1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة البقرة
  10. /
  11. الآية 221

وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)


بعد أن ذكر سبحانه و تعالى أنّ حب الإنسان لشي‏ء أو كرهه له لا يغيّر الواقع بل هو محفوظ في حدّ نفسه و لا يعلمه إلا اللّه تعالى و أنّ شأن الإنسان أن يبغي الصّلاح في أفعاله ذكر تعالى في هذه الآية المباركة من مصاديق تلك القاعدة نكاح المشركات و المشركين، و حكم بأنّه ليس من صلاح المؤمن نكاح المشركة و إن أعجبه هذا النكاح، بل لا بد للناس أن يذكروا اللّه تعالى و يختاروا ما يدعو إليه في الدنيا و الآخرة.

221- قوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ.
النكاح: اسم للعقد الموجب لحلية الجماع. و قال بعضهم: إنّه محال أن يكون اسما للجماع، لأنّ أسماء الجماع كلّها كنايات لاستقباح اسمه كاستقباح فعله، فيلزم من ذلك الخلف و هو محال.
و فيه: أنّه ليس من المحال الذاتي حتّى يقبح بالنسبة إليه تعالى بل هو تكلّم مع الناس على حسب اصطلاحهم كما في قوله تعالى: وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها [التحريم- 12].
و قد اختلفوا في أسماء جميع العقود هل هي أسماء للأسباب، و تستعمل في المسببات مجازا أو بالعكس؟ و قد سرى هذا الاختلاف إلى الفقه و الفقهاء أيضا.
و الظاهر: أنّه لا معنى لهذا النزاع و سقوط هذا الاختلاف، لأنّ المراد بالأسباب الأسباب الجامعة للشرائط المعتبرة مطلقا و هي من الأسباب التوليدية لحصول مسبباتها و ظاهر الأدباء الاتفاق على أنّه لا فرق في الأسباب التوليدية بينها و بين مسبباتها في أنّ الاستعمال فيهما على كلّ تقدير يكون حقيقيّا، فلا فرق في المقام بين أن يقال النكاح اسم العقد الموجب لحلية الوطي. أو اسم للوطي الحاصل حليته من العقد، و قد استعمل في كلّ منهما بالقرائن.
و (لا تنكحوا)- بالفتح- من الثلاثي متعدّ بنفسه إلى مفعول واحد أي: لا تزوّجوا الكافرات، فيكون الخطاب متوجها إلى الأزواج.
و المشركات جمع مشركة: من الإشراك و هو اتخاذ الشريك للّه سبحانه و تعالى، فيختص بالوثني و الوثنيّة و لا يشمل حينئذ سائر الكفار من أهل الكتاب المنكرين لنبوة نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله)، و استدل على ذلك بقوله تعالى: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ [البينة- 1]، و العطف يقتضي المغايرة، و لأنّ المشرك في اصطلاح القرآن يطلق على ذلك و على هذا القول تكون الآية الشريفة مقتصرة على خصوص المشركين و المشركات من الوثنيين دون أهل الكتاب.
و لكن الحق أن يقال: إنّ الآية عامة تشمل مطلق الكافر من دون اختصاص بطائفة خاصة من الكفار، لعموم التعليل في الآية الشريفة الشامل للجميع، و قد ثبت في العلوم الأدبية- و تبعهم علماء الأصول- أنّ الخطاب المعلّل بعلّة يكون المدار في خصوص ذلك الخطاب أو عمومه على التعليل دون أصل الخطاب، فتفيد الآية عموم التحريم للكتابيات و الوثنيات معا و يدل عليه قوله تعالى: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ [الممتحنة- 10]، فإنّه يشمل كلّ كافر بنبوة نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله) سواء كان كتابيا أو مشركا.
و ما ذكروه من أنّ العطف يقتضي المغايرة لا كلية فيه و لم يثبت ذلك بل هو في الآية المباركة من قبيل عطف العام على الخاص و هو كثير.
كما أنّه لم يثبت أنّ إطلاق المشرك على الوثني اصطلاح قرآني بل قد اطلق على الكافر أيضا قال تعالى: وَ قالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى‏ تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [البقرة- 135]، و قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى‏ وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف- 9].
فالصحيح ما ذكرناه إلا إذا كان في البين دليل يدل على اختصاص‏ اللفظ بخصوص طائفة خاصة من الكفار.
و قد خرج عن عموم الآية المباركة خصوص الكتابيات لقوله تعالى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [المائدة- 6]، و ليس ذلك من النسخ بشي‏ء كما عن بعض المفسرين، و المسألة فقهية ذكرناها بفروعها في كتابنا (مهذب الأحكام) فراجع كتاب النكاح منه.
قوله تعالى: وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ.
المراد من الأمة: المملوكة أي: إنّ الزّواج بالمملوكة المؤمنة خير من الزّواج بالمشركة و إن كانت حرّة لأنّ الإيمان باللّه تعالى من أعظم الصفات و أجلّها و أفضلها و هو باق و ما سواه من الصفات التي هي البواعث على النكاح التي هي خيرات دنيوية وهمية زائلة و لو كانت بحيث توجب الإعجاب.
و في الآية رد لعادة كانت متبعة عندهم من استذلال الإماء، و التعيير بالزّواج منهنّ، فنفى سبحانه ذلك بأنّ المؤمنة و لو كانت مملوكة خير من المشركة و لو كانت حرّة و إن أعجبتكم.
قوله تعالى: وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ.
وَ لا تَنْكِحُوا- بضم التاء- من باب الإفعال متعدّ إلى المفعول الثاني و الخطاب متوجه إلى من يتولّى النكاح.
يعني: لا تزوّجوا المؤمنات بالمشركين حتّى يؤمنوا فإنّ العبد المؤمن خير من حرّ مشرك و إن أعجبكم حسنه و ماله و شرفه. و الواو في قوله تعالى: وَ لَوْ حالية، و (لو) بمعنى إن.
و الآية تدل على كراهة التزويج للأغراض الدنيوية الزائلة. و أنّ الكفؤ المعتبر في الزّواج إنّما يتحقق بالإيمان فقط.
قوله تعالى: أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ.
بيان لحكمة هذا الحكم. و الإسلام في أُولئِكَ إشارة إلى المشركين و المشركات المذكورين آنفا.
يعني: أنّ المشركين من شأنهم الدّعوة إلى ما يوجب الدخول إلى النار لاعتقادهم الباطل و سلوكهم طريق الشرك و الضلال و قد رسخت فيهم رذائل الصفات، و تربّوا على سوء الأخلاق فعميت أبصارهم عن الحق و الحقيقة فهم يرشدون إلى الضّلال و يدعون إلى أسباب النار قولا و عملا فيجب الاجتناب عنهم و الحذر منهم لا سيّما في الحياة الزوجية التي هي من أقوى الأسباب في انتقال صفات أحد الزّوجين إلى الآخر فيكون له الأثر السيّئ على هذه المعاشرة و يوجب الشقاء و الدّمار و هذا على نقيض ما يرتجى من هذه المعاشرة.
و أما المؤمنون فهم على خلاف المشركين فإنّهم بسلوكهم مسلك الإيمان و اعتقادهم الصّحيح، و استكمالهم بمكارم الأخلاق، فهم يدعون إلى ما يوجب الدخول إلى المغفرة و الجنة قولا و عملا بإذن اللّه تعالى و هو الذي هداهم إلى الإيمان و إلى ما يوجب الدخول إلى الغفران و الجنان، فتكون دعوتهم و دعوة اللّه تعالى متطابقتين و كلتاهما توجبان المغفرة و الجنة.
و في الآية كمال العناية بالمؤمنين، و فيها دلالة على أنّ المؤمنين يرجعون في دعوتهم و في جميع شؤونهم إلى اللّه تعالى و لا يستقلّون في شي‏ء.
أو لأنّ اللّه تعالى يدعو إلى المغفرة و الجنة بما يشرعه من الأحكام التي تكون لمصلحة الإنسان و تهديه إلى السعادة، فقد أمرهم بمخالطة من يتقرّب بهم إلى اللّه تعالى و ردع عن عشرة من يكون في عشرته البعد عن ساحة الرّحمن فهي دعوة منه عزّ و جل إلى المغفرة و الجنة و يشير إلى ذلك ذيل هذه الآية الشريفة.
قوله تعالى: وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. بيان لحكمة أصل هذا التشريع، أي أنّه تعالى ينزل الأحكام و الأدلة و يوضحها للناس لأجل أن يتذكروا ما فطر اللّه في أنفسهم من قبول التوحيد و الحق و الحقيقة، و المعارف الواقعية. و لفظ «لعلّ» المستعمل في المقام و غيره، و كذا (عسى) و نحوهما إما بمعنى التعليل أي: (لكي، أو لأن) و نحوهما كما هو المعروف بين الأدباء. أو تستعمل في معانيها الحقيقية لكن بداعي أصل المحبوبية لا بداعي تحقق نفس تلك المعاني حتّى يستلزم النقص بالنسبة إليه جلّ جلاله.

الآية الشريفة تبيّن جانبا من الجوانب التي تبتني عليها الحياة الزوجية التي اهتم بها الإسلام و وضع لها قوانين و ضوابط و آدابا إذا روعيت حق المراعاة لتم الصّلح و الوئام بين الأفراد و خلص الإنسان من الشقاء و الدّمار و حظى بالحياة السعيدة الهنيئة.
فإنّ الآية تبيّن ما يجب مراعاته في تحقيق هذه العشرة، فإنّ كلّ واحد من الزوجين لباس للآخر و خليط معه، و من شأن كلّ خليط اكتساب صفات الآخر فأمر عزّ و جلّ بلزوم التحفظ على الجانب المعنوي و الرّوحاني في هذه الحياة بماله من الأثر التربوي و الاجتماعي و الفردي و عليه تستند قدسية الزّوج و هو ملاحظة الإيمان باللّه تعالى الذي هو فطري في الجملة لا سيّما في النفوس الضعيفة و مرحلة الشباب في الإنسان و قد دلت على ذلك الأدلة العقلية كما ثبت في الفلسفة القديمة و الحديثة و لعلّه لأجل ذلك قدّم سبحانه و تعالى هذا الأمر على ما يتعلّق بأحكام النّساء لما له الأهمية الكبرى بالنسبة إلى الحياة الزوجية بين الزوجين و لما له الأثر الكبير في نشوّ الأولاد و الصّلة بالاجتماع، بل الرضاع فإنّ اللبن يعدي كما ورد في عدة من الأخبار، فهذا الحكم له من الآثار ما لا يدركها أحد إلا اللّه تعالى و لذا أكد عليه بأنحاء التأكيدات في القرآن الكريم و السنة الشريفة، ففي المقام نهى عن الزّواج بالمشركين و المشركات و بيّن عزّ و جل العلّة في ذلك بأنّهم يدعون إلى النار لما يقترفونه من المعاصي و الآثام و ليس لهم أيّ رادع نفساني يردعهم عن ذلك لعدم اعتقادهم باللّه تعالى، فليس لهم شأن إلا الدّعوة إلى النار مطلقا.
و على نقيض ذلك المؤمن فإنّه يدعو إلى المغفرة و الجنة و الإحسان و التحلّي بمكارم الأخلاق فهو يدعو إلى اللّه قولا و عملا، فالإيمان باللّه هو أساس كلّ خير و سعادة و له الأثر الكبير في نشوء الأولاد الصالحين بل و صلاح الاجتماع و تقدمه.
ثم إنّه لا فرق في الدّعوة إلى النار بين أن تكون قصدية كإيقاع الناس في المحرّمات و تسهيل أسبابها عليهم أو تكون انطباقية قهرية كمن يعمل منكر يعلم تقليد الناس له فيه فهو يدعوهم إلى النار و لو لم يكن من قصده ذلك.
كما لا فرق بين أن تكون بالمباشرة أو التسبيب قلّت الأسباب أم كثرت، و كذا لا فرق بين أن يكون موردها النفوس و الأعراض أو الأموال المحترمة و إن كان بينها تفاوت بالشدة و الضعف.
و تشمل الآية جميع الاعتقادات الباطلة و الآراء الفاسدة التي لا يرضى الشرع بها، بل إنّها تشمل الدّعوة إلى النار بالقول أو الفعل أو الكتابة و نحوها.
و تجري جميع هذه الأقسام بالنسبة إلى المغفرة و الجنة و لكن يشترط أن تكون بإذن اللّه تعالى و إمضائه و إلا كان من التشريع المحرّم.
و ما ذكره جمع من الفقهاء من تحقق الاستحباب الشرعي بأخبار قاصرة السند تمسكا بأخبار من بلغه ثواب عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فعمل به فله ذلك الثواب و إن كان رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) لم يقله.
فهو مخدوش: لأنّ مجموع تلك الأخبار بعد رد بعضها إلى بعض لا يستفاد منها إلا المطلوبية النفسية الفعلية من كلّ جهة، و قد ذكرنا بعض الكلام في كتابنا (تهذيب الأصول) فراجعه هناك.
ثم إنّه يستفاد من قوله تعالى: وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ أنّ إعجاب الناس لشي‏ء و حكمهم بحسنه لا أثر له ما لم يكن ممضيا شرعا لأنّ الإعجاب و التحسين إنّما يكونا بالنسبة إلى الظاهر دون الحقيقة و الواقع فرب إعجاب في الظاهر يكون بخلافه في الواقع.

في الكافي عن الحسن بن جهم عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) قال: «قال لي: يا أبا محمد ما تقول في رجل يتزوج نصرانية على مسلمة؟
قلت: جعلت فداك، و ما قولي بين يديك؟ قال (عليه السلام) لتقولنّ فإنّ ذلك تعلم به قولي. قلت: لا يجوز تزويج النصرانيّة على مسلمة و لا غير مسلمة قال (عليه السلام): و لم؟ قلت: لقول اللّه عز و جل: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ قال (عليه السلام): فما تقول في هذه الآية: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ قلت: فقوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ نسخت هذه الآية فتبسم ثم سكت».
أقول: النسخ قد يطلق على التخصيص أيضا.
و في أسباب النزول عن مقاتل بن حيان قال: «نزلت في أبي مرثد الغنوي استأذن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في عناق أن يتزوجها و هي امرأة مسكينة من قريش، و كانت ذات حظّ من جمال و هي مشركة، و أبو مرثد مسلم. فقال: يا نبيّ اللّه إنّها لتعجبني فأنزل اللّه عزّ و جل: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ.
و في الدّر المنثور عن ابن عباس قال: «نزلت في عبد اللّه بن رواحة و كانت له أمة سوداء، و إنّه غضب عليها فلطمها، ثم إنّه فزع فأتى النبي (صلّى‏ اللّه عليه و آله) فأخبره خبرها فقال له النبي (صلّى اللّه عليه و آله): ما هي يا عبد اللّه؟ فقال: يا رسول اللّه هي تصوم و تصلّي، و تحسن الوضوء، و تشهد أن لا إله إلا اللّه و أنّك رسوله فقال (صلّى اللّه عليه و آله): يا عبد اللّه هذه مؤمنة.
فقال عبد اللّه: فو الذي بعثك بالحق (نبيا) لأعتقها و لأتزوجها، ففعل فطعن عليه ناس من المسلمين فقالوا: نكح أمة و كانوا يريدون أن ينكحوا إلى المشركين و ينكحوهم رغبة في أحسابهم، فأنزل اللّه تعالى فيهم: وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ- الآية-.
و في المجمع إنّ الآية نزلت في مرثد بن أبي مرثد الغنوي بعثه رسول اللّه إلى مكة، ليخرج منها ناسا من المسلمين، و كان قويا شجاعا فدعته امرأة يقال لها: عناق إلى نفسها فأبى و كانت بينهما خلة في الجاهلية، فقالت: هل لك أن تتزوج بي؟ فقال: حتّى أستأذن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فلما رجع استأذن في التزويج بها».
أقول: روى قريبا منه الواحدي في أسباب النزول و السيوطي في الدر المنثور عن ابن عباس. و يمكن أن يكون سبب النزول متعدّدا فلا تنافي بين الروايات.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ أنّه منسوخ بقوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ و قوله تعالى: وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا على حاله لم ينسخ.
أقول: ذكرنا أنّ المراد من النسخ هو التخصيص، و يأتي الكلام في سورة المائدة إن شاء اللّه تعالى.

يستفاد من قوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَ اللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ و ما في سياقه من الآيات الشريفة و الرّوايات أنّ المناط كلّه في رابطة الزواج الإيمان و الاعتقاد باللّه تعالى و الدّين، و قد صرّح بذلك في عدّة روايات‏ ففي الحديث عن نبينا الأعظم (صلّى اللّه عليه و آله): «إياكم و خضراء الدّمن قيل: يا رسول اللّه و ما خضراء الدّمن؟ قال (صلّى اللّه عليه و آله): المرأة الحسناء في المنبت السوء».
و في حديث آخر عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالط».
و عنه (صلّى اللّه عليه و آله): «عليك بذات الدّين تربت يداك».
كما تدل الآية الشريفة على كراهة قصد الجمال و المال و الشرف و الحب فقط في النكاح، و تدل على ذلك روايات مستفيضة.
و صريح الآية الكريمة حرمة النكاح مع الكافر و الكافرة مطلقا لعموم العلة و هو المشهور بين الإمامية، و ليست هي منسوخة و لكنّها خصصت بقوله‏ تعالى: الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ- إلى قوله تعالى- وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [المائدة- 7]، و ذكرنا تفصيل ذلك في الفقه و من شاء فليراجع كتاب النكاح من (مهذب الأحكام).

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"