1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 196 الى 199

لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ (۱۹٦) مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ (197) لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلاً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (198) وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (199)


بعد ما ذكر سبحانه و تعالى بعض احوال اولي الألباب و بعض صفات الأبرار و أعمالهم الحسنة و الجزاء الحسن الذي وعده تبارك و تعالى لهم أشار في هذه الآيات الشريفة الى ما يتعلق بمن يضادهم و ينافيهم لما ارتكز في النفوس من ان الأشياء انما تعرف بأضدادها، و التمييز بين الأبرار و الكفار، و لبيان ما ابتلى به المؤمنون ذلك البلاء الشاق من الهجرة و الإخراج من الديار و الإيذاء و القتل و القتال انما هو للتمييز و التمحيض الذي هو سنة الهية كما عرفت، و للاعلام باستحقاقهم ذلك الثواب الجزيل فلا يقاس حالهم بحال الكفار الذين يتمتعون متاعا قليلا ثم لهم سوء العقاب.
و في هذه الآيات المباركة الموعظة الكبيرة للمؤمنين و النهي عن الاغترار بحال الكفار الذين يتنعمون في نعم ظاهرية بل لا بد ان يجعل الأمر في نظرهم أبعد من ذلك فان لهم الثواب العظيم و النعيم الحقيقي‏

قوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ.
تسلية للنبي الكريم (صلى اللّه عليه و آله) و المؤمنين الذين تحملوا البلاء و الأذى في سبيل الحق. و الخطاب و ان كان موجها الى النبي لكنه خطاب للأمة باعتبار ان النبي (صلى اللّه عليه و آله) واسطة الفيض و انه الوجود الجمعي للأبرار فهو (صلى اللّه عليه و آله) من حيث كونه واسطة الفيض الالهي مبدأ فاعلى لهم، و من حيث كونه صاحب المقام المحمود غاية لهم، ففي وجوده اجتمعت العلة الفاعلية و الغائية للأبرار.
و مادة (غرر) تدل على الأثر الظاهر على الشي‏ء سواء كان سببه الغفلة أو امر آخر و منه غرة الفرس، و غرار السيف اي حده، و غر الثوب أثر كسره، يقال اطوه على غره اي اطوه على طياته الاولي و جمع الغر على غرور، و يقال: غره خدعه و أطمعه بالباطل فكأنه ذبحه بالغرار.
و التقلب هو التحول من حال الى حال و يستعمل غالبا في الحركات المنطبعة غير الارادية و المراد به كون الكفار في رفاه الحال و شرف الحياة يتقلبون في البلاد آمنين متنعمين بالصحة و الامهال، و لكن مع ذلك فقد وصفهم تبارك و تعالى بأخسّ الأوصاف فقال عز و جل «مَتاعٌ قَلِيلٌ».
و المراد بالكفر في المقام هو الأعم من الكفر الاعتقادي و العملي‏ مقابلته للأبرار.
و انما نهى عز و جل عن الغرور بتقلب الذين كفروا لان الحقيقة غير ما هم عليه، و لا ينبغي ان يكون المظهر سببا للغرور و الإغماض عن الحقيقة، و لعل سبب النهي هو ان المؤمنين لما تحملوا تلك المشقات الكثيرة و ذلك الابتلاء العظيم كما حكى عنهم عز و جل في الآية السابقة بينما ان الذين كفروا يتقلبون في البلاد يتحولون من نعمة الى نعمة اخرى مطمئنين آمنين يمكن ان يوسوس لهم الشيطان ان الكفار اولى منهم لأجل اولوية حالهم في الدنيا، فكانت هذه الآية الشريفة بمنزلة دفع الدخل و التقدير، و لرفع ذلك الهاجس البشرى و تزيل الاسى في نفوسهم الحاصل من الوسوسة.
قوله تعالى: مَتاعٌ قَلِيلٌ.
بيان لعلة النهي عن الغرور. اي: ان تقلبهم في البلاد انما هو متاع قليل لا دوام له، و هذا من أخس الأوصاف و لا يمكن ان يقابل ذلك الثواب العظيم الذي أعده اللّه تعالى للأبرار، بل ان متاع الأرض كله لا يمكن ان يقابل ذلك لان حركات غير الأبرار لما كانت للدنيا و في الدنيا، فان الدنيا و ما فيها قليل من جميع الجهات بالنسبة الى الآخرة و في الحديث: «ما الدنيا في الآخرة الأمثل ما يجعل أحدكم إصبعه في اليم فلينظر بما ذا يرجع». و المتاع يمثل به عن الشي‏ء الحادث الزائل خصوصا إذا اتصف بالقلة.
قوله تعالى: ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ.
اي: ثم مصيرهم- الذي يأوون اليه و قد مهدوه بكفرهم و سوء أعمالهم- هو جهنم و هي اسم لدار مجازاة الكفار و المذنبين في الآخرة.
و المهاد: المكان الممهد كالفراش و انما ذكره عز و جل تهكما بهم اي: ان تلك الدار التي يأوون إليها و ذلك المصير مما جنته أيديهم و قد مهدوها لأنفسهم بسوء اختيارهم و يبين هذه الآية قوله تعالى في موضع آخر: «أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى‏ عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ» الشعراء- 207.
قوله تعالى: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ.
بيان لمصير الأبرار و سعادتهم مقابلة لمصير الكفار و شقائهم فانه لا يقاس أحدهما بالآخر لأن حال الطائفة الاولى ابتلاء و مقاساة للأهوال مدة قصيرة و نعيم الخلد في الآخرة و حال الطائفة الثانية متاع قليل و مأواهم جهنم و بئس المهاد.
و الكفار و ان استمتعوا بملاذ الدنيا و نعيمها لكنهم حرّموا أنفسهم من نعيم الآخرة التي لا نهاية لعظمتها و احلوها دار البوار، و اما الذين اتقوا ربهم و ان حرموا من نعيم الدنيا و تحملوا المشاق و الأذى في سبيل اللّه لكن جزاؤهم كبير و عظيم، فالاستدراك انما هو لأجل طمأنينة قلوب المتقين و الأبرار و المجاهدين في سبيل اللّه تعالى فلا يوهن عزائمهم للجهاد بتمتع الكافرين في الأرض و لا يشغلهم تنعم هؤلاء و رفاههم و تقلبهم في البلاد و لا ينبغي ان يكون سببا لوهن عزائمهم و نشاطهم في سبيل الدين و إعلاء كلمة اللّه تعالى فان مصيرهم أعظم و أعلى من مصير الكافرين.
قوله تعالى: لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ.
اي: ان مصيرهم الى نعم لا نهاية لبهجتها و سرور ساكنيها و هي جنات تجري من تحتها الأنهار و هذه الجنات تعددت لأنهم قاسوا اهوال الدنيا و مرارة العيش فيها، و هي الجنات التي وعدها اللّه تعالى لأولي الألباب جزاء جهادهم و كفاحهم في الدنيا، و يمكن ان تكون الجنات متعددة باعتبار حالات الإفراد و شدة تفانيهم في اللّه تعالى و ضعفه فإنهم متفاوتون في ذلك.
قوله تعالى: نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
النزل- بضمتين أو بتسكين الزاي- ما يهيأ للنزيل أول نزوله من المنزل و الزاد و الفرس و النزيل هو الضيف قال الشاعر:
نزيل القوم أعظمهم حقوقا و حق اللّه من حق النزيل‏

و خص بعضهم النزل بالزاد مطلقا و يأتي مصدرا و جمعا و هو منصوب على الحال و قيل انه منصوب على التفسير.
و جعل الجنات نزلا لهم فيه الكرامة العظمى للمتقين لا سيما إذا كانت من عند اللّه تعالى فان فيه الشرف العظيم لهم و فيه اشارة الى عدم تناهي ذلك النزل كمية و كيفية و مدة فانه من عند من لا تناهي له من كل جهة.
قوله تعالى: وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ.
نعمة اخرى لا نهاية لها. اي: ان ما عند اللّه تعالى خير للمتقين الأبرار مما عند الكافرين من المتاع القليل أو خير مما كان المتقون فيه في الدنيا.
و التفنن في النعم لبيان ان الاولى من النعم الجسمانية كالجنات التي تجري من تحتها الأنهار، و هذه من النعم المعنوية كالقرب الى اللّه تعالى و الحظوة لديه و لقائه عز و جل و رضوان اللّه اكبر و هذه النعمة لا يوازيها أية نعمة اخرى من نعم الجنة فهذه كرامة اخرى للأبرار زائدة عما كانت للمتقين.
قوله تعالى: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ.
بيان لمشاركة بعض اهل الكتاب مع المؤمنين في الايمان باللّه و اجره العظيم، و عدم اختصاص السعادة الاخروية بطائفة خاصة و لتشجيع اهل الكتاب الى الدخول في الايمان و متابعة الحق.
و في ذلك إيماء إلى ان هؤلاء مع ما هم عليه من السعة قد اختاروا ثواب المؤمنين الأبرار و آثروا ما عند اللّه تعالى على المتاع الدنيوي و ان كان المؤمنون في ضيق فانه خير من سعتهم.
و قد وصف سبحانه و تعالى هذه الطائفة بخمس صفات هي الأصل في كل سعادة الاولى: الايمان باللّه جلّ شأنه ايمانا صحيحا داعيا إلى العمل الصالح لا يشوبه شرك و فساد.
الثانية: الايمان بما انزل إلى المسلمين و هو القرآن الكريم، و الايمان به يستلزم الايمان بمن انزل عليه و هو الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله).
و انما قال تعالى: «إِلَيْكُمْ» باعتبار ابتداء الدعوة بهم و إلا فان القرآن الكريم منزل لكل البشر و هو المهيمن على سائر الكتب الإلهية يدعو الناس إلى السعادة و دين الحق و لعله لذلك قدم الايمان بالقرآن على الايمان بما انزل إليهم و ان كان الأخير مقدما في الوجود و لبيان ان الايمان بما انزل إليهم لا فائدة فيه إذا لم يكن معه ايمان بما انزل إلى المؤمنين.
الثالثة: الايمان بما انزل إليهم و هو ما اوحى اللّه تعالى إلى أنبيائهم من غير تحريف فانه يدعو إلى اللّه تعالى و إلى ما انزل إلى المؤمنين و هاتان الصفتان تدعوان اهل الكتاب إلى عدم التفريق بين رسل اللّه‏ تعالى كما ذمهم اللّه تعالى به في ما تقدم من الآيات.
قوله تعالى: خاشِعِينَ لِلَّهِ.
وصف رابع و هو منصوب على الحال. و الخشوع فوق الخضوع و هو نوع انكسار يعرض على القلب و على جوارح الإنسان عند الطاعة للّه تعالى و قد تقدم في قوله تعالى: «وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ وَ إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ» البقرة- ٤٥ و الخشوع انما هو اثر الخشية من اللّه تعالى و الخوف منه و هذا من ثمرة الايمان الصحيح.
قوله تعالى: لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا.
وصف خامس و هو عدم كتمان الحق و الاشتراء بآيات اللّه تعالى ثمنا قليلا مما ذم اللّه تعالى به اهل الكتاب و الكافرين في مواضع متعددة من القرآن الكريم قال تعالى: «اشْتَرَوْا بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ» التوبة- 9 و قال تعالى:
«فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَ اخْشَوْنِ وَ لا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا» المائدة- ٤٤.
و قد نفى عن هؤلاء هذه الخصلة و هي كتمان الحق و الاشتراء بآيات اللّه ثمنا قليلا و هو يدل على صدقهم في الايمان و خلوصهم فيه.
قوله تعالى: أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ.
اي: ان أولئك المتصفين بتلك الصفات الحميدة لهم أجرهم المعلوم و هو ثواب طاعتهم. و انما أضاف الأجر إلى الرب الذي رباهم بنعمه في الدنيا للتشريف و كمال العناية بهم.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.
اي: ان اللّه يحاسب العباد و يعلم ما لكل احد من الثواب و العقاب‏ فلا يعقل التأخير بالنسبة اليه عز و جل لإحاطته بجميع جزئيات اعمال عباده فيوفيهم أجورهم بلا امهال و تأخير.

تدل الآيات الشريفة على امور:
الاول‏:
يدل قوله تعالى: «لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ» على ان ما عند الكافرين من الحظوظ الدنيوية مهما بلغت في العظمة في الكم و الكيف لا تقابل ما للمؤمنين من الجزاء العظيم الذي أعد اللّه تعالى لهم في يوم الجزاء مضافا إلى مصير الكافرين السي‏ء الذي هو نتيجة أعمالهم و جهدهم في الدنيا و ما كسبته أيديهم و ان كان لتقلبهم دخل في نظم البلاد و لكنه حقير ضئيل خصوصا إذا لوحظ بالنسبة إلى النظام الأحسن لو كان الأنبياء و المؤمنون هم الذين يتصدون لنظم الدنيا قال تعالى: «وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى‏ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» الأعراف- ۹٦.
الثاني‏:
يدل قوله تعالى: «مَتاعٌ قَلِيلٌ» على دناءة المتاع الذي يتمتعون به و قلته من جميع الجهات فهو قليل في المدة، و قليل بالقياس إلى مؤونة السعي و الجهد الذي يبذلونه في سبيله، و قليل بالنسبة إلى ما أعد اللّه تعالى للمؤمنين من الأجر العظيم و الثواب الجزيل، كما دلت عليه الآية السابقة.
الثالث‏:
يدل قوله تعالى: «لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ‏ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ» على ان المناط في كل خير و نفع هو التقوى، و ان الدنيا و ما فيها انما هي وسيلة إلى النعمة العظيمة الابدية التي لا يمكن نيلها إلا بالتقوى، فالآية الكريمة رد لمزاعم الكفار و المنافقين في انهم متمتعون و المؤمنون في خسران.
و انما ذكر عز و جل التقوى للدلالة على أن حرمان المؤمنين من بعض حظوظ الدنيا من سبل التقوى، فلا يتوهم احد بأنه من موجبات شقائهم. و ذكر المتقين بعد الكافرين من احسن وجوه البلاغة في بيان الصنفين المختلفين المتضادين.
الرابع‏:
يدل قوله تعالى: «وَ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ» على ان للأبرار منزلة عظيمة فوق منزلة سائر المؤمنين المتقين و انهم طائفة خاصة من الذين اتقوا و لهم شأن عظيم عند اللّه تعالى و قد شرفهم اللّه تعالى بأن حباهم ما هو اكثر و أدوم، و أعظم، و أوصلهم الى مقام القرب الذي لا يوازيه شي‏ء من نعيم الجنة قال تعالى: «إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَ ما أَدْراكَ ما عِلِّيُّونَ كِتابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ» المطففين- ۲٤.
الخامس‏:
يدل قوله تعالى: «وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ» على ان الوحدة الجامعة لجميع الأديان الإلهية هي الايمان باللّه تعالى و ما انزل الى المؤمنين و ما انزل إليهم ما لم تمسه يد التحريف و التزوير، و الخشوع للّه تعالى و عدم كتمان الحق فمن كان من اهل الكتاب متصفا بهذه الصفات الحميدة كان له الأجر العظيم المحفوظ عند ربهم الذي يرعى شؤونهم و مصالحهم، و من تخلف كان‏ اللّه سريع الحساب فهو الذي يعلم الأسرار و من هو مطيع خاشع له تعالى و غيره، و يعلم خصوصيات الثواب و العقاب.

روى الواقدي في أسباب النزول في قوله تعالى: «لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ» انهم كانوا في رجاء و لين من العيش و كانوا يتجرون و يتنعمون فقال بعض المؤمنين: ان اعداء اللّه تعالى في ما نرى من الخير و قد هلكنا من الجوع و الجهد فنزلت هذه الآية».
أقول: روي غير ذلك في شأن نزول الآية الشريفة و على فرض اعتبارها تكون من باب التطبيق لا التخصيص.
و في الدر المنثور عن ابن عباس في قوله تعالى: «وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلًا أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ» ان الآية «نزلت في النجاشي و نفر من أصحابه لما مات هو فصلى عليه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) و هو في المدينة فطعن فيه بعض المنافقين انه يصلي على من ليس في دينه فانزل اللّه تعالى: «وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ الآية-».
و قيل انها نزلت في أربعين رجلا من اهل نجران من بني الحارث ابن كعب إثنين و ثلاثين من ارض الحبشة و ثمانية من الروم كانوا جميعا على دين عيسى (عليه السلام) فآمنوا بالنبي (صلى اللّه عليه و آله).

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"