنداد مذموم و حب اللّه تعالى ممدوح، و هذا يدل على نفي الاشتراك بينهما من كل جهة.
و من ذلك يظهر أنّ ما ذكره بعض المفسرين من أنّ محبة أولياء اللّه تعالى و أنبيائه و الصالحين مذمومة أيضا لفرض وقوعها في مقابل محبة اللّه تعالى فيكون من الشرك في المحبة الذي عرفت انه مذموم أيضا. (ضعيف) لأن محبة أولياء اللّه تعالى، و الأنبياء ترجع إلى محبة اللّه تعالى، و لا يعتقد أحد من المسلمين الاستقلالية بالنسبة إليهم في مقابل اللّه او الشرك به عزّ و جل فهم من حيث أنّ اللّه تعالى امر باتباعهم و تعظيمهم صاروا محبوبين لديهم، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سورة آل عمران، الآية: 31].

في تفسير العياشي و الكافي عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ- الآية-، قال (عليه السلام): «و اللّه يا جابر هم أئمة الظلمة (الظلم) و أشياعهم».
أقول: نفس الآية الشريفة دالة على ذلك، و كذا ما في سياقها من سائر الآيات فان اللّه تعالى وصف التابعين بالظلم فإذا كان المتبوع حقا لا تكون جهة المتابعة ظلما.
في الكافي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله تعالى: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ قال (عليه السلام): «هو الرجل يدع ماله لا ينفقه في طاعة اللّه بخلا ثم يموت فيدعه لمن يعمل فيه بطاعة اللّه، أو في معصية اللّه فان عمل به في طاعة اللّه رآه في ميزان غيره فرآه حسرة و قد كان المال له، و ان كان من عمل به في معصية اللّه قواه بذلك المال».
أقول: قريب منه روايات كثيرة عن الباقر و الصادق (عليهما السلام) و هذه الروايات و ان وردت في المال و لكن يمكن أن يقال ان ذلك من باب التطبيق فيشمل جميع مناشئ الخيرات من الأعمال و غيرها كما تقدم في تفسير الآية.

يدل قوله تعالى: وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ على الخلود في النار و هو من المسائل المتفق عليها بين الكتب الإلهية و الشرائع السماوية و مع ذلك لم تخرج عن موضع نقاش الإنسان و إشكالاته. و مما أورد عليه انه يستلزم القسر الدائم، و قد ثبت في الفلسفة بطلانه، و سيأتي في الموضع المناسب‏ التعرض لمسألة الخلود و البحث فيها مفصلا. و في المقام نتعرض للقسر فنقول:
القسر في اللغة هو القهر فيشمل كل إعاقة للفرد أو النوع و قهره عن مطلوبه و غايته، و المراد به عند الفلاسفة إيجاد المانع عن وصول الممكن إلى كماله اللائق به في سيره الاستكمالي في عالم الكون و الفساد الذي هو عالم الاستكمال، مع أنّ مقتضى الحكمة و العناية إيصال كل ممكن إلى المطلوب و الغاية.
و يستفاد من ذلك أن القسر إنما يكون بإيجاد المانع عن إجراء قانون المقتضي (بالكسر) و المقتضى (بالفتح) في أفعال الإنسان و غاياته و لا يختص بخصوص الإنسان بل يجري في كل مقتض بالنسبة إلى مقتضاه في السير الاستكمالي.
و قد يطلق في كلمات الفلاسفة على الفعل غير الطبيعي فإن سقوط الحجر من العلوّ فعل طبيعي له، و خلافه- أي الملقى إلى الأعلى- فعل قسري، و هو غير دائمي للزوم جريان قانون المقتضيات على اقتضائها وفق النظام الطبيعي كما فصل في الفلسفة الطبيعية.
و القسر على قسمين:
الأول: القسر الدائمي،: بأن يكون المنع في الإنسان أو غيره عن الوصول إلى الكمال دائميا، و قد ثبت في الفلسفة بطلانه لأنّه خلاف الحكمة من الخلق فيكون قبيحا عليه جل شأنه و كل قبيح يكون محالا عليه.
الثاني: القسر غير الدائمي، و هو في ما إذا كانت الإعاقة عن المطلوب موقتة، و هذا القسم لم يقم دليل على بطلانه بل هو واقع في الخارج كثيرا، كالحوادث و الكوارث الطبيعية مثل الزلازل و الفيضان و الأمراض و الأوبئة و غيرها مما يوجب هلاك الحرث و النسل قبل البلوغ إلى الغاية و المطلوب.
و لهذا القسم أسباب متعددة:
منها: الأسباب الطبيعية الخارجة عن قدرة الإنسان و اختياره.
و منها: القوانين التي تحدد حريات الفرد و تكبح جماحه عن الشهوات سواء كانت تلك القوانين شرعية إلهية أم وضعية وضعت لمصلحة الإنسان بحيث لو لاحظنا تلك المصالح لما كان قسر في البين و إنما يرجع القسر إلى عدم درك المنشأ.
و منها: العادات و التقاليد فإن لها تأثيرا في قهر الفرد، و هذه العادات و التقاليد إن كانت سيئة و غير موافقة للشريعة المطهرة يجب إزالتها و محوها و إلّا رجعت إلى الشرع المبين.
ثم إنه قد ذكرنا انهم أشكلوا على الخلود في النار بأنه يستلزم القسر الدائمي و هو باطل، فيمتنع عليه تبارك و تعالى.
و الجواب عنه بأنّ الأفعال لا بد و أن تجري على وفق الموازين الطبيعية و الواقعية منها بما لها من الجهات و الخواص و الآثار التي لا يحيط بها إلّا الحي القيوم، فما كان على خلاف ما نراه من الطبيعة لا يستلزم أن يكون كذلك في الواقع أيضا، لعدم إحاطة المدركات بالواقعيات مضافا إلى أن الخلود في النار إنما هو نتيجة سوء سريرة الإنسان التي تكون معه أينما كان فيكون أمرا واقعيا لقانون العلية و المعلولية فلا موضوع للقسر حينئذ.

من أقرب المعاني إلى النفس و أعذبها عليها الحب. ذلك هو الترابط الوثيق الذي يربط الموجودات بعضها مع بعض و به يجتذب كل صانع مصنوعه فهو الطريق إلى الكمال كل بحسب ما يريده كمالا و به تتحقق الحياة السعيدة و لأجله يعيش الفرد و يعمل.
يعرفه جميع الروحانيين و أملاك السبع الشداد، و دواب الأرض المهاد، و جميع الوحوش في الفلوات، و الحيتان في البحار الغامرات. بل ان جميع الموجودات تحبه تعالى و تعشقه كما أثبته جمع من الفلاسفة.
و بهذه الصفة يدرك المخلوق خالقه، و من هذه الجهة يعطف الخالق على خلقه، فلا حياة إلّا بالحب و لا سعادة إلّا بالعشق.
و هو من المعاني الوجدانية التي يدركها كل أحد و ان قصرت العقول عن الوصول إلى كنه حقيقته. فهل هو برق من نور الجمال الكامل المطلق يبرق ثم يختفي؟!! أم هو تجلّ من وجه اللّه الأعظم ظهر و تجلّى؟!! أم هو تلك الجاذبية التي أثبتها العلم الحديث في جميع الموجودات؟!! أم هو ما بينه علي (عليه السلام) في مقام العارفين و خطبة همام؟!! أم هو ما نسب إلى ابنه الحسين (عليه السلام) في دعائه لربه: «تعرفت إليّ في كل شي‏ء فرأيتك في كل شي‏ء و أنت الظاهر لكل شي‏ء؟!! أم هو ما شرحه السجاد (عليه السلام) في مناجاة المحبين؟!! أم هو ما ذكره ابن الفارض في قصيدته التائية الكبرى المسماة بنظم السلوك التي شرحت بشروح كثيرة مطلعها:
سقتني حميّا الحب راحة مقلتي و كأسي حميّا من عن الحسن جلّت؟!! أم غير ذلك مما يقوله العلم الحديث كما مر. كل ذلك قطرات من البحر لا يدرك ساحله بل يغرق وارده، و مع ذلك فهو أوضح من كل شي‏ء و يوجد في كل شي‏ء.
و هو لا يختص بالإنسان بل يشمل جميع الموجودات الواجب منها و الممكن- و قد أثبت العلم الحديث عموم الجاذبية و المجذوبية في الموجودات، و في حب اللّه تعالى و حب الإنسان، قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [سورة آل عمران، الآية: 31] و حبه تعالى لمخلوقاته من فروع رحمته الواسعة.
و أما محبة سائر الموجودات له تعالى فقد أثبتها جمع من الفلاسفة منهم صدر المتألهين في كتابه القيم (الأسفار الأربعة): أنّ الموجودات بأسرها عاشقة لجماله، و يكفي في ذلك أنها سائرة إلى الكمال المطلق و لا كمال كذلك إلّا فيه تعالى و منه عزّ و جل فهو محبوب من كل جهة.
فالقول باختصاص الحب في غيره عزّ و جل نظرا لتنزهه عن معناه (باطل) و لا يخفى فساده، لا سيما بعد ما ورد في القرآن الكريم من إثبات حبه عزّ و جل لبعض الأفراد قال تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [سورة آل عمران، الآية: ۷٦]، و قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ [سورة آل عمران، الآية: ۱٥۹]، و قال جلّ شأنه: وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [سورة آل عمران، الآية: ۱٤۸].
و الحب من المعاني القلبية المنبثة على جميع جوارح الإنسان و حواسه كما هو واضح و يتعلق بالأشخاص أو الأشياء العزيزة، أو الجذابة، أو النافعة و يكون باعثا إلى التقرب إلى المحبوب بكل وسيلة يحبها المحبوب كما في حب اللّه تعالى الداعي إلى إتيان ما يريده عزّ و جل و ترك ما لا يرضيه أو محركا إلى الإتيان بالعمل المحبوب، كما في الأعمال الصالحة و الحرف و الصنايع و نحو ذلك، أو يكون داعيا إلى قضاء الحاجة من المحبوب كما في حب الأكل، و حب المال، و حب النساء و غير ذلك؛ أو يكون مصاحبا إلى البذل و العطاء من دون انتظار مقابل كما في حب الأم للأطفال.
و الحب المجرد الذي لا يكون مقرونا بأي شي‏ء لا أثر له بل هو من مجرد اللفظ فقط و هو تارة: يتركز حول النفس؛ و يسمى بحب الذات الذي لا يخلو عنه أي حيوان و هو المعبر عنه في الإنسان بالأثرة و أخرى: يتعلق بالغير فهو إما أن يكون مصحوبا بالغيرة و هو المسمى بالحب العذري او لا يكون كذلك.
و ثالثة: يتعلق باللّه تعالى و يسمى بالحب الإلهي الذي هو وليد كمال معرفة اللّه تعالى و الناشئ عن الجمال المطلق و لا يحصل إلّا بالتخلية عن الرذائل و التطهير عن كل ما يشغل القلب عن اللّه تعالى، و التخلية بالفضائل. و هذا القسم هو أفضل أقسام الحب و لا يشعر به إلّا العارفون باللّه؛ و هو ذو مراتب متفاوتة، و الجامع بينها أن يكون الحب للّه و في اللّه و كل ما كان الحب أشد كانت‏ السعادة أتم و أعظم.
و هو يختلف باختلاف المحبوب و ينقسم بحسب القوى الظاهرية في الإنسان كحب البصر للرؤية، و السمع لسماع الأصوات الحسنة، و كذلك الشم للأرياح الطيبة، و كذلك اللمس و الذوق.
كما أنه ينقسم بحسب القوى المعنوية- كالعقل و الفكر و الإيمان، و في جملة من الأخبار عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «ليس الإيمان إلّا الحب في اللّه و البغض في اللّه» أي حب اللّه و حب احكامه و تشريعاته و حب محبيه و البغض لأعداء اللّه و المحرمات الإلهية: و قد ذكرنا أن هذا القسم من أفضل أفراد الحب الموجب لسعادة الإنسان في الدارين.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"