1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 98 الى 101

قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى‏ ما تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ (100) وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)


هذه الآيات الشريفة راجعة إلى بيان حقيقة الاستكمالات المعنوية و الموانع التي تمنع عن الوصول إليها، و يشهد لها العقل السليم و لا يصل الإنسان إلى تلك الحقيقة التي هي منتهى الغايات الكمالية و أقصاها الا باتباع ما ذكره القرآن الكريم في ذلك و الانقياد له انقيادا تاما اثباتا و نفيا امتثالا و اجتنابا.
و تبين هذه الآيات ان فريقا من اهل الكتاب يكفرون بآيات اللّه و يصدون المؤمنين عن سبيله عز و جل بل انها ترشد إلى حقيقة من‏ الحقائق الاجتماعية التي طالما يعانيها المجتمع الانساني و هي ان طائفة من الناس على الباطل و تكفر بآيات اللّه و تنكر الحقائق الواضحة و تصد عن الحق و تمنع عن رقي الإنسان و استكماله و تعرض الشبهات التي تمثل السبيل الضلال المعوج العقيم سبيلا مستقيما موصلا إلى الكمال المنشود. و قد حذر سبحانه المؤمنين منهم و انذرهم من متابعتهم، و إلا دخلوا في زمرتهم و كانوا كافرين، و أمرهم بالاعتصام باللّه و رسوله و العمل باحكامه فان ذلك هو الصراط المستقيم الذي يوصل الإنسان إلى الكمال المنشود و الهداية التي لا بد لكل فرد ابتغاؤها و ذلك هو الصواب الواقعي الذي جبلت القلوب السليمة المستقيمة عليه.
و الآيات لا تخلو عن الارتباط بالآيات السابقة التي بينت سبل الهداية و عرّفت الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه و أنذرت المؤمنين من شبهات الكافرين و الملحدين.

قوله تعالى: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ.
الآيات في المقام هي الدلائل الدالة على الحق و نبوة نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) و الكتاب المنزل عليه و ما اشتمل البيت الحرام من الآيات البينات بل كل ما يوصل إلى الهداية.
و انما خاطبهم عز و جل باهل الكتاب إلزاما لهم للايمان بالكتاب و تصديقه و مبالغة في تقبيحهم و تكذيبهم. و الاستفهام للتوبيخ و التعجيز عن اقامة العذر في كفرهم و أعمالهم الفاسدة.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى‏ ما تَعْمَلُونَ.
جملة حالية، و الشهادة هي الحضور و الاطلاع على الأمور و الشهيد بمعنى العالم المطلع و هو من اسماء اللّه الحسنى اي الحاضر الذي لا يغيب عنه شي‏ء و لا تخفى عليه خافية.
و المعنى: قل يا رسول اللّه لأهل الكتاب الذين يعاندون الحق و يكفرون به لاي سبب تكفرون و الحال ان اللّه يعلم اسراركم و اعلانكم و مطلع على أعمالكم و هو يجازيكم عليها.
و في الجملة غاية التوبيخ، و فيها الإرشاد إلى مراقبة الإنسان اعماله و تزكية النفس بالتخلية عن الرذائل و التحلية بالفضائل فان اللّه مطلع على السرائر و عالم بمكنون الضمائر.
قوله تعالى: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ.
مادة (صدد) تدل على المنع و الصرف و قد استعملت في القرآن الكريم بهيئات مختلفة في ما يقرب من أربعين موردا.
و السبيل كالطريق يستعمل- مذكرا و مؤنثا- و يستعمل في القرآن الكريم كثيرا مذكرا و قد جاء مؤنثا في قوله تعالى: «قُلْ هذِهِ سَبِيلِي» يوسف- 108 و في المقام بقرينة قوله تعالى: «تَبْغُونَها» اي السبيل لتضمينها معنى الآيات بقرينة الآية السابقة.
و المراد بها طرق الهداية و هي الآيات البينات الدالة على الحق و نبوة نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) و ما أنزله اللّه تعالى عليه.
و الاستفهام كسابقة توبيخي تعجيزي. و في خطابهم باهل الكتاب‏ لزيادة تقريعهم و شدة توبيخهم اي: مع انكم اهل الكتاب تعرفون الآيات الدالة على الحق و تنكرونها و تعرضون عن الايمان بها.
و المعنى: يا اهل الكتاب لاي سبب تصدون المؤمنين باللّه عن الايمان و الحقائق و تصرفونهم عن سبيل اللّه بإلقاء الشبهات.
قوله تعالى: تَبْغُونَها عِوَجاً.
جملة حالية إما من الضمير في «تصدون» أو حال من السبيل جي‏ء بها لبيان الصد. و الضمير يرجع إلى السبيل لتضمنه معنى الآيات كما عرفت.
و عوجا مفعول ثان لتبغون و المفعول الاول هو الضمير المتصل بعد حذف اللام، فان بغي يتعدى إلى مفعولين أحدهما بنفسه و الثاني باللام اي يبغون لها عوجا. و قيل انه منصوب على المصدر نحو رجع القهقري. و قيل ان عوجا حال وقع موقع الاسم مبالغة. و فيهما نظر.
و مادة (بغي) تدل على طلب التجاوز عن الاقتصاد في ما يتحرى تجاوزه سواء تجاوز أم لا و هو تارة يكون في الكمية و اخرى في الكيفية و كل منهما إما محمود كقوله تعالى: «يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَ رِضْواناً»* الفتح- 29 أو مذموم كقوله تعالى: «وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ» القصاص- 88 فالبغي على اقسام:
الاول: أن يكون من الحق إلى الحق كقوله تعالى: «وَ مِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» القصص- 73 و قوله تعالى: «وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا» الإسراء- 110 باعتبار ذات الصلاة.
الثاني من الباطل إلى الحق كقوله تعالى: «إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ‏ اللَّهِ أَوْثاناً وَ تَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَ اعْبُدُوهُ وَ اشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» العنكبوت- 17 و قوله تعالى: «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا» البقرة- 187.
الثالث: من الحق إلى الباطل كقوله تعالى: «وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» آل عمران- ۸٥ و قوله تعالى: «فَمَنِ ابْتَغى‏ وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ»* المؤمنون- 7.
الرابع: من الباطل إلى الباطل كقوله تعالى: «وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا» النور- 33. و كيف كان فتلك المادة كثيرة الاستعمال في القرآن الكريم بهيئات مختلفة.
و العوج خلاف الاعتدال و هو الميل عن الاستواء و في الحديث في وصف نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله): «حتى يقيم به الملة العوجاء» اي ملة ابراهيم (صلى اللّه عليه و سلم) التي غيرها المشركون عن استقامتها.
و المعروف انه بفتح العين مختص بالمحسوسات كالأجسام المرثية و بالكسر فيما ليس يمرئي كالرأي و القول و مطلق المعاني قال أبو زيد في كتاب الفرق: «كل ما رأيته بعينك فهو مفتوح و ما لم تره فهو مكسور» و لكن يرد عليه انه ورد في القرآن الكريم بكسر العين في المحسوسات قال تعالى: «وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ فَقُلْ يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً لا تَرى‏ فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً» طه- ۱۰٦ و لذا قيل ان الكسر يقال فيهما معا و الاول اكثر. و قيل في المنتصب كالحائط و العصا يقال عوج (بالفتح) و في الأرض و الدين و المعاش يقال‏ عوج (الكسر) و كيف كان ان المراد منه في المقام الزيغ و التحريف و الكتمان و المخادعة.
و المعنى: انكم- اهل الكتاب- تظلمون بصدكم عن سبيل اللّه بالخديعة و التزوير و الزيغ و التحريف و الكتمان و الشبهات فيها لتردوا المؤمنين عن ايمانهم بغيا و كيدا، مع انها الصراط المستقيم الظاهرة الحجة الساطع البرهان.
قوله تعالى: وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ.
اي و الحال أنتم شهداء على استقامة سبيل اللّه. تعلمون ان صدكم عنه تعالى انما يكون صدا عن الحق و ان منكره ضال مضل و يلزم من ذلك معرفتهم بحقية الرسول الكريم و صحة دعواه، و قد عرفوا البشارات بنبوته و دينه التي دلت عليها كتبهم و أخبرهم انبياؤهم، فكان الواجب عليهم الايمان به، و السبق بالاعتراف بدينه لا الصد عنه.
قوله تعالى: وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ.
تهديد لهم على صنيعهم فانه تعالى عليهم بصدهم و ضلالهم و مجزيهم عليه لا يفوته شي‏ء و هو شديد الانتقام.
و انما ذكر سبحانه و تعالى عدم الغفلة في هذه الآية الشريفة، لمّا نسب الشهادة إليهم على الحقية و انما احفوها بمكرهم و خدائعهم الخفية في جعل السبيل المستقيم عوجا، فناسب ذكر عدم الغفلة عن جميع ذلك.
كما ان في الآية السابقة كان كفرهم و انكارهم لآيات اللّه تعالى، فذكر عز و جل انه شهيد على ذلك. و كيف كان ففي نسبة الشهادة إلى نفسه في الآية السابقة، و في المقام نسبتها إليهم من اللطف ما لا يخفى.
قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ.
بيان لحقيقة من الحقائق الاجتماعية التي لا يخلو عنها اجتماع من بدء تكوينه و هي تأثير بعض طوائف المجتمع الانساني في البعض الآخر و تأثرها منها، و هذه العملية- اي التأثير و التأثر- هي من أهم الأمور الاجتماعية التي يبتني عليها الاجتماع الانساني و لها الأثر الكبير في تقدم المجتمع أو تأخره و القرآن الكريم لا ينكر هذه الحقيقة الاجتماعية، و انما كان له الفضل الكبير في تهذيبها و بيان ما يترتب عليها من الآثار المهمة في النفس و التربية و الاقتصاد و سائر الشؤون حيث انه ما يكون في الطائفة المطاعة يسرى إلى الطائفة المطيعة من مفاسد الأخلاق و الضلال و بناء على ذلك لا وجه لتعيين معنى الفريق كما ذكره بعض المفسرين، فانه من القضايا الحقيقية المنطبقة في كل عصر على الطائفة المضلة في ذلك العصر سواء كانت من اهل الكتاب أم كانت من غيرهم إذا كانت لها قوة الضلال و الإضلال، و يشير إلى ذلك قوله تعالى: «فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» فان المراد منه هم الذين عرفوا شيئا من الكتاب و لكن جعلوه وسيلة للاضلال و قد نهى اللّه تعالى المسلمين من اطاعة هؤلاء و حذّرهم من سوء أثرها و من أهمه انها تردهم كافرين بعد ايمانهم و فيه هلاك الدين و الدنيا، و الذلة في العاجل و الآجل و فناء استقلاليتهم في شؤونهم، فلا بد من التنبه إلى ذلك و الالتفات اليه و العمل بما أنزله اللّه تعالى.
و في الآية الشريفة التشديد على انكار اطاعة المؤمنين للكافرين لكمال شناعة الكفر بعد الايمان و زيادة قبحه. و انما قدم عز و جل توبيخ‏ الكافرين على هذا الخطاب لبيان ان الكفر كالعلة الداعية اليه.
قوله تعالى: وَ كَيْفَ تَكْفُرُونَ وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَ فِيكُمْ رَسُولُهُ.
استبعاد من ان يقع من المؤمنين الكفر و انكار لما يقع منهم و عندهم ما يكون سببا في عدم وقوعه منهم و الاجتناب عنه.
و قد ذكر سبحانه و تعالى أمرين مهمين هما آيات اللّه تعالى و رسوله العظيم فهما حبلان ممدودان من السماء لا يضل من تمسك بهما، دالان على كل حق و فيهما الهداية و الرشاد. و من يعتصم بهما فقد اعتصم باللّه العظيم، و الكفر بعد وجودهما يكون نظير الجمع بين المتناقضين.
و من ذلك يعرف ان الآية المباركة عامة لا تختص بطائفة خاصة و لا عصر مخصوص.
قوله تعالى: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ.
كبرى كلية تنطبق على جميع سبل الهداية و الرشاد. و مادة (عصم) تدل على المنع و الحفظ مما يخاف و يحذر، و في الحديث «من كانت عصمته شهادة ان لا إله إلا اللّه» اي ما يعصمه من المهالك يوم القيامة. و العاصم هو الحافظ المانع سواء كان بفعله أو بتسبيب منه، و المعتصم هو الملتجئ إلى العاصم و اللائذ به مما التجأ و لاذ حذرا منه و الاسم العصمة و في شعر أبي طالب في وصف نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله).
ثمال اليتامى عصمة للأرامل و الاعتصام باللّه هو الامتناع به بالتجاء العبد و انقطاعه اليه ليحفظه من مضلات الفتن و موبقات المعاصي و موارد غضبه، و من سفاسف الأخلاق‏ و يوفقه لموجبات رحمته و يرضى عنه. و لا بد لهذا الاعتصام من سبب محقق له و هو مخالفة النفس الامارة، و اتباع العقل و الفطرة اللذين دعا إليهما دين اللّه و رسله، و لذا وجب الايمان بخاتم النبيين و قرآنه و من يكون داعيا إليهما علما و عملا. فيكون ذكر القرآن الكريم و الرسول من اسباب الاعتصام و محققاته.
و من ذلك يعلم ان المراد من الاعتصام العملي منه دون القولي و الاعتقادي فقط.
قوله تعالى: فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
اي و من جرى على الاعتصام المزبور فانه يؤهله إلى توفيق اللّه تعالى للهداية إلى الصراط المستقيم الذي لا يضل سالكه و لا يخشى المهالك و ترتب الهداية إلى صراط مستقيم على الاعتصام باللّه تعالى ترتب المعلول على العلة التامة المنحصرة لا يتخلف ابدا، كما يشعر به إتيان الفعل الماضي و حذف الفاعل في «فَقَدْ هُدِيَ» الدال على تحقق الفعل من غير قصد و شعور بفاعله.
و انما وصف سبحانه و تعالى الصراط بكونه مستقيما للرد على الذين يبغونه عوجا، فإنهم مهما حاولوا التمويه و الإضلال و اخفائه فان الصراط لا يخرج عن استقامته فهو الحق المبين، و صراط اللّه منحصر في الصراط المستقيم قال تعالى: «وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» الانعام- ۱٥۳.

تدل الآيات الشريفة على امور:
الاول‏
يدل قوله تعالى: «قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلى‏ ما تَعْمَلُونَ قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً وَ أَنْتُمْ شُهَداءُ وَ مَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» على قواعد عقلية نظامية اجتماعية منها قاعدة «امتناع اجتماع المتنافيين» فان الكفر بآيات اللّه مع دعوى الايمان يكون من المتنافيين الذي هو ممتنع بفطرة العقول و برهنت عليها العقلاء و لذا كان الخطاب ب (كيف) الدال على التعجب.
و منها ثبوت الاختيار للإنسان الذي هو من مهمات مباحث الفلسفة و الكلام.
و منها: تفكيك المقتضى (بالفتح) عن فعلية المقتضي (بالكسر) من كل جهة و هي مما يستنكره العقل، فان تلاوة آيات اللّه تعالى و وجود الرسول الأعظم فيهم مقتضيان للتخلق بأخلاقه، و الامتثال لأوامره و الانتهاء عن نواهيه فهم منكرون هذه القاعدة التي دلت عليها الادلة العقلية و النقلية.
الثاني:
ذكر سبحانه و تعالى في المقام: «مَنْ آمَنَ تَبْغُونَها عِوَجاً» و في سورة الأعراف- 86: «مَنْ آمَنَ بِهِ وَ تَبْغُونَها عِوَجاً» و انما حذف «به» و الواو في المقام لان حذف (به) موافق لقوله تعالى «وَ مَنْ كَفَرَ» فقد حذف (به) فيه أيضا. كما ان حذف الواو انما هو لأجل ان قوله تعالى «تَبْغُونَها» جملة حالية و الواو لا تزاد مع الفعل إذا وقع حالا مثل قوله تعالى: «وَ لا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» المدثر- 6
و اما في سورة الأعراف عطف على الحال هي قوله تعالى: «تُوعِدُونَ وَ تَصُدُّونَ» و كذلك «لا تبغونها عوجا».
الثالث:
ذكرنا ان قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ» يدل على قاعدة اجتماعية لا ينفك عنها اي اجتماع إنساني و هي تبادل الأفكار و العادات و التقاليد بين المجتمعات و القرآن الكريم يحذر المسلمين من ذلك و يبين ان كل طائفة إذا أطاعت طائفة اخرى و أخذت بافكارها و ثقافتها لا بد ان تتأثر بها فان كانت الأفكار فاسدة و منحرفة فهي تؤثر في المؤمنين و تذهب فضائل افكارهم و تفسد عليهم ثقافتهم و تحرّمهم من سعادتهم و توجب ضلالهم و ذلهم و عبوديتهم و قد أوجز سبحانه جميع ذلك في قوله تعالى: «يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ» الذي فيه قبح عظيم و اثار سيئة. و قد لطف تعالى بالمؤمنين حيث خاطبهم بقوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» و بين عز و جل اثره الكبير بأسلوب رائع.
الرابع:
انما عبر سبحانه و تعالى بالتلاوة في قوله تعالى: «وَ أَنْتُمْ تُتْلى‏ عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ» لان التلاوة هي البيان بقصد التفهيم و التفهم فلا يكتفي بمجرد وجود القرآن الكريم فقط دون تلاوته و العمل به.
و اما ذكر الرسول (صلى اللّه عليه و آله) مجردا عن كل شي‏ء فلأنه (صلى اللّه عليه و آله) بنفسه و حركاته و سكناته و أقواله و أفعاله حجة للّه على خلقه و معلم عظيم للكمالات الانسانية و شارح للآيات الشريفة و مفسر لها و مبين القرآن الكريم قولا و عملا و هو الصراط المستقيم الذي عقب اللّه تعالى به ذلك. و يمكن أن يستفاد من الآية الشريفة اشتداد العقوبة على المخالفة عند تمامية الحجة.
الخامس:
انما وصف سبحانه الصراط بالمستقيم لبيان انه لا يختلف و لا يغيره إضلال المعاندين و إفساد المفسدين، كما انه يحفظ سالكيه‏ عن الوقوع في الضلال.

في الخصال عن الحسين الأشعر: «قلت لهشام بن الحكم ما معنى قولكم: إن الامام لا يكون إلا معصوما؟ فقال سألت أبا عبد اللّه (عليه السلام) عن ذلك فقال: «المعصوم هو الممتنع باللّه من جميع محارم اللّه و قد قال اللّه تبارك و تعالى: وَ مَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ».
أقول: المراد من قوله (عليه السلام): الممتنع باللّه اي الممتنع بالاعتصام في جميع أموره و شؤونه فيحصل له توفيق ترك محارم اللّه بالاختيار، فقد جمع الطاعة و ترك المحارم و هذا هو معنى العصمة.
و في اسباب النزول للواحدي عن عكرمة في قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ قال: «كان بين هذين الحيين من الأوس و الخزرج قتال من الجاهلية فلما جاء الإسلام اصطلحوا و ألف اللّه بين قلوبهم و جلس يهودي في مجلس فيه نفر من الأوس و الخزرج فأنشد شعرا قاله احد الحيين في حربهم، فكأنهم دخلهم من ذلك، فقال الحي الآخر قد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا و كذا فقال الآخرون و قد قال شاعرنا في يوم كذا: كذا و كذا فقالوا تعالوا نرد الحرب جذعا كما كانت فنادى هؤلاء يا آل أوس و نادى هؤلاء يا آل خزرج فاجتمعوا و أخذوا السلاح و اصطفوا للقتال، فنزلت هذه الآية فجاء النبي (صلى اللّه عليه و آله) حتى قام بين الصفين فقرأها و رفع صوته‏ فلما سمعوا صوته أنصتوا له و جعلوا يستمعون اليه فلما فرغ ألقوا السلاح و عانق بعضهم بعضا و جثوا يبكون».
أقول: على فرض اعتبار الرواية انها تبين بعض مصاديق الآية الشريفة كما ذكرنا مرارا من ان مورد الآية و مصاديقها لا تكون مخصصة للآية النازلة.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"