1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 165 الى 168

أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنَّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (۱٦٥) وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (۱٦٦) وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالاً لاتَّبَعْناكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ (۱٦۷) الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (۱٦۸)


الآيات الشريفة تبين جانبا من الجوانب المتعدّدة في غزوة احد فقد كشفت عن شبهات المنافقين و كيدهم في إضلال المؤمنين عن القتال و تعرضت للرد عليهم و بينت الحقيقة فيهم و انهم على الكفر و الضلال.
و الآيات المباركة تكشف عن الموازنة بين ما أصابهم من خسارة و هزيمة حصلت من عند أنفسهم و بين تلك النعمة العظمى و المنة الكبرى بما تحقق لهم من اتباع الرسول العظيم الذي هو من أنفسهم.

قوله تعالى: أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها.
بيان لحقيقة واقعية و هي ان ما يصيب الإنسان من المصائب إنما يكون بسبب المعاصي التي تقع منه جريا على قانون الأسباب و المسببات و قد تقدم في الآيات السابقة بيان الكبرى فراجع قوله تعالى: «وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» آل عمران- ۱٤۰.
و الاستفهام للتقريع فيكون السؤال الاستنكارى في موضعه. و الواو عاطفة و قد تقدمت عليها همزة الاستفهام لان لها الصدارة في الكلام و «ما» ظرف بمعنى حين و «قَدْ أَصَبْتُمْ» صفة لمصيبة و قيل في محل نصب على انه حال.
و المصيبة هي التي اصابتهم يوم أحد إثر عصيان الرسول (صلى اللّه عليه و آله) و مخالفتهم لأوامره و عدم التقوى عندهم و الفشل و التنازع بينهم مما كان سببا لهزيمتهم و توبيخهم و تقريعهم. و المشهور بين المفسرين ان المراد بالمثلين: المثلان في غزوة بدر الكبرى فإنهم قتلوا من المشركين سبعين و أسروا منهم سبعين فكان ذلك مثل ما أصاب المسلمين يوم أحد من قتل سبعين منهم. و الظاهر انه أعم من ذلك و مما أصاب المسلمون من المشركين في غزوة احد فقد هزموهم أول الأمر و قتلوا منهم جمعا و لكن عصيانهم للرسول و فشلهم و تنازعهم كان السبب في هزيمتهم و قتل المشركين لهم. و كيف كان ففي هذا التوصيف تسكين لقلوبهم و تحقير للمعصية و لما يورث السكون و هذا كاف في الجواب عن سؤالهم.
و المعنى: أ تدرون لما ذا أصابكم تلك المصيبة فإنها كانت من عند انفسكم و نتيجة حتمية لأعمالكم لأنكم خالفتم أوامر الرسول (صلى اللّه عليه و آله) و فشلتم و اختلفتم و تنازعتم فكان ذلك سببا في إفساد الفتح و الظفر اللذين كانا من نصيبكم.
قوله تعالى: قُلْتُمْ أَنَّى هذا.
سؤال عن سبب المصيبة تعجبا منهم و استيحاشا و استعظاما و استبعادا للحادثة مع مباشرتهم لسببها و الجملة جواب «لما» و هذه واحدة من تلك الشبهات التي ذكروها في المقام بعد ما رأوا النصر الباهر في بدر فاعتبروا أن ذلك لأجل كونهم مسلمين و لكنهم ذهلوا عن الحقيقة.
قوله تعالى: قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ.
بيان للحقيقة الّتي غفلوا عنها و تأكيد لما بينه عز و جل سابقا من ان ما يصيب الإنسان انما هو آثار أفعاله و نتائج اعماله.
و المعنى: قل يا رسول اللّه في جوابهم انكم أخطأتم في الرأي فان الذي أصابكم انما هو بسبب أعمالكم و أفعالكم حيث خالفتم أوامر الرسول‏ (صلى اللّه عليه و آله) و فشلتم و تنازعتم في الرأي، و انكم اخترتم هذه المصيبة لأنكم طمعتم بفداء الأسرى مع ان الرسول (صلى اللّه عليه و آله) انذرهم بأنه يقتل منهم بعددهم و اشترط عليهم ذلك فرضوا به. و هذا محمول على الغالب من الذين كانوا معه (صلى اللّه عليه و آله) و اما أعاظم الصحابة مثل علي (عليه السلام) و نحوه فلا تشملهم الآية الشريفة فلا وجه لإشكال بعض المفسرين في المقام.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ.
اي: ان اللّه تعالى قادر على الظفر عند المطاوعة و الصبر و الخذلان عند المخالفة. و ما وقع انما كان بسوء اختياركم و جريا على سنة الأسباب و لكنه تعالى قادر على اللطف بكم.
و في الآية الشريفة كمال العناية بهم و تطييب لأنفسهم حيث قرن مرارة التقريع بحلاوة الوعد و فيها درس من دروس الحكمة التي يعلّمها اللّه تعالى للمؤمنين.
قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ بيان لقدرته الكاملة، و ذكر لاحد مصاديقها فان كل شي‏ء لا بد ان ينتهي الى اذن اللّه تعالى و قدرته «وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْ‏ءٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً» فاطر- ٤٥ فكل ما أصاب المسلمين يوم التقى جمعهم بجمع المشركين في احد من قتل و جراح إنما كان باذن اللّه تعالى و ارادته الازلية و تقديره و قضائه فانه جرت إرادته على امتحان المؤمنين و تمحيصهم ليكمل ايمانهم بذلك و ينال من قتل منهم بدرجة الشهادة.
و ذكر بعض المفسرين ان هذه الآية الشريفة تؤيد المراد من الآية السابقة لان المستفاد من قوله تعالى: «قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ» اختيارهم الفداء من اسرى يوم بدر، و شرطهم على أنفسهم للّه ما شرطوا فأصابهم هذه المصيبة باذن اللّه تعالى.
و فيه: ان ظاهر هذه الآية المباركة يبين القدرة الكاملة و الارادة التامة الازلية التي قضى بها عز و جل على اجراء سنة الأسباب في هذا العالم و يمكن ان يكون لما أصابهم اسباب كثيرة قد بين جملة منها في الآيات السابقة و يدل على ما ذكرناه ذيل الآية الشريفة.
قوله تعالى: وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ.
غاية اخرى من الغايات المترتبة على ما أصابهم من المصائب و هي وقوع المعلوم في الخارج ليطابق علمه الازلي اي: أصابتكم المصيبة ليعلم حال المؤمنين في قوة ايمانهم و ضعفه. و ليعلم الذين صبروا و ثبتوا مع رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) في ميدان القتال و الذين آثروا الفرار و خذلوا الرسول الكريم، فهذه الآية الشريفة لبيان وجه الحكمة و الغاية و الآية الاولى لبيان السبب.
و كيف كان فهذه الآيات الشريفة تبين جانبا من الجوانب المتعددة في غزوة احد التي اشتملت على وجوه من الحكمة و تضمنت غايات متعددة قلما اجتمعت في غزوة اخرى.
و انما ذكر عز و جل المؤمنين ابتداء تشريفا لهم عن الانتظام و الدخول في الطائفة الاخرى فان الفريقين مختلفان من جميع الجهات، و يمكن ان يكون ذكر اسم الفاعل الدال على الثبوت و الاستمرار للاشارة الى ما ذكرناه.
قوله تعالى: وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا.
تمهيد لذكر احوال المنافقين الذين ظهروا في غزوة احد بأقبح‏ صورة سواء في أقوالهم أو أفعالهم. و الجملة عطف على قوله تعالى: «فَبِإِذْنِ اللَّهِ» و انما أعاد عز و جل الفعل للتأكيد على هذه الغاية و اعتناء بهذه العلة.
و المراد من «الَّذِينَ نافَقُوا» هم الذين أظهروا الايمان و ابطنوا الكفر، اي انما أصابتكم المصيبة ليظهر المنافق و يميز بينه و بين المؤمن.
و انما ذكر عز و جل هذه الطائفة بموصول صلة فعل، للدلالة على الحدوث و عدم الثبوت بانه قد يتوب منهم بعد ذلك و يرجع الى الايمان و قد ذكرهم تعالى بعد ذكر المؤمنين للعبرة بسوء عاقبتهم و الاحتراز عن أفعالهم و أقوالهم و عدم التشبه لهم.
قوله تعالى: وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا.
بيان لوجوه نفاقهم منها ان الذين نافقوا قد دعوا الى القتال في سبيل اللّه و نصرة دينه لينالوا الشهادة فيفوزوا بدرجاتها العالية و لو لم تقاتلوا كذلك فادفعوا عن انفسكم و أهليكم حمية أو ابتغاء للغنيمة و الكسب و غير ذلك من المقاصد الدنيوية و لكنهم تكاسلوا و راوغوا بنفاقهم.
و انما ذكر عز و جل «تعالوا» لما فيه من الدلالة على التظاهر و التعاون ترغيبا لهم عليهما و المشاركة مع المؤمنين في نيل السعادة.
قوله تعالى: قالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتالًا لَاتَّبَعْناكُمْ.
مظهر من مظاهر نفاقهم فإنهم قالوا لو كنا نعلم انكم تلقون العدو لأجل القتال في سبيل اللّه و اقامة الحق لذهبنا معكم و لكن لا نرى قتالا حقا في البين، و هذا تعلل منهم نفاقا و استهزاء بالمؤمنين، فان القتال معلوم حيث نزل العدو بساحتهم بجميع عدده و عدته و قد حنق غيظا على الحق و على المؤمنين به. و قد رد عز و جل عليهم و بيّن كذبهم.
و المراد باتبعناكم هو الذهاب مع المؤمنين للقتال و لم يفصحوا بالقتال لكمال معاندتهم مع الحق و غيظهم و احجامهم عن ذكره.
قوله تعالى: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ.
اي: هم يوم إذ قالوا «لو نعلم قتالا» اقرب إلى الكفر منهم قبل ذلك إلى الايمان لظهور إمارته عليهم فان هذه المقالة كفر باللّه العظيم و استهزاء بالنبي الكريم فإنهم يميلون إلى الكفر اكثر من ميلهم إلى الايمان.
و انما ذكر عز و جل «يَوْمَئِذٍ» مع انهم لم يؤمنوا لرفع شأن ذلك اليوم الذي ظهر فيه الحق و تميّز المؤمن عن المنافق.
كما انه سبحانه و تعالى قال: «هم اقرب» لبيان ظهور كفرهم الصريح و اما النفاق فأمره واضح لأنهم واقعوه قبل ذلك و ظهر على أفعالهم و أقوالهم، و لترغيبهم إلى الإسلام و الدخول فيه و لو كانوا على خلاف الحق و عدم ايئاسهم.
قوله تعالى: يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ.
بيان لحال المنافقين مطلقا، و الجملة مستأنفة تبين حقيقة نفاقهم.
اي: انهم لم يؤمنوا بالحق و لم يتبعوكم و لو علموا به لأنهم على الكذب دائما و اظهار خلاف ما يضمرون و ذلك عادتهم و سيرتهم، فهم مستمرون عليه. و الأفواه: جمع فاه و انما ذكره عز و جل للتأكيد و مقابلة للقلوب و زيادة في التقريع و نظير ذلك قوله تعالى: «سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ‏ فِي قُلُوبِهِمْ» الفتح- 11.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ أَعْلَمُ بِما يَكْتُمُونَ.
اي: انهم غافلون عن الحقيقة فان اللّه تعالى اعلم بما يكتمونه من الكفر و النفاق و الشر و الفساد و هو يحاسبهم به و يجازيهم عليه.
قوله تعالى: الَّذِينَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ وَ قَعَدُوا.
مظهر آخر من مظاهر نفاقهم و انما صدر منهم هذا القول بعد القتال، كما ان القول السابق صدر منهم قبله كما هو واضح. و الجملة بدل.
و المراد بإخوانهم: الاخوان في النسب، و انما ذكره بالخصوص لأنهم يدعون الاخوة الظاهرية و مع ذلك يخالفونها و لم يفوا بدعواهم فإنهم قعدوا عن مساعدتهم حين ابتلائهم بالقتال و هذا أقبح تعيير في الجاهلية فضلا عن الإسلام.
قوله تعالى: لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا.
هذا من من المثبطات التي كان المنافقون يتوسلون بها في تضعيف المؤمنين و بث روح الشك و الارتياب في نفوسهم.
و المعنى: انهم قالوا لإخوانهم لو أطاعونا بالقعود عندنا و عدم الذهاب إلى ما دعاهم اليه رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) من الجهاد مع اعداء اللّه تعالى ما قتلوا كما لم يقع علينا القتل. و قولهم هذا يرجع إلى جحودهم للقضاء و القدر و اعتقادهم بأن الموت يستند إلى اسباب معلومة إذا اتقاها الإنسان سلم عنه و ان الموت مما يمكن ان يستدفع عنه و يتحرز منه و هذا مكابرة منهم و انكار للوجدان الذي يحكم بأن الموت و الحياة و ان كانا أمرين طبيعين لهما اسباب معلومة لكنهما كسائر الحوادث الكونية تحت ارادة اللّه تعالى و قضائه و قدره كما أكد عز و جل ذلك في الآيات السابقة.
قوله تعالى: قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ.
تثبيت لإرادة اللّه تعالى و تأكيد بان الأمور تحت قضائه و قدره.
و الدرء هو الدفع.
اي: قل يا محمد في جوابهم تبكيتا لهم و إظهارا لكذبهم فادفعوا عن انفسكم الموت فان القعود لا ينجيكم منه لأنه امر محتم يحل إذا حلّ الأجل و ان طال بلا فرق بين القاعد و المجاهد، و الحذر عن سبب معين لا يقي عن باقي الأسباب التي تقع بارادة اللّه تعالى.
قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
قضية شرطية معلقة على امر ممتنع فيكون الصدق منهم ممتنعا في ذلك. و في الآية الشريفة التأكيد على كذبهم فانه يمتنع ان يكونوا صادقين في أقوالهم و أفعالهم.
اي: فان كنتم صادقين فادرأوا عن انفسكم جميع اسباب الموت.

«ما» في قوله تعالى: «وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ» اسم موصول مبتدأ و «أَصابَكُمْ» صلته «فَبِإِذْنِ اللَّهِ» خبره‏ و انما دخل عليه الفاء لتضمن الموصول معنى الشرط و قيل انه للسبب.
و انما ترك العاطف بين «تعالوا» و «قاتلوا» في قوله تعالى:
«تَعالَوْا قاتِلُوا» لبيان التلازم بينهما و ان المقصود بهما واحد.
قوله تعالى: «وَ قَعَدُوا» إما حالية من ضمير قالوا بإضمار (قد) و إما معطوفة بالواو التي هي لمطلق الجمع فتكون جملة معترضة بين قالوا و مقوله و هو قوله تعالى: «لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا».
الظرفان في قوله تعالى: «هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ» قيل ان كليهما متعلقان ب «اقرب» و ذكروا أن من القواعد في باب الظروف انه لا يتعلق حرفا جر، أو ظرفان بمعنى واحد بمتعلق واحد إلا في ثلاث صور:
الاولى: ان يتعلق أحدهما به مطلقا ثم يتعلق به الآخر بعد تقييده بالأول.
الثانية: ان يكون الثاني تابعا للأول ببدلية أو عطف بيان أو نحوهما.
الثالثة: ان يكون المتعلق افعل تفضيل لتضمنه الفاضل و المفضول اللذين يجعلانه بمنزلة تعدد المتعلق كما في المقيد و المطلق، و المقام من هذا القبيل.
و الجامع في جميع ذلك لحاظ الوحدة الاعتبارية فكلما لوحظ فيه هذه الجهة يصح ذلك و لا يختص بتلك الصور الثلاث.

يستفاد من الآيات الشريفة امور:
الاول‏:
يستفاد من قوله تعالى: «أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها» واقع الإنسان بعد إصابة المصيبة بانه يلتمس أسبابا لتلك و إلقاء تبعاتها على الغير تخفيفا للوعة المصاب و لما فيه الأثر النفسي الكبير. و الآية الشريفة لا تنفي ذلك بل تبين الطريق الصحيح و تهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم و تبين ان الأسباب لتلك المصائب و الهموم انما تكون من عند الإنسان نفسه و قد أتى الجواب عن جميع تلك الأسئلة و الشبهات واضحا يبين الحقيقة قال تعالى: «قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ» و قال تعالى: «وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» الشورى- 30 و على الإنسان التفكر في عقيدته و أفكاره و أفعاله و أقواله فان فيها الأسباب التي تقتضي حدوث المصائب على الإنسان و كيفية التحرز عنها بالالتزام بالشرع و الاتكال على اللّه تعالى.
الثاني‏:
يدل قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ» على ان قانون الأسباب و المسببات الذي بني عليه هذا النظام لا يخرج عن قدرة اللّه تعالى و قضائه و قدره فانه عز و جل المدبر لهذا النظام الكياني و هو المهيمن على جميع ما يجرى فيه فان الأسباب و ان اقتضت المسببات المعلومة إلا انها تؤثر بارادة اللّه عز و جل و اذنه.
و من ذلك يعلم السر في تعقيب ذلك بقوله تعالى: «وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ» و أكد ذلك بقوله عز و جل: «وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ» الذي يدل على ان الاعتقاد بذلك من الايمان.
الثالث‏:
يدل قوله تعالى: «وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا» إلى أهم ما كان يريد المنافقون من أقوالهم و أفعالهم و هو تثبيط المؤمنين عن القتال و بث روح الشك في نفوسهم و الاحجام عن تنفيذ أوامر اللّه تعالى و ترك طاعة الرسول (صلى اللّه عليه و آله) و قد فند عز و جل مزاعمهم و أبطل‏ دعاويهم و أعلن كفرهم و اظهر كذبهم و حقيقة أمرهم و هي انهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم و أن ذلك صار من عادتهم و سيرتهم.
الرابع‏:
يستفاد من قوله تعالى: «قُلْ فَادْرَؤُا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ» حسن المحاورة و المحاجة مع المنافقين و الكافرين و اقامة البرهان لهم حتى يرجعوا إلى الايمان و حيث لا بد ان تكون بالتي هي احسن و إلا خرج عن الحدود الشرعية و هذه الآيات كلها تعليم للحكمة التي وردت في الآية السابقة «وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ».

في تفسير العياشي في قوله تعالى: «أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها» قال الصادق (عليه السلام): «كان المسلمون قد اصابوا ببدر مائة و أربعين رجلا قتلوا سبعين رجلا و أسروا سبعين رجلا، فلما كان يوم أحد أصيب من المسلمين سبعون رجلا فاغتموا بذلك فانزل اللّه تعالى: «أَ وَ لَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها».
أقول: قد روى الجمهور مثل ذلك ايضا و الرواية على فرض صحتها ترشد إلى استنكار التعجيب منهم بعد وصول مثلي ما أصابهم إليهم في يوم بدر.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «وَ لِيَعْلَمَ الَّذِينَ نافَقُوا وَ قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قال: فهم ثلاثمائة منافق رجعوا مع عبد اللّه بن أبي سلول، فقال لهم جابر بن عبد اللّه أنشدكم في نبيكم و دينكم و دياركم فقالوا و اللّه لا يكون القتال اليوم و لو نعلم ان يكون القتال لاتبعناكم، يقول اللّه: «هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمانِ».
أقول: بيان لبعض مصاديق النفاق و قد تقدم في التفسير ما يتعلق بذلك.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"