يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ كِتابٌ مُبِينٌ (۱٥) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ يَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (۱٦) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (۱۷) وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللَّهِ وَ أَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَ لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَيْنَهُما وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (۱۸) يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَ لا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَ نَذِيرٌ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (۱۹)
تذكير لأهل الكتاب بالحجّة بعد تقريعهم بنقض الميثاق الذي أخذ منهم على نصرة رسله و تعزيرهم، و العمل بما أتوه من الكتاب و التشريعات الإلهيّة، فنسوا حظّا ممّا ذكّروا به، كما عرفت في الآيات المباركة السابقة.
و في هذه الآيات الشريفة تذكير لهم بالإيمان برسله و الكتاب الذي أنزله عزّ و جلّ عليه و تعريفهم بهما، و يقيم سبحانه و تعالى الحجّة عليهما و ينوّه بهما و يعظم شأنهما، ثمّ يوبّخ النصارى على مقالتهم الباطلة في المسيح عيسى بن مريم عليهما السلّام، و يبطلها ببرهان قويم يقتنع به كلّ من ألقى السمع و هو شهيد، حيث أثبت لنفسه الملكية التامّة على خلقه بما فيهم المسيح عليه السّلام، إيجادا و تدبيرا و افناء، و أطلق السلطة التامّة له عزّ و جلّ على جميع مخلوقاته، فهو يخلق ما يشاء و يفني ما يشاء.
ثمّ يعنّف السياق مع اليهود و النصارى في مقالتهم: نحن أبناء اللّه تعالى و أحباؤه، و يردّها، و يوعدهم على ذنوبهم. و في ختام الآيات الشريفة يرجع إلى ما ذكره تعالى في صدرها من تذكيرهم برسالة رسوله الكريم، و يقيم الحجّة عليهم و يفصل الكلام معهم.
و تشترك الآيات السابقة مع اللاحقة في غرض معين، و هو إثبات الإيمان المطلوب بالبرهان، و إبطال ما يخالفه.