1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآية 34

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى‏ وَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ (۳٤)


بعد أن جعل اللّه تعالى آدم (عليه السّلام) خليفة له، و بيّن فضله بما علّمه و جعله معلما لملائكته أمرهم بالسجود له، و هذه فضيلة أخرى لآدم (عليه السّلام).

السجود هو التذلل و الخضوع، و في الشريعة وضع الجبهة على الأرض خضوعا للّه تعالى، و بينه و بين المعنى اللغوي جامع قريب في التذلل. و هو تارة اختياري تعبدي على الوجه المعروف لدى المسلمين يوجب الثواب على الموافقة و العقاب على المخالفة، كقوله تعالى: فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَ اعْبُدُوا [سورة النجم، الآية: ٦۲]. و أخرى: تسخيري تكويني. كسجود المخلوقات كما في قوله تعالى: وَ لِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ كَرْهاً [سورة الرعد، الآية: ۱٥].
و مادة (بلس) سواء أ كانت عربية أم معربة تدل على الحزن العارض من شدة اليأس، و يلازمه اليأس من الروح و الراحة. قال تعالى: أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ [سورة الأنعام، الآية: ٤٤] و لعل حزن إبليس الدائم. و يأسه الأبدي حصل من قوله تعالى: فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَ إِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى‏ يَوْمِ الدِّينِ [سورة الحجر، الآية: ۳٤] فإن الرجم و اللعن الأبدي من منبع الجود و الرحمة من المبغوضات لكل ذي شعور.
و الإباء: شدة الامتناع، إذ كل إباء امتناع، دون العكس، و عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «كلكم في الجنّة إلّا من أبى».
و الكبر و الاستكبار و التكبر هو الإعجاب بالنفس، و هو على قسمين:
مذموم- كأن يظهر الشخص من نفسه ما ليس له، و يكون من أقبح القبائح إذا كان على اللّه تعالى- و ممدوح- و هو ما إذا جهد الشخص أن يصير كبيرا في ما أذن اللّه تعالى فيه و رضي به. و كلا القسمين وردا في القرآن.
فمن الأول قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ [سورة الأعراف، الآية: ٤۰]، و قوله تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَ اسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً [سورة النساء، الآية: 173] إلى غير ذلك من الآيات.
و من الثاني مفهوم قوله تعالى: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [سورة الأعراف، الآية: ۱٤٦]، و مثله قوله تعالى: فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ [سورة الأحقاف، الآية: 20]، و يشهد له قوله تعالى: الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [سورة الحشر، الآية: 23]. فالمراد منه أنه تعالى فوق ما سواه من كل جهة فيكون تكبره جلّ شأنه كعزته و جماله، و حينئذ يكون من قبيل صيغ المبالغة أي: أنه تعالى في غاية الكبرياء و العظمة بحيث لا يدرك ذلك فيكون إطلاق المتكبر عليه وصفيا انطباقيا. و من السنّة فكثيرة منها قولهم (عليهم السّلام): «إنّ اللّه أذن للمؤمن في كل شي‏ء و لم يأذن له أن يذل نفسه» و غير ذلك من الروايات.
ثم إنّ سجود الملائكة لآدم (عليه السّلام) يتصور على وجوه:
الأول: أن يكون السجود شكرا للّه تعالى لهذه النعمة العظمى بعد أن عرفوا منزلة آدم (عليه السّلام) فينطبق عليه التهنئة لآدم (عليه السّلام) قهرا.
الثاني: أن يكون السجود الشكر للّه تعالى مع قصد التهنئة تبعا لشكره تعالى.
الثالث: السجود للّه محضا و جعل آدم (عليه السّلام) قبلة، كما نسجد شكرا للّه تعالى إلى القبلة.
الرابع: السجود الحقيقي لآدم في مقابل السجود للّه تعالى.
الخامس: السجود للّه تعالى فقط و جعل ذلك من الضميمة الخارجية الراجحة كالصّلاة في المسجد مثلا. هذه هي الاحتمالات الثبوتية.
و أما في مقام الإثبات فقد دل الدليل العقلي و النقلي على أن السجود غاية التذلل و الخشوع، و لا يكون إلّا لمن هو في غاية العظمة و الجلال و بناء على هذا يتعين الوجه الأخير.
و يمكن أن يقال: إنه بعد أمره تعالى بالسجود لآدم (عليه السّلام) يسقط جميع تلك الاحتمالات، إلّا الوجه الرابع، لظهور الآية المباركة فيه.
و لكن يجاب عنه بأن ظهور الآية في ذلك الوجه ممنوع بعد وجود تلك الاحتمالات، خصوصا بعد ورود الرواية على أنه كان من سجدة الشكر للّه تعالى.
و من ذلك يظهر أنه لا وجه لما يقال من أنّ السجود عبادة ذاتية فلا يصلح إلّا لمن هو معبود بالذات.
فإنه يرد عليه أولا: أنه لا وجه لكونه عبادة ذاتية و إلّا لما أضر به الرياء، لأن الذاتي لا يختلف و لا يتخلف، مع اتفاق فقهاء المسلمين و ظهور نصوصهم في أن كل عبادة أتي بها رياء تكون باطلة، بل يأثم فاعلها و هو شامل للسجدة رياء. نعم لا ريب في أنه يغاير سائر العبادات في اعتبار قصد القربة شرطا زائدا على قصد أصل ذاتها؛ و له نظائر كثيرة- كقراءة القرآن و الدعاء و نحو ذلك- و قد أثبتنا ذلك في الفقه فيكون قصد الرياء مانعا عن تحقق العبادة، لا أن يكون قصد القربة شرطا لتحققها، لأن العمل بذاته مقتض لذل العبودية ما لم يكن مانع في البين.
و ثانيا: بعد أن أذن اللّه تعالى و أمر بالسجود لا فرق بين كونه عبادة ذاتية أو قصدية، لأن الذاتية- على فرضها- اقتضائية لا منطقية غير قابلة للتخلف، هذا بحسب الاحتمال. و أما الروايات فهي مختلفة و سيأتي نقلها في‏ البحث الروائي.
هذا و يمكن أن نقول بأنّ سجود الملائكة لآدم (عليه السّلام) يكون كاشفا عن تسخير اللّه تعالى أشرف مخلوقاته له و هم الملائكة الذين جعلهم اللّه تعالى حفظة للإنسان، و وكّلهم في شؤون الأرض فيكون تسخير غيرهم لآدم (عليه السّلام) بالأولى، و سيأتي تفصيل ذلك في الآيات المناسبة إن شاء اللّه تعالى.
قوله تعالى: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ. المراد بالملائكة هنا جميعهم لوجود القرينة على التعميم في قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [سورة الحجر، الآية: 30] و هذه الآية كسابقتها تبين فضل آدم (عليه السّلام) على غيره، فإن السجود- سواء كان حقيقيا أو لم يكن كذلك- يستلزم أفضلية المسجود له من الساجد.
ثم إنّ للعلماء و المفسرين كلاما في حقيقة إبليس. فعن جمع إنه لم يكن من الملائكة بل كان من الجن اتصف ببعض صفات الملائكة و استدلوا بقوله تعالى: وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ [سورة الكهف، الآية: ٥۰] و أنه تعالى بيّن حقيقته في ما حكاه اللّه تعالى عنه: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [سورة الأعراف، الآية: 12] و حينئذ يكون الاستثناء منقطعا.
و عن جمع آخرين أنه كان من الملائكة و تمسكوا بظاهر الآية فإنه كان مشمولا لأمره تعالى للملائكة بالسجود فيكون الاستثناء متصلا.
و الصحيح أن يقال: إنه لا ريب في مباينة إبليس مع الملائكة و شموله للأمر لا يستدعي كونه منهم، فإنه ذات خبيث مفسد لأحد لفساده دلّس على الملائكة الروحانيين حتّى ظنوا أنه منهم.
و قد اقتضت الحكمة الإلهية في خلقه لمصالح ليس في وسع البشر دركها- كما في سائر ما خلقها اللّه تعالى- و لعله منها أنه أحد طرفي الإختيار في الإنسان، فإن اللّه يدعو إلى الجنّة و المغفرة و هو يدعو إلى النار و الإنسان بينهما فإن شاء نبى دعوة اللّه و إن شاء لبى دعوة الشيطان، و هذا هو الأمر بين الأمرين‏ الذي أسسه الأئمة الهداة (عليهم السّلام) في مقابل الجبر و التفويض، كما تقدم.
و منها: أنه بمنزلة الكلب الحاجب يمنع عن وصول غير الأهل الى الحرم الربوبي.
و من ذلك يعرف أنّ كفر إبليس لم يكن حادثا بعد الامتناع عما أمره اللّه تعالى، و تركه للسجود، فإنّ ظاهر قوله تعالى: كانَ مِنَ الْكافِرِينَ و المستفاد من كيفية مخاطبته مع اللّه تعالى أنّه كان كافرا أظهر الإيمان للملائكة فاعتبروه منهم، إذ كان مدة من عمره من المتعبدين الساجدين، كما شرحه أمير المؤمنين (عليه السّلام) في بعض خطبه في نهج البلاغة.
و عليه هل يكون كفره كفر جحود، أو كفر عصيان؟ ظاهر قوله تعالى: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [سورة الأعراف، الآية: 12] فإنه أعجب بنفسه و أظهر كبره، و ظاهر حلفه في قوله تعالى: فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ [سورة ص، الآية: 82] أنّ كفره كفر عصيان، لا جحود إلّا أن يقال: إنه لا اعتبار بقول من كان ذاته الكذب و الخديعة، و سيأتي في البحث الروائي ما يتعلق بذلك كله.
ثم إنّ الأمر بالسجود في هذه الآية المباركة مطلق، و في آية أخرى معلق على النفخ، كما قال تعالى: فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ [سورة ص، الآية: 72]، و المستفاد من مجموع الآيات و الروايات أنه لا بد من حمل المطلق على المقيد، كما هو الشأن في جميع المحاورات، فلا يكون هنا أمران أحدهما قبل النفخ، و الآخر بعده و يأتي في البحث الروائي ما يناسب ذلك.
و هل كان سجودهم في السموات أو في الأرض؟
يظهر من قول علي (عليه السّلام) أنه كان في الأرض فإنه قال: «أول بقعة عبد اللّه عليها ظهر الكوفة لما أمر اللّه الملائكة أن يسجدوا لآدم سجدوا على ظهر الكوفة»،
و ذلك لا ينافي كون موضع الكعبة مطاف الملائكة من بدء خلقها، لأنّ الكلام في خصوص السجود.

في قصص الأنبياء عن أبي بصير قال: «قلت لأبى عبد اللّه (عليه السلام) سجدت الملائكة و وضعوا جباههم على الأرض؟ قال: نعم تكرمة من اللّه تعالى».
أقول: هذا يختص بملائكة الأرض، و أما ملائكة السماء و حملة العرش فلا يعلم كيفية سجودهم، و لا يستفاد من هذا الحديث ذلك.
و في تحف العقول عن الصادق (عليه السلام) قال: «إنّ السجود من الملائكة لآدم إنّما كان ذلك طاعة للّه، و محبة منهم لآدم».
أقول: تقدم وجه ذلك.
و في الإحتجاج عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام): «إنّ يهوديا سأل أمير المؤمنين (عليه السّلام) عن معجزات النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في مقابلة معجزات الأنبياء (عليهم السّلام) فقال: هذا آدم أسجد اللّه له الملائكة فهل فعل بمحمد شيئا من هذا؟ فقال علي (عليه السّلام): لقد كان ذلك، و لكن أسجد اللّه لآدم الملائكة، فإن سجودهم لم يكن سجود طاعة أنّهم عبدوا آدم من دون اللّه عزّ و جل، و لكن اعترافا لآدم بالفضيلة، و رحمة من اللّه له».
أقول: هذه الرواية ظاهرة في أنّ السجود كان للّه تعالى، و محبة لآدم (عليه السّلام) كسابقه‏، فقوله (عليه السّلام): «أنّهم عبدوا آدم» مدخول النفي أي لم يكونوا كذلك.
العياشي عن جميل بن دراج قال: «سألت أبا عبد اللّه (عليه السّلام) عن إبليس أ كان من الملائكة، أو كان يلي شيئا من أمر السماء؟ فقال (عليه السّلام): لم يكن من الملائكة و كانت الملائكة ترى أنه منها، و كان اللّه يعلم أنه ليس منها، و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء، و لا كرامة، فأتيت الطيار فأخبرته بما سمعت فأنكر. و قال كيف لا يكون من الملائكة؟ و اللّه يقول للملائكة: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ. فدخل عليه الطيار فسأله و أنا عنده فقال له: جعلت فداك قول اللّه عزّ و جل: يا أيّها الذين آمنوا في غير مكان في مخاطبة المؤمنين أ يدخل في هذه المنافقون؟ فقال (عليه السّلام):
نعم يدخلون في هذه المنافقون و الضلّال، و كل من أقر بالدعوة الظاهرة».
أقول: تقدم ما يتعلق به، و هذا الحديث شاهد للجمع بين ما يظهر منه أن إبليس كان من الملائكة، و ما يكون ظاهرا أنه ليس منهم.
و فيه أيضا عن جميل بن دراج عن الصادق (عليه السّلام) قال: «سألته عن إبليس أ كان من الملائكة أو هل كان يلي شيئا من أمر السماء؟ قال (عليه السّلام): لم يكن من الملائكة، و لم يكن يلي شيئا من أمر السماء، و كان مع الملائكة و كانت الملائكة ترى أنه منها، و كان اللّه يعلم أنّه ليس منها فلما أمر بالسجود كان منه الذي كان».
و في تفسير القمي عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) في حديث «فقيل له: كيف وقع الأمر على إبليس، و إنما أمر اللّه الملائكة بالسجود لآدم؟ فقال (عليه السّلام): كان إبليس منهم بالولاء، و لم يكن من جنس الملائكة، و ذلك أنّ اللّه خلق خلقا قبل آدم و كان إبليس فيهم حاكما في الأرض فعتوا و أفسدوا و سفكوا الدماء فبعث اللّه الملائكة فقتلوهم و أسروا إبليس و رفعوه إلى السماء و كان مع الملائكة يعبد اللّه إلى أن خلق اللّه تبارك و تعالى آدم».
و في الكافي سئل أبو عبد اللّه (عليه السّلام): «عن الكفر و الشرك أيهما أقدم؟ فقال (عليه السّلام) الكفر أقدم، و ذلك أن إبليس أول من كفر و كان كفره غير شرك، لأنه لم يدع إلى عبادة غير اللّه، و إنما دعا إلى ذلك بعد فأشرك».
و فيه أيضا عن موسى بن بكر الواسطي قال: «سألت أبا الحسن موسى (عليه السّلام) عن الكفر و الشرك أيهما أقدم؟ فقال (عليه السّلام): ما عهدي بك تخاصم الناس؟! قلت: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك عن ذلك. فقال لي: الكفر أقدم و هو الجحود، قال اللّه تعالى لإبليس: أبى و استكبر و كان من الكافرين».
أقول: تقدم ما يصلح لشرح ذلك، و المراد من‏ قوله: «و هو الجحود» لا بد و أن يحمل على جحود الطاعة، لا جحود أصل الذات.
و فيه أيضا عن أبي بصير قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام): «إن أول من كفر باللّه حيث خلق اللّه آدم كفر إبليس حيث رد على اللّه أمره- الحديث-» أقول: هذا شاهد لما قلناه آنفا.
القمي: «خلق اللّه آدم فبقي سنة مصورا، و كان يمر به إبليس اللعين فيقول: لأمر مّا خلقت. فقال العالم (عليه السّلام): فقال إبليس: لئن أمرني اللّه بالسجود لهذا لعصيته- إلى ان قال- ثم قال اللّه تعالى للملائكة: اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا، فأخرج إبليس ما كان في قلبه من الحسد فأبى أن يسجد».
أقول: هذا ظاهر في أمرين: أحدهما: أنه كان بانيا على معصية اللّه في هذا الموضوع.
الثاني: أنّ السجود لآدم (عليه السّلام) كان كالمغروس في أذهانهم قبل خلقه في الجملة.
و عنه أيضا عن الصادق (عليه السّلام): «الاستكبار هو أول معصية عصي اللّه بها. قال (عليه السّلام) فقال إبليس: رب اعفني من السجود لآدم و أنا أعبدك عبادة لم يعبدكها ملك مقرب، و لا نبي مرسل، فقال جلّ جلاله: لا حاجة لي في عبادتك؛ إنما عبادتي من حيث أريد لا من حيث تريد».
أقول: قد دلت الأدلة العقلية و النقلية على أن عبادة المعبود لا بد و أن تكون من حيث ما أراده المعبود دون ما يريده العابد، فالعبادة: هي فعل ما عيّنه المعبود فقط. و أما ما يخترعه العابد من عند نفسه، أو لا يعلم أنها مجعولة من قبل المعبود، فمقتضى القاعدة العقلية- و هي قاعدة وجوب دفع الضرر، خصوصا إذا كان عقابا- هو بطلان العبادة، و عدم صحة نسبة العبادة المشكوكة اليه. فما ذكره إبليس في الحديث باطل من حيث حكم العقل أيضا كسائر خطواته.
في المعاني عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام): «كان اسمه الحارث‏ سمي إبليس، لأنه أبلس من رحمة اللّه».
أقول: تقدم ما يدل على ذلك.
في الكافي عن أبي الحسن (عليه السّلام) في حديث: «إن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فزعه أمر فأنزل اللّه تعالى قرآنا يتأسى به، و إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلّا إبليس أبى، ثم أوحى اللّه يا محمد إني أمرت فلم أطع فلا تجزع أنت أمرت فلم تطع».
أقول: هذا من الحكم في خلق إبليس، و قد تقدم بعض ما يتعلق بذلك.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"