1. الرئيسية
  2. /
  3. مکتبة
  4. /
  5. التألیفات
  6. /
  7. مواهب الرحمن فی تفسیر القرآن
  8. /
  9. سورة آل عمران‏
  10. /
  11. الآيات 139 الى 148

وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (۱٤۰) وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ (۱٤۱) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (۱٤۲) وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (۱٤۳) وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (۱٤٤) وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (۱٤٥) وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (۱٤٦) وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (۱٤۷) فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (۱٤۸) 


الآيات الشريفة متصلة بالآيات السابقة و انها كالغاية و اصل المقصود للآيات المتقدمة التي اشتملت على بعض الحقائق التي نبهت المؤمنين على ما صدر منهم و ما سيجري عليهم و امرتهم بالاستعداد التام له و التخلق بمكارم الأخلاق، ففي هذه الآيات المباركة يرشد سبحانه و تعالى المؤمنين إلى التعاون و التعاضد امام المصاعب و عدم الوهن و الضعف فيهما و نبههم بأن ما يصيبهم من المكروه هو سنة المجتمع البشري في هذه الأرض، و انما هي مداولة بين الناس. ثم بين سبحانه و تعالى ان السعادة في الدارين لا يمكن الوصول إليها إلا بالجهاد و الصبر، و أمرهم بالإعراض عن الكافرين و ترك الظلم فان اللّه لا يحب الظالمين.
و بين عز و جل انه لا بد من الامتحان لتمييز المجاهد الصابر الصادق عن غيره، ففي هذه الآيات المباركة اجتمعت اصول الكلام من الأمر و النهي و المدح و الثناء و التوبيخ و الإرشاد و كفى بذلك دليلا و هاديا.

قوله تعالى: وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا.
الوهن هو ضعف خاص في الخلق و الخلق، و المراد به في المقام الضعف في القتال أو في العزيمة، أو في الاهتمام في الجهاد في سبيل اللّه تعالى و اقامة الدين.
و الحزن خلاف الفرح و هو ما يعرض الإنسان بفقد عزيز عليه أو ما يحبه من مال أو جاه.
اي: لا تهنو ايها المسلمون و لا يظهر عليكم اثر الضعف و الخوف و لا تحزنوا على ما أصابكم، لان الحزن انما يكون على ما فات من الإنسان بغير عوض و اما انكم فستجدون عوض ما أصابكم بأحسن وجه و من يقتل منكم شهداء عند ربهم يرزقون، و هو مما يتمناه كل مؤمن مع ان ما أصابكم انما هو امر طبيعي يقتضيه سير القتال و قد خلت من قبلكم السنن فاتخذوها عبرة.
و الآية المباركة ترشد إلى أهم الأمور التي توجب الظفر و هو الثبات و الاستقامة و عدم المبالات بما يصيب الإنسان في الجهاد في سبيل اللّه تعالى و هو امر فطري يحكم بحسنه العقل أيضا فلا فرق حينئذ بين ان تكون الجملة انشائية أو خبرية محضة لأنها في مقام بيان الواقع‏ و ارشاد الناس اليه.
قوله تعالى: وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ.
تشويق إلى الجهاد و المثابرة و بشارة بالغلبة و تسلية للمؤمنين. و الجملة في موضع التعليل اي: مع انكم الأعلون فلما ذا يقع منكم الوهن و الحزن، و فيه التوبيخ لما صدر منهم في يوم أحد من الفشل و الهزيمة مع انهم ذاقوا حلاوة النصر أول الحرب حيث هزموا المشركين و اثخنوا فيهم القتل فما أصابكم كان من كسب أيديكم.
و قيل ان الجملة ابتدائية اي: لا تهنوا و لا تحزنوا إن كنتم مؤمنين و أنتم الأعلون فتكون متضمنة للبشرى بالعلو مطلقا حتى في المستقبل.
و الظاهر ان الجملة تتضمن معنى أدق من ذلك، فإنها تشير إلى العتاب و الاحتجاج عليهم بان اللّه تعالى بشرهم بعلو امر الدين و الظفر على الأعداء فلما ذا هذا الوهن و الحزن.
قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ.
ايمانا صادقا فان مثل هذا الايمان يستلزم الغلبة و الظفر و يوجب اطمينان النفس اي: لا تهنوا في عزمكم و لا تحزنوا لما فاتكم من الخير أو ما أصابكم من القتل ان كان فيكم الايمان فانه جنة واقية و يلازم الصبر و التقوى و هما الموجبان للنصر و الظفر.
و في الآية الشريفة عتاب لهم بأن الايمان فيهم لم يكن متصفا بما يوجب النصر. كما ان فيها تشويق للمؤمنين منهم بالجهاد و تنشيط لنفس المؤمن.
قوله تعالى: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ.
المس هنا بمعنى الإصابة عبر به لتهوين المصاب. و القرح- بفتح القاف- الجرح و عض السلاح، و قرئ بضم القاف. و قيل: ان القرح بالفتح مصدر، و بالضم اسم. و قيل: انهما لغتان. و ذكر بعض اللغويين ان القرح بالفتح اثر الجرح من الخارج، و بالضم الأثر من داخل كالبترة و نحوها، و المراد به في المقام القتل و الجروح.
و المعنى: إن ما أصابكم ايها المسلمون من الجراح و القتل في الحرب فقد أصاب المشركين مثل ما أصابكم.
و المستفاد من الآية الشريفة انها في مقام التسلية ببيان اصل المثلية في الجراح و المصاب دون كميته و كيفيته فلا ينافي ذلك قوله تعالى: «قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها» آل عمران- ۱٥۹ مضافا إلى انه يمكن ان يكون المراد بالمثلين هو القتل و الجرح و الأسر في بدر واحد.
و أسلوب الآية الشريفة يدل على تحضير الواقعة في ذهن المخاطب كأنها ماثلة امام عينه، تمسه حرارتها، و يكابد آلامها، و لذا كان لمثل هذا الأسلوب وقع كبير في تنشيط عزيمة القوم، و تشجيعهم على الاقدام و العمل لان إصاباتهم كاصابات العدو مع كمال استعداده في العدد و العدة و شدة نزاله في الحرب التي اشتملت على الكر و الفر و الاقدام و الخذلان من كلا الجانبين، و هذا هو امر طبيعي، فإنما هي مداولة بين الناس، و قد جرت سنته عز و جل على ان يجري الأمور بأسبابها العادية و ان كان التقدير بيده تبارك و تعالى.
قوله تعالى: وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ.
حقيقة من الحقائق الواقعية نطق بها القرآن الكريم و صارت مثلا من الأمثال القرآنية التي يستعملها الناس من حين النزول.
و المراد من الظرف المظروف اي ما يقع في الأيام من الظفر و الغلبة أو الحزن و السرور، كما أن المراد من (نداولها) نصرفها بين الناس.
و قد استفاد العلماء من الآية الشريفة قواعد كلية في العلوم منها:
ما استفاده العرفاء الشامخون من انه لا مؤثر في الوجود الا اللّه تعالى و استشهدوا له بهذه الآية المباركة، و بقوله تعالى: «لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ»* الشورى- 12، و قوله تعالى: «وَ لِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ» المنافقون- 7، و بقوله تعالى: «وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ» الانعام- ٥۹ إلى غير ذلك من الآيات الشريفة و الأحاديث المقدسة.
و منها: ما استفاده الفلاسفة المتألهون من ان مناط الحاجة الإمكان لا الحدوث و استشهدوا له بالآية الشريفة أيضا و بقوله تعالى: «كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ» الرحمن- 29، و قوله تعالى: «بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ» المائدة- ۱٤.
و منها: ما استشهد به بعضهم لمذهب الأدوار و الأكوار و هو مذهب قديم و مفاده ان الموجودات مطلقا تتكرر في الأدوار و الأكوار بحسب حركات الأفلاك و نسبوا ذلك إلى يوذاسف من حكماء اليونان و رده المحققون من الفلاسفة، و قال بعضهم في ذلك.
و ما انقضى العام الربوبي اليوم كر أمثال الأجسام و انفس أخر
لا ما مضى الا لدى يوذاسف و القول بالمحو و الإثبات اصطفي‏ و اصل المذهب مبني على قدم الأفلاك و حركاتها و انها الفاعلة و المؤثرة في حدوث الكائنات مطلقا و كل ذلك باطل كما سيأتي في محله ان شاء اللّه تعالى.
و كيف كان فالمراد بالأيام هي حوادثها الواقعة فيها كما عرفت‏ و هي عطف بيان ل «تلك» و «نداولها» خبر و «بين الناس» ظرف ل «نداولها». و المداولة المداورة و التصريف و جعل الشي‏ء يتناوله واحد بعد آخر قال الشاعر: يرد المياه فلا يزال مداولا في الناس بين تمثل و سماع‏ و مداولة الأيام سنة تكوينية إلهية تابعة لمصالح عامة و منوطة بأسباب عادية فقد تكون الدولة مرة لفرد و مرة اخرى لفرد آخر و هي جارية في جميع الأمم إلى ان يأتي امر اللّه تعالى و بها ينتظم النظام حتى تظهر دولة الحق.
قوله تعالى: وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا.
بيان لوجه من وجوه الحكمة في إقامة السنة الإلهية في الناس، و ذكر لإحدى العلل في ثبوت المداولة بينهم، و الجملة معطوفة على محذوف إيماء بان الأسباب متعددة و المصالح كثيرة، و أن الذي ينفع المؤمنين هو ما يذكره عز و جل لعدم إمكان إحاطة العقول بجميع الجهات الا ما يبنه تعالى. و قد ذكر عز و جل وجوها ثلاثة في المقام و هي قوله تعالى «وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا». و قوله تعالى: «وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ». و قوله تعالى: «وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا».
و المراد من قوله تعالى «وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» مطابقة المعلوم الخارجي مع العلم الازلي و ظهوره و وقوعه في الخارج، لأن إرادته عز و جل بالعلم بشي‏ء هي ارادة تحققه في الخارج على طبق السنة الإلهية و هي قانون الأسباب و المسببات، و منها جريان المداولة بين الناس، و لا بد من امور توجب تحقق المعلوم بعد خفائه، فان علم اللّه تعالى بما سواه ليس على نحو العلم الحصولي يؤخذ من انطباع الصورة نظير علومنا، بل هو أدق من العلم الحضوري للنفس بذاته أي أن العلم بالحوادث و الأشياء في الخارج عين وجودها فيه، و حينئذ يكون مراده عز و جل بالعلم بشي‏ء تحققه في الخارج، كما عرفت.
و مبحث علم الباري عز و جل من أدق المباحث الكلامية، و سيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام فيه إن شاء اللّه تعالى. و يمكن ان يقال في المقام على نحو الإيجاز: و هو أنه يمكن فرض ذات قديمة تكون عين العلم بحقائق الممكنات من الجواهر و الاعراض، و الجزئيات و الكليات، و هي عين جميع الكمالات الواقعية من الحكمة و التدبير و القيّومية و نحو ذلك، و لا بد أن يكون هذا لمفروض متحققا في الخارج و إلا يلزم الخلف، و هو باطل، فالذات القديمة التي تكون كذلك منحصرة في اللّه تعالى، و قد تقدم في قوله تعالى: «لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ» البقرة- ۱٤۲ بعض الكلام في مثل هذا الخطاب فراجع.
و المعنى: ليظهر اللّه تعالى ايمان المؤمنين و صدقهم و ثباتهم، فيميز المؤمن المجاهد الصابر من المنافق.
قوله تعالى: وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ.
حكمة اخرى في اقامة السنة الإلهية. و الشهداء: جمع الشهيد بمعنى المقتول في سبيل اللّه تعالى، فيشمل شهداء بدر و أحد و سائر غزوات الرسول الكريم (صلى اللّه عليه و آله) المباركة.
و انما عبر سبحانه و تعالى بالاتخاذ لكمال العناية لهم و التكريم بهم فقد أحبهم و ارتضاهم فاتخذهم شهداء كما في قوله تعالى: «وَ اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا» النساء- ۱۲٥.
و ذكر بعض المفسرين ان المراد بالشهداء في المقام شهداء الأعمال لعدم معهودية استعمال هذا اللفظ جمعا للشهيد بمعنى المقتول في القرآن‏ الكريم، و لان الاتخاذ لا يلائم الشهداء بمعنى المقتولين، و لان قوله تعالى: «لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» قرينة على ان المراد بالشهداء هم شهداء الأعمال أو من يصلح للشهادة على الأمم في يوم الحساب.
و فيه: أولا انه خلاف سياق مثل هذه الآيات الشريفة إذ لا ربط لقبول قول الشهداء في عداد بيان خصوصيات القتال و الجهاد في سبيله.
و ثانيا: إذا كانوا من الشهداء في الحق يكونون من الشهداء على الأعمال أيضا، لما ذكرنا سابقا من الشهداء في سبيل اللّه لهم مقام الشهادة على الأعمال و الشفاعة لما ابتلوا بالصبر و الإيثار ببذل النفس.
و ثالثا: ان قوله تعالى: «لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» تفصيل بين الشهداء في الحق فهم ممن أحبهم اللّه تعالى و اتخذهم و ارتضاهم و بين من قتل في غير الحق.
و رابعا: ان استعمال الشهداء بمعنى المقتول في المعركة مطابق للقواعد العربية الفصيحة فلا محذور في وروده في القرآن الكريم فليكن المقام من ذلك.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ.
ارشاد للمؤمنين بترك الظلم و بيان لهم بان حب اللّه تعالى منحصر بهم، و يمتنع تعلقه بغيرهم لمكان ظلمهم و قبح أفعالهم و لا يتعلق حبه تعالى بالقبيح. و الجملة معترضة بين وجوه العلل.
و الآية المباركة تنبّه المؤمنين إلى مضمون قوله تعالى: «وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» فان الأسباب و المقادير و ان اقتضت تسلط الظالمين استدراجا و ابتلاء للمؤمنين و لكنه تعالى لا يحب الظالمين و لا ينصرهم على الحق و لا يتخذهم شهداء.
و في الآية الشريفة بشارة للمؤمنين بانه تعالى يحبهم و إنذار لاعدائهم بانه جلت عظمته يبغضهم لأنهم غير ثابتين على الايمان.
قوله تعالى: وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا.
وجه ثالث من وجوه الحكمة التي اقتضت المداولة بين الناس، و قد ذكر سبحانه و تعالى اللام في «ليمحص» اهتماما بهذه الحكمة؛ كما ان اظهار اسم الجلالة في موضع اسم الإشارة يقتضى ذلك أيضا.
و مادة (محص) تدل على الخلوص و التطهير من كل عيب، يقال: محص الذهب بالنار اي خلصه مما يشربه، و عن علي (عليه السلام) في ذكر فتنة قال: «يمحص الناس فيها كما يمحص ذهب المعدن» اي يختبرون، كما يختبر الذهب و يخلص ذهب المعدن من التراب، و في الدعاء «اللهم محص عنا ذنوبنا» اي خلصنا من ذنوبنا قال الشاعر: حتى بدت قمراؤه و تمحصت ظلماؤه و رأى الطريق المبصر اي تكشفت و خلصت، و لكن في التمحص معنى زائدا على التطهير و التكفير، و هو التطهير عن اختبار شديد و ملازمة للبلاء.
و المعنى: ان من الحكمة في مداولة الأيام و من مصالحها تخليص المؤمنين مع شدة بلائهم و تطهيرهم عن شوائب الرذائل كالنفاق و الكفر و مفاسد الأخلاق و الذنوب و المعاصي، فيتجلى المؤمن بالتمحيص بأكمل وجه خالصا عن كل شين و عيب و رذيلة، و هذا هو التمحيص، فهو التطهير مع شدة الاختبار و الامتحان كما يتمحص الذهب بالنار عن كل شائبة.
و هذا التمحيص و الاختبار بين الصحيح و الفاسد من مدارك العقل السليم، و ان بعث الأنبياء و إنزال الكتب السماوية لم يكن إلا لهذه الجهة و هي دخيلة في تنظيم نظام الأحسن و بدونها يختل النظام.
قوله تعالى: وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ.
بيان للطرف الذي قد خسر في التمحيص. و المحق هو الازالة و التنقيص شيئا فشيئا و قد تقدم في قوله تعالى: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ» البقرة- ۷٦ بعض الكلام، و لم يرد هذا اللفظ في القرآن الكريم إلا في هذين الموضعين فقط، و في الحديث: «ما محق الإسلام شيئا ما محق الشح» و عنه (صلى اللّه عليه و آله) «الحلف منفقة للسلعة و ممحقة للبركة».
و محق الكافرين إما باذهاب شوكتهم أو ابطال حججهم، و إزالتهم و افناؤهم شيئا فشيئا فان تمحيص المؤمن يستلزم إبادة آثار الكفر و الشرك و النفاق و الكيد شيئا فشيئا حتى يضمحلوا.
و في الآية المباركة بشارة عظيمة بغلبة المؤمنين و نصرهم على الكافرين و ظهور دولة الحق.
قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.
لوم و عتاب لما قد يصدر من المؤمنين كما صدر عنهم في يوم بدر و أحد من العجب و ما يدور في سرائرهم من الظنون الباطنة التي قد توجب اختلال نظام الامتحان و الاختبار و في ذلك بطلان نظام التشريع و بطلان الفطرة التي ابتني عليها الدين، و فساد للسنة الإلهية التي جرى عليها نظام الأسباب و المسببات للعادة فان اللّه تعالى لم يخلق العالم عبثا و جزافا، و ببين تعالى في هذه الآيات حقيقة الحال ليبطل‏ الظنون، فهذه الآية المباركة تبين الغاية من المداولة و النتيجة لما ورد في الآيات السابقة.
و «أم» منقطعة تفيد الإنكار جي‏ء بها لبيان العلة في ما لقوه من المصاعب و المتاعب و الشدائد، و لكنه عز و جل لطفا بهم جعل كل تلك الشدائد وسيلة للفوز و للوصول إلى المقام الأعلى، و تمحيصا لهم. و في الآية الشريفة جعل المسبب موضع السبب.
و المعنى: أم حسبتم كما حسب بعض اهل الغرور من انهم على الحق- و هو لا يغلب- و ان الظفر و الغلبة لا تفوتهم و كذا الفوز بالسعادة الأخروية و اللّه تعالى ينكر ذلك عليهم و يبين انه حسبان محض.
قوله تعالى: وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ.
بيان لحقيقة من الحقائق الواقعية و هي انه لا يمكن الوصول إلى الهدف الا ببذل النفس و النفيس في طريق الوصول فلا بد من الامتحان و الاختبار ليعلم الصابر المجاهد عن غيره و يستبين المستحق لنيل الدرجات الرفيعة من غيره.
و معنى لما يعلم: انه لم يتحقق معلومه الخارجي بعد كما تحقق في علمه الازلي، فالتعبير عن نفي المعلوم بنفي العلم و هذا من مختصات علم الباري جل شأنه لان نفي علمه يستلزم عدم وجود ذلك الشي‏ء، لما تقدم في الآيات السابقة من ان علمه عين ذاته و لا يعزب عن علمه شي‏ء قال تعالى: «وَ ما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ وَ لا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَ لا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ» يونس. ٦۱.
قوله تعالى: وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ.
ظاهر الخطاب انه لطائفة من المؤمنين كانوا يتمنون الشهادة في سبيل اللّه تعالى، و يؤيد ذلك ما ورد في الحديث ان المؤمنين لما أخبرهم اللّه تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر و منازلهم في الجنة رغبوا في ذلك و طلبوا منه عز و جل ان يرزقهم القتل في سبيله فلما أراهم اللّه تعالى يوم أحد إياه لم يثبتوا إلا من شاء منهم.
و المراد من الموت هنا هو الشهادة في سبيل اللّه تعالى و الجهاد مع أعدائه مما يتمناه كل مؤمن لا مطلق الموت فان تمنيه مكروه.
و في الآية الشريفة عتاب لمن كان يتمنى القتل في سبيل اللّه تعالى ثم لم يثبت عليه و تنبيه المؤمنين إلى ترك الغرور و التمني بما لا يقدرون على الثبات عليه.
كما ان هذه الآية المباركة تعطي درسا للمؤمنين بأنهم إذا تمنوا خيرا لا سيما الجهاد و القتل في سبيل اللّه تعالى لا بد من محاسبة أنفسهم و امتحان قلوبهم، و اختبار استعدادهم على الثبات و المثابرة و إلا فان تمني كل أمر من دون ملاحظة تلك الخصوصيات انما يكون ضربا من التخييل و الوهم و الغرور، و لذا نرى ان كثيرا من المتمنين لم يثبت على ما تمناه عند الامتحان في الفعل و مرحلة العمل لأنه لم يصدر عن قدم راسخ و عزيمة قويمة.
و انما عقب سبحانه و تعالى الاختبار و التمحيص بهذه الآية الشريفة لبيان كيفية التمحيص و الاختبار، و ما في هذه الآية انما هو مثال لهما و زيادة في الإيضاح.
و المراد من قوله تعالى: «مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ»: من قبل‏ الامتحان بالعمل و الاختبار بالاقدام على الفعل.
قوله تعالى: فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ.
الرؤية: الاحساس بالباصرة. و النظر هو المعانية و هو غير الرؤية فان الثانية متعدية إلى المفعول بنفسها و النظر يتعدى إلى المفعول ب إلى.
و الجملة تبين شدة معاناتهم للحادثة و الوقوع في الاختبار و الامتحان فقد رأوا ما فيه الاختبار و تمعنوا فيه و نظروا إلى جميع الخصوصيات التي تمكنهم الوصول إلى ما تمنوه من الشهادة في سبيل اللّه تعالى.
و انما عبر سبحانه بالرؤية مبالغة في مشاهدتهم له و تأكيدا لظهور الخصوصيات لهم و معاينتهم لها و لذا عبر عز و جل ب «وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ».
قوله تعالى: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ.
مثال آخر من الامثلة القرآنية لاختبار الناس و تمحيص المؤمنين، و يبين سبحانه و تعالى في هذه الآية حقيقة من الحقائق الواقعية التي يشهد عليها البرهان و وجدان المتأملين من افراد الإنسان و هي انه متى ظهر في الدنيا مثال للعقل العملي و النظري و دعا الناس إليهما فآمن به جمع ثم غاب عنهم يكون اتباعه على قسمين، قسم استعدت نفوسهم لنيل المعارف الإلهية و تمكنت فيهم فيكون حضوره و غيبته عندهم على حد سواء، بل لا يرون غيبته غيبة لحضور معارفه لديهم ابدا و يرون ان العمل بها منشا لسعادتهم الدنيوية و الأخروية قال تعالى: «أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ. تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» ابراهيم- ٥٤ و قسم‏ آخر يكون ايمانهم طمعا في الحطام أو خوفا من الحسام فهم «كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ» ابراهيم- ۲٦ فلا محالة يميلون مع كل ريح بعد غيبته يمينا و شمالا و يسعون وراء كل شهوة قال تعالى: «فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا» مريم- 59 و لا اختصاص لمضمون هذه الآية الشريفة باتباع سيد المرسلين بل هو متحقق في اتباع كل نبي بعد ارتحاله، و لعل في قوله تعالى: «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» اشارة إلى ذلك، و يدل على ذلك الحديث المعروف بين الفريقين: «ستفترق امتي بعدي ثلاث و سبعون فرقة».
و هذه الآية المباركة من ملاحم آيات القرآن الكريم و قد اخبر سبحانه و تعالى نبيه الكريم تسلية لقلب سيد الانس و الجان و ان ما تحمل به من الأذى و الصعاب في سبيل اللّه تعالى محفوظ عنده عز و جل، و ان لم تعرف الامة قدر نبيها الكريم (صلى اللّه عليه و آله) و فيها العتاب على من لم يثبت على الايمان.
و محمد علم لنبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) و هو بمعنى من كثرت خصاله المحمودة سماه به جده عبد المطلب و قال: «رجوت ان يحمد في السماء و الأرض» و لم يسم به أحد قبله و هو مشتق من حمّد (المضاعف) و في هذا الاسم العظيم اسرار لا يعرفها الا الراسخون في العلم.
و المعنى: ليس محمد (صلى اللّه عليه و آله) إلا بشرا رسولا من اللّه مثل سائر الرسل و الأنبياء التي مضت من قبله بلغوا رسالات ربهم و لا يملكون من الأمر شيئا إذا دعاهم اللّه أجابوا فمن هداه اللّه عز و جل إلى الايمان فإنما اهتدى بهداه فلا يضره موت النبي، فهو يبلّغ عن اللّه تعالى و يدعو اليه فالدين باق ببقاء اللّه تعالى و ان تبدلت المبلغين عنه تعالى فلا يكون موت نبي موجبا للخروج عن طاعة اللّه تعالى و دينه.
قوله تعالى: أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ.
الهمزة للإنكار و الموت: هو زهاق الروح، كما ان القتل كذلك و لكن الأخير متضمن لسبب الموت، و لعله في المقام باعتبار اشاعة قتله (صلى اللّه عليه و آله) في يوم أحد، كما عرفت في البحث التاريخي.
و ذكر موته باعتبار وقوعه عليه (صلى اللّه عليه و آله) بعد ارتحاله عن هذا العالم، فالآية الشريفة تبين جميع المحتملات، سواء كانت باشاعة أو بوقوعه الخارجي حين ارتحاله و الأثر مترتب على كل منهما.
قوله تعالى: انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ.
كناية عن الخروج عن الطاعة و الرجوع إلى الكفر، و التعبير بذلك اشارة إلى بقاء جميع رذائل الجاهلية و عدم رسوخ الدين في قلوبهم و إلا فلا معنى للانقلاب بعد معرفة الحق حقيقة. و فيه إيماء إلى انه إذا قتل أو مات ترجعون إلى الكفر و تكونوا محاربين مع الرسول.
قوله تعالى: وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً.
تقدم ان المراد بالانقلاب على الأعقاب هو الرجوع عن الطاعة و الكفر بالدين، و هذا الخطاب يختص بالرجوع السريع من دون توقف، فكأنما ركب الفرس في الرجوع إلى الوراء.
و المعنى: من يخرج عن طاعة اللّه تعالى و يكفر بالدين فانه يضر نفسه بتعريضها للسخط و الهلاك و حرمانها عن الكمال المعد لها، و لن يضر اللّه كفر الكافرين ابدا، لأنه غني عن العالمين، و هؤلاء هم الذين ذكرهم الشيطان في ما حكاه عز و جل عنه: «قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمانِهِمْ وَ عَنْ شَمائِلِهِمْ وَ لا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ» الأعراف- 17 و يقابلهم من سيذكره تعالى بعد ذلك الذين شكروا اللّه تعالى.
قوله تعالى: وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ.
بيان لنوع آخر مقابل لمن ينقلب على عقبيه. و الشكر هو صرف العبد جميع ما أنعم اللّه به عليه من لسانه و قلبه و جميع جوارحه في ما خلق لأجله، فهو اظهار النعمة بالعمل و يقابله الكفر، و مقام الشكر من أعلى مقامات العارفين الشامخين، و أخص صفات المخلصين المتقين و قد تقدم في سورة الفاتحة الفرق بين الحمد و المدح و الشكر فراجع.
و الشاكرون هم الذين ثبتوا على الايمان و أقاموا على طاعة اللّه عز و جل و الإخلاص له، و استقر فيهم وصف الشكر فهم في حالة ذكر اللّه تعالى بالقول و العمل؛ و هم الأقلّون الذين ذكرهم اللّه تعالى في قوله «وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ» سبأ- 13، كما انهم هم المخلصون الذين لا مطمع للشيطان فيهم و استثناهم عن اغوائه؛ قال تعالى حكاية عنه «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ» ص- 83.
و الآية الشريفة ترشد إلى أن في القوم من يثبت على دينه و يعمل على طبقه فهو شاكر للّه تعالى و لا يختص مضمونها بعصر الرسالة بل يجري في جميع الامة، و إنما لم يذكر سبحانه و تعالى جزاء الشاكرين‏ تعظيما له و إعلاما بجلالة قدره.
قوله تعالى: وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.
تثبيت لمضمون الآية المتقدمة فان موت الرسول (صلى اللّه عليه و آله) لم يكن جزافا و لا بتحقق بالإشاعة و لا يمكن أن يكون سببا للارتداد لو تحقق، و تعريض بمن كان يثبط المؤمنين بالقعود عن القتال و الجهاد في سبيل اللّه تعالى، كما حكى عنهم عز و جل في موضع آخر قال سبحانه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ قالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا» و تسلية للمؤمنين بمن قتل منهم، و ارشاد للناس إلى ان الموت و الحياة بيد اللّه تعالى و قدرته لا يتحققان مصادفة من دون تقدير من اللّه عز و جل، و هذه هي سنة محكمة فلا وقع للجبن و الخوف، و لا عذر للوهن و الضعف و القعود عن الجهاد.
و المعنى: انه لم يثبت و لا هو ثابت لنفس ان تموت إلا بمشية اللّه تعالى و تقديره فهذه سنة محكمة في خلقه و يجري عليها نظام الحياة.
قوله تعالى: كِتاباً مُؤَجَّلًا.
تأكيد لمضمون ما قبله، و الكتاب مصدر منصوب بفعل مقدر من لفظه اي كتبه اللّه تعالى كتابا مقرونا بأجل معين معلوم حدوده غير قابل للتغيير و التبديل، كما قال تعالى: «إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ» يونس- ٤۹.
و الآية المباركة تحرض المؤمنين على الجهاد و التشجيع على لقاء العدو و ترك الحذر و الخوف، لأنه لا يموت احد قبل الوصول إلى أجله.
قوله تعالى: وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها.
بعد ما ذكر سبحانه و تعالى خصائص الطائفتين المنقلبتين على الأعقاب و الباقين مع الرسول (صلى اللّه عليه و آله) و الراسخين على دينهم يبين جل شأنه في هذه الآية المباركة جزاء الطائفتين. فمنهم من يعمل للدنيا و يريد جزاء عمله في الدنيا فاللّه تعالى لا يحرمه منها، و منهم من يعمل للآخرة و لا يريد الجزاء إلا فيها.
و المعنى: من يريد من اللّه بعمله ثواب الدنيا و الجزاء فيها فاللّه تعالى يؤتيه منها و من يرد بعمله من اللّه ثواب الآخرة و ما أعده اللّه تعالى لمن يطلها نؤته منها على قدر خلوصه و إخلاصه.
و في الآية المباركة وعد منجز منه عز و جل بالوفاء إن تحققت الشرائط فيهم قال تعالى: «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى‏ لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً» الإسراء- 19 فلا بد ان يقيد المقام بهذه الآية الشريفة التي تكون تفسيرا لها.
قوله تعالى: وَ سَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ.
بيان مستقل للتنويه بمقام الشاكرين و وفور جزائهم، و لبيان ان الشاكرين لم يكونوا يقصدون في أعمالهم إلا وجه اللّه تعالى و شكره، و لا يمكن أن ينقطع الجزاء عنهم، و لذا لم يذكر سبحانه و تعالى كيفية الجزاء و كميته لعدم التحديد في كل منهما، و للتعظيم و الترغيب حتى يذهب ذهن السامع اي مذهب ممكن.
قوله تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ.
ثناء جميل على جميع السعداء الذين وفوا بعهدهم و ثبتوا على الصراط المستقيم، و شيدوا اركان التوحيد القويم. و بشارة هامة لمن استقام على الطاعة للّه عز و جل، و تشويق للمؤمنين بالإيتمام بالمتقين الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة دين اللّه تعالى، و الاعتبار بما جرى عليهم و الاتعاظ منهم، و تثبيت لما ورد في الآيات السابقة، فكأن الآية الشريفة خاتمة لجميع تلك الآيات، و اشتملت على مضمونها، و توبيخ لمن انهزم في احد فإنهم لم يستنوا بسنة المجاهدين الربانيين، و إنذار للذين جاهدوا مع سيد الأنبياء و تحملوا انواع البلاء و الأذى بأن لا يعجبوا بفعلهم، فان سنة من قبلهم كانت كذلك أيضا.
و كأين: تفيد معنى كم الخبرية و التكثير، و قد استعملت في القرآن الكريم في سبعة مواضع. و (من) بيانية. و (ربيون) هو المنسوب إلى الرب كما يقال رباني. و قال في الكشاف قرئ بالحركات الثلاث و انما كسرت الراء لتغيير النسب، فان النسبة تكون معها تغييرات كثيرة في بناء الكلمة، و قد تقدم في قوله تعالى: «وَ لكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ» آل عمران- 79 معنى الكلمة. و قيل: إن الكلمة مشتقة من (ربة) بكسر الراء أو ربوة و هي الجماعة ثم اختلفوا في عددها فقيل: انها الجموع الكثيرة، قيل: انها ألوف، و قيل: انها عشرة آلاف، و قيل: انها ألوف الألوف، و قد وردت في القولين الأخيرين روايتين، و يمكن أن يكون المراد بذلك كمية خاصة اتصفوا بالربانية فيختلف عددهم حسب اختلاف الازمنة، فلا نزاع في البين و كيف كان فنسبة الربي إلى الربوة يحتاج إلى تصرف زائد بقلب‏ الواو ياء ثم حذف الياء، مع أن ظاهر الآية الشريفة التوبيخ لأصحاب النبي (صلى اللّه عليه و آله) المنهزمين في أحد فلو كان لمجرد بيان العدد فلا يستفاد منه التوبيخ و لا موقع له، يضاف إلى انه تعالى وصفهم بأوصاف حميدة و جليلة مما يدل على عدم وجودها في كل أحد.
و المعنى: و كم من نبي قاتل معه في جهاده في إقامة الحق و نصرة دين اللّه تعالى من كان منتسبا الى الرب و تخلق بأخلاق اللّه تعالى و تربّى بتربيته الرسول الكريم و النبي العظيم فصبروا. فلما ذا فررتم عن سيد الأنبياء (صلى اللّه عليه و آله) و لم تصبروا؟!! و قد وصف اللّه تعالى الربيون بأوصاف تدل على جلالة قدرهم.
قوله تعالى: فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وصف أول، و هو عدم لحوق الوهن في عزائمهم بما أصابهم من الشدائد و الأذى في الحرب، و الجهاد في سبيل اللّه تعالى، أو ما عجز عن الجهاد عند قتل أنبيائهم أو شاع قتلهم ثبتوا على دينهم.
قوله تعالى: وَ ما ضَعُفُوا.
وصف ثان. و هو عدم اصابة الضعف في أبدانهم و ما فتروا لأنهم لم يستسلموا للرعب و الخوف و روعة الحرب و شدتها، و يمكن ان يكون المراد بالوهن الضعف للمجموع و الضعف للآحاد.
قوله تعالى: وَ مَا اسْتَكانُوا.
وصف ثالث. و الاستكانة: هي الخضوع و الذلة بحيث يؤثر في نفوسهم و يوجب الرجوع عن الايمان و الانقلاب الى الكفر، و يحتمل‏ ان يكون كل وصف من الأوصاف المتقدمة إشارة إلى طائفة من الطوائف التي كانت مع نبينا الأعظم (صلى اللّه عليه و آله) فالأول إشارة إلى الجماعة التي رجعت عن الحرب و ولّوا الأدبار، و الثاني إشارة إلى الطائفة التي همت بالفصل و استسلموا للرعب أو المال كالذين رجعوا عن فم الشعب، و الثالث هم المنافقون المرجفون الذين رجعوا عن نصرة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله).
قوله تعالى: وَ اللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ.
أي ان الربيون مع مقاساتهم الأهوال و توارد انواع الشدائد عليهم صبروا، و كفاهم فخرا ان اللّه يحب الصابرين فيوفيهم أجرهم بأحسن وجه و يغظم قدرهم و منزلتهم، و في الآية الشريفة كمال الثناء عليهم و بيان وجه العلة فيه.
قوله تعالى: وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا.
بعد ما بين عز و جل أفعالهم و أحوالهم ذكر في هذه الآية الشريفة أقوالهم لتتم الحجة على المؤمنين فان عليهم الاتعاظ من أفعالهم و أقوالهم و الاعتبار بها و الاستنان بسنتهم و الاقتداء بهم حتى لا يتكرر منهم الوهن و الفشل في جنب اللّه تعالى و نصرة دينه.
و الآية المباركة تبين شدة صلتهم باللّه تعالى و كمال خضوعهم له عز و جل فقد كان قولهم مطابقا لفعلهم و لم يختلفا.
و ما كان قولهم في تلك الحال الا الاعتصام باللّه تعالى قولا و طلب الغفران لذنوبهم التي توجب بعدهم عنه تعالى و قطع الفيض الربوبي.
قوله تعالى: وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا.
اي: تجاوزنا عن الحدود التي حددها اللّه تعالى لنا، فان شدة الحال قد توجب صدور بعض الهفوات و الزلات و التجاوز عن الحد.
و هذا الدعاء منهم يدل على استصغار عملهم، و اعترافهم بالتقصير في مقام عبوديتهم، و كمال انقطاعهم اليه تبارك و تعالى.
و انما قدموا الدعاء بالمغفرة على غيره لازالة الحجب عن وصول الفيض و العطف الربوبي، و لتقدم التخلية على التحلية.
قوله تعالى: وَ ثَبِّتْ أَقْدامَنا.
اي: لا تزل أقدامنا عن الصراط المستقيم، و في جميع الأحوال لا سيما عند الجهاد و الطاعة لئلا تضلنا الاهوية و مضلات الفتن.
قوله تعالى: وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ.
لتطهير الأرض من مآثمهم و مفاسد أخلاقهم، فان طهارتهم من الذنوب يستلزم النصرة على من يكون محاطا بها.
و انما قدم طلب الغفران و التوفيق لأن الدعاء الصادر عن الخضوع و الطهارة اقرب إلى الاستجابة.
قوله تعالى: فَآتاهُمُ اللَّهُ ثَوابَ الدُّنْيا.
تعظيم لهم لما يترتب على طاعتهم الثواب العظيم اي: اعطاهم اللّه تعالى جزاء لما قالوا ثواب الدنيا فأنعم عليهم انواع النعم الدنيوية كالنصر و حسن السمعة و السعادة الدائمية.
و ترتب الآية الشريفة على ما تقدم من قبيل ترتب المسبب على السبب.
قوله تعالى: وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ.
تفضيل لثواب الآخرة على ثواب الدنيا و ارتفاع قدره و منزلته و توصيف ثواب الآخرة بالحسن، لبيان ان ثواب الدنيا في مقابل ثواب الآخرة ضئيل جدا بل ليس فيه حسنا.
قوله تعالى: وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.
اي جزاء لإحسانهم و اللّه يحب المحسنين و محبة اللّه تعالى لعبده مبدأ كل خير و سعادة، و في الآية الشريفة الترغيب إلى تحصيل تلك المناقب و التحريض على الدخول في المحسنين.

قوله تعالى: «وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» فيه وجوه من الاعراب فقيل انه جملة حالية من فاعل الفعلين «لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا» فتكون كالاحتجاج عليهم في النهي عن الوهن و الحزن. و قيل: ان الجملة ابتدائية فتكون متضمنة للبشرى بالعلو. و قيل: انها جملة حالية مطلقا في جميع الحالات في علم اللّه تعالى و بحسب علمكم بما وعده اللّه تعالى و بشره لكم، كما عرفت.
و الفعل المضارع في قوله تعالى: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ» لحكاية الحال و استمرار ذلك في المتقاتلين.
و تلك في قوله تعالى: «وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» اسم إشارة يشار به إلى البعيد يفيد التفخيم و التعظيم، و «الأيام» عطف و «نداولها» خبر، و قيل: اسم الإشارة مبتدأ و «الأيام» خبره و «نداولها» في موضع نصب حال من «الأيام» و فعل المضارع دال على الاستمرار و التجدد. و اللام في «الأيام» إما للعهد اي: اوقات الظفر، أو للجنس اي أيام الدنيا و ما يقع فيها من الحوادث.
و اللام في قوله تعالى: «وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا» للعاقبة اي: و لتكون العاقبة ان يتحقق في الخارج المعلوم و هو ايمان المؤمنين. و قيل للتعليل. و الجملة معطوفة على فعل آخر اى ليظهر أمركم و ليعلم أو ليتميز المؤمن من غيره و ليعلم.
و الالتفات إلى الغيبة في قوله تعالى: «وَ لِيَعْلَمَ» و اسناده إلى الاسم الظاهر لبيان ان كل صفة من صفاته المقدسة الكمالية لها مجمع واحد و هو اسم الجلالة، و لإظهار المهابة و العظمة.
و «أم» في قوله تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ» منقطعة، و قيل انها مقدرة ب (بل) و همزة الاستفهام الانكاري و لكن الحق إن هذه الكلمة تفيد الإنكار، و لا يحتاج إلى التقدير.
و جملة «وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا» حال من «تدخلوا» مؤكدة للإنكار، و كلمة «لمّا» تفيد النفي المستمر حتى يتحقق المعلوم في المقام.
و انما ذكر عز و جل «لما» دون «لم» لبيان أن الجهاد قد يتحقق منهم في المستقبل.
و الواو في قوله تعالى: «وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» بمعنى مع، و يعلم منصوب ب (أن) المضمرة، فيكون العلم الصابرين قيدا لا اثر العلم بالمجاهدين. و قيل: ان الواو للاستيناف أو الواو للحال بتقدير و هو و (يعلم) مرفوع على كلا التقديرين.
و تمنون في قوله تعالى: «وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ» أصله تتمنون فحذفت احدى التائين.
و (كأيّن) قيل: إنها مركبة من كاف التشبيه و أي الموصولة و رسمت النون للمحافظة على التنوين في الأصل و انها صارت بعد التركيب اسما تفيد معنى (كم) الخبرية و التكثير، و محلها الابتداء و ما بعدها تمييزها و خبرها.
ثم ذكروا ان كم و كأين متشابهتان في خمسة امور هي: الإبهام، و البناء، و لزوم التصدير، و إفادة التكثير، و الافتقار إلى التمييز.
و تخالف كأين كم في خمسة امور أيضا: انها مركبة و كم بسيطة- على ما ذكره جمع- و ان تمييزها مجرور ب من غالبا، و انها لا تقع مجرورة، و ان خبرها لا يقع مفردا، و انها لا تقع استفهامية.
و الصحيح ان (كاين) كلمة بسيطة لا أنها مركبة و النون اصلية، و المعروف ان فيها لغات اربع قرئ بها «كأين» بالتشديد و هذه القراءة معروفة و مرسومة في المصحف و (كائن) مثل كاعن، و (كئن) مهموزا مقصورا مثل (كعن) و (كأين) مثل كعين.
و قاتل في قوله تعالى: «قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ» خبر و «ربيون» فاعل، و قيل ان الفاعل ضمير يعود إلى النبي (صلى اللّه عليه و آله) و «مَعَهُ رِبِّيُّونَ» جملة حالية لقاتل و هو ضعيف لان الجملة الاسمية تحتاج في كونها حالا إلى الرابط بالواو أو بها مع الضمير، و لا يصح الاكتفاء بالضمير وحده كما هو المعروف عندهم. و قيل وجوه اخرى في إعراب هذه الجملة.
و جملة «وَ ما كانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا» قولهم بالنصب خبرا لكان‏ و اسمها المصدر المتحصل من ان و ما بعدها. و الاستثناء مفرغ من أعم الأشياء، و قيل (قولهم) بالرفع على ان يكون اسم كان و الخبر ان و ما في حيزها أي: و ما كان شيئا الا قولهم.

تدل الآيات الشريفة على أمور:
الاول:
يدل قوله تعالى: «وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ» ان الوهن و الحزن في الحق قبيح عقلا مع العلم بالعلو، فالنهي ارشادي لا ان يكون مولويا مع ان الحزن انما يكون على شي‏ء قد خسره الإنسان وفات منه بدون عوض و اما العمل الذي يكون محفوظا لديه عز و جل و يجزى عليه بأحسن وجه فلا وجه للحزن عليه.
و في الآية الشريفة تأديب للمؤمنين في كيفية حزنهم و همهم.
الثاني:
يدل قوله تعالى: «إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ» على ان الانتهاء عن الوهن و الحزن انما يكون على قدر الايمان باللّه تعالى لأنه جنة واقية تمنع المؤمنين عن الوقوع في المهالك.
و هذا الخطاب ينبه الإنسان إلى محاسبة نفسه و الاستعداد للقاء الشدائد و أخذ الحيطة في الاقتحام في المهالك و النظر في مقدار الايمان و معرفة خصوصياته فان الإمداد الالهي و النصر انما يكون على قدر اللياقة.
الثالث:
يستفاد من قوله تعالى: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ» أن القرح الذي أصابهم لم يكن نكاية، و التعبير بالمس لتهوين المصاب و الخطاب يفيد حضور مضمون الآية في أذهان المخاطبين‏ و استمراره في جميع الأعصار.
و يمكن ان تكون تعقيب الآية الاولى بهذه الآية لبيان ان سبب الوهن و الحزن هو ما شاهدوه من القرح الذي أصابهم.
الرابع:
يدل قوله تعالى: «وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» على ان الزمان يكون ظرفا للأعمال، و إنما العبرة بالأعمال التي تقع فيه و التي لها الخلود و ان العاقبة مع المتقين من الناس.
الخامس:
الآيات الشريفة: «إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ» كلها تبين الغرض و وجوه الحكم في حروب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) مع الأعداء، و قد ذكر عز و جل في الآيات السابقة بعض الوجوه و ذكر في هذه الآيات بعضها الآخر و هي تحقق سنة اللّه تعالى و إقامتها في الناس، و تحقق معلوم اللّه في ايمان المؤمنين و تمحيصهم و اتخاذ الشهداء، و محق الكافرين. و هذه الوجوه يحكم بحسنها العقل السليم و الفطرة المستقيمة، و سيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام فيها ان شاء اللّه تعالى.
السادس:
يدل قوله تعالى: «وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ» على ان التخطي عن الاحكام الإلهية و الخروج عن طاعة اللّه عز و جل و ما ورد في الآيات السابقة ظلم و اللّه تعالى لا يحب الظالمين و كفى بذلك خزيا، و يستفاد منه أيضا ان ذلك يوجب تسلط الظالمين فان مقادير الأمور و مجرى الأسباب العادية تقتضي استيلاء الظالمين لو تحققت المخالفة و تركت الطاعة.
السابع:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ» ان تمحيص المؤمنين يستلزم محق الكافرين، فان اللّه تعالى ينقص الكافرين شيئا فشيئا حتى يفنيهم و يقيم دولة الحق و تظهر كلمة اللّه و يستولي اهل الحق و العدل على الظلم و العدوان.
الثامن:
يستفاد من اطلاق ما تقدم من قوله تعالى: «وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ» ان التمحيص كما يقع على الفرد يقع على المجتمع أيضا فإذا وقع على المؤمن اقتضى ظهور فضائله الكامنة و إذا وقع على المجتمع يوجب تمييز المؤمن عن الكافر و المنافق.
و اما المحق فانه يتحقق بعد توارد الامتحانات الإلهية على الكافر التي توجب ظهور الخبائث الكامنة في الكافر و زوال الفضائل الظاهرية فكان ذلك محقا تدريجيا حتى ظهور دولة الحق التي تقضي على اصل الظلم و العدوان قال تعالى: «أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ» الأنبياء- ۱۰٥ و انما قدم عز و جل التمحيص على المحق لسبق رحمته على غضبه.
التاسع:
يدل قوله تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ» على ان دخول الجنة انما يكون بالمجاهدة و الصبر، و بهذين العمادين انتظم النظام الأحسن و حفظ المجتمع الاسلامي و أقيمت وحدته و تحققت شوكته و ان الظفر و الفوز في الدنيا و الدخول في الجنة في الآخرة لا يكون بالأماني و الغرور بل بالمجاهدة و المكافحة و المصابرة.
و الآية الشريفة تبين حقيقة من الحقائق الواقعية التي لا يمكن التخلف فيها و سنة الهية لا يدخل فيها التغيير و التبديل.
العاشر:
يدل قوله تعالى: «وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ» على انه لا بد للمؤمنين محاسبة أنفسهم و امتحان قلوبهم في كل ما يريدون‏ التمني من دون عزيمة و عمل لا يوصل الإنسان إلى الواقع فلا بد من الامتحان و الاختبار حتى ينال المقصود.
الحادي عشر:
يستفاد من الشرط و الجزاء في قوله تعالى: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» ان ايمان بعض كان قائما بوجود النبي (صلى اللّه عليه و آله) و يزول بزواله و ان موت النبي (صلى اللّه عليه و آله) أو قتله يقتضي ظهور الكفر الباطن عند جمع و يوجب تركهم القيام بالدين و ان ايمانهم كان ظاهريا لأجل الثواب الدنيوي كما في بعض الأحاديث، و لذا أكد سبحانه على الشاكرين و كرر ذكرهم و بيّن جزاؤهم الأوفى، و وعدهم الحسنى مقابلة لتلك الطائفة.
الثاني عشر:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ» التنويه بمقام الشاكرين و هو يدل على وجود طائفة في من آمن بالنبي (صلى اللّه عليه و آله) قد استحكم فيهم الدين و استقاموا على الصراط المستقيم و أظهروا الشكر العملي و لم ينقلبوا على أعقابهم لأنهم دخلوا في زمرة الشاكرين و الذين استقر فيهم الشكر و صار ملكة فيهم لا تفارقهم و يدل على ذلك ذكر الوصف الذي يدل على الاستقرار و صيرورة المعنى ملكة في المتلبس بخلاف الفعل الذي يدل على مجرد التلبس، و لذا لم يرد في القرآن الكريم اسم الشاكرين على نحو التوصيف إلا في هذين الموردين.
الثالث عشر:
اطلاق قوله تعالى: «وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ» يشمل جميع النفوس نباتية كانت أو حيوانية، أو انسانية، أو روحانية، فان موت كل ذي نفس لا يكون إلا بقضاء اللّه تعالى و قدره التفصيلي الاحاطي و هذا هو المراد بالإذن، سواء كان بدون سبب اختياري من الغير أو كان كذلك، و لكن لا بد من انتهاء كل ذلك إلى الحي القيوم خصوصا ما يتعلق بالحياة مطلقا.
و من ذلك يعلم انه لا معنى للنزاع في القتل أو غيره مما يوجب موت الإنسان هل يكون هو الموت الطبيعي أولا، فان الموت سواء كان طبيعيا أو غير طبيعي متحقق بزهاق الروح بلا اشكال. نعم مدة العمر و الأجل شي‏ء آخر و قال بعض المحققين: موتا طبيعيا غدى اخترامي قيس إلى كلية النظامي‏

يعني: كل موت اخترامي موت طبيعي إذا قيس الموت إلى كلية النظام الأحسن، و اما إذا لوحظ الموت الاخترامي بنفسه لنفسه فقد يكون مختلفا مع الموت الطبيعي في الزمان و الأجل.
الرابع عشر:
تبين الآيات الشريفة: «وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ .. إلى آخر الآيات» حقيقة الطائفتين المتقدمتين و هما المنقلبون على الأعقاب و المؤمنون الثابتون، فذكر عز و جل ان الأولى عملت لأجل الدنيا و ثوابها و استهانوا بالسنة الإلهية في الموت و الحياة و اعتقدوا بطلان الملك الالهي و التدبير الرباني. و اما الطائفة الثانية فقد وصفهم اللّه تعالى بأحسن الأوصاف و أعظمها و يكفي في فخرهم انه وصفهم بالشاكرين و المحسنين و اللّه تعالى يحبهما.
الخامس عشر:
يستفاد من قوله تعالى: «وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ» جلالة قدرهم و رفعة منزلتهم فقد نعتهم عز و جل بنعوت تدل على كمالهم و توجههم إلى اللّه تعالى و طاعتهم له عز و جل و احترامهم للأنبياء و قد أحبهم اللّه تعالى لجهتين تارة لأجل صبرهم و اخرى لأجل إحسانهم، و هذا هو فضل عظيم و فخر كبير و فوز عظيم.
ربيون كثير» على ان جميع ما ورد فيها من مكارم الأخلاق و أفضل المناقب، و أنها من سبل الإحسان و من اتصف بها يدخل في زمرة المحسنين الذين يحبهم اللّه تعالى.
و يستفاد منها أيضا انه لا بد للمؤمن من ملازمة الخضوع و الخشوع و ظهور آثارهما على الأقوال و الأعمال حتى يحبهم اللّه تعالى.
السابع عشر:
يدل قوله تعالى: «وَ انْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ» ان هدف كل مؤمن في جهاده و كفاحه هو النصرة على القوم الكافرين و إخماد نارهم و اذهاب شوكتهم و تطهير الأرض من مكائدهم و مفاسدهم و احقاق الحق و هذا هو المحق الذي ذكره عز و جل في ما سلف من الآيات الشريفة و يطلبه المؤمنون في دعوتهم و لا معنى لحقانية الحق في مقابل الباطل الا طلب النصرة عليه تكوينا و اختيارا.

الاستقامة في الحق و بالحق من ابرز مقامات الأنبياء و المرسلين و الأولياء الصالحين و العرفاء الشامخين و هي عبارة عن الصراط المستقيم بل هي حقيقة الجنة التي تظهر في الآخرة بأحسن مطلوب، و لا يمكن ان تحصل الاستقامة الا باختبار العبد و امتحانه و تمحيصه بأشد البلاء لتظهر مكارم أخلاقه الكائنة في نفسه و اذهاب ما هو فاسد فيه فلو لم يكن اختبار لما كان هذا الجزاء الجزيل و لا ترتبت هذه الثمرات المطلوبة و بعد ذلك للتأييدات السماوية دخل في البين على نحو الاقتضاء لا العلية التامة و أس الاستقامة في الحق بالحق و اساسها مبني على تجلي عظمة اللّه تعالى في القلب و احتقار ما سواه بحيث لم ير العبد شيئا غيره جلت عظمته و كلما اشتد ذلك في القلب و ظهر أثره على الجوارح اشتدت الاستقامة و رسخت في النفس، و حقيقة المجاهدات الشرعية سواء كانت نفسانية أو خارجية مع اعداء اللّه تعالى لا تكون إلا من سبل الاستقامة و استحكام حقيقة الشكر في النفس و ظهور الخشوع و الخضوع على الجوارح و الجوانح و هذا هو السر في تكرار «الشَّاكِرِينَ» في الآيات المتقدمة و ذكر صفاتهم و ما يوجب رسوخ الشكر في النفس.

في الدر المنثور عن ابن عباس في قوله تعالى: «وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قال: «انهزم اصحاب رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) يوم أحد فبينا هم كذلك إذ اقبل خالد بن الوليد بخيل المشركين يريد ان يعلو عليهم الجبل فقال النبي (صلى اللّه عليه و آله) اللهم لا يعلّون علينا اللهم لا قوة لنا الا بك اللهم ليس يعبدك بهذه البلدة غير هؤلاء النفر فانزل اللّه تعالى هذه الآيات و ثاب نفر من المسلمين رماة فصعدوا الجبل و رموا خيل المشركين حتى هزموهم فذلك قوله تعالى: «وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ».
أقول: لا ريب في علو الإسلام مطلقا حقيقة فضلا عن دعاء الرسول (صلى اللّه عليه و آله).
و في تفسير العياشي عن زرارة عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قول اللّه تعالى: «وَ تِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ» قال: «ما زال منذ خلق اللّه تعالى أدم دولة للّه تعالى و دولة لإبليس فان دولة اللّه ما هو الا قائم واحد».
أقول: المراد بالقائم من يقوم بالحق و احقاقه في مقابل الباطل.
و ان المراد بالوحدة الوحدة النوعية لا الشخصية فتنطبق على كل نبي في كل عصر خصوصا على سيدهم في عصر ظهوره، و على من سيظهر في دولة الحق.
و في تفسير العياشي أيضا عن الوشا عن أبي عبد اللّه (عليه السلام) في قوله تعالى: «وَ لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ» قال:
«و اللّه لتمحصن، و اللّه لتميزن، و اللّه لتغربلن حتى لا يبقى منكم إلا ندر [الأبذر]- الحديث-».
أقول: الحديث مطابق للوجدان لان كل احد إذا أراد أن يتخذ صديقا لنفسه لا يتبادر إلى كل من يدعي الصداقة إلا بعد الامتحان و الاختبار.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ» قال: «و لما ير لأنه عز و جل قد علم قبل ذلك من يجاهد و من لا يجاهد، فأقام العلم مقام الرؤية لأنه يعاقب الناس بفعلهم لا بعلمه».
أقول: المراد بالرؤية ما ذكرنا من الوقوع الخارجي فان الرؤية لا تتعلق إلا بما هو واقع في الخارج.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ» عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام): «ان المؤمنين لما أخبرهم اللّه تعالى بالذي فعل بشهدائهم يوم بدر و منازلهم في الجنة رغبوا في ذلك فقالوا: اللهم‏ أرنا قتالا نستشهد فيه فأراهم اللّه إياه يوم أحد فلم يثبتوا الا من شاء اللّه منهم فذلك قوله تعالى: «وَ لَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ».
أقول: هذا سيرة جميع الناس في كل عصر عند ما يخبرون بالشهادة و فضلها و مناقبها فيتمنونها و في مقام العمل يحجمون عنها.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ» قال: «ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) خرج يوم أحد و عهد العاهد به على تلك الحال فجعل الرجل يقول لمن لقيه ان رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) قد قتل، النجا، فلما رجعوا إلى المدينة انزل اللّه تعالى: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» قال عطية العوفي: لما كان يوم أحد انهزم الناس فقال بعض الناس: قد أصيب محمد فأعطوهم بأيديكم فإنما هم إخوانكم و قال بعضهم: ان كان محمد قد أصيب ألا تمضون على ما مضى عليه نبيكم حتى تلحقوا به؟
فانزل اللّه تعالى في ذلك «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ- إلى قوله تعالى- وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ …» الآية.
أقول الروايات في ذلك كثيرة و جميعها من باب التطبيق.
و في أمالي الشيخ عن ابن عباس: «ان عليا (عليه السلام) كان يقول في حياة رسول اللّه (صلى اللّه عليه و آله) ان اللّه عز و جل يقول: «وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ» و اللّه لا ننقلب على أعقابنا بعد إذ هدانا اللّه و لئن مات أو قتل قاتلت عليه حتى أموت و اللّه انى لاخوه و ابن عمه و وارثه فمن أحق به منى».
أقول: الأحاديث في ذلك كثيرة و الوجه في ذلك ان نبي كل زمان خصوصا سيدهم انما يكون مثالا للّه تعالى من حيث الأخلاق و الأقوال و لا بد و ان تكون أمته مثالا للنبي من هذه الجهة حتى تصير مثالا لأخلاق اللّه تعالى بواسطة النبي، فكل من بقي على كونه مثالا لنبيه فقد و في بعهده و بقي على ملته و لم يضره موت النبي أو قتله إذ لا فرق حينئذ لديه بين حياة النبي و موته؛ و كل من تخلف عن ذلك فقد ارتد و رجع على عقبيه بلا فرق بين أنحاء التخلف و الرجوع فان الكفر و الارتداد ذو مراتب كثيرة كما تقدم في هذا التفسير.
و في تفسير القمي في قوله تعالى: «وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ» الربيون الجموع الكثيرة و الربوة الواحدة عشرة آلاف.
و في المجمع: «الربيون عشرة آلاف و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام)».
و في تفسير العياشي «الربيون ألوف آلاف».
أقول تقدم في التفسير ما يتعلق بهذه الروايات.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"