1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآية 230

فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)


الآية الشريفة في غاية إيجازها و اشتمالها على أربعة عشر ضميرا هي في منتهى الفصاحة خالية عن التعقيد، فيها جملة من الكنايات مما زادت في بلاغتها. و هي تبيّن حكما آخر من أحكام الطّلاق و هو عدم حليّة المطلّقة ثلاثا على الزوج حتى تنكح زوجا غيره فإن طلّقها بعد العقد و التزويج يجوز لهما أن يتراجعا بشرط اطمينانهما أن يقيما حدود اللّه تعالى. و هذا الحكم يعتبر تحديدا لعدد الطلقات الواقع من الزوج و ردعا له لئلا يقدم على تكرار الطلاق و إعادته.

230- قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ.
المراد من الطلاق هو التطليقة الثالثة، و نفي الحلية عن نفس الزوجة لبيان أنّها لا تحلّ لا بالعقد و لا بالمراجعة فالحرمة متعلّقة بهما معا.
و المعنى: فإن طلق زوجته بعد مرّتين من الطلاق فلا تحلّ له بعد الطلاق الثالث مهما طال الزمن و تقادم العهد حتى تنكح زوجا غيره.
قوله تعالى: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.
يستفاد من هذه الآية المباركة أنّ الحرمة في هذه المرأة غير دائمية أي:
فلا تحلّ له حتى تنكح زوجا آخر نكاحا صحيحا مشتملا على العقد الصحيح و المباشرة- و قد كنّى سبحانه و تعالى عنهما بكناية لطيفة مؤدبة- فتكون زوجة له.
و تدل هذه الآية على أنّ النكاح لا بد أن يكون صحيحا مصاحبا للمباشرة و الغشيان لا مجرد العقد فقط، فيختص بخصوص العقد الدائم الصادر عن البالغ العاقل.
و قد استدل بعض المفسرين و جمع من فقهاء الجمهور بهذه الآية المباركة على أنّ النكاح الذي تحلّ به المطلّقة ثلاثا لا بد أن يكون زواجا صحيحا عن رغبة مقصودة لذاتها، فلو نوى بالتزويج التحليل أي: إحلال الزوجة للزوج الأول كان زواجه غير صحيح و لا تحلّ به المرأة إذا هو طلقها بل هو معصية لقول نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «لعن اللّه المحلل و المحلل له».
و يمكن المناقشة في ذلك: بأنّ الآية المباركة لا تدل على ما ذكروه بل هي أجنبية عنه، و الحديث- على فرض اعتباره- إرشاد إلى ترك ذلك منهما لا أن يكون النّهي عنه نهيا تحريميا و على فرض كونه كذلك فإنّهم لا يقولون بأنّ النّهي في غير العبادات يوجب الفساد و النّكاح ليس بعبادة محضة، فلا فرق في النكاح بين أن يكون بنية التحليل إذا حصل قصد النكاح الدّائم الصحيح الجامع للشرائط. نعم، إذا لم يحصل قصد أصل النكاح الدائم يبطل من هذه الجهة.
قوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا.
المراد بالتراجع: هو العقد و قد كنّى به عنه، و هو يختلف عن الرجوع الذي كان حقا للزوج في التطليقتين الأولتين بأنّ التراجع إنّما يكون بين اثنين فلا بد من التوافق بينهما بخلاف الرجوع.
و المعنى: فإن طلّقها الزّوج الثاني طلاقا صحيحا يوجب انقطاع العصمة بينهما فلا جناح أن يتراجع الزّوجان إلى الحياة الزوجية بعقد شرعي و يستأنفا تلك الحياة الجديدة برغبة منهما مع حسن المعاشرة بينهما و إلغاء الحزازات السابقة، فالتراجع مشروط بذلك. و يلحق بطلاق الزّوج الثاني موته، لأنّه يوجب انقطاع العصمة بينهما كالطلاق.
قوله تعالى: إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ.
أي: أنّ التراجع بينهما و الرجوع إلى الحياة الجديدة مشروط بما إذا ظنّ كلّ واحد من الزوجين أن يقوم بحقوق الآخر و هي حسن المعاشرة و الإخلاص و سلامة النية و نحوها التي هي حدود اللّه تعالى التي كتبها في مثل هذه الحياة و الا فالرجوع مرجوح و إن كان العقد صحيحا إن وقع جامعا للشرائط.
قوله تعالى: وَ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
وضع الظاهر موضع المضمر لبيان أنّ الحدود في المقام غير الحدود السابقة.
و خص العالمين بالذّكر تشريفا للعلم و تعظيما لحدود اللّه تعالى، و لأنّ أهل العلم هم الذين يدركون مصالح تلك الحدود و آثارها و خصوصياتها و غيرهم عاجزون عن ذلك.

تكرر في هذه الآيات المباركة جملة حُدُودَ اللَّهِ و ذلك لإزالة ما شاع في الجاهلية من أقسام التفرقة و الطلاق و انحصارها في الإسلام بما قرّره الشارع بحدوده و قيوده و التجاوز عنها تجاوز عن حدود اللّه تعالى و لذا كرّرت تلك الجملة للتأكيد كما كرّر التوجه إلى القبلة في الآيات السابقة لأجل إزالة ما سبق و إثبات قبلة أخرى.
و يستفاد من قوله تعالى: أَنْ يَتَراجَعا أنّه لا بد من رضاء الطرفين في الرجوع و لا يتحقق ذلك إلّا بعقد جديد جامع للشرائط كما عرفت آنفا بخلاف الرجوع في الطلاق الأول أو الثاني فقد عبّر سبحانه و تعالى بالرد و قال: وَ بُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ و في السنة المقدسة و كلمات الفقهاء عبّر بالرجوع و هو عبارة أخرى عن الرد.
ثم إنّه ربما يستدل بقوله تعالى: حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ على صحة استقلالها في النكاح من دون مراجعة الوليّ لأنّه أضاف النكاح إلى نفسها فقط.
و هذا صحيح بالنسبة إلى البالغة الرشيدة الكاملة، و أما بالنسبة إلى غيرها فالدّليل لا يشملها، و إنّ التمسك بالآية المباركة فيها من التمسك بالدليل في الموضوع المشكوك و هو باطل عند الجميع و قد فصلنا البحث في الفقه و من شاء فليراجع النكاح من المهذب.

في الكافي عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): «المرأة التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره؟ قال (عليه السلام): هي التي تطلق ثم تراجع ثم تطلق ثم تراجع ثم تطلق الثالثة فهي التي لا تحل لزوجها حتى تنكح زوجا غيره و يذوق عسيلتها».
و في الكافي أيضا: «في الرجل يطلق امرأته الطلاق الذي لا تحل له حتّى تنكح زوجا غيره ثم تتزوج رجلا و لم يدخل بها قال (عليه السلام) «لا حتّى يذوق عسيلتها».
أقول: العسيلة تصغير العسلة: و هي القطعة من العسل شبه لذة الجماع بذوق العسل، و في الحديث «إذا أراد اللّه بعبد خيرا عسّله في الناس» أي طيّب ثناءه فيهم.
و احتمل بعض اعتبار الإنزال فيه مضافا إلى لذة الجماع لكنّه مردود بالأصل و الإطلاق كما ذكرنا في كتاب الطلاق من (مهذب الأحكام).
و في الدر المنثور عن البزار و الطبراني و البيهقي «أنّ امرأة رفاعة أتت النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و قالت: «كنت عند رفاعة فبتّ طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير و ما معه إلّا مثل هدبة الثوب فتبسّم النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و قال لها: لعلّك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتّى تذوقي‏ عسيلته و يذوق عسيلتك».
أقول: إنّما صغره إشارة إلى القدر القليل أو المسمّى الذي يحصل به الحل.
في الكافي عن الصادق (عليه السلام): «أنّه سئل عن رجل طلّق امرأته طلاقا لا تحلّ له حتّى تنكح زوجا غيره و تزوجها رجل متعة أ يحل له أن ينكحها؟ قال (عليه السلام): لا، حتّى يدخل في مثل ما خرجت منه».
أقول: الروايات في أن المتعة لا توجب التحليل كثيرة تعرضنا لبعضها في كتاب الطلاق من (مهذب الأحكام).
و في التهذيب عن محمد بن مضارب قال: «سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الخصيّ يحلّل؟ قال (عليه السلام): لا يحلّل».
أقول: هذا في الخصيّ الذي لا يقدر على الجماع كما هو الغالب و أما إذا قدر فتشمله العمومات و الإطلاقات.
و في المجمع عن أبي جعفر (عليه السلام): «بيّن سبحانه و تعالى حكم التطليقة الثالثة فقال تعالى: فَإِنْ طَلَّقَها يعني التطليقة الثالثة».
و في تفسير القمي في قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا قال: «في الطلاق الأول و الثاني».
أقول: لو فرض هذا من كلام المعصوم فلا بد فيه من التأويل أو الحمل و الا فالإشكال فيه ظاهر.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"