1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآيات 104 الى 105

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا وَ اسْمَعُوا وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ (۱۰٤) ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (۱۰٥)


ذكر سبحانه و تعالى جهالة أخرى من جهالات اليهود و هي من مظاهر تحريفهم للكلام عن مواضعه، و سوء أدبهم مع الأنبياء (عليهم السلام) ثم بيّن العلم الحق بعد أن أبطل بعض العلوم في الآيات السابقة و جعله كالكفر و بدأ أولا ببعض آداب التعلم، و وجّه الخطاب للمؤمنين تشريفا لهم و إيذانا بعلو التعليم و التعلم، و لما كان في هذا الأمر ارتباطا بينهم و بين اليهود.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. ذكر هذا الخطاب في القرآن الكريم في ما يزيد على ثمانين آية نزلت جميعها في المدينة. و في جملة كثيرة من الأحاديث أنه ما أنزلت آية فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلّا و عليّ رأسها و أميرها.
و عن علي (عليه السلام) «ليس في القرآن يا أيّها الذين آمنوا إلّا و في التوراة يا أيها المساكين»
و يأتي في البحث الروائي نقل بعض الروايات.
و يشمل الخطاب كلا من الحاضرين في مجلسه و الغائبين بل المعدومين أيضا، لأنه متعلق بالعنوان من حيث كونه طريقا إلى المعنون.
و إنما ذكر الإيمان في متعلق الخطاب، لأجل الترغيب إليه و تحريض النّاس إلى الاتصاف به ابتداء ثم العمل بما يتعلق به، فيكون مثل هذا الخطاب أشد في جلب القلوب و آكد في الدعوة إلى المطلوب، و له نظائر كثيرة في‏ كلام الفصحاء من العرب و غيرهم.
قوله تعالى: لا تَقُولُوا راعِنا. لفظ «راعنا» سواء كان من المراعاة أو من الرعونة، أو شيئا آخر، ليس استعماله من الأدب المحاوري، و في خطاب النبي (صلّى اللّه عليه و آله) بذلك من الجفاء و سوء الأدب لأنه يأتي بالمعنى الذي بيّنه تعالى بقوله جلّ شأنه مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ طَعْناً فِي الدِّينِ [سورة النساء، الآية: ٤٦] و ذلك لأن مقام النبي (صلّى اللّه عليه و آله) مقام المعلم الهادي و لا بد للمتعلم من حفظ الأدب معه، و نبذ كل ما هو مشتبه الإهانة و الهتك فضلا عن معلومهما. و يحترز عن إظهار منزلة لنفسه عند المعلم فإنه من الإهانة و الجفاء بمقامه.
و المعروف أنّ هذه الكلمة سب بالعبرانية، كما ورد في بعض الروايات. و قال شيخنا الأستاذ البلاغي (رحمة اللّه عليه): «قد تتبعت العهد القديم فوجدت أن كلمة «راع»- بفتحة مشالة إلى الألف، و تسمى عندهم (قامص)- تكون بمعنى الشر أو القبيح و من ذلك ما في الفصل الثاني و الثالث من السفر الأول من توراتهم. و بمعنى الشرير واحد الأشرار، و من ذلك ما في الفصل الأول من السفر الخامس، و في الرابع و الستين و الثامن و السبعين من مزاميرهم، و في ترجمة الأناجيل بالعبرانية. و «نا»- ضمير المتكلم- في العبرانية تبدل الفها واوا أو تمال إلى الواو فتكون راعنا في العبرانية بمعنى شريرنا و نحو ذلك» فتكون الكلمة في لغتهم «راعينو» موافقة للعربية في نبرتها و لهجتها، و يكون النهي عن استعمالها لئلا يتخذها اليهود- الذين عرفوا بسوء الأدب مع أنبيائهم- وسيلة للسب و الطعن في الدين فيقتدون بالمؤمنين في اللفظ، و يقصدون المعنى الفاسد منه.
قوله تعالى: وَ قُولُوا انْظُرْنا وَ اسْمَعُوا. أي: أمهلنا حتّى نفهم ما تقول، أو راقبنا في إدراكنا و أقبل علينا. و هذه الكلمة خير من الكلمة الأولى فإنها تفيد ما كانوا يريدونه، و تنفي ما كانت توهمه الكلمة الأولى. و اسمعوا أي: افهموا ما يبين لكم رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فيتحقق حينئذ حقيقة الاستفادة و التعلم.
قوله تعالى: وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ. أي: أن من فعل ذلك منكم و لم يسمع قوله (صلّى اللّه عليه و آله) و خالف أمره يصير كافرا و للكافرين عذاب اليم بلا فرق بين اليهود و غيرهم فان حكم الآية المباركة عام، إذ هو من الأحكام الفطرية الحسنة التي يحكم بحسنها العقلاء، و لا بد من مراعاة ما ورد فيها من الآداب على جميع المتعلمين و المستفيدين. و تشير الآية المباركة إلى مدح كون المستفيد و المتعلم في مقام الفهم و الإدراك، و حسن التماسه ذلك من المعلم، كما تشير إلى أنّ إفادة المفيد لا بد و أن تكون بقدر استعداد المستفيد و المتعلم و على قدر القابليات، و تدل على ذلك النصوص الكثيرة، و قد روى الفريقان عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «إنا معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم النّاس على قدر عقولهم».
قوله تعالى: ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ. أي: ما يحب الذين كفروا من اليهود و النصارى و لا من المشركين أن ينزل عليكم أيّ خير. و كلمة «من» تفيد الاستغراق لوقوعها في حيّز النفي و في إتيان كلمة «ربكم» إشارة إلى عطفه تعالى على هذه الأمة.
و المراد من الخير في المقام كل خير دنيوي و أخروي فيشمل منصب النبوة و ما يلزمها من المعارف و الكمالات الإنسانية المنبعثة عن هذه الشريعة المقدسة الغراء. و السبب في حسد الكفار و المشركين على المؤمنين هو تمني الكفار أن تكون فيهم الحركة الدينية فلا يتعدى إلى غيرهم. و أما المشركون فلأن الإسلام يهدد كيانهم، و يخيّب آمالهم.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ. تقدم معنى الرحمة في سورة الحمد، و يراد منها في المقام بقرينة «ب» التبعيضية خصوص تلك الرحمة التي أنزلت على نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) و من تبعه من‏ المؤمنين و هي النعمة الكاملة الدائمة الأبدية و الكمال الأتم المطلق، و هي حقيقة الإيمان التي مثلت في نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) ثم أشرقت منه (صلّى اللّه عليه و آله) على تابعيه و أمته الجامعة للرحمة الرحمانية و الرحيمية.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. ذكرت هذه الجملة المباركة في موارد كثيرة من القرآن الكريم، كما وردت مادة (ف ض ل) في مواضع أخرى منه، قال تعالى: وَ اللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [سورة آل عمران، الآية: ۱٥۳]، و قال جلّ شأنه: وَ لكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعالَمِينَ [سورة آل عمران، الآية: ۲٥۱]، و قال تعالى: وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [سورة الحديد، الآية: 29] إلى غير ذلك من الآيات الشريفة، و من أسمائه الحسنى المباركة «يا دائم الفضل».
و أصل هذه المادة تستعمل في الزيادة على ما يلزم على المعطي إعطاؤه، و على ما يستحقه المعطى له، فيكون إحسانا و زيادة فلا تطلق على عوض المال و العمل. نعم إذا أعطي زيادة على المثل أو القيمة أو المسمى كان فضلا. و مواهب اللّه تعالى على جميع خلقه من هذا القبيل على فرض الاستحقاق فضلا عن أنه لا وجه لأصل الاستحقاق، فهي فضل و تفضل منه عزّ و جل سواء كان بالنسبة إلى المعنويات أو الماديات أو بالنسبة إلى النشآت الأخرى.
و في الآية المباركة رد على الكفار و المشركين و على جميع الحاسدين بما يبين جهلهم أي أنه لا يمنعه مانع، و لا يحوله حسد حاسد من اختصاص رحمته بمن يشاء من عباده حسب ما يراه من المصلحة فإنه ذو الفضل العظيم.

العياشي عن علي بن الحسين (عليهما السلام): «ليس في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلّا و في التوراة يا أيها المساكين» و رواه الصدوق عن علي‏ (عليه السلام) أيضا.
و عن أحمد بن حنبل في المسند عن ابن عباس قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ما أنزل اللّه آية فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلّا و عليّ رأسها و أميرها».
و في ينابيع المودة أخرجه موفق بن احمد عن مجاهد و عكرمة عن ابن عباس عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).
و قال موفق في المناقب رواه جماعة من الثقات هم الأعمش و الليث و ابن أبي ليلى و غيرهم عن مجاهد و عكرمة، و عطا عن ابن عباس عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).
و في الصواعق أخرجه الطبراني و ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: «قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ما أنزل اللّه آية فيها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلّا و عليّ أميرها و شريفها».
و قال الإربلي في كشف الغمة نقل ذلك عن ابن مردويه بأسانيده عن ابن عباس و حذيفة. و في حلية النعيم إن النّاس يروون هذا الحديث.
أقول: نقل ذلك عن الإمامية بطرق متواترة، و هو حق لا ريب فيه لأن عليا (عليه السلام) أعلم النّاس بالقرآن، و بجهات الإيمان بإجماع المسلمين، فتكون الروايات الواردة في الآيات المتفرقة في حق علي (عليه السلام) من باب الانطباق.
و في ينابيع المودة عن أبي الحسن و الضحاك و علقمة: «ان كل شي‏ء من القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فانه نزل بالمدينة».
أقول: مثل هذه الرواية موافقة للاعتبار، لأن مكة المكرمة بدء نزول الوحي كانت بمنزلة المادة للإيمان و في المدينة المنورة تحققت الصورة، فيصح توجيه الخطاب حينئذ.
و عن الشيخ في التبيان عن الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى «راعنا» إنها كلمة سب.
الواحدي في أسباب النزول عن ابن عباس في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا- الآية و ذلك أن العرب كانوا يتكلمون بها فلما سمعتهم اليهود يقولونها للنبي (صلّى اللّه عليه و آله) أعجبهم ذلك.
و كان راعنا في كلام اليهود السب القبيح، فقالوا: إنا كنّا نسب محمدا سرا، فالآن أعلنوا السب لمحمد، فكانوا يأتون نبي اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فيقولون: يا محمد راعنا و يضحكون ففطن بها رجل من الأنصار و هو سعد بن عبادة- أو سعد بن معاذ- و كان عارفا بلغة اليهود، فقال: يا أعداء اللّه عليكم لعنة اللّه و الذي نفس محمد بيده لئن سمعتها من رجل منكم لأضربنّ عنقه. فقالوا: ألستم تقولونها؟ فأنزل اللّه تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا وَ قُولُوا انْظُرْنا– الآية.
أقول: الرواية حسب الإعتبار صحيحة و تقدم وجه ذلك كما ذكرنا عن بعض مشايخنا.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"