1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 156 الى 158

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (۱٥٦) وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (۱٥۷) وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (۱٥۸)


الآيات الشريفة تبين جانب آخر من جوانب غزوة أحد و هو ما ظهر من بعضهم من الأسف و التحسر على الذين قتلوا فيها، و كان‏ السابقة، فقد ظنوا ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) هو الذي أوردهم إلى هذه المهلكة و حذرهم سبحانه و تعالى ان مثل هذا الظن الذي من وساوس الشيطان هو الذي استزلهم و أوردهم المهالك و أفسد قلوبهم.
و يبين سبحانه و تعالى ان الحياة و الموت أمران طبيعيان داخلان تحت ارادته و مشيته و الجميع يحشرون اليه تعالى و الغاية التي لا بد للإنسان في كفاحه و جهاده من ابتغائها هي المغفرة و الرحمة و هي الخير الذي يبتغيه كل عاقل.

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا.
بيان الهي يرشد المؤمنين إلى التخلي عن اتخاذ الكافرين قدوة يحتذي بهم في الأقوال و الأفعال و الاعتقاد، فان الكافر جاهل بحقيقة الدين و لا يعتقد الاعتقاد الحق فان مما اعتقده انه ينسب الحوادث و الظواهر الكونية إلى اسبابها العادية فقط و إلى الصدقة دون الالتزام باستنادها إلى اللّه تعالى و تصرفه في العالم و ان الأمور تجري بإرادته و مشيته و تقديره و قضائه. و من المعلوم ان الاعتقاد الباطل يفضي بصاحبه إلى الخسران و الشقاوة، و قد نهى عز و جل المؤمنين ان يكونوا مثلهم في الجهل و الخسران.
و المراد بالذين كفروا كل من يعتقد خلاف الحق سواء كان من المنافقين أم غيرهم. و قيل ان المراد بهم في المقام خصوص المنافقين و لكنه تخصيص بلا دليل مع ان الظاهر من الخطاب هو الأعم، و اما المنافقون فسيأتي ذكرهم في ما بعد قال تعالى حكاية عنهم «لَوْ أَطاعُونا ما قُتِلُوا» و لكن قد يتحد المنافقون مع الكافرين في كثير من الأمور.
قوله تعالى: وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى.
بيان لمظهر من مظاهر الاعتقاد الباطل للكافرين. و الضرب في الأرض كناية عن السعي إما للتجارة أو طلبا للمعاش أو لأغراض اخرى قال تعالى: «وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ» النساء- 101 يقال: «ضربت الطير» ذهبت تبتغي الرزق، كما يقال: «ضرب يعسوب الدين بذنبه» اي اسرع الذهاب في الأرض فرارا من الفتن.
و غزى جمع غاز كعاف و عفى و شاهد و شهد و طالب و طلب.
و اللام في «لإخوانهم» للشأن اي في شأنهم أو تعليلية اي لأجلهم.
و المعنى: و قال الكافرون في شأن إخوانهم في الدين أو في النسب إذا ضربوا في الأرض سفرا عاديا أو كانوا غزاة فمات بعضهم أو قتل.
و انما قال عز و جل «إِذا ضَرَبُوا» دون (إذ) حكاية للحال فيفرض وجود ذلك في النفس. و بعبارة اخرى: ان القضية حقيقية لا تتقيد بزمن معين و (إذ) يستعمل في الظرف إذا كان وقتا شخصيا.
قوله تعالى: لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا.
اي: كان من اعتقادهم الباطل انهم قالوا لو كانوا مقيمين عندنا و لم يسافروا و لم يغزوا ما ماتوا و ما قتلوا. و هذا من سوء الرأي و يدل على جهل قائله بحقيقة الدين فان مقادير الأمور تحت مشية اللّه تعالى و قضائه و قدره‏ كما بين عز و جل ذلك في الآيات السابقة قال تعالى: «قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ» و ان موت كل فرد انما يكون باذن اللّه عز و جل قال تعالى: «وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلًا» آل عمران- 145 و غير ذلك من الآيات الشريفة الدالة على ذلك، و ان القضاء و القدر و ايكال الأمر إليهما اصل من اصول الدين. و يكفي في بطلان قولهم و مخالفته للعقل انهم يعتقدون ان من مات أو قتل فقد ختم حياته و انتهى أمره كما تدل عليه كلمة «لو» في قوله تعالى «لَوْ كانُوا» الدالة على امتناع موتهم أو قتلهم عند حضورهم لديهم و لكنهم غافلون عن حقيقة الأمر.
قوله تعالى: لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ.
اي: ان قولهم و اعتقادهم انما يبعث في نفوسهم الحسرة و اللام للعاقبة.
يعني: تكون عاقبة اعتقادهم الحسرة و الندامة فيعذبون بهما، و الجملة من قبيل وضع الغاية موضع المغيى، فإنهم يتألمون كل ما يفكرون في أمواتهم قتلا أو غيره و يتحسرون عليهم و يتأسفون و يقولون لما ذا تركناهم يسافرون أو يغزون، و لم ندفع عنهم السوء فيزيدهم ضعفا و يورثهم ندما و حسرة.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ.
رد لمزاعمهم الباطلة و بيان لحقيقة الأمر التي لا بد من الاعتقاد بها و هي ان اللّه تعالى بيده امر الحياة و الموت و هما من الأمور المختصة به عز و جل وحده فيحيي من يشاء من عباده و يميت من يشاء بمقتضى قواعد و سنن خاصة لا يعلمها إلا هو لان اسرار القضاء و القدر في التكوينيات مما لا يمكن للعقل الاحاطة بها فإذا تحقق مؤثرهما فلا محالة تقع الحياة أو الموت‏ و لا راد لقضائه.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
اي: لا يخفى على اللّه تعالى ما تعملون فلا تكونوا ايها المؤمنون مثل الذين كفروا في الاعتقاد و العمل، و في الآية الشريفة كمال الترهيب عن المعصية و الترغيب في الطاعة، و التهديد للمؤمنين عن المماثلة مع الكفار فليتقوا اللّه في تركها. و الآية المباركة صريحة في ان اللّه تعالى يعلم الجزئيات و يراها.
قوله تعالى: وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ.
حكمة اخرى من وجوه الحكم في النهي عن المماثلة للكفار في الأقوال و الأعمال و الاعتقاد، و هي ان عمدة ما يبتغيه الإنسان في كفاحه في هذه الحياة الدنيا هو ما يجمعه من المال و المتاع اللذين بهما يقضى مآربه و يحقق آماله و مقاصده و يمضي بهما شهواته و ما عند اللّه تعالى أعظم و اكبر من ذلك و هو الخير الذي لا بد من السعي في ابتغائه و نيله.
و السبيل الذي يصل الى اللّه عز و جل هو القتل في سبيل اللّه أو الموت في رضاء اللّه تعالى كالموت على الايمان و الأعمال الصالحة فان ذلك هو الفوز العظيم و ما سواه ضئيل لا بد ان لا يعتنى به.
قوله تعالى: لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ.
اي: يكون اجركم على اللّه تعالى و هو مغفرة من اللّه تمحى بها الذنوب و رحمة ينال بها رضوان اللّه تعالى و ترتفع بها الدرجات و هما خير مما يجمعه الإنسان من حطام الدنيا.
و انما قدم القتل في سبيل اللّه على الموت لان القتل اقرب إلى‏ المغفرة و الرحمة، و للترغيب اليه، و التعريض بمن كان يثبط المؤمنين عنه و الرد على الكفار.
قوله تعالى: وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ.
بيان للواقع الذي عليه الإنسان في الدنيا و الآخرة، و هو ان أي فرد من أفراد الإنسان بأي سبب كان هلاكه سواء كان بالموت أو القتل لا بد ان يحشر إلى اللّه تعالى وحده فيحاسبه على اعماله و يجازيه بها ان خيرا فخير و ان شرا فشر، و عليه تعالى يقدم الإنسان فيوفيهم أجورهم وعدا مؤكدا عليه.
و انما قدم الموت على القتل لان الاول أعم من الثاني و اكثر فناسب الترتيب الطبيعي بخلاف الآية السابقة.

تقدم ان «غزىّ» جمع نادر في المعتل و هو خبر (كانوا) منصوب بفتحة مقدرة على الالف المنقلبة عن الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين لان أصله (غزوا) فتحركت الواو و انفتح ما قبلها فقلبت الفا ثم حذفت، و قرئ بتخفيف الزاي.
و انما أتى عز و جل بجمع القلة للاشارة إلى انه لا بد من ترك ذلك و التقليل منه إذا لم يكن في سبيل اللّه تعالى.
و الواو في قوله تعالى: «وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ» للحال كما ان اللام في قوله تعالى: «وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ» موطئة للقسم، و ان اللام في قوله تعالى: «لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ» واقعة في جواب القسم، و جواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه.
و التنوين في «لَمَغْفِرَةٌ و رَحْمَةٌ» للتنكير، و لبيان عدم حد للمغفرة و الرحمة، و ليذهب ذهن المخاطب إلى اي مذهب ممكن و قرأ الجمهور (متم) بالكسر من مات يمات مثل خفتم من خاف يخاف، و قرأ بعضهم بضم الميم من مات يموت مثل كنتم من كان يكون.

يستفاد من الآيات الشريفة امور:
الاول:
الآية الشريفة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا» تؤكد مضمون الآيات السابقة، و تضع حدا فاصلا بين الأقاويل الكاذبة و ما هو الحق، و تبين للمؤمنين ما يجب الاعتقاد به لا سيما في الظروف الصعبة التي لا بد من أخذ الحيطة و الحذر من المنافقين و التمسك بتعاليم الإسلام و لدفع كيدهم.
الثاني:
يستفاد من قوله تعالى: «لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا» انما قالوا ذلك تثبيطا لمن بقي من إخوانهم لئلا يلحقوا بالمؤمنين حتى لا يصيبهم ما أصاب السابقين فيموتوا او يقتلوا فهم كانوا يعتقدون امتناع موت إخوانهم أو قتلهم عند حضورهم لديهم فكأنهم العلة في حفظهم، و هدا نحو من الشرك.
الثالث:
يستفاد من قوله تعالى: «لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ» ان بعض الاعتقادات الفاسدة توجب الحسرة في الحال أو في المآل، و يمكن ان يكون إشارة إلى ان عمل المؤمنين بالتعاليم الإلهية و الاحكام الشرعية يوجب الحسرة في قلوب الأعداء لأنهم يرون ان العمل بها لا يزيد المؤمنين الا ثباتا و شدة في جنب اللّه تعالى و هذا مما يزيد في حزنهم و ندامتهم و هم يريدون عكس ذلك فان الايمان لا يزيد صاحبه إلا تسليما و ثباتا و استقامة و ارتفاعا لمقامهم.
الرابع:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ اللَّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ وَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» ان جميع ما يحتمله الإنسان نافعا في دفع المكروه عنه هو من مجرد الظن لا يغير الواقع عما هو عليه و ان الأمر بيد اللّه تعالى يجريه بمقتضى قانون الأسباب و المسببات، و اللّه يعلم ما في الضمائر فقد يخيب آمال الإنسان جزاء لاعتقاده الفاسد فلا بد من تسليم الأمر اليه عز و جل و طلب العون منه.
الخامس:
يستفاد من الترديد في قوله تعالى: «لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَ رَحْمَةٌ» اختلاف مقامات العاملين فمنهم من يكون عمله هباء منثورا لأجل شركه أو كفره و منهم من يعمل لثواب الدنيا و منهم من يعمل لثواب الآخرة بحسب مراتبه الكثيرة.
السادس:
يستفاد من إطلاقه قوله تعالى: «لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ» بروز الأعمال حينئذ فيحشر كل احد مع عمله و يجازى به كما مر.

في تفسير العياشي عن جابر عن أبى جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: «وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ» قال (ع): «يا جابر أ تدري ما سبيل اللّه؟ قال: لا أعلم إلا ان اسمعه منك قال (ع): سبيل اللّه علي و ذريته (عليهم السلام) و من قتل في ولايتهم قتل في سبيل اللّه و من مات في ولايتهم مات في سبيل اللّه.
أقول: هذا من باب التطبيق و ذكر احد المصاديق لأنه ورد من الموت في سبيل اللّه الموت في طريق الحج و الجهاد، كما ورد أيضا في الموت في سبيل اللّه الموت في تعلم الاحكام و تحصيلها، و الموت في المشي الى الصلاة.
في تفسير العياشي أيضا عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: «وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ» و قد قال اللّه تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ»* فقال ابو جعفر (عليه السلام): «قد فرق اللّه بينهما ثم قال: أ كنت قاتلا رجلا لو قتل أخاك؟ قلت: نعم قال: (ع) فلو مات موتا كنت قاتلا به؟ قلت: لا قال (ع): ألا ترى كيف فرق بينهما؟!!».
أقول: لا ريب في اختلاف اصناف الموت و أنواعه و لا ربط لاحد الأصناف و الأنواع بالآخر، فذات الموت شي‏ء و القتل شي‏ء آخر و ان كان الأخير سببا له و هو (عليه السلام) يبين منشأ الخلاف و الراوي تمسك بذكر جنس الموت كما في قوله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ‏ ذائِقَةُ الْمَوْتِ»*.
و يحتمل ان تكون هذه الرواية اشارة الى تعدد الموت و القتل بحسب تعدد العوالم فمن مات في هذا العالم يمكن ان يقتل في عالم الرجعة و العكس بالعكس كما وردت به روايات متعددة يأتي ذكرها في الآيات المناسبة لها ان شاء اللّه تعالى.
و الحمد للّه أولا و آخرا

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"