وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَ ما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (127) وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (128) وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَ إِنْ تُصْلِحُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (129) وَ إِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَ كانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (130) وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ لَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ إِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (131)
وَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ كَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (132) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَ يَأْتِ بِآخَرِينَ وَ كانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (133) مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ كانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (۱۳٤)
ذكر سبحانه و تعالى في الآيات الشريفة السابقة من التعاليم و الأحكام و التوجيهات ما يوصل الإنسان إلى السعادة، و ذكر من اصول الدين و من الحكمة ما يجعله حكيما مؤهّلا للوصول إلى المقامات العالية و الدرجات الرفيعة.
و في هذه الآيات المباركة يذكر عزّ و جلّ من الأحكام العمليّة لتنبيه الناس الى أنّ الكمال و السعادة لا يمكن الوصول إليهما إلّا بتطبيق الأحكام العمليّة و التعاليم الإلهيّة فإنّ حقيقة الدين عند اللّه تعالى هي الإيمان و العمل الصالح، بل أنّ في إسلام الوجه للّه تعالى هو التسليم بما جاء في القرآن الكريم كما عرفت آنفا.
و قد ذكر في هذه الآيات الكريمة موضوعا من الموضوعات الرئيسيّة في هذه السورة، أي: موضوع النساء و علاقات الزوجيّة و الأسرة و بعض ما يتعلّق بشأن اليتامى بعد أن كانوا و المرأة من الضعيفين اللذين هضم المجتمع حقوقهما، فأمر عزّ و جلّ المؤمنين بوجوب مراعاة حقوقهما و حفظها. و قد ذكر سبحانه و تعالى جملة من حقوقهما في أوائل هذه السورة من الإرث، و المهر، و التصرّف في أموال اليتيم، و بعض أحكام الزوجيّة، و في المقام وجوب العدل بين النساء إن اقتضت الضرورة بتزويج أكثر من واحدة منهن، و أمر عزّ و جلّ بالقسط بينهن و حفظ أموال اليتامى و أمر بتوريثهن.
ثمّ ذكر جلّ شأنه بعض أحكام الاختلاف بين الزوجين، و بيّن بعض الأمور الدقيقة الّتي تمسّ الحياة الزوجيّة، و اعتبر تعالى أنّ التقوى هي الضمان لحفظها، و العدل و الإحسان هما الأساس لتلك العلاقة الّتي هي من أهمّ العلاقات عند الإنسان و عليها تبتني سعادته في الدارين، و يأمر تعالى بالتقوى مكرّرا؛ لأنّها الركيزة العظمى في الشرائع الإلهيّة، و لا سيما شريعة الإسلام؛ و لأنّها الضمان لتلك الأحكام، و يشدّد عليها بالتهديد على من يعرض عنها و بوصفه بالكفر، و يهددهم بالقدرة على إذهابهم و إتيان آخرين فيتّقون و يعملون.
ثمّ يبيّن عزّ و جلّ السبب في إعراض الناس عن التقوى، و هو حبّ الدنيا و الرغبة في متاعها. و يعالج سبحانه و تعالى أخيرا الموقف بأنّ الخير إنّما يكون في ثواب اللّه تعالى الّذي يمنحه لمن أطاعه و اتّقاه في الدنيا و الآخرة، و بذلك يرشد الناس إلى أنّ التقوى هي الّتي تضمن ثواب الدنيا و الآخرة، و أنّ اللّه تعالى هو الرقيب لهم يسمع أقوالهم و يرى أفعالهم فيجازيهم عليها.
و الآيات الكريمة تشتمل على أسلوب تربوي دقيق، لها وقع خاص في النفوس المستعدة و تتخلّلها من الحكم و المواعظ و الإرشادات و التوجيهات ممّا زاد في رصانتها و قوّتها و شدّة تأثيرها.